مشاركة المغرب في مجال مكافحة الجرائم المعلوماتية

المغرب والتعاون الدولي في مجال مكافحة الجرائم المعلوماتية – المبحث الثاني
لا يستقيم الحديث عن المغرب ودوره على المستوى الدولي في مجال مكافحة الجريمة المعلوماتية دون الحديث عن السياسة التشريعية والمستجدات القانونية على المستوى الوطني ومدى مراعاتها الاتفاقيات الدولية في هذا المجال ( المطلب الأول ) على أن ذلك مازالت تعترضه إشكالات وعراقيل تقتضي العمل الجاد لتجاوزها ( المطلب الثاني ) .

المطلب الأول: انخراط المغرب في مجال مكافحة الجرائم المعلوماتية
لقد غيرت المعلوميات كثيرا من المفاهيم القانونية في المجال الجنائي على الخصوص والسبب راجع إلى محاولة ضبط وتقنين وتكييف الأفعال التي يمكن ان تشكل جريمة معلوماتية، وقد حاولت بعض الدول إيجاد تشريعات جنائية تتعلق بهذه الجرائم حيث تم ذلك لبعض الدول من بينها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة السويدية وكندا وفرنسا والدانمارك [1].
وبدوره فالمغرب في هذا المنحى بغية التوصل إلى تشريع جنائي يستطيع من خلاله التعامل مع الجرائم المرتبطة بالحاسبات الآلية .
فبصدور القانون 03 / 07 بموجب ظهير رقم 197 / 03 / 1 بتاريخ 16 رمضان 1424 الموافق 11 / 11/ 2003 تم وضع حد للجدل الفقهي حول الأساس القانوني لتجريم الأفعال المشكلة لجريمة معلوماتية حيث كانت هناك ثلاث اتجاهات [2].

الاتجاه الأول: يقر بإمكانية معالجة الأفعال عن طريق قواعد عامة للتجريم بمعنى أنه يمكن الرجوع إلى القاعدة الجنائية العامة، ومن ثم تكيف على أساسها هذه الأفعال لكن كيف يمكن الحديث عن تجريم هذه الأفعال بالاستناد إلى قواعد عامة مقارنة بالمجال الذي يتم في إطاره التجريم والذي يتسم بالتطور الخصوصية.

الاتجاه الثاني: يرى أن القانون الجنائي المغربي لا يتوفر إلا على قواعد عامة وتقليدية لا تصلح لمعالجة مثل هذه الظواهر الإجرامية وتكييف أفعالها.

الاتجاه الثالث: اتجه في منحى آخر خلافا للاتجاهين السابقين ويقر بأن الأفعال الإجرامية المرتبطة بالمعلوميات لا تستوجب نصوصا خاصة، وإنما ضرورة تأويل النصوص القانونية العامة من طرف القضاء بناء على سلطته التقديرية .
وباستقراء مضامين الباب العاشر ( الفصل 3 – 607 – إلى 11-607) من القانون الجنائي من خلالها أن المشرع جرم فعل الدخول والبقاء غير المشروع في النظام المعلوماتي وعاقب عليه بل وشدد العقوبة في حال حذف أو تغيير أو وقوع اضطرابات في سير النظام المعلوماتي والمس بالأمن الداخلي أو الخارجي للدولة أو أسرارا تهم الاقتصاد الوطني، وبصفة عامة كل المصالح الحيوية في البلاد بالإضافة إلى حالة وقوع هذه الأعمال من طرف موظف أو مستخدم أثناء مزاولته لمهامه أو بسببها أو إذا سهل للغير القيام بها [3].
من جانب آخر يثار السؤال حول إمكانية إسقاط جريمة السرقة العادية على سرقة المعلوميات وتكييف الأفعال المشكلة لهذه الجريمة وبالتالي المعاقبة عليها
بمعنى آخر هل الأموال المتداولة في النطاق المعلوماتي يمكن أن تكون محالا لسرقة أو النصب أو خيانة الأمانة أو الاتلاف العمدي لهذه الأموال ؟

ينص الفصل 505 من القانون الجنائي على ” من اختلس عمدا مالا مملوكا للغير يعد سارقا ، ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات ، وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم ” فأركان جريمة السرقة إذن هي:
1-الركن القانوني: الفصل الثالث من القانون الجنائي ، وأساس الركن في جريمة السرقة هي الفصول من 505 إلى 539 من القانون الجنائي
2-الركن المادي: انتزاع أو إخراج المال أو الشيء من حيازة صاحبه بدون رضاء من المجني عليه .
3-الركن المعنوي: القصد الجنائي أو قصد الغش كما عبر عنه المشرع الفرنسي في قانون العقوبات ، والقصد الجنائي ليس العام بعنصريه العلم والإرادة بل القصد الخاص وهو نية التملك عن طريق الاختلاس [4].
يمكن القول أن جريمة السرقة لا يمكن إسقاطها على سرقة المعلوميات إلا في حالات متمثلة أساسا في الجانب المادي فيما يتعلق بالمعلوميات.

أما ما يتعلق بأحد الأفعال المشكلة للجريمة المعلوماتية والمتمثلة في جريمة الدخول إلى نظام للمعالجة الآلية للمعطيات عن طريق الاحتيال فقد نصت على عقوبتها مقتضيات الفصل 3- 607 بالقول ” يعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبالغرامة من 2000 إلى 10.000 درهم أ بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من دخل إلى مجموع او بعض نظام للمعالجة الآلية للمعطيات عن طريق الاحتيال … [5]
يرى الفقه الفرنسي ان الدخول له مدلول مادي معنوي هذا الأخير الذي يشبه الدخول إلى النظام المعلوماتي بمثابة من يدخل على داكرة الإنسان، في حين يعني الدخول في مدلول المادي محاولة الدخول أو الدخول بشكل فعلي إلى النظام المعلوماتي والمشرع الفرنسي لم يحدد وسيلة الدخول إلى النظام مثله مثل المشرع العربي في المادة الثانية من القانون النموذجي وبالتالي فالدخول إلى نظام للمعالجة الآلية للمعطيات يجوز بأية وسيلة تقنية كانت[6].

يتمثل الركن المادي في الدخول الفعلي إلى مجموعة أو بعض نظام للمعالجة الآلية معطيات عن طريق الاحتيال حسب مقتضيات الفصل 607 من القانون الجنائي المغربي بمعنى الولوج إلى محتويات الجهاز والاتصال مباشرة النظام بالطرق الفنية اللازمة لذلك، كما تعتبر هذه الجريمة مؤقتة إما الركن المعنوي فإنه يتحقق بتوافر عنصر علم الجاني بأنه يدخل نظاما للمعالجة الآلية للمعلومات الخاصة بالغير والاعتداء عليها دون حقه في ذلك ناهيك عن إرادة الجاني أثناء دخوله إلى النظام وان الدخول لم يكن صدفة.
أما فيما يخص البقاء غير المشروع في النظم المعلوماتية، فهو على خلاف الدخول يعتبر من الجرائم المستمرة التي يتحقق ركنها المادي منذ اللحظة التي يقرر فيها الجاني الإبقاء على الاتصال وعدم الخروج منه بالإضافة إلى ضرورة توافر إرادة الجاني وعلمه بأنه يتواجد الإشارة إلى أن ظروف التشديد في العقوبة على هذا الفعل هي نفسها المتعلقة بجريمة الدخول إلى النظام بشكل غير مشروع .
ودون الإخلال بالمقتضيات الجنائية الأشد يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبالغرامة من 10000 إلى 1.000.000 درهم كل من زور أو زيف وثائق المعلوميات أيا كان شكلها إذا كان من شأن التزوير أو التزييف إلحاق ضرر بالغير كما تطبق العقوبة على كل من استعمل هذه الوثائق وهو يعلم أنها مزورة أو مزيفة ( حسب الفسل 7 – 607  من القانون الجنائي )

مجمل القول أن المشرع المغربي من خلال القانون 03-07 قام بإدراج مجموعة من الجرائم المتعلقة بنظم معالجة المعلومات مثل الاعتداء على البيانات والمعلومات المخزنة في الحاسوب عن طريق الغش او التزوير أو السرقة والحصول على تلك البيانات والمعلومات دون إذن أو بالتحايل على الأجهزة [7]
كما أن المشرع لم يشر إلى الاعتداء المادي على أجهزة وأدوات الحاسب الآلي بالسرقة أو التخريب أو الاتلاف وذلك مرده إلى أنها تمثل جرائم عادية تخضع للقانون الجنائي كالسرقة مثلا كما لم تتم الإشارة إلى جريمة التحايل على الحاسوب الآلي الغرض تحويل ونقل الأموال المتحصلة من الجرائم لغسلها او تبييضها [8].
الطبيعة القانونية لجرائم الحاسوب
________________________________________________

[1] – عبدالله العلوي البليغثي ، الإجرام المعاصر أسبابه وأساليب مواجهته السياسية والجنائية بالمغرب واقع وآفاق المجلد الأول ، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية الطبعة الثانية 2004 ص  223.
[2] – المرجع نفسه ،ص  223
[3] – الفصل 3 – 607 من القانون 03 – 07 المتمم لمجموعة القانون الجنائي فيما يخص الجرائم المتعلقة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات
[4] – عبد الفتاح بيومي حجازي، مكافحة جرائم الكمبيوتر والأنترنيت في القانون العربي النموذجي دار الفكر الجامعي ، الطبعة الأولى، 2006 ص  416.
[5] الفصل 3- 607 من القانون الجنائي المغربي
[6] – عبد الفتاح بيومي حجازي مرجع سابق، ص  355
[7] – عبدالله العلوي البلغيثي ، الإجرام المعاصر أسبابه وأساليب مواجهته مرجع ساب، ص  225-226.
[8] – المرجع نفسه ،ص  225 – 226.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.