مفهوم الحق في القانون الوضعي في النظريات التقليدية والحديثة

مفهوم الحق في القانون الوضعي المطلب الثاني:
برغم استقرار وجود فكرة الحق لدى الغالبية العظمى من الفقهاء ولدى سائر التشريعات إلا أن الخلاف موجود بشأن تعريف الحق فقد ورد معنى الحق عند أصحاب القانون الوضعي  بأنه  ” رابطة قانونية بمقتضاها يخول القانون شخصا من الأشخاص على سبيل الانفراد والاستئثار للتسلط على شيء أو اقتضاء أداء معين من شخص آخر” وقيل إن الحق هو قدره أو سلطة إدارية يخولها لها القانون لشخص معين يرسم حدودها وقيل الحق مصلحة يحميها القانون “[1]. وبذلك لم يستقر رجال القانون على تعريف موحد للحق بل اختلفوا فيما بينهم اختلافا بينا فالبعض ينظر إلى تعريف الحق من زاوية صاحبه ، ومنهم من ينظر إلى الحق من خلال موضوعه في حين نجد اتجاها وسطا ينظر إلى الحق من خلال صاحبه وموضوعه[2]، فتعريف الحق عند رجال القانون الوضعي أثار عدة إشكاليات، وبذلك تباينت نظريات مختلفة في هذا الشأن والتي تنقسم إلى نظريات تقليدية وأخرى حديثة.

الفقرة الاولى:النظريات التقليدية
تنقسم بدورها إلى ثلاثة اتجاهات الاتجاه الشخصي والموضوعي والاتجاه المختلط
أولا : الاتجاه الشخصي
يطلق عليه كذلك بمذهب الإرادة ويعرف الحق من خلال صاحبه  بأنه  قدرة أو سلطة إرادية للشخص يستمدها من القانون في نطاق معلوم [3]
وقد تعرض هذا الاتجاه لعدة انتقادات نذكر من بينها أنه يقرن الحق بالإرادة لكن يمكن أن يثبت الحق لشخص عديم الإرادة مثل الصبي غير المميز والمجنون كما يعاب على هذا الاتجاه أنه يخلط بين الحق وبين استعماله

وبناءا عليه فإن الأخذ بتعريف الاتجاه الشخصي يعني اعتبار الوالي أو الوصي هو صاحب الحق بما له من سلطة إرادية مصدرها القانون وهي نتيجة لا يقبلها أحد [4]

ثانيا : الاتجاه الموضوعي
يعرف الاتجاه الموضوعي الحق  بأنه  مصلحة يحميها القانون وهذا يعني أن هذا الاتجاه ينظر إلى الحق من خلال موضوعه، وصاحب هذا التعريف هو الفقيه الألماني ” إيهرنج” وأساسه أن الإرادة ليست هي جوهر الحق إنما جوهره الحقيقي هو تلك المصلحة التي ترمي الإرادة إلى تحقيقها [5] ” فكل حق مزود بدعوى تكفل احترام المصلحة التي يهدف إلى تحقيقها فجوهر الحق لدى الاتجاه هو المصلحة والفائدة [6]

وكما هو الحال بالنسبة للاتجاه الشخصي تعرض الاتجاه الموضوعي لعدة انتقادات من ذلك هو أن الاتجاه الموضوعي يعرف الحق بالغاية وهي المصلحة والشيء لا يعرف إلا بجوهره وليست الغاية منه وإذا كان الحق يتضمن مصلحة معينة فليست كل مصلحة هنا من الحقوق.
كما يؤخذ على هذا الاتجاه أنه يجعل من الدعوى عنصرا في الحق والحال الدعوى يكون لاحقة على نشوء الحق [7]

ثالثا: الاتجاه المختلط
في إطار الانتقادات التي وجهت إلى الاتجاه الشخصي والاتجاه الموضوعي ذهب اتجاه ثالث إلى المزج بينهما من خلال النظر إلى الحق من زاوية صاحبه وموضوعه على حد السواء، إلا أن أنصار هذا الاتجاه لم يتفقوا على تعريف واحد للحق فمنهم من يعرف الحق  بأنه  قدرة إرادية معطاة لشخص معين في سبيل تحقيق مصلحة يحميها القانون ومنهم من عرف الحق  بأنه  المصلحة التي يحميها القانون وتدافع عنها قدرة إرادية معينة[8]

وإذا كان هذا الاتجاه المختلط يمزج ويجمع بين الاتجاه الشخصي والموضوعي في تعريفه للحق فإنه من الطبيعي أن يتعرض لنفس الانتقادات التي وجهت للاتجاهين معا.

الفقرة الثانية : النظريات الحديثة
يتزعم النظرية الحديثة الفقيه البلجيكي “دابان” الذي عمل على تفادي النقد الذي وجه للاتجاهات السابقة وبذلك قام بتعريف الحق وذلك بتحليله لفكرة الحق ذاتها وبيان عناصرها وبذلك ففكرة الحق تتكون من العناصر التالية.

الاستئثار : ويعني اختصاص شخص معين بمال معين أو قيمة معينة وهذا الاستئثار أو الاختصاص يثبت لصاحب الحق ولو لم تتوافر لديه الإرادة كالمجنون أو الصغير  [9] ومن جانب أخر فإن هذا الاستئثار يرد على الأشياء المادية من منقولات وعقارات كما يرد على القيم اللصيقة بالشخص مثل سلامة حياته وجسمه كما يرد على عمل أو امتناع عن عمل يلتزم به الغير تجاه صاحب الحق [10].

التسلط :  ويقصد به القدرة على التصرف في محل الحق وهذا التسلط يثبت أيضا لصاحب الحق وإن لم تكن له إرادة إلا أن من يباشر عنه التسلط يكون هو من يتوب عنه قانونا [11].
* الرابطة القانونية : هي التي يحكمها القانون ولا يمكن الحديث عن رابطة قانونية إلا بين الأشخاص وحدهم وهذا يعني أنه لا يمكن تصور رابطة قانونية بين الأشخاص من جهة والأشياء من جهة أخرى، [12] لذلك فالحق يفترض تعدد الأشخاص واحترامهم لهذا الحق

*الحماية القانونية : استئثار الشخص بشيء أو قيمة معينة اختصاص غير كاف فإذا لم تكن هناك حماية قانونية تدعمه وتحميه من كل تشويش وهذه الحماية تتجسد من خلال الدعوى القضائية التي يرفعها صاحب الحق في مواجهة المترامين على حقه هكذا فالنظرية الحديثة تستقر على تعريف الحق  بأنه  ” ميزة يمنحها القانون لشخص معين ويحميها بطريقة قانونية وبمقتضاها يتصرف الشخص متسلطا على مآل معترف له به بصفته مالكا ومستحقا له [13]
الحق في الحياة فقها وقانونا
____________________________
[1] – محمد رأفت عثمان ، الحقوق والواجبات والعلاقات الدولية في الفقه الإسلامي ، ص 9.
[2] – د.رمضان أبو السعود النظرية العامة للحق ، ص  14 – 25.
[3] أحمد فيغو، المدخل إلى العلوم القانونية ، ص 235.
[4] محمد إبراهيم الدسوقي ، النظرية العام للقانون والحق في القانون الليبي ، ص  222.
[5] المرجع نفسه ، ص  223.
[6] – د رمضان أبو السعود ، مرجع سابق، ص 16.
[7] – عبد الواحد شعير ، المدخل البيداغوجي لدراسة القانون نظرية الحق ، ص 19 – 26.
[8] – ذ.رمضان أبو السعود ، مرجع سابق، ص 17
[9] حسن كيرة ، المدخل إلى القانون ، ص  432.
[10] – رمضان أبو السعود مرجع سابق، ص 240
[11] – أحمد فيغو مرجع سابق، ص 241
[12] – محمد إبراهيم الدسوقي مرجع سابق، ص 225.
[13] مرجع سابق، ص 225.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.