جريمة المرتشي: صفة , الركن المادي والمعنوي في جريمة المرتشي

موقف الإسلام والقانون من ظاهرة الرشوة
الفصل الثاني : موقف القانون من ظاهرة الرشوة (المغرب كنموذج)

تمهيـد:
الرشوة هي اتجار الموظف ومن في حكمه بالوظيفة الموكولة إليه، أو بالأحرى استغلال السلطات المخولة له بمقتضى تلك الوظيفة لحسابه الخاص، وذلك حين يطلب لنفسه أو لغيره، أو يقبل أو يأخذ وعدا أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته، أو يزعم أنه من أعمال وظيفته، أو للامتناع عن ذلك العمل أو الإخلال بواجبات الوظيفة( ).
ودون الخوض في سرد التعاريف الفقهية والقضائية العائدة لهذه الجريمة الداء( )، فحسبنا القول في هذه التوطئة بأنها داء خبيث إذ هو انتشر في المجتمع قضى أولا على مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، فترى حينئذ حقوق الذي لا يملك أو يملك ولا يدفع، -أو يدفع أقل- تقوت للذي يملك ويدفع أكثر، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى اختفاء فكرة القانون ذاتها في المجتمع الذي نخرته الرشوة وقوضت تماسكه، بعد أن غيبت فيه فكرة العدالة كقيمة من القيم السامية، التي لا يؤكدها ويدعمها غير مبدأ مساواة الجميع أمام القانون، وعصفت ثانيا بالثقة التي ينبغي أن تجمع المواطن بدولته وبمرافقها، لذلك نجد الشريعة الغراء تحارب هذه الظاهرة الممقوتة بتحريمها عندما ينهي الكتاب والسنة عن السقوط في براثنها، وهكذا جاء في قوله تعالى:  ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ( ).
وإذا كان الأصلين السابقين قد ذكرا رشوة الحكام (القضاة) دون غيرهم من خدام الدولة، فإنما كان ذلك بسبب أنها كانت في الأصل تقدم للقاضي من طرف الراشي لكي ينحاز إليه، إلا أنه أمام تعدد المرافق العامة في الدولة الإسلامية، فقد تجاوزت –أي الرشوة- مرفق القضاء، وإن ظلت غالبة الوقوع فيه، إلى غيره من المرافق ، فأصبحت بذلك تفيد كل ما يقدم للموظف، أو المكلف بخدمة عامة لكي يقوم بعمل (أو الامتناع عنه) يعود بالنفع على الراشي، ومؤيدنا في ذلك ما جاء في الموطأ من أن رسول الله  كان يبعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر ليخرص (أي ليقدرما على النخل من الثمر) بينه وبين يهود خيبر، فجمعوا له حليا من نسائهم فقالوا هذا لك وخفف عنا وتجاوز في القسم، فقال عبد الله يا معشر اليهود والله إنكم لمن أبغض خلف الله إلي وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم، فأما ما عرضتم علي من الرشوة فإنها سحت (مال حرام) وإن لا نأكلها فقالوا بهذا قامت السموات والأرض.
وظلت الشريعة الإسلامية تواجه بمنطقها التشريعي المرن كل نازلة، غير عاجزة عن إيجاد الحلول الملائمة لها، وهي لم تستعن في ذلك بتشريع آخر خارج عن ذاتها، وإنما احتوت نصوصها واستوعب كل المشاكل الطارئة، ولم تبق واحدة منها معلقة بدون حل تشريعي .
أما بالنسبة للتشريعات الوضعية المعاصرة فالإجماع منعقد بينها على تجريم الرشوة والعقاب عنها إلا أن الملاحظ فيما هو ظهور هذه الجريمة بتنظيمين مختلفين.
التنظيم الأول: وهو اتجاه يعتبر أن الرشوة تتكون من جريمتين مستقلتين، ولو أن عقوبتهما واحدة- أولا جريمة المرتشي الذي يكون مقترفها لزوما موظفا عموميا، أو في حكمه، وثانيهما جريمة الراشي التي لا يشترط في فاعلها توافر أية صفة كانت من الصفات، فبمقتضى هذا النظام الأول فإذا دفع شخص لموظف عمومي مثـلا مقابلا لأداء خدمة له وقبلها هذا الأخيـر فإنه يعتبر مرتكبها لجريمة ارتشاء (ويطلق عليها الفقه الفرنسي الرشوة السلبية أما الذي قدم المقابل له فيعتبر راشيا ويعاقب بكيفية مستقلة (ويطلق عليها الفقهاء في فرنسا الرشوة الإيجابية والنظام السابق هو السائد في التشريع الجنائي التونسي (المواد 83-91) والأردني 170-173) والألماني (المواد 331-335) والفرنسي (المواد 177-183) وعن هذا الأخير اقتبس المشرع الجنائي المغربي الأحكام العائدة للرشوة، ولذلك اعتبر أن الرشوة تتشكل في صورتين مستقلتين هما جريمة الراشي (م 251 ق ج) وجريمة المرتشي (فصلين 248 و 249 ق ج) ( ).
التنظيم الثاني: وهو اتجاه يعتبر بأن الرشوة جريمة واحدة يرتكبها الموظف العمومي الذي يستغل وظيفته وحده كفاعل أصلي، أما الذي يقوم بتقديم الرشوة له مقابل أدائه خدمة له، فيعتبر شريكا للموظف المرتشي في جريمة الرشوة، وتسري عليه أحكام المشاركة، وقد اتبعت هذا الاتجاه الأخير التشريعات الجنائية لكل من مصر (المواد 128 – 134ع) وإيطاليا المواد (321-326ع) والعراق (المواد من 90 إلى 97ع).
وكما هو واضح فإن وجه الاختلاف بين النظامين المنوه عنهما أعلاه يمكن أساسا في بعض الحالات التي لا ترتكب فيها الجريمة بصورة تامة والتي من أهمها حالة رفض الموظف العمومي للرشوة التي عرضت عليه من قبل الغير حيث يكون الراشي بمقتضى النظام الأول مستحقا للعقاب بينما لا يعاقب عملا بالنظام الثاني بسبب استعارة الراشي للتجريم دوما من الفاعل الأصلي الذي هو الموظف العام المرتشي ( )، وعلى كل فإن وجه الخلاف بين النظامين على الرغم من وروده نظريا، فقد اضمحل عمليا تماما بسبب أن النظام الذي جعل من الرشوة جريمة واحدة يعاقب الراشي بنص مستقل عندما لا تتم الجريمة.
وعلة تجريم الرشوة إنها اتجار بالوظيفة أو الخدمة العامة، أي انحراف بها عن الطريق السوي، وإنزالها منزلة السلع الرائجة التي تباع وتشترى وتجريدها من سموها وقيمتها الحقيقية باعتبارها خدمات عامة مقررة لمصلحة المواطنين.
فالرشوة تقوم على التفرقة الظالمة بين المواطنين، فمن يدفع مقابلا، مكافأة- تؤدي لمصلحته الخدمات الوظيفية ومن لا يستطيع أولا يريد ذلك تعففا تهدر مصالحه وحقوقه… وهذا بقدر ما يخرق مبدأ المساواة بين الأفراد المتساوين في المركز القانوني، يهدر ثقة المواطنين في نزاهة الجهاز الإداري للدولة ثم أنه يحمل بعض المواطنين عديمي الضمير إلى الاعتقاد بقدرتهم على شراء ذمة الدولة من خلال موظفيها، و هذا من أخطر ما قد يصيب الجهاز الإداري في دولة من الدول.
وعموما فإن الرشوة إن دبت في أجهزة الحكم أو تسربت إلى المصالح العمومية، فإنها تكون ولاشك وبالأعلى النظام السياسي و الاجتماعي ككل، وزعزعة للثقة في أعمال موظفي الدولة، مع ما يترتب على ذلك من انعكاسات سلبية على الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد، ولعل العديد من الاضطرابات والانقلابات التي عرفتها بعض الدول، كان سببها المباشر أحيانا انتشار آفة الرشوة داخل أجهزة الحكم فيها وفي أوساط مجتمعها عامة.
بعد هذه التوطئة نرى أن نبحث الرشوة في أربع مباحث كالآتي:
المبحث الأول: جريمة المرتشي
المبحث الثاني: جريمة الراشي
المبحث الثالث: الوساطة في الرشوة
المبحث الرابع: إثبات جريمة الرشوة وعقوبتها.

المبحث الأول: جريمة المرتشي

تعرض المشرع الجنائي المغربي لهذه الجريمة في الفصلين 248 و249 ق ج والمادة 35 من ظهير 1972، فنص الفصل 248 على أنه: “يعد مرتكبا لجريمة الرشوة، ويعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من 250 إلى 5000 درهم من طلب أو قبل عرضا أو وعدا أو طلب أو تسلم هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى من أجل:
-القيام بعمل من أعمال وظيفته قاضيا أو موظفا عموميا أو متوليا مركزا نيابيا أو الامتناع عن هذا العمل، سواء كان العمل مشروعا أو غير مشروع، طالما أنه غير مشروط بأجر. وكذلك القيام أو الامتناع عن أي عمل ولو خارج عن اختصاصاته الشخصية، إلا أن وظيفته سهلته أو كان من الممكن أن تسهله.
-إصدار قرار أو إبداء رأي لمصلحة شخص أو ضده، وذلك بصفته حكما أو خبيرا عينته السلطة الإدارية أو القضائية أو اختاره الأطراف.
-الانحياز لصالح أحد الأطراف أو ضده، وذلك بصفته أحد رجال القضاء أو المحلفين أو أحد أعضاء هيئة المحكمة.
-إعطاء شهادة كاذبة بوجود أو عدم وجود مرض أو عاهة أو حالة حمل أو تقديم بيانات كاذبة عن أصل مرض أو عاهة أو سبب وفاة، وذلك بصفته طبيبا أو جراحا أو طبيب أسنان أو مولودة”.
كما نص ف: 248 ق ج على أنه: (يعد مرتكبا لجريمة الرشوة، ويعاقب من سنة إلى ثلاثة سنوات وغرامة من 250 إلى 5000 درهم كل عامل أو مستخدم أو موكل بأجر أو بمقابل من أي نوع كان، طلب أو قبل عرضا أو وعدا، أو طلب أو تسلم هبة أو هدية أو عمولة أو خصما أو مكافأة، مباشرة أو عن طريق وسيط، دون موافقة مخدومه ودون علمه، وذلك من أجل القيام بعمل الامتناع عن عمل من أعمال خدمته، أو عمل خارج عن اختصاصه الشخصية ولكن خدمته سهلته أو كان من الممكن أن تسهله).
وواضح من النصين السابقين أن جريمة المرتشي تقوم على ثلاث عناصر:
-صفة خاصة بالمرتشي: بأن يكون الجاني متصفا بصفة موظف عمومي أو عامل أو مستخدم أو موكل بأجر أو مقابل في دائرة القطاع الخاص.
-ركن مادي قوامه فعل الطلب أو القبول أو تسليم هبة أو هدية، مقابل العمل أو الامتناع.
-وأخيرا ركن معنوي يتخذ دائما صورة القصد الجنائي( ).

المطلب الأول: صفة المرتشي

جريمة المرتشي من جرائم “ذوي الصفة” بحيث لا يمكن ارتكابها قانونا إلا من طرف طوائف من الأشخاص أتى على ذكرهم المشرع في المادتين 248 و249 من المجموعة الجنائية على سبيل الحصر، دون غيرهم من الذين لا يتوفرون على تلك الصفة (الفقرة الأولى).
ولا يكفي توافر هذه الصفة وحدها لقيام الجريمة، وإنما ينبغي أن يكون الفاعل مختصا بالعمل أو الامتناع الذي أخذ عنه المقابل، أو أن يكون وظيفته قد سهلت له القيام بهذا العمل أو الامتناع، أو كان من الممكن أن تسهله له (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: طوائف الأشخاص الذين يمكن أن يرتكبوا جريمة المرتشي
باستقراء الفصلين 248 و 249 السابقين فإن هذه الطوائف – الواردة عل سبيل الحصر- هي على التوالي:
أولا: الموظفون العموميون
ثانيا: القضاة والمحلفون وأعضاء هيئة المحكمة
ثالثا: المتولون لمراكز نيابية
رابعا: المحكمون والخبراء.
خامسا: الأطباء والجراحون وأطباء الأسنان والمولدات
سادسا: العمال والمستخدمون والموكلون بأجر أو بمقابل
أولا: الموظفون العموميون
لقد صدق الفقيه “فاين” حينما قال: إن الإدارة لا تساوي إلا ما يساويه الموظف العام الذي يمثلها ويتصرف باسمها”
وبالفعل فصلاح الدولة أو فسادها مرهون بصلاح أو فساد موظفيها، فعليهم يعول في تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها.
والحديث عن الموظف العمومي وتحديد مركزه القانوني يدخل في الحقيقة ضمن اهتمامات القانون الإداري، واعتبار الذاتية القانون الجنائي سوف نلاحظ أن المشرع الجنائي المغربي لم يتقيد بالضرورة بالتعريف الإداري في هذا الصدد.
وهكذا وبالرجوع إلى م 2 من ظهير: 24/02/1958 المتعلق بالنظام العام للوظيفة العمومية، نجده قد عرف الموظف العمومي بأنه: “كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رواتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة”.
إلا أن القانون الجنائي لم يتبن هذا التعريف واستعاض عنه بتعريف آخر يتفق مع ما يتمتع به القانون الجنائي من ذاتية واستقلال حيث جاء في المادة 224 من ق ج أنه: “يعد موظفا عموميا في تطبيق أحكام التشريع الجنائي، كل شخص كيفما كانت صفته، يعهد إليه في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة، بأجر أو بدونه ويساهم ذلك في خدمة الدولة أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات العمومية، أو مصلحة ذات نفع عام.
والملاحظ أن هذا التعريف جاء أكثر اتساعا وشمولية مقارنة بالتعريف الإداري للموظف العمومي( ). فإذا كان القانون الإداري يشترط توافر صفات أساسية في الشخص كي يعتبر موظفا عموميا أهمها: أن يقوم بعمل قار ودائم وأن يعمل في خدمة مرفق عام، وأن يتم تعيين الموظف بصفة صحيحة( )، فإن القانون الجنائي لا يشترط توافر هذه العناصر، ولا يعتد بطبيعة ونوعية العمل أو الوظيفة، فيستوي أن يكون الموظف من الأطر العليا أم الدنيا للوظيفة العمومية مرسما كان أو متمرنا، مؤقتا أو مياوما، مدنيا أم عسكريا، يتقاضى أجرا عن عمله أم لا، مرتبطا بالدولة بصفة نظامية أو تعاقدية. فالمهم إذن –في نظر القانون الجنائي، هو أن يؤدي الشخص خدمة عامة ويكون خاضعا في ذلك لسلطة أو مصلحة عامة، يستوي أن تكون هذه السلطة مركزية أو محلية أو مصلحية. ويبدو أن المشرع المغربي تبنى هذا التعريف –للموظف العمومي- حتى يفسح من نطاق التجريم ليمتد إلى جميع الأشخاص الذين يؤدون أعمالا ذات أهمية ونفع عام –حتى ولو كانت مؤقتة- على نحو تكون معه للمجتمع المصلحة في كفالة نزاهتها.
على أنه يشترط أن يكون الموظف تابعا للإدارة المغربية، أما إذا كان تابعا لإدارة أجنبية، كرجال السلك الديبلوماسي العاملين بالمغرب، فلا يعتبر موظفا عموميا بمفهوم المادة 224 ق ج، وبالمقابل تنطبق نصوص الرشوة في حق من يشتغل لحساب الإدارة المغربية ولو كان أجنبيا، كالخبير الأجنبي الذي تستخدمه الدولة بصورة مؤقتة( ).
هذا، ويشترط أن يصدر التكليف بالوظيفة العمومية أو المهمة من الجهة المختصة، فإن كان الشخص متطوعا أو ندب نفسه للقيام بوظيفة أو مهمة فإن هذا الأخير لا يعد موظفا عموميا.
ويثار التساؤل في هذا الصدد: ما الحكم لو أن شخصا ما باشر الوظيفة أو المهمة بناء على تكليف معيب، أو أنه أقحم نفسه في وظيفة عمومية أو باشر الاختصاصات المقررة لهذه الوظيفة من تلقاء نفسه؟ إن مثل هذا التساؤل يقودنا للحديث عن نظرية الموظف الفعلي وقد يبني الفقه الجنائي هذه النظرية بخصوص جريمة الرشوة وميزوا في إطارها بين حالتين:
الحالة الأولى: إذا كان العيب شكليا يرجع إلى مجرد نقص في إجراءات تقلد الوظيفة أو الذي يكون رغم أهميته خافيا على جمهور المتعاملين مع المرفق العام، وفي هذه الحالة تنطبق أحكام الرشوة على الشخص الموظف، وذلك حماية للثقة التي تولدت في نفوس الأفراد وقت التعامل معه، حيث يعتبر هذا الأخير “موظفا فعليا”( ) وهكذا يعتبر مرتكبا لجريمة الرشوة القاضي الذي يفصل في القضايا قبل أدائه اليمين القانونية، فالفقه متفق على أن هذا الأخير لم يفقد شيئا من مظاهر السلطة التي يكتسبها بسبب وظيفته( ).
الحالة الثانية: تهم العيب الجوهري الذي تنتفي بسببه مشروعية ما يقوم به الشخص من أعمال وظيفته، يتحقق ذلك بالأساس في حالة انتحال الشخص صفة موظف عمومي أو إقحام نفسه في ممارسة الشؤون العامة، مستعينا في ذلك بالحيلة أو بالإكراه، ففي هذه الحالة لا يجوز تطبيق أحكام الرشوة لانعدام ركن الصفة، وإن كان يجوز متابعته لجريمة أخرى، كالنصب مثلا- إذا توافرت شروطها.
هذا وقد اعتبر المشرع المغربي صفة “موظف عمومي” قائمة رغم عزل الموظف أو استقالته أو إحالته على التقاعد حتى في الحالة التي يكون فيها في إجازة اعتيادية أو مرضية، لكن شريطة أن تكون وظيفته هي التي سهلت له ارتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها (الفقرة الأخيرة من م: 224 ق ج).
والمهم إذن أن يساهم الموظف بعمله في خدمة الدولة أو هيئة من هيئاتها، مركزية كانت أم محلية، أو في مؤسسة عمومية تجارية أو صناعية.. فهذه المساهمة هي التي تكسب القائم بها صفة موظف عمومي بمفهوم م: 224 ق ج أما إذا كان الشخص يقدم خدمة لمصلحة فرد عادي أو شخص معنوي خاص، أو يقدم هذه الخدمة لدولة أجنبية فلا يعتبر موظفا عموميا. في حين يعتبر المترجم –أو الخبير- الذي تنتدبه محكمة مغربية ليقوم بمهمة الترجمة في قضية معينة، موظفا عموميا وفقا لمفهوم م: 224 ق ج.
ويقصد بالمصالح العمومية: جميع المرافق الإدارية وغير الإدارية التابعة للدولة، كإدارة الضرائب وإدارة المياه والغابات وإدارة الجمارك. وقد تعددت هذه المصالح في العصر الحاضر وتنوعت بتنوع النشاط أو الغرض الذي أنشئت من أجله ( ).
وكل العاملين في هذه المصالح يعتبرون موظفين عموميين، وإذا استعانت هذه المصالح بأشخاص لإنجاز مهمة مثلا، اعتبر هؤلاء موظفين عموميين.
أما الهيئات البلدية: فيقصد بها: “مجموعة الأشخاص المعنوية العامة التي تمارس بعض اختصاصات السلطات العامة على جزء من إقليم الدولة أو على جزء محدد من التراب الوطني”( ).
فهذه الهيئات إذن تتولى إدارة بعض المهام التي تعود للدولة أصلا، وينحصر نشاطها في جزء محدود من تراب الدولة كالإقليم أو الجماعة، وتقسم إلى مجالس مجلس حضري ومجلس قروي ومجلس إقليمي. ويعد جميع الأشخاص الذين يساهمون في خدمة هذه الهيئات سواء كانوا معينين أو منتخبين في إطار هذه المجالس موظفين عموميين.
وبالنسبة للمؤسسات العمومية: فهي كما يعرفها بعض الفقه: “شخص معنوي عام يتولى إدارة النشاط المسند إليه قانونا تحت وصاية الدولة أو أحد الأشخاص الإقليمية العامة الأخرى، ويتمتع بقدر من الاستقلال الإداري والمالي”
ولعل أهم ما يميز المؤسسة العامة للمؤسسة الخاصة، كون المؤسسة الأولى تتوفر على الخصائص الثلاثة التالية:
 كونها تنشأ بمقتضى ظهير
 تمتعها بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي
 توضع المؤسسة العامة تحت الوصاية الإدارية لأحد الأشخاص المعنوية العامة وذلك حتى يتسنى لهذه الأخيرة رقابتها والتأكد من عدم خروجها عن الغرض الذي أنشأت من أجله.
هذا وتتعدد المؤسسات العمومية بتعدد القطاعات التي تتدخل فيها، ففي قطاع الإنتاج الصناعي والتجاري مثلا نجد عدة مؤسسات، نذكر من ذلك مثلا: مكتب التسويق والتصدير، المكتب الشريف للفوسفاط، المكتب الوطني للشاي والسكر، وفي الفلاحي نجد مثلا: المكتب الوطني للري. وفي المجال الاجتماعي هناك الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق الوطني للتقاعد…
أما بالنسبة للمصلحة ذات النفع العام، فإن تحديدها في الحقيقة ينطوي على قدر من الصعوبة، فخصوصا أن المشرع المغربي لم يعرفها ولم يضع ضابطا محددا يمكن من تمييزها عن غيرها من المصالح. وقد حاول القضاء – انطلاقا من بعض أحكام محكمة العدل الخاصة – الاستعانة بعدة عناصر لتقرير أو نفي صفة مصلحة ذات نفع عام. وأهم هذه العناصر:
 طبيعة الخدمات التي تؤديها المصلحة، حيث اعتمدت المحكمة على هذا العنصر في ثبوت صفة المصلحة العامة أو نفيها على بعض المصالح، فهي تعد ذات نفع عام كلما كانت الخدمات لفائدة المصلحة العامة.
 خضوع المصلحة للقانون العام، فكلما خضعت المصلحة إلى القانون العام إلا واعتبرت ذات نفع عام.
 التكليف بالخدمة من طرف السلطة العامة.
 رقابة الدولة المفروضة على المصلحة.
ثانيا: القضاة والمحلفون وأعضاء هيئة المحكمة:
لقد أورد النص القانوني لفظ “القضاة” مطلقا لذلك فهو يشمل كل أعضاء الهيأة القضائية من قضاة للحكم والتحقيق وأعضاء النيابة العامة لأنهم يشكلون جزءا من الهيأة القضائية، وبمقتضى التنظيمات القضائية المعمول بها حاليا، لم يعد للمحلفين وجود أمام المحاكم الجنائية.
أما المقصود بأعضاء هيئة المحكمة فهم باقي الأشخاص الذين يشكلون هيئتها من غير الذين يعتبرون موظفين عموميين كالمستشارين في القضايا الاجتماعية ( ).
ثالثا: المحكمون والخبراء:
إذا كان الأصل هو أن فض النزاعات يرجع أمره للسلطة القضائية دون غيرها فإن هناك حالات استثنائية أباح فيها المشرع للأطراف اللجوء إلى التحكيم (المادة 306 مسطرة مدنية)، وهذا يظهر بان المحكم يقوم بالمهمة التي يعهد بها بحسب الأصل للقضاء، ولذلك رأى المشرع التشديد عليه وإدخاله في جملة الطوائف من الأشخاص التي يمكن أن ترتكب جريمة الرشوة .
كما أنه لو أن للقاضي – أو الإدارة عموما- كامل الصلاحية للبث في النزاع من دون اللجوء إلى الخبرة فإنه يكون أحيانا مضطرا تحت دواعي بعض الأمور الفنية أن يلجأ إلى الفنيين من الخبراء، ولذلك وتأكيدا لحيدة هؤلاء اللذين يفترض أنهم يمهدون أو يعبدون الطريق للقاضي أو جهة الإدارة بقصد إصدار حكم – أو قرار- عادل ونزيه مطابق للحقيقة، ارتأى المشرع إدخال الخبراء، سواء كانوا معينين من قبل الأطراف أو المحكمة أو إحدى السلطات الإدارية أو من قبل محكمين ضمن طوائف الأشخاص الذين يمكن تصور ارتكابهم للارتشاء.
رابعا المتولون لمراكز نيابية
تشمل هذه الطائفة نواب الشعب في مجلس النواب، وأعضاء المجالس البلدية أو القروية، ومجالس العمالات والأقاليم، وأعضاء الغرف التجارية والصناعية (العصرية والتقليدية) والغرف الفلاحية…
كما يدخل تحت حكم هذه الطائفة عند بعض الفقه، الأعضاء المكونون لمجالس بعض الهيآت المهنية كأعضاء مجالس نقابة المحامين أو الأطباء أو المهندسين، أو المجلس الإداري للنقابة الوطنية للتعليم( )…
خامسا: الأطباء والجراحون وأطباء الأسنان والمولدات
قصد المشرع بالأطباء والجراحين ومن في حكمهم – وكما يبدو من خلال مضمون نص م: 248 ق ج- أولئك العاملين في القطاع الخاص، وإلا كان قد أدخلهم –حكما- تحت مدلول الموظفين العموميين، وتقتضي طبيعة أعمال هؤلاء أن يتم اللجوء إليهم لطلب شهادة تتعلق بأصل مرض أو عاهة أو توضيح أسباب وفاة أو غير ذلك مما يترتب عليه نتائج خطيرة سواء أمام القضاء أو أمام الجهات الإدارية.
واستنادا إلى نص الفقرة 4/ف: 248 فإن جريمة المرتشي تقوم في حق هؤلاء متى توافرت الشروط التالية:
*أن يكون العمل أو الخدمة المطلوبة من هؤلاء هي إعطاء شهادة أو بيان مزور.
*أن تتعلق الشهادة أو البيان المزور بأمر من الأمور الأربعة التي حددها القانون وهي: مرض أو عاهة أو حمل، أو سبب الوفاة.
*أن تقدم الشهادة أو البيان المزور مقابل مكافأة أو هبة أو فائدة.
سادسا: العمال والمستخدمون والموكولون بأجر:
هذه الطائفة التي أتى على ذكرها المشرع في المادة 249 ق ج تعمل بدون شك في القطاع الخاص- غير قطاع الوظيفة العمومية- ولا تتحقق لها صفة الموظف العام بمفهوم المادة 224 ق ج.
وقد ارتأى المشرع إدخال هؤلاء الأشخاص الذين يعملون في المشروعات الخاصة ويكونون تابعين لمخدوم أو متبوع ضمن طائفة الذين يرتكبون جريمة الرشوة حين يطلبون أو يتسلمون هبة أو هدية أو عمولة أو خصما أو مكافأة أو يقبلون عرضا أو وعدا بدون علم المخدوم ودون موافقته صيانة للمشروعات الخاصة وعدم تركها للتدمير من الداخل.
الفقرة الثانية: الاختصاص بالعمل أو الامتناع:
لا يكفي لقيام جريمة المرتشي أن تتوافر صفة الموظف العمومي بالتحديد السابق، بل يجب أن يكون هذا الموظف مختصا بالعمل الوظيفي الذي تقاضى من أجله الرشوة.
فما مدلول الاختصاص؟ وكيف تعامل المشرع المغربي مع هذا العنصر؟ وما المقصود بالعمل الوظيفي؟
وعليه، فإن دراسة هذا العنصر تقتضي توضيح أمرين: مدلول الاختصاص ثم العمل الوظيفي الذي يعد موضوع الاختصاص.
أولا : مدلول الاختصاص
يقصد باختصاص الموظف في الفقه الإداري: “مجموع ما خول من صلاحيات تمنحه سلطة القيام بأعمال معينة في نطاق تلك الصلاحية( )، وبعبارة أخرى يعني صلاحية الموظف، ومن في حكمه- للقيام بعمل أو الامتناع عنه، بأن يكون هذا العمل – أو الامتناع- الذي تقاض عنه رشوة داخلا في الاختصاص القانوني للوظيفة التي يتقلدها.
ويعد الاختصاص الوظيفي عنصرا أساسيا لقيام جريمة المرتشي، إذ الأصل في الرشوة اتجار الموظف بوظيفته، ولولا هذه الوظيفة لما استطاع المرتشي الاتجار فيها.
والمرجع في تحديد الاختصاص الوظيفي هو القانون. سواء في صورة مباشرة، إذا وضع المشرع نصا صريحا يقرر فيه الاختصاص بالعمل للموظف: كاختصاص النيابة العامة بتحريك الدعوى العمومية ومتابعتها، كما قد يكون هذا التحديد غير مباشر. إذا فوض القانون صراحة أو ضمنا إلى السلطات الإدارية تحديد الموظف المختص بنوع معين من الأعمال ( ).
كما يشمل اختصاص الموظف الصلاحيات التي يستمدها هذا الأخير من الأوامر والتعليمات الرئاسية، سواء صدرت من الرئيس المباشر أو من رئيس أعلى أو من السلطة المركزية، وكذا المهمات الخاصة التي يكلف بها الموظف من قبل السلطة أو الجهة المختصة، كانتدابه في وفد أو مجلس تأديبي، أو لجنة امتحان أو لإجراء تحقيق معين، أو وضع تقرير في قضية أو حادثة ما، فيعد الموظف مختصا بالأعمال التي تدخل في نطاق هذه المهام، حتى ولو كانت أجنبية عن وظيفته الأصلية ( ). أما إذا كان الموظف غير مختص أصلا بالعمل –أو الامتناع- بان كان محظورا عليه القيام بعمل معين، فلا يعاقب بمقتضى نصوص الرشوة، فالقائد أو الباشا أو العامل الذي يمتنع عليه الفصل في قضية يرجع الاختصاص فيها للمحاكم دون غيرها، إذا هو تلقى من مكري مثلا مبلغا من المال من أجل إفراغ مكتر دون اللجوء إلى المحكمة، فلا يعد مرتشيا لعدم اختصاصه بهذا العمل أصلا، وإن كان يعد مرتكبا لجريمة أخرى هي استغلال النفوذ (ف: 250 ق ج).
هذا وقد توسع المشرع المغربي في تحديد اختصاص الموظف العمومي –كما فعل في تحديد مفهوم الموظف العمومي- فلم يشترط أن يكون الموظف مختصا بكل العمل، كما أنه لم يشترط أن يكون العمل- أو الامتناع- الذي أخذ عنه رشوة داخلا في اختصاصه الفعلي، إذ يكفي أن تكون وظيفته هي التي سهلت ذلك أو كان من الممكن أن تسهله، كما أنه سوى بين الاختصاص والزعم بالاختصاص أو الاعتقاد الخاطئ به.
 تحقق عنصر الاختصاص حتى ولو كان جزئيا: لا يشترط لقيام جريمة المرتشي أن يستأثر الموظف – المرتشي –بكافة مراحل العمل الوظيفي، ب يكفي أن يصطلح بجزء من هذا العمل، فأي قدر من الاختصاص – ولو يسير- يتيح له تنفيذ غرضه من الرشوة. ذلك أن تطور الأعمال الوظيفية اليوم وتعقدها، فضلا عن تطبيق الأساليب الفنية (والتقنية) في إطارها، اقتضت بطبيعتها أن يجزأ العمل الواحد بين عدد من الموظفين، وبالتالي أصبح من النادر اختصاص موظف واحد بعمل رسمي في جميع مراحله( ). فمثلا إعداد جواز السفر يمر بمراحل عديدة، كل موظف يساهم في إطارها بعمل معين ومحدد، وكل موظف يشارك في إعداد ملف جواز السفر يعد مختصا في نطاق عمله، وإذا تقاضى رشوة مقابل القيام بعمله فإنه يعد مرتشيا.
 تسهيل الوظيفة للعمل أو للامتناع عنه: من مظاهر التوسع في مدلول الاختصاص أيضا اعتبار المشرع الموظف مرتشيا، حتى ولو كان العمل أو الامتناع الذي أخذ عنه الرشوة لا يدخل في صميم اختصاصه فعلا، إلا أن وظيفته سهلته أو كان من الممكن أن تسهله، وذلك بالنظر إلى طبيعة الوظيفة التي يشغلها، والتي قد تتيح له فرصة الادعاء أو الزعم بالاختصاص، أو تجعله يعتقد ذلك خطأ.
*الزعم بالاختصاص: سوى المشرع المغربي بين الاختصاص الفعلي بالعمل الوظيفي وبين الزعم بهذا الاختصاص، وعليه فإن الموظف الذي يتجر بعمل يزعم كذبا أنه يدخل في نطاق اختصاصه يعد مرتشيا.
والذي حمل المشرع على تجريم هذا الفعل، كون الموظف الذي يزعم الاختصاص بالعمل الوظيفي يجمع بين الاتجار في الوظيفة ذاتها، والاحتيال على الناس واستغلال ثقتهم، وحملهم على الاعتقاد بأنه مختص بهذا العمل، في حين أنه لا يختص به ومن ثم فلا تقل خطورة فعله عن فعل الموظف الذي يتجر فيه أعمال يختص بها فعلا( ). ومن أمثلة الزعم بالاختصاص: ادعاء موظف عمومي أن باستطاعته إلغاء الأمر الصادر بنقل أحد الموظفين لقاء مبلغ من الرشوة وكاتب الضبط بإحدى المحاكم الذي يدعي أنه مختص بتأجيل النظر في دعوى معروضة على أنظار المحكمة التي يعمل بها، ويأخذ مقابلا نظر قيامه بذلك، ومثاله أيضا أن يقوم موظف بتلبية رغبة صاحب حاجة، رغم أن العمل الوظيفي من اختصاص موظف آخر، إلا أنه يستغل وجوده مع هذا الموظف في نفس المكتب أو الإدارة مما يسهل عليه إنجاز العمل بنفسه.
 الاعتقاد الخاطئ بالاختصاص: يفترض هذا الاعتقاد أن الموظف وقع في غلط جعله يتوهم أن العمل المطلوب أداؤه أو الامتناع عنه يدخل في نطاق اختصاصه( ).
فالاختصاص الموهوم لا يقوم إذن في ذهن الموظف فقط، وينتقد بعض الفقه إضافة هذا الاختصاص الخاطئ (الموهوم) إلى حالتي الاختصاص الوظيفي الحقيقي والاختصاص المزعوم، حيث اعتبروه توسعا مزدوجا لا مبرر له ( ).
ثانيا: العمل الوظيفي:
لم يحدد المشرع المغربي ماهية العمل الوظيفي، كما لم يشترط صفة معينة يجب توفرها في العمل الوظيفي، وإنما اكتفى بالنص عليه في المادتين 248 ق ج و 35 من ظهير 6/10/1972 المنظم لمحكمة العدل الخاصة.
ويستوي أن يكون العمل الوظيفي إيجابيا أو سلبيا، وغالبا ما يتخذ هذا العمل صورة فعل إيجابي نقتضيه مصلحة صاحب الحاجة، كإصدار القاضي حكما لمصلحة الراشي مقابل رشوة، أو حصول هذا الأخير على ترخيص إداري من موظف نظير مكافأة.
وقد يأتي هذا العمل في صورة امتناع حيث يتخذ صورة إهمال الموظف في أداء واجبات وظيفته مقابل رشوة، مثال ذلك: أن يتعلق شرطي مرور رشوة نظير امتناعه عن تحرير محضر مخالفة لقانون السير، أو كأن يتلقى موظف الضرائب مكافأة نظير عدم إرساله إشعار المطالبة بضريبة مستحقة، أو كأن يقدم مبلغ من المال إلى كاتب الجلسة كي يثبت طلبات معينة يثيرها الخصم في جلسة المحكمة.
هذا ولا عبرة بكون العمل الوظيفي الذي تقع عليه الرشوة مشروعا أو غير مشروع، وإنما يكفي أن يكون العمل داخلا في اختصاص الموظف، أو أن وظيفته سهلته أو كان من الممكن أن تسهله، ويكون العمل غير مشروع متى أخل الموظف العمومي بواجبات وظيفته، ومن أمثلة الإخلال بواجبات الوظيفة، عرض الرشوة على موظف للامتناع عن التبليغ عن الجريمة التي علم بها أثناء تأدية عمله، وتقديم مبلغ مالي إلى كاتب الضبط بإحدى المحاكم كي يقوم باختلاس وثيقة معينة من ملف إحدى القضايا المعروضة على أنظار المحكمة( ).

المطلب الثاني: الركن المادي في جريمة المرتشي
بما أن جريمة المرتشي والراشي من جرائم الخطر فلا يلزم لقيام ركنها المادي توافر العناصر المتطلبة لقيام الركن المادي، في جرائم النتيجة، وإنما يكفي لذلك إتيان الفاعل لأي نشاط من شأنه أن يلوث سمعة وشرف الوظيفة العمومية التي ينتسب إليها الموظف، أو تلطيخ سمعة المشروع الخاص الذي يقوم بخدمته المستخدم، وتعريض الثقة فيه للزعزعة من طرف الأغيار، و هذا دون اشتراط لأي مساس فعلي كان بالوظيفة العامة أو المشرع الخاص.
أما النشاط الذي يتحقق به الركن المادي في هذه الجريمة فقد جاءت به المادتان 248 و 249 من المجموعة الجنائية والتي تنحصر في: الطلب، القبول، التسليم ( ).
أما الموضوع الذي ينصرف إليه هذا النشاط فيتمثل في كل فائدة يحصل عليها المرتشي أي مقابل الرشوة.
وعليه فسنتناول أتباعا: النشاط الإجرامي في الرشوة
-موضوع هذا النشاط (أي مقابل الرشوة).
ونظرا لما تثيره فكرة المحاولة في نطاق هذه الجريمة فسنخصص لها نقطة مستقلة.
الفقرة الأولى: النشاط الإجرامي
حدد المشرع الجنائي المغربي صور النشاط المادي في جريمة الرشوة في الطلب والقبول والتسلم، ويكفي توافر إحدى هذه الصور لتحقق الفعل المادي المكون لجريمة المرتشي.
أولا: الطلب:
طلب الموظف أو من في حكمه لفائدة ما من أجل قيامه بعمل أو امتناع يدخل في اختصاصه، أو تكون وظيفته سهلة له، من الأمور الأكثر روجانا في جريمة الرشوة، ذلك أن الذي يريد رخصة من الرخص مثلا، غالبا ما يواجه بالتماطل، من طرف الموظف المكلف بإمداده بها، إلى أن يقابله المعني بالأمر المرة الأولى فالثانية والثالثة… ويحدث أن يعبر الموظف عن رغبته في الحصول على قدر من المال، وهذا هو الغالب- أو أية فائدة أخرى من أجل إنجاز هذا العمل الذي يدخل في اختصاصه، إما صراحة كان يقول له إذا أردت الحصول على الترخيص فعليك أن تدفع كذا درهما من المال، وإما ضمنا ونحو ذلك أن يقال للمقاول إن رخصتك جاهزة بمجرد ما تفهم رأسك أو تحك جنبك !
وفي كل حال فمجرد طلب الموظف –أو من في حكمه-لمنفعة من صاحب الحاجة يكون كافيا لقيام جريمة المرتشي، وسواء استجاب الموجه إليه الطلب أم لم يستجب، على اعتبار أن الموظف الذي يطلب المقابل للقيام بواجبه أو للإخلال به يكون مستحقا للعقاب بغض النظر عن موقف الموجه له الطلب.
كما أن قيام الجريمة غير مرتبط بوجوب أن يكون طلب المنفعة لمصلحة الموظف شخصيا، وإن كان هذا هو الأصل –وإنما العبرة بطلب الموظف لفائدة حتى ولو كان ذلك من أجل إفادة الغير كالزوجة أو أي أصل من الأصول.
إنما يجب التنبيه أخيرا ونحن بصدد هذه النقطة الهامة إلى أن الطلب ينبغي أن يكون جادا، ومعنى الجدية في هذا المقام هو أن لا يكون الموظف مازحا مع صاحب الحاجة، وعدم الجدية هذا يظهر من خلال الظروف وقرائن الأحوال، فالذي يطلب مقابل الترخيص له ببناء عمارة هي عشرين طابقا بثمن فنجان قهوة لا يعد طلبا جادا ( ).
ثانيا: القبول
القبول هو تعبير عن إرادة متجهة إلى تلقي المقابل في المستقبل نظير القيام بالعمل الوظيفي، ويفترض قبول الموظف عرضا سابقا للرشوة من جانب صاحب الحاجة يعبر فيه عن إرادته وتعهده بتقديم المنفعة أو المقابل له إذا ما قضى له مصلحته.
فلا يتصور القبول إذن إلا إذا انصرف إلى عرض، ويتعين أن يكون هذا العرض –الصادر عن صاحب الحاجة- جديا، ويكفي أن يكون جديا ولو في ظاهره حتى ولو لم يكن كذلك في حقيقته ( )، بأن كان ينوي تبليغ السلطات العامة لضبط الموظف متلبسا بجريمة الرشوة.
كما يجب أن يكون قبول الموظف (المرتشي) جديا كذلك حتى إذا ما تطابق مع الإيجاب الجدي الصادر عن صاحب الحاجة، تحقق بذلك الاتفاق الذي تقوم به ماديات جريمة الرشوة.
هذا ويكفي لتحقق القبول أن الموظف قبل الوعد بالعطية الذي صدر من الراشي دون توقف على تنفيذ الراشي لما وعد به، إذ أن الموظف يكون بما فعله قد اتجر بوظيفته فعلا، وتكون مصلحة الجماعة قد هددت بالضرر الناشئ عن العبث بالوظيفة، والمشرع لم يحدد شكلا معينا للقبول ، فقد يكون التعبير عنه شفاهيا أو كتابيا، صريحا أو ضمنيا.. وعموما فإن القاضي هو الذي يستخلص تحقق قبول الموظف من عدمه في كل قضية على حدة وعند الشك يكون تفسيره لما فيه مصلحة المتهم.
ثالثا: التسلم
ويعني التسلم قيام الموظف أو من في حكمه بأخذ هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى، وذلك كله نظير قيامه بعمل أو الامتناع عنه.
وهذه الصورة –وكما هو واضح- من صور الركن المادي هي التي تتحقق فيها الجريمة في صورتها الواقعية مع صورتها القانونية ولذلك يسهل إثباتها عن باقي صور الركن المادي الأخرى التي تتباعد فيها الجريمة في صورتها القانونية عن صورتها الواقعية، ومهما يكن فإن الفقه( ) يعتبر بأن هذه الحالة من أخطر صور الركن المادي للجريمة على الإطلاق بسبب أن الموظف فيها غالبا ما يشترط تسلم المقابل قبل إنجازه للعمل أو الامتناع المطلوب منه.
هذا والتسليم وكما يفهم من لفظه، غالبا ما يكون فعلا ماديا يحصل بموجبه الموظف على مقابل، إما في شكل نقدي، أو عيني (ملابس، أسهم…) إذا كان المقابل ماديا بطبيعة الحال، لكن إذا كان غير مادي، كأن كان منفعة شخصية فالتسليم حينئذ يعتبر متحققا بمجرد التمكن من المنتفعة، ونحو ذلك التمتع بمواقعة امرأة لقاء قضاء حاجتها( ).
وجدير بالتنويه أنه لا عبرة في قيام الجريمة بأن يكون التسليم في صورة من الصور دون غيرها، إذ يستوي فيه أنه يكون حقيقيا أو رمزيا، ولذلك يعتبر تسليما استفادة المرتشي من الميزة أو الفائدة من الرشوة، كما لا حاجة بأن يكون التسليم واقعا قبل أو بعد إنجاز العمل أو الامتناع عنه، إذ كل ما يشترط هو أن يحصل التسليم لهبة أو هدية أو منفعة أخرى، من أجل إنجاز فعل أو الامتناع عنه.
كما أنه لا يشترط حصول التسليم من طرف الراشي مباشرة، إذ قد يتم صحيحا، ولو كان عن طريق وسيط كسمسار أو إدارة البريد حيث الجريمة واقعة شريطة طبعا اكتمال باقي عناصرها.
هذه هي صور الفعل المادي في جريمة المرتشي، ولا يعد الموظف مرتشيا إلا إذا صدرت عنه إحدى هذه الصور وفي هذا المعنى جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ: 15 مارس 1979: “يعد مرتكبا لجريمة الرشوة من طلب أو قبل عرضا أو وعد أو طلب أو تسلم هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى من أجل القيام بعمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عن هذا العمل.
الفقرة الثانية موضوع النشاط الإجرامي (المقابل في الرشوة).
تفترض الرشوة أن الموظف العمومي –أو من في حكمه- يتاجر في أعمال وظيفته نظير حصوله على مقابل، هذا المقابل هو الموضوع الذي ينصب عليه نشاط المرتشي.
والملاحظ أن المشرع المغربي قد توسع في تحديد مقابل الرشوة فنجد م:248 ق ج – و م: 35 من ظهير 6/10/1972 المتعلق بمحكمة العدل الخاصة- تتحدث عن “طلب أو قبول العرض أو الوعد أو طلب أو تسليم هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى…” دون أن تحدد مضامينها. كما نجد المادة: 249 ق ج المتعلقة برشوة العمال والمستخدمين والوكلاء بأجر، تنص على “هبة أو هوية أو عمولة أو خصم أو مكافأة…” وهذا يفيد أن المشرع جرم حصول الموظف أو المستخدم على مقابل لعملة أيا كانت طبيعة هذا المقابل.
والألفاظ الواردة في النصين السابقين تؤدي نفس المعنى، وإن اختلفت العبارات أحيانا، فهي تفيد –على نحو من الشمول والعموم- كل ما يمكن أن يقدم كمقابل في الرشوة ( ).
وكل فائدة مادية تصلح أن تكون مقابلا للرشوة، دونما اعتداد بقيمة هذه الفائدة أو بطبيعتها، أو بشكلها، وغالبا ما تكون الفائدة في صورة نقود سائلة تقدم إلى الموظف المرتشي.
كما قد تكون شيكا مسحوبا على مصرف (بنك) أو أشياء مادية (منقولات أو أشياء ثمينة كالمجوهرات ونحوها…) كما قد يكون مقابل الرشوة في شكل خدمات قابلة للتقويم بالنقود، ونحو ذلك وضع سيارة رهن إشارة الموظف المرتشي، أو الحصول على توظيف أحد أقاربه أو ترسيمه في وظيفة أو نقله، أو قيامه برحلة سياحية على حساب الراشي…
كما يشمل المقابل الحقوق والمنافع التي يحصل عليها الموظف المرتشي، كتنازل صاحب الحاجة عن دين كان له في ذمة الموظف، بل ويذهب بعض الفقه –وبحق- إلى أنه يعد من قبيل الرشوة ممارسة موظف فعلا مخلا بالحياء مع امرأة مقابل إنجاز عمل- من اختصاصه- لمصلحتها ( )، لأن الموظف بهذا العمل يكون قد دنس شرف الوظيفة بغير خجل، وعبث في الوقت نفسه بالأخلاق العامة، وعموما فكل فائدة مادية – أو حتى معنوية- تصلح أن تكون مقابلا للرشوة، أيا كانت قيمتها، مرتفعة أو ضئيلة سواء كانت متناسبة مع خدمات الموظف المرتشي أم لم تكن كذلك.
وفيما يتعلق بالوقت الذي يتحقق فيه الركن المادي في جريمة المرتشي فالغالب عمليا- أن الرشوة تتم قبل قيام هذا الأخير بإنجاز ما طلب منه من عمل وظيفي، كما قد يحصل الاتفاق بين الموظف المرتشي وصاحب الحاجة على تأخير تقديم مقابل الرشوة إلى حين إنجاز العمل الوظيفي أو الامتناع عنه.
لكن ما يحصل أحيانا أن الموظف وبعد إنجازه لعمله الوظيفي لمصلحة شخص معين، قد يتلقى هدية أو مكافأة لاحقة، فما حكم هذه المكافأة، هل تعد من قبيل الرشوة أم لا؟
-المكافأة اللاحقة: إذا كانت بعض التشريعات قد جرمت المكافأة اللاحقة وأدخلتها في نطاق جريمة الرشوة (م: 318 من ق ج الإيطالي و م : 128 ق ج السوداني) فإن المشرع المغربي- على غرار التشريع الفرنسي- لم يتعرض لهذه المسألة، وقد اختلف الفقه حول هذه المسألة، فمنهم من يرى أن نصوص القانون الجنائي المغربي لا تسمح بعقاب المكافأة اللاحقة، ومنهم من يذهب خلاف ذلك فيرى بأن هذه المكافأة معاقب عليما في ظل التشريع المغربي ( ).
وفي اعتقادنا فإن الرأي الثاني أقرب إلى منطق القانون والواقع، وأكثر إدراكا لخطورة جريمة الرشوة وما يقترب منها، ذلك أن القول بإباحة تقديم المكافأة اللاحقة- على حد قول ذ. الخمليشي- إلى الموظف بعد إنجاز عمله، يترتب عنه إفلات كثير من المرتشين من العقاب، حيث يتفقون مع الراشي على تأخير تقديم المكافأة، فإذا أنجزوا العمل تسلموا المكافأة بصورة علنية بدعوى أنها مكافأة لاحقة وليست تنفيذا لاتفاق سابق( ).
وهذا بقدر ما يغري الموظف ويشجع المستفيدين على تقديم الهدايا اللاحقة للموظفين للاستفادة من خدماتهم، يحط من كرامة ونزاهة الوظيفة العمومية ويعرضها للانحراف والعبث.
الفقرة الثالثة: المحاولة في جريمة المرتشي:
ثار جدال بين الفقهاء حول تصور المحاولة في جريمة المرتشي أو استبعادها من نطاق هذه الجريمة، ومعلوم أن جريمة رشوة الموظف العمومي تتم بمجرد صدور طلب أو قبول أو تسلم المقابل، بصرف النظر عن تنفيذها تعهد به لمصلحة صاحب الحاجة، و هذا يعني أن أي نشاط يصدر عن الموظف (المرتشي) يعبر عن إرادة متجهة إلى الاتجار في أعمال وظيفته يجعله مرتكبا لجريمة تامة.
وقد عمد الفقهاء في معرض بحثهم عن المحاولة (أو الشروع) في هذه الجريمة إلى التمييز بين صور النشاط الإجرامي في الرشوة حيث استبعدوا بإجماع إمكانية تصور المحاولة في حالتي القبول والتسلم، حالة طلب الرشوة( ).
فالطلب لا يتحقق –في مدلوله القانوني- إلا بوصوله إلى علم صاحب الحاجة، فإن صدر عن الموظف وحالت أسباب لا دخل إرادته فيها دون وصوله إلى علم صاحب الحاجة، فإن جريمة الرشوة تقف عند مرحلة الشروع كما لو بعث المرتشي (الموظف) برسالة إلى صاحب الحاجة وضمنها طلبة إلا أن السلطات العامة ضبطت الرسالة وحالت دون وصولها.

المطلب الثالث: الركن المعنوي

الرشوة جريمة عمدية يتعين لقيامها أن يتوافر القصد الجنائي في حق المرتشي، ويقتضي البحث في القصد الجنائي لجريمة المرتشي بيان عناصر هذا القصد ووقت توفره.
الفقرة الأولى: عناصر القصد الجنائي في جريمة المرتشي
يقوم هذا القصد على عنصرين هما: العلم والإرادة.
أولا: العلم
يجب أن يعلم الموظف المرتشي بتوافر جميع أركان الجريمة: بأن يعلم بأنه موظف عمومي أو من في حكمه –وأنه مختص بالعمل المطلوب منه، و أن الرشوة التي طلبها أو قبلها أو تسلمها ليست إلا ثمنا لعمله الوظيفي، فإذا انتفى العلم بأحد هذه العناصر السابقة انتفى القصد الجنائي.
وعليه، لا يتوافر القصد الجنائي إذا انتفى علم المتهم بأنه موظف، كما لو كان لم يبلغ بعد بقرار تعيينه، أو اعتقد أن الهدية المقدمة إليه كانت لغرض بريء، وليس مقابلا لعمل أو امتناع عن العمل ينتظره صاحب الحاجة منه، أو أن ما أخذه من صاحب الحاجة هو استيفاء لدين مستحق له في ذمة هذا الأخير( ).
ثانيا: الإرادة
فضلا عن عنصر العلم يجب أن تتجه إرادة الموظف إلى طلب الرشوة أو قبولها أو تسلمها، أما إذا لم تتجه إلى ذلك فإن القصد الجنائي ينتفي، ونحو ذلك، أن يدس صاحب الحاجة مبلغا من المال في جيب الموظف أو في يده، فيسارع هذا الأخير إلى رفض هذا المبلغ وإعادته أو تبليغ السلطات عنه( )، كما ينتفي هذا القصد في حالة ما إذا تظاهر الموظف بقبول الرشوة وهو في حقيقة الأمر ينوي الإيقاع بعارض الرشوة والعمل على ضبطه متلبسا بها حتى تسهل إدانته..
الفقرة الثانية: وقت الاعتداد بالقصد الجنائي لدى المرتشي:
من المبادئ المقررة في القانون الجنائي وجوب أن يعـاصر القصد الجنائي لحظة ارتكاب الفعل الذي يقوم به الركن المادي للجريمة، فإن لم يكن متوافرا في هذه اللحظة، ولكن توافر بعد ذلك، فهو قصد لاحق ولا عبرة به( ).
والرشوة لا تخرج عن هذا المبدأ، إذ يجب أن يتوافر القصد الجنائي بعناصره السابقة لحظة الطلب أو القبول أو التسلم… أما إذا كان لحظة تسلمه العطية يجهل بكونها مقابلا لعمله الوظيفي، فإن هذا القصد ينتفي وبالتالي لا تقوم الجريمة في حقه، ويرى الفقه أن هذه الجريمة تظل منتفية على هذا النحو حتى ولو علم الموظف فيما بعد بوصف العطية وبأنها “ثمن” لعمله الوظيفي، وذلك لانتفاء نية الاتجار أو الاستغلال لديه لحظة تلقي العطية أو المكافأة( ).
وبالرجوع إلى القضاء المغربي نجده في بعض أحكامه يشترط لقيام جريمة الرشوة قيام الموظف بطلب أو قبول العرض أو الوعد أو تسلم الهبة أو الهدية قبل القيام بالعمل أو الامتناع عنه، فقد جاء – في هذا المعنى- في قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 15/03/1979: “تعد جريمة الرشوة غير قائمة إذا ثبت أن المتهم طلب وتسلم المبالغ المالية بعد أن أتم مهمة البحث التي كلف بها، بحيث لم يكن إتمام البحث متوقفا على تسليم تلك المبالغ ومعلقا عليها”
على أن بعض الفقه يذهب وبحق إلى أن الموظف إذا اكتشف بعد تقديم الهدية إليه أن الغرض منها غير بريء، وقام مع ذلك بالعمل أو الامتناع المطلوب منه بناء عليها أو من أجلها، فإن جريمة الرشوة تقع لحظة علمه بالغرض من تقديمها( ).
ونشير في الأخير إلى أن إثبات القصد الجنائي يتم وفقا للقواعد العامة في الإثبات في المواد الجنائية، وتلعب القرائن دورا هاما في هذا الخصوص، كما أن خصوصية جريمة الرشوة تجعل للظروف والملابسات المحيطة بالفعل المادي للرشوة دورا مهما في استجلاء القصد الجنائي لدى الفاعل، وما إن كان يقصد فعلا الإتجار بوظيفته واستغلالها.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.