قانون تجريم الغش الضريبي

الفقرة الثانية : قانون تجريم الغش الضريبي
إن الغش الضريبي يعتبر مصدرا للظلم الجبائي ويكرس عدم المساواة واللاعدالة الجبائية، وهي أسس تبرر محاربته وقد تم تجريم الغش الضريبي في إطار قانون المالية لسنة 1996 – 1997[1] هذا على خلاف المشرع الفرنسي[2] الذي جرم التهريب الضريبي الدولي منذ 1933[3].
ومن بين أسباب صدور هذا القانون رفع المردودية الضريبية[4] وتحقيق المطالب الاجتماعية خاصة وأن قانون 96 – 97 خول الإدارة الضريبية صلاحيات يستطيع بواسطتها ضمان مبالغ مالية مرتفعة تستغلها الدولة لتحقيق بعض المطالب الاجتماعية كمحاربة البطالة والزيادة في الحد الأدنى للأجور.

أولا : طبيعية جريمة الغش الضريبي
من المتفق عليه في جل التشريعات الحديثة أن الغش الضريبي يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون بالعقوبة للحرية، إضافة إلى غرامات مالية حسب خطورة الفعل المقترف.
كما أن هذه العقوبة تختلف من دولة لأخرى، والملاحظ أن المشرع المغربي لم يضع تعريفا لجريمة التملص الجبائي وإنما اكتفى بالتنصيص على التصرفات التي يعاقب عليها القانون، فهل يتوفر في جريمة الغش الضريبي ركنها المادي والمعنوي والقانوني ؟.

1الركن القانوني
يمثل في النص القانوني الذي بموجبه تم تحديد مجموعة من المخالفات الضريبية التي تعتبر مخالفات يعاقب عليها بغرامات مالية أو بعقوبات حبسية، ويتعلق الأمر بالمادة 192 من المدونة العامة للضرائب التي تنص على أنه يتعرض لغرامة على الأفعال التي يعاقب عليها القانون الضريبي في حالة ارتكابها أو ممارستها[5] وذلك قصد الإفلات من إخضاعه للضريبة أو التملص من دفعها أو الحصول على خصم منها أو استرجاع مبالغ بغير حق، من خلال استعمال إحدى الوسائل التالية :
– تسليم أو تقديم فاتورات صورية ؛
– تقديم تقييدات محاسبية مزيفة أو صورية ؛
– بيع بدون فاتورات بصفة متكررة ؛
– إخفاء أو إتلاف وثائق المحاسبة المطلوبة قانوني ؛
– ختلاس مجموع أو بعض أصول الشركة أو الزيادة بصورة تدليسية في خصومها قصد افتعال إعسارها.

أما المسطرة الإدارية والقضائية المتبعة لتحديد الطبيعة الجنائية للمخالفة فقد تضمنتها المادة 231 من العامة للضرائب، والتي تنص على أن إثبات المخالفات، التي سبق واشرنا إليها في إطار المادة 192، بمحضر يحرره مأموران من بإدارة الضرائب[6].
كما انه وطبقا لنفس المادة، لا يمكن إثبات المخالفات السالفة الذكر- المنصوص عليها في المادة 192 – إلا في إطار مراقبة ضريبية.

إن الشكاية الرامية إلى تطبيق الجزاءات المنصوص عليها في المادة 192 من المدونة، يجب أن يعرضها سلفا وزير المالية أو الشخص المفوض من لدنه لهذا الغرض على سبيل الاستشارة على لجنة للنظر في المخالفات الضريبية يرأسها قاض وتضم ممثلين اثنين لإدارة الضرائب وممثلين اثنين للخاضعين للضريبة يختاران من القوائم التي تقدمها المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا، ويعين أعضاء هذه اللجنة بقرار للوزير الأول.
ويجوز لوزير المالية أو الشخص المفوض من لدنه لهذا الغرض أن يحيل بعد استشارة اللجنة المذكورة الشكاية الرامية إلى تطبيق الجزاءات الجنائية المنصوص عليها في إطار المادة 192 إلى وكيل الملك المختص التابع له مكان ارتكاب المخالفة المفوض من لدنه لهذا الغرض يجب على وكيل الملك أن يحيل الشكاية إلى قاضي التحقيق.

2- الركن المادي :
يراد به المظهر الخارجي للتصرف المادي الذي ينص عليه القانون ويقرر له عقوبة وفقا لفكرة الركن الشرعي، إن الملزم الخاضع للضريبة بارتكابه لإحدى الأعمال أو التصرفات المنهى عنها قانونا يكون قد ارتكب جنحة في حق الخزينة العامة للدولة.
فالركن المادي هو عبارة عن النشاط الإجرامي والسلوك الذي يرتكبه الملزم.
ومن هنا فنحن أمام المخالفات الضريبية موضوع التجريم وهي : تسليم أو تقديم فاتورات صورية، تقديم تقييدات محاسبية مزيفة أو صورية، ببيع بدون فاتورات بصفة متكررة إخفاء أو إتلاف الحسابات المطلوبة قانونا ثم اختلاس مجموع أو بعض أصول الشركة أو الزيادة بصورة تدليسية في خصومها قصد افتعال إعسارها[7].

فهذه الأفعال يترتب عنها التخلص الكلي أو الجزئي من الضريبة المعتبرة قانونا مما يعتبر اعتداء على حق الخزينة العامة في الحصول على الأموال اللازمة لتنفيذ سياسة الدولة في الميدان الاقتصادي والاجتماعي وهو حق يحميه القانون لكونه حق من حقوق السيادة وحق من حقوق المجتمع.
وفيما يتعلق بمجال ضبط المخالفات المعنية فقد نص المشرع على أنه لا يمكن ضبط وإثبات المخالفات المذكورة إلا في إطار مسطرة المراقبة الضريبية كما يجب أن تكون المخالفة موضوع التجريم مرتكبة في إحدى الضرائب الرئيسية الثلاث : وهي الضريبة على القيمة المضافة، الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل، ذلك أن المقتضيات المتعلقة بالتجريم وردت في إطار الجزء الثالث المتعلق بالجزاءات وبالضبط في إطار لفرع الثني منه تحت عنوان الجزاءات المشتركة مابين الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة .

3الركن المعنوي :
يتمثل الركن المعنوي لجريمة التهرب الضريبي في القصد الجنائي، حيث إنها جريمة عمدية تتطلب التخلص من عبء الضريبة كليا أو جزئيا، ويشترط في الركن المعنوي توافر قصد التحايل، حيث المتملص يكون على علم بارتكابه لفعل من الأفعال المجرمة، والذي من شأنه أن يؤدي إلى الإفلات من الخضوع للضريبة أو التملص من دفعها أو الحصول على خصم منها، أو استرداد مبالغ بغير وجه حق.
وقد تضاربت الآراء الفقهية[8] بخصوص الركن المعنوي، بحيث ذهب جانب من الفقه المصري إلى القول بأن الركن المعنوي في جريمة الغش الضريبي يخضع للقواعد العامة في القانون الجنائي، إذ يعتبر العمد هو الأصل ولا يعاقب على الخطأ غير العمدي إلا إذا نص القانون صراحة على خلاف ذلك، وقد صار المشرع الفرنسي في نفس الاتجاه.

بينما تكتفي بعض التشريعات بتوفر الخطأ غير العمدي لتحقيق الركن المعنوي في جريمة الغش الضريبي، وتقرر العقوبة المناسبة حسب جسامة الفعل المرتكب، والمشرع المغربي من بين هذه التشريعات، حيث يستفاد ذلك من خلال مختلف الجزاءات التي يقررها على المخالفين لأحكام القانون أنه يقرر غرامة مالية على هؤلاء بمجرد وقوع التصرف المخالف لهذه الأحكام دون البحث عما إذا كان هذا الخطأ قد ارتكب عن سوء نية أو وقع نتيجة إهمال.
المطلب الثاني: التهرب في النظام الضريبي المغربي
المبحث الأول: مفهوم التهرب الضريبي وإشكالية محاربته
الفصل الأول: التهرب الضريبي والفعالية الاجتماعية
إشكالية التهرب في القانون الضريبي
_________________________________________
[1] – تم تجريم التملص الضريبي بواسطة الظهير الشريف رقم 77 – 98 – 1 الصادر في 12 صفر 1477 الموافق ل 29 يونيو 1996 من خلال القانون المالي رقم 96 – 8 للسنة المالية 1996 – 1997.
[2] – بعدما بلغ عجز الميزانية العامة للدولة سنة 1995 حوالي 10.5 مليار درهم وأكثر من 15.3 مليار درهم سنة 1996 –1997 بسبب التهرب الضريبي وتهريب السلع حسب التقارير السنوية لبنك المغرب.
[3] – وذلك من خلال العديد من النصوص القانونية لكن يبقى الفصل 57 من المدونة العامة للضرائب الفرنسية والذي يجد مصدره الأصلي في الفصل 76 من قانون 31 ماي 1933.
[4] – Guy gest /Gilbert tixier ,” Droit fiscal international” , édition presse universitaire de France 1990 p : 452.
[5] – الجزاءات الجنائية المقررة في حالة ارتكاب احدى هذه الافعال سنتطرق لها في الفقرة المتعلقة بالجزاءات الجنائية لاحقا.
[6] – مأموران بإدارة الضرائب من درجة مفتش على الأقل ينتدبان خصيصا لهذا الفرض ومحلفين وفقا للتشريع الجاري به العمل.
[7] – انظر المادة 192 من المدونة العامة للضرائب.
[8] – اليوسي عبد الله،” ظاهرة التهرب الضريبي…..”، م.س، ص: 77.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.