مسطرة المتابعة في الجرائم المخلة بالمنافسة أمام مجلس المنافسة

القانون الجنائي للمنافسة
الفصل الثاني : القواعد المسطرية للقانون الجنائي  للمنافسة
الفرع الثاني: مسطرة المتابعة والحكم في الجرائم المخلة بالمنافسة

يتميز قانون المنافسة عن غيره من فروع القانون بوجود أجهزة إدارية تتولى السهر على تنفيذه، فضلا عن الأجهزة القضائية التي تتولى تطبيقه أيضا في إطار وظيفتها العادية ولذلك فإن عرض الممارسات المخلة بالمنافسة على مجلس المنافسة أو غيره من الأجهزة الإدارية لا يغني عن عرض نفس الممارسات عن الأجهزة القضائية سواء منها المحاكم المدنية أو الجنائية كلما توافرت الشروط الضرورية لذلك.
هكذا إذن سنتناول في هذا الفرع بالدرس والتحليل مسطرة المتابعة في الجرائم المخلة بالمنافسة أمام مجلس المنافسة ضمن المبحث الأول منه ونتناول في المبحث الثاني منه الاختصاص وكيفية إصدار الأحكام بشأن الممارسات المنافية للمنافسة.

المبحث الأول: مسطرة المتابعة في الجرائم المخلة بالمنافسة أمام مجلس المنافسة
تجدر الإشارة بداية إلى أن مراقبة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة يتم من طرف مجلس المنافسة، وأعطيت الصلاحية في ظل هذه المسطرة للوزير الأول لإصدار القرارات في هذا الشأن بناء على توصية مجلس المنافسة, وبذلك لم يعد يتضمن قانون حرية الأسعار والمنافسة أية إمكانية للطعن في قرار الوزير الأول أمام المحكمة الإدارية في إطار ما يعرف بدعوى تجاوز السلطة .

المطلب الأول: الإحالة على مجلس المنافسة
تقتضي إحالة الممارسات المنافية لقواعد قانون المنافسة على المجلس التطرق إلى الكيفية التي تتم بها هذه الإحالة ( فقرة أولى) ثم فحص مضمون النازلة من طرف المجلس بعد إحالتها عليه( فقرة ثانية) فضلا عن إمكانية اتخاذ المجلس جملة من الإجراءات التحفظية بشأن النازلة ( فقرة ثالثة).

الفقرة الأولى: كيفية الإحالة
تطبيقا للمادة 24 من قانون حرية الأسعار والمنافسة وللمادة 15 منه يمكن تحديد الأشخاص الذين يجوز لهم إحالة الأفعال التي يظهر أنها مخالفة للمادتين 6 و7 إلى مجلس المنافسة فيما يلي:
– الوزير الأول.
– مجالس الجماعة والمجموعات الحضرية.
– غرف التجارة والصناعة والخدمات وغرف الفلاحة وغرف الصناعة التقليدية وغرف الصيد البحري.
– المنظمات النقابية والمهنية أو جمعيات المستهلكين المعلن أنها ذات منفعة عامة  .
أما بالنسبة للطريقة التي تتم بها الإحالة فلم يحددها القانون المغربي, لكن بالرجوع إلى القانون الفرنسي نجد أن القانون الداخلي للمجلس قد نظم بدقة الشكليات التي تتطلبها عملية الإحالة هاته, حيث يتم تبليغ القضية محل النزاع إلى المجلس إما بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل أو عن طريق تقديم شكاية مباشرة لدى مصلحة الدعوى بالمجلس تتضمن الوثائق التي من شأنها توضيح هوية صاحب الطلب ومضمون الإحالة وكذا الأساس الذي بنيت عليه.
وإذا تعلق الأمر بمقاولة يلزمها الإدلاء بالإضافة إلى ذلك برقم الأعمال الذي حققته خلال السنوات الثلاثة الأخيرة مصحوبا بالحصيلة le bilan وجدول النتائج المحاسبية ttableau de formation des résultats  .
كما يلزم طالب الإحالة أيضا بالإدلاء بعنوانه الشخصي, قصد تسهيل توصله بالتبليغات والاستدعاءات من طرف المجلس وكل تغيير في العنوان يلزم صاحبه بإخبار المجلس بذاك  .
وبعد عرض الأمر على أنظاره تبقى لمجلس المنافسة صلاحيات واسعة يمكن له أن يقوم بتوسيع نطاق البحث بشأن الممارسات التي عرضت عليه دون التقيد بمضمون الطلب فقط، كما يحق له أن يقوم بضم عدد من القضايا إما لارتباطها فيما بينها أو لأنها تهم نفس السوق أو المجال التي تمت ضمنه الممارسات أو لان الأمر يهم أكثر من سوق واحد توجد روابط بينها  .
وفي جميع الأحوال يمكن لمجلس المنافسة داخل أجل شهرين أن يصرح بقرار بعدم قبول إحالة أفعال إليه إذا اتضح أن الأفعال المدعى بها تدخل في نطاق اختصاصه أو أنها ليست مدعمة  بعناصر ذات قيمة إثباتية كافية .
فالمجلس يتولى فحص ما إذا كانت الممارسات المحالة عليه تتعلق بمجالات النشاط الاقتصادي : الإنتاج أو التوزيع أو الخدمات, أولا, ثم ما إذا كان الأمر يتعلق فعلا بالممارسات المنافية لقواعد قانون المنافسة تطبيقا للمادتين 6و7 من ق, ح, أ, م, م وبعد ذلك يقوم بالبحث حول وجود حجج تبرر فعلا حالة المخالفة لقواعد قانون المنافسة, وتبعا  لذلك يصدر المجلس قرار معللا بعدم متابعة الإجراءات كلما توافرت إحدى الأسباب المشار إليها سابقا, أو وجود أسباب مسطرية تبرر عدم المتابعة كما إذا سبق للمجلس أن أصدر قرارا في نفس النازلة احتراما لمبدأ حجية الأمر المقضي به ، أو كما إذا انعدمت الصفة أو المصلحة لدى طالب الإحالة حيث يوجه قرار عدم متابعة الإجراءات إلى صاحب الإحالة وإلى الأشخاص الذين تم النظر في تصرفاتهم باعتبار أحكام  المادتين 6 و7 من ق, ح, أ, م, م .
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي قد حدد أجالا تتقادم خلالها المخالفات الناتجة عن الممارسات المنافية لقواعد قانون المنافسة, حيث ترفض إحالة الأفعال التي يرجع تاريخ وقوعها إلى أكثر من خمس سنوات إن لم ينجز أي عمل يهدف إلى البحث عنها او إثباتها أو المعاقبة عليها داخل الأجل  . وهو ما يسبب رغبة المشرع في إقرار نوع من الحصانة للعمليات التجارية حماية لحقوق المقاولات والشركاء الاقتصاديين داخل السوق .
وإذا لم تتوافر في الأفعال المحالة على المجلس الأسباب التي تبرر الرفض فيتولى دراستها والنظر فيها وفق إجراءات محددة وهو ما سنتعرض له ضمن المطلب الموالي.

الفقرة الثانية : فحص مضمون الإحالة
إذا تضح لمجلس المنافسة جدية الأسباب التي تم على أساسها إحالة الأفعال التي تشكل خرقا للمادتين 6و7 من ق, ح, أ, م, م, يتولى النظر في القضية وفق مسطرة خاصة حيث يتولى رئيس المجلس تعيين مقرر لتتبع القضية ( أولا) وقد يأمر ببحث تمهيدي قصد الاطلاع أكثر عن النازلة ( ثانيا) ويلجأ في الأخير إلى تبليغ أطراف النزاع قصد تقديم       ملاحظاتهم (ثالثا).
أولا : تعيين المقرر
بعد عرض الإحالة على مجلس المنافسة يقوم الرئيس بتعيين مقرر يعهد إليه بدراسته القضية, حيث يتولى هذا الأخير الاستماع إلى الأطراف المعنيين بالأمر, وبعد التحقيق في الأمر يصدر تقريرا يضمنه الأفعال محل التحقيق والمخالفات المرتكبة وكذلك كل المعلومات والوثائق التي تم الاستناد إليها, يقوم بتبليغه مصحوبا بهذه الوثائق إلى الأطراف المعنية في رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل أو بواسطة عون قضائي, وذلك قصد إبداء ملاحظاتهم بشأن الموضوع  .
ثانيا: إجراء البحث التمهيدي
في حالة عدم إجراء بحث أو تحقيق في إطار البحث عن حقيقة الأفعال يفترض أنها تشكل خرقا لقواعد قانون المنافسة, يمكن لرئيس المجلس بعد عرض النازلة عليه أن يطلب من الإدارة  القيام بكل الأبحاث والتحقيقات التي يرى أنها تساعد على الإطلاع على حقيقة الأفعال المعروضة عليه.
وفضلا عن ذلك خول المشرع لرئيس المجلس الاستعانة بالخبرة التقنية كلما تطلب إجراء البحث ذلك  .
ثالثا : الاستماع إلى أطراف النزاع
بعد تبليغ المقرر تقريره عن النازلة إلى أطراف النزاع يلزم هؤلاء بتقديم ملاحظاتهم كتابة بشأن التقرير داخل شهرين من تاريخ تسلم الرسالة المضمونة أو تبليغ العون القضائي.
وفضلا عن ذلك يتولى رئيس مجلس المنافسة توجيه استدعاء إلى هؤلاء الأطراف قصد تقديم ملاحظاتهم الشفوية والإجابة عن الأسئلة التي يقوم بطرحها عليهم.
وفي حالة عدم استدعاء الأطراف من طرف رئيس المجلس خول المشرع لهؤلاء الأطراف أن يطالبوا المجلس بالاستماع إليهم, فقد نصت المادة 35 من ق, ح, أ, م, م على ما يلي : ” يحق للأطراف المعنية حضور جلسات المجلس وأن يستعينوا أو يمثلوا بمستشارين قانونيين عن اختيارهم يجوز لها أن تطلب الاستماع إليها من لدن مجلس المنافسة.
يجوز للمجلس أن يستمع إلى كل شخص يرى في الاستماع إليه ما يثري معلوماته.”
إلا أن الصياغة التي وردت بها هذه الإمكانية أيضا كانت محل نقاش, فاعتبر أن عبارة ” يجوز ” تعطي للمجلس الحرية في اختيار من يريد السماع له دون أي قيد لذلك تمت المطالبة بإلزام المجلس بان يستمع إجباريا إلى كل من يهمه الأمر .
إن الاستماع إلى أطراف النزاع يلعب دورا هاما في اكتشاف حقيقة الأمر المعروض لذلك يلزم أن تحظى هذه العملية باهتمام المجلس وأن تؤخذ بعين الاعتبار الملاحظات التي يدلون بها  .

الفقرة الثالثة: اتخاذ التدابير التحفظية
أثناء نظر مجلس المنافسة في القضايا المعروضة عليه, سمح المشرع بإمكانية اتخاذ تدابير تحفظية للحد من فعالية الممارسات المنافية للمنافسة على وضعية السوق, والمقاولات المتضررة من جراء هذه الممارسات, وتقتضي منا دراسة هذه التدابير التطرق لكيفية    طلبها ( أولا) وشروطها ( ثانيا).
أولا : طلب التدابير التحفظية
تطبيقا للفقرة الأولى من المادة 32 من ق. ح. أ. م. م تعطى صلاحية اتخاذ التدابير التحفظية للوزير الأول وذلك بناء على توصية من مجلس المنافسة وبعد استماع هذا الأخير إلى الأطراف المعنية بالنزاع المعروض.
إلا أن ما يستدعي الذكر في هذا الشأن هو أن المشرع قيد صدور القرار عن الوزير الأول باتخاذ التدابير التحفظية بقيدين أساسيين أولهما : ضرورة أن يكون هذا القرار معللا, والثاني هو ضرورة أن تكون هذه التدابير محل طلب سابق من طرف جهة ما عرضت الأمر على المجلس .
وفي جميع الأحوال تبقى إمكانية تقديم طلب اتخاذ التدابير التحفظية واردة في كل وقت خلال سير الإجراءات ولا يشترط في هذا الطلب إلا أن يكون معللا.
ثانيا: شروط اتخاذ التدابير التحفظية.
مادام أن التدابير التحفظية تشكل قيدا على مبدأ حرية التجارة والصناعة فقد كان لابد وأن تحاط بجملة من الشروط بدونها لا يمكن اللجوء إلى اتخاذ هذه التدابير.
فبالرجوع إلى المادة 32 من ق, ح, أ, م, م لا يمكن اللجوء إلى التدابير التحفظية إلا إذا كانت الممارسات المعنية تلحق مساسا خطيرا وفوريا باقتصاد البلاد أو اقتصاد القطاع المعني بالأمر أو بمصلحة المستهلكين أو المنشات المتضررة, مما يطرح التساؤل حول المعايير المعتمدة للقول بوجود مسا خطيرا باقتصاد البلاد؟
وبالعودة إلى الاجتهاد القضائي الفرنسي نجد انه تشدد بشان السماح باتخاذ التدابير التحفظية , وبذلك اشترط لشرعية هذه التدابير أن تكون الممارسات التي اتخذت على أساسها التدابير أفعالا غير مشروعة وتشكل خرقا واضحا لقواعد قانون المنافسة على وجه الوضوح مما لا يدع مجالا لشك .
وما دام أن طلب اتخاذ التدابير التحفظية غالبا ما تصدر عن المقاولات التي تعرضت للإقصاء من السوق بفعل الممارسات المنافية لقواعد المنافسة والتي تصدر عن بقية المقاولات والشركاء الاقتصاديين, فإن مجلس المنافسة يقوم عادة قبل الترخيص باتخاذ التدابير التحفظية بمراعاة مدى توافر الشروط الآتية:
1.   أن يكون الضرر الذي أصاب المقاولة حقيقيا وثابتا.
2.   أن تصاب المقاولة بفعل هذه الممارسات بضرر بليغ وغير قابل للإصلاح.
3.   أن يكون الضرر الذي أصاب المقاولة حالا ويستلزم إصلاحه إجراءات استعجالية.
4.   أن توجد علاقة سببية مباشرة بين الضرر الذي أصاب المقاولة والممارسات المرتكبة بمعنى أن تكون هذه الأخيرة هي السبب الرئيسي فيما أصاب المقاولة.
5.   أن تكون الإجراءات المتخذة محددة وواضحة وتدخل ضمن الصلاحيات التي يخولها القانون لمجلس المنافسة  .
6.   وأخيرا يلزم أن تكون هذه التدابير محصورة فيما هو ضروري لمواجهة حالة الاستعجال فقط.
واضح إذن أن التدابير التحفظية ما هي إلا استثناء في المبدأ لذلك ينبغي أن تبقى محصورة في نطاق ضيق, ولا يتم اللجوء إليها إلا بعد التأكد من الوجود الحقيقي للأسباب والظروف التي تستدعي اتخاذها حفاظا على حقوق الشركاء الاقتصاديين الذين قد تتخذ في حقهم, ونظرا لما لها من آثار سلبية على صيرورة النشاط الاقتصادي .
ثالثا: محتوى القرار الصادر باتخاذ التدابير التحفظية
مادام أن طلب اتخاذ التدابير التحفظية غالبا ما يتم أثناء إحالة القضية على أنظار مجلس المنافسة فإن الترخيص بها غالبا ما يتم أيضا بنفس القرار الذي يصدر بقبول هذه الإحالة, أما إذا تم رفض الإحالة, فإنه بالتبعية يرفض طلب اتخاذ التدابير التحفظية .
وإذا ما تحققت الشروط الواجب توافرها لاتخاذ التدابير التحفظية, فإن القرار الذي يصدر بشأنها يلزم أن يتضمن في نفس الوقت الأشكال التي تتخذها هذه التدابير والتي غالبا ما تتمثل في وقت الممارسة المعنية أو إصدار الأمر للأطراف بالرجوع إلى الوضعية السابقة, وفي جميع الأحوال ينبغي أن تبقى منحصرة فيما يعتبر لازما للتصدي لحالة الاستعجال فقط لا غير  .
وفي فرنسا يتم نشر القرار الصادر باتخاذ التدابير التحفظية في نشرة خاصة بالمنافسة والاستهلاك : Bulletin officiel de la concurrence de la consommation et de la répression des fraudes.
أما في ظل القانون المغربي, فيقتصر الأمر فقط على تبليغ التدابير المتخذة في رسالة مضمونة الوصول مع الإشعار بالاستلام أو بواسطة عون قضائي إلى كل من مقدم الطلب والأشخاص الذين اتخذت في حقهم  .
________________________
– الفقرة الأولى من المادة ، 27 من قانون حرية الأسعار والمنافسة.
– مفيد الفارسي, المرجع السابق, ص 95.
– عبد السلام الهولالي عرض تحت عنوان:”المنافسة في إطار قانون 99-06 ومرسوم 854-00-2 سنة 2007 –2008 ,مراكش ص 12.
– طبقا للمادة 25 من ق,ح,أ,م يتوقف سريان التقادم بمجرد استشارة مجلس المنافسة.
-المادة 30 من قانون حرية الإشعار والمنافسة المغربي.
– الفقرة الثانية من المادة 27 من ق,ح, أ, م, م.
– مفيد الفارسي، مرجع سابق، ص 98 وما يليها.
– الفقرة الثانية من المادة 32 ق, ح, أ, م, م.
– مفيد الفارسي, المرجع السابق، ص 100 وما يليها.
– الفقرة 5 من المادة 32 من ق, ح, أ, م, م.
– الفقرة 5 من المادة 32 من ق, ح, أ, م, م.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.