آثار التهرب الضريبي على المردودية المالية والمديونية

المبحث الثاني: الآثار المالية والاجتماعية للتهرب الضريبي
يترتب عن التهرب الضريبي آثار سيئة على الصعيد المالي والاجتماعي، خاصة إذا علمنا أن تلبية الدولة حاجات المجتمع – في ظل ظاهرة التهرب الضريبي- تواجهه عدة إكراهات وعراقيل.

ولا يخفى على أحد مدى الأهمية التمويلية للضرائب في معظم الدول، خاصة بالنسبة للدول النامية التي تعتمد على الضرائب كمورد أساسي لتمويل مشاريعها وسداد احتياجاتها من نفقات اجتماعية ومالية ( المطلب الأول).

في ظل هذه الإكراهات أصبح من الضروري البحث عن سبيل تجاوز هذه الآفة التي تفوق على خزينة الدولة مبالغ مالية كبيرة، مما سيعيق كل تنمية وعدالة اجتماعية (المطلب الثاني ).

المطلب الأول: آثار التهرب على التوازنات المالية والعدالة الاجتماعية
إذا كان ممكنا أن تدفع الضرائب بالتنمية وتواكبها في شموليتها، فإن التهرب الضريبي يعاكسها، نظرا لأبعاده السلبية على المستوى المالي والاجتماعي.

الفقرة الأولى: آثار التهرب على المردودية المالية
تعتبر الضريبة إحدى أدوات التمويل الأساسية لتغطية نفقات وتحملات الميزانية بشقيها التسيير والتجهيزي[1]، فهي أهم مورد يمول الخزينة العامة للدولة خاصة وأن الدولة المغربية تعد دولة ضريبية بامتياز[2]، وغير خاف أن المال العام هو عصب حياة الدولة ومرافقها ومحرك تنميتها وتطورها، مما يجعل كل انحراف في بلورة التشريع الجبائي أو في تطبيقه من لدن الإدارة الجبائية أو في الاستجابة إليه من جانب الملزمين يحرم الخزينة العامة من موارد عمومية أساسية ( أولا ).

وهذه الوضعية تدفع الدولة إلى البحث عن موارد إضافية لتغطية النقص كالزيادة في الضرائب أو اللجوء إلى المديونية ( ثانيا ) .

أولا: التهرب والنفقات العمومية
يعد الإنفاق العام الأداة الأساسية للعمل المالي للحكومة، حيث يحظى بأهمية بالغة في تحديد معالم النشاط المالي للدولة ولمختلف الهيئات المتفرقة عنها، وفي قياس درجات إمكانياتها الاقتصادية والمالية، وبالتالي قدرتها على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ولما كانت هذه النفقات تعتمد في تمويلها على الجبايات إلى جانب مصادر أخرى فإن التهرب الضريبي يؤثر بشكل سلبي على النفقات العمومية، وهكذا فقد أصبحت ميزانية الدولة تعاني من عجز هيكلي، فحسب الأرقام الرسمية المقدمة لصندوق النقد الدولي[3] انتقل عجز ميزانية الدولة من 2.5 سنة 98 / 99 إلى 5.9 %سنة 2000، ثم انخفض إلى 2.7 % سنة 2001 بفضل موارد الخوصصة.

الملاحظ من خلال التقرير حول تنفيذ المخطط الخماسي 2000/2004[4]، أن وضعية المالية العمومية اتسمت في سنة 2000 بارتفاع للمصاريف، رافقه انخفاض كبير للمداخيل مما ساهم في تفاقم عجز الميزانية حيث تراجعت الموارد المالية خلال سنة 2000 بنسبة 14.6 % بالمقارنة مع سنة 1999.

ويعزى هذا التراجع أساسا إلى انخفاض في المداخيل غير الجبائية، بما فيها مداخيل الاحتكار والخوصصة ب 66.3 % و 93.2 % على التوالي، أما النفقات العادية للخزينة فقد تزايدت بنسبة 5.7 % وذلك بسبب ارتفاع خدمة الدين بنسبة 5.9 % ونفقات صندوق المقاصة بأكثر من 2000 نتيجة تحمل الدولة لارتفاع أسعار المحروقات وتزايد النفقات سنة 2000.

وقد أصبح عجز الميزانية في تزايد – منذ 1960- حيث بلغت نسبة العجز 70.5 خلال هذه السنة، وفي هذا الإطار فقد أكد صندوق النقد الدولي أن التهرب الضريبي أضحى من الممارسات الاعتيادية لكل الملزمين بحيث تتراوح نسبة التهرب الضريبي ما بين 30 % و 50 % من حجم الموارد الجبائية مع إضافة القطاع غير المهيكل[5].

كما تعرف المردودية الضريبية نفسها انخفاضا ملحوظا بسبب التهرب الضريبي مقارنة مع الارتفاع والتطورات الهامة التي تعرفها نظيرتها في الجزائر والمنحى التالي خير دليل على ذلك:

رسم بياني رقم 3: منحى يوضح نسبة مردودية الضرائب المباشرة بالمغرب والجزائر ما بين سنتي 1997-2002

مردودية الضرائب المباشرة بالمغرب والجزائر
المصدر: تركيب اعتمادا على مرجع: احمد حليبة، “التهرب الضريبي..”، م.س، ص: 150.ومرجع: عيسى بولخوخ، “الرقابة الجبائية…”، م.س، ص: 49.

هكذا وإذا كان يفصل سنة 2002 عن سنة 1997 خمس سنوات والتي كان منتظرا أن يعرف الاقتصاد الوطني تطورا ملموسا إيجابا على زيادة مردودية الضرائب إلا أن ذلك لم يتحقق وذلك راجع إلى التأثير السلبي للتهرب الضريبي.

كل هذه المعطيات ستؤثر لا محالة على النفقات العمومية مما سيؤدي إلى اختلالها، فقد ارتفعت تحملات خزينة الدولة إلى 129.1 مليار درهم سنة 2001 وهو ما يعادل ثلث الناتج الداخلي الإجمالي، أما نفقات الموازنة العادية للدولة فقد شكلت 71.7 من تحملات الخزينة، وبالتالي ارتفعت إلى 92.4 مليار درهم سنة 2001 وهو ما يماثل 24.1 % من الناتج الداخلي الإجمالي[6].

أما نفقات الاستثمار العمومي وصندوق الحسن الثاني ورصيد الحسابات الخصوصية فمثلت 28.3 % من تحملات خزينة الدولة والتي ارتفعت إلى 36.6 مليار درهم سنة 2001 وهو ما يمثل 79 % من الموارد الجبائية وكذلك ارتفعت نفقات التسيير لتصل إلى 66.5 مليار درهم سنة 2001 وهو ما يمثل 79 % من الموارد الجبائية.

أمام كل هذه الإكراهات في خضم تفتيش التهرب الضريبي والتي أصبحت تهدد الدولة في إيراداتها وتختل معه ميزانية الدولة بتقليص هذه الإيرادات، تضطر الدولة إلى الزيادة في عدد الضرائب[7] ورفع أسعارها مما يرفع نسبة الضغط الضريبي.

وهنا فلابد من تفادي ربط الضرائب بأسعار حدية عليا مرتفعة بسبب تشجيع ذلك اللجوء إلى الغش والتهرب الجبائيين، وبأن يتم بالمقابل وضع حد أمام اتساع دائرة الامتيازات الجبائية بحيث يستجيب تطبيق الضرائب بأسعار مقبولة دون المبالغة في منح أنظمة الاستثناء بدل تشديد معدلات الاقتطاع الضريبي في إطار نظام يعتمد على المبالغة في أنظمة المفاضلة الجبائية[8].

وفي هذا الإطار فقد أكد الباحث ” نكاوسفاتن ” Negasywathin أن الخزينة العامة للدولة النامية تفقد سنويا ما بين 80 و 90 من إيراداتها الجبائية نتيجة عدة ممارسات ولاسيما التملص الضريبي مما يؤثر على تمويل برامجها التنموية[9].

ثانيا: التهرب والمديونية

إذا كانت القروض العامة إضافة إلى الإيرادات الضريبية، وإمكانية استخدام الإصدار النقدي الجديد تزيد من قدرة الدولة المالية ( المقدرة المالية القومية ) فإن هذه القروض يجب أن لا تتجاوز نسبة معينة من الدخل القومي، وإلا تعرض الاقتصاد الوطني لعدة مخاطر تعثر إمكانية نموه.

ويعتبر المغرب من بين البلدان التي تعرف تضخما فيما يخص المديونية والتي يعاني من نتائج تسديدها على الصعيد الداخلي غير أن الدولة وأمام ندرة الإيرادات العمومية وتزايد النفقات العامة المستمرة تلجأ الدولة مضطرة إلى الاستدانة خاصة وان إيراداتها الضريبية التي تمثل أكثر من 60 %[10] من ميزانية الدولة تتعرض إلى تهرب مستفحل[11] يتزايد سنويا وهذا ليس بالجديد فمنذ سنة 1980 وحسب تقرير اللجنة الوطنية المكلفة بالحملة التطهيرية[12] ضد التهرب الضريبي والتهريب الجمركي بلغت خسارة الخزينة ما يزيد عن 28 مليار درهم عن عمليات التهريب وحوالي 600 مليون درهم عن عمليات التهرب الضريبي مما يمثل إجماليا حوالي نصف ميزانية الدولة، الشيء الذي يدفع بالدولة إن أرادت تغطية نفقاتها العامة اللجوء إلى الاقتراض.

فإذا كانت كل حكومة على تعاقبها بالمغرب تصرح بضرورة مواصلة تحسين تدبير الدين العمومي الذي يمثل ثلث حجم الميزانية العامة للدولة حسب قانون وتصفية ميزانية 97/98 والعزم بالتالي على إجراء اتصالات مع الحكومات المعنية ( المقرضة) لإيجاد حلول كفيلة بالتخفيف من تحملات هذا الذين فإن الدولة لا تجد محيدا من اللجوء إلى الاقتراض بنوعيه الخارجي والداخلي لتبقى تبعاتها السلبية مستمرة، وهذا ما سنلاحظه من خلال المنحنى التالي حسب السنوات من 2004 إلى 2007.

رسم بياني رقم 5: مجموع النفقات المتعلقة بخدمة الدين العمومي بمليار درهم ما بين سنتي 2004- 2009

النفقات المتعلقة بخدمة الدين العمومي

المصدر: تركيب اعتمادا على قوانين المالية للسنوات المالية على التوالي: 2004 – 2005- 2006- 2007. [13]2009 –

وهكذا نلاحظ أن مجموع النفقات المتعلقة بخدمة الدين العمومي ما بين 2004 و 2007 هي على التوالي[14] 41.6 ، 40 ، 44.4 و 59 مليار درهم مما يرهق ميزانية الدولة ويعطل مسار التنمية بالمغرب مما يضطر الدولة إلى الاقتراض الخارجي مما سيزيد من تبعية الاقتصاد المغربي للمؤسسات المالية الدولية الخاصة منها والعامة.

ولذلك وجب على الدولة أن تبحث عن مصادر جديدة وتعبئة مواردها الداخلية ولاسيما الضريبة بنهج سياسة حمائية من كل تهرب ضريبي خاصة وأن الضرائب تشكل حوالي 90 % من مداخيل الدولة.
الفقرة الأولى : آثار التهرب على المردودية المالية
المطلب الأول: آثار التهرب على التوازنات المالية والعدالة الاجتماعية
المبحث الثاني : الآثار المالية والاجتماعية للتهرب الضريبي
الفصل الأول: التهرب الضريبي والفعالية الاجتماعية
إشكالية التهرب في القانون الضريبي
_______________________________________
[1] – أحمد حضراني ،” النظام الجبائي المحلي على ضوء التشريع المغربي والمقارن “، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، العدد 22- 2001 ، ص : 407.
[2] – أحمدحليبة،” التهرب الضريبي وانعكاساته…”، م س ، ص 146.
[3] – أحمد حليبة، التهرب الضريبي ، وانعكاساته… ، م س ، ص 148.
[4] – المرجع نفسه. مديرية البرمجة ، وزارة التوقعات الاقتصادية والتخطيط.
[5] – أحمد نميلي،”التهرب الضريبي الداخلي والخارجي” ، م س ، ص: 68.
[6] – أحمد حليبة ، “التهرب الضريبي…”، م س ، ص: 151.
[7] – وذلك بإحداث ضرائب ورسوم جديدة فقد كان قطاع السياحة خاضعا لأكثر من 21 رسما أما مدونة التسجيل فكانت تضم أكثر من 30 تسعيرة عدلتها الدولة إلى 5 نقاط كما أعادت الدولة الضريبة على الأراضي غير المبنية بعدما كانت قد الفقهاء إلى جانب تقاطع رسوم الجماعات المحلية مع ضرائب الدولة.
[8] -المصطفى معمر ،” السياسة المالية ونظام التمويل العمومي في ظرفية التقويم الهيكلي ( 1983 – 1993 محاولة في التحليل” ، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، الدار البيضاء، 1998 – 1999 ص 40.
[9] – اليوسي عبدالله، “ظاهرة التهرب الضريبي…”، م س ، ص: 36.
[10] – انظر قانون المالية للسنة المالية 2006، الجريدة الرسمية عدد 5382 ذو القعدة 1426 ( 29 ديسمبر 2005).
[11] – أحمد حليبة ،” التهرب الضريبي…”، م س ، ص: 159.
[12] – شملت حقوق الجمارك، الاقتطاع الجبائي على الاستيراد ، الضريبة على القيمة المضافة الضريبة على الشركات والضريبة العامة على الدخل.
[13] – هذه النسب مأخوذة على التوالي من الجريدة الرسمية عدد 5174 لسنة 2004،ص: 90، الجريدة الرسمية عدد 5278،لسنة 2005،ص: 4224،الجريدة الرسمية عدد 5382، لسنة 2005،ص:1132، الجريدة الرسمية عدد 5487 لسنة 2007، ص: 166.
[14] – هذه النسب مأخوذة على التوالي من الجريدة الرسمية عدد 5174 لسنة 2004 ص 90 ج ر عدد 5278 لسنة 2005 ص: 4224 ، ج ر عدد 4224 ج ر عدد 5382 لسنة 2005 ص 1132 ج ر عدد 5478 لسنة 2007 ص 166 ( انظر أحمد حليبة ،”التهرب الضريبي…”، م س ، ص: 161 –162.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.