تنظيم العلاقات المالية بين الزوجين بعد الطلاق الإتفاقي

الاتفاق على الآثار المترتبة على الطلاق – المبحث الثاني:
بالإضافة إلى إمكانية الزوجين الاتفاق على مبدأ إنهاء العلاقة الزوجية, فقد حرص المشرع المغربي على ايلاء إرادة الزوجين دورا أساسيا في تنظيم جميع العلاقات الناتجة عن هذا التصرف, فخول لهما إمكانية الاتفاق أيضا على الآثار المترتبة على هذه الفرقة. فمنح للزوجين حرية تنظيم علاقاتهما الشخصية عند الطلاق (المطلب الأول) كما سمح لهما أيضا بالاتفاق على مصلحة أطفالهما, وواجباتهما نحوهما بعد الطلاق (المطلب الثاني) في إطار احترام أحكام مدونة الأسرة.

المطلب الأول: اتفاق الزوجين على تدبير علاقاتهما الشخصية
للزوجين التراضي على تنظيم علاقاتهما الشخصية عند الطلاق، والتي تتضمن الاتفاق على العلاقات المالية المشتركة بينهما (الفقرة الأول) وحقوق الزوجة بعد الطلاق (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تنظيم العلاقات المالية بين الزوجين
إن تنظيم العلاقة المالية بين الزوجين عند انحلال الرابطة الزوجية تختلف باختلاف مرجعية النظام القانوني السائد في كل دولة وفلسفتها للرابطة الزوجية، الأمر الذي يجعل العلاقات المالية ذات العنصر الأجنبي محل لتنازع القوانين[1].

ذلك أن المشرع المغربي ورغم المستجد الذي نص عليه في المادة 49 من مدونة الأسرة على أنه يجوز للزوجين في إطار تدبير الأموال التي ستكسب أثناء قيام الزوجية الاتفاق على استثمارها وتوزيعها، بحيث يتراضيان في بداية حياتهما الزوجية على الطريقة التي يروها ناجعة لاستثمار أموالهما, ويحددان أيضا نصيبهما, من الأموال التي تمت اكتسابها خلال الحياة الزوجية أو عند انتهائها بالوفاة أو الطلاق [2].

وتجد هذه المادة سندها فيما يصطلح عليه فقها وقانونا، من تصرفات تدخل في نطاق مبدأ سلطان الإرادة, التي تخول لكل شخص تدبير شؤونه وإدارة أمواله، والتصرف فيها بالشكل الذي يراه ملائما من غير أن يخالف القواعد الآمرة في ذلك.

فانه و رغم ما تضمنته هذه المادة من مقتضيات إلا أنها جاءت لتؤكد من جديد، ما كان عليه الوضع في ظل مدونة الأحوال الشخصية، و أن الذمة المالية لكل واحد من الزوجين تظل مستقلة عن الآخر يتصرف فيها كيف شاء [3].
فالأصل هو استقلال كل شخص بذمته المالية، الأمر الذي يعني أن الزوج المغربي في إطار الطلاق الاتفاقي يقوم بتنفيذ ما التزم به من تدبير لأموال المكتسبة خلال قيام الزوجية وفق مبدأ انفصال الذمة المالية للزوجين، وفي حالة عدم وجود اتفاق مسبق بينهما, فإنهما يخضعان للقواعد العامة في الإثبات حسب ما نصت عليه المادة 49.

على انه في حالة الاتفاق على تدبير أموالهما المشتركة, ليس هناك ما يمنع الطرفين من تنفيذ الاتفاق حول قسمة الأموال التي اكتسبت أثناء قيام الزوجية أو إعادة قسمتها، ما دام أن المشرع المغربي عمل على توسيع مجال الإرادة في مدونة الأسرة, وإن كانت المادة 49 من مدونة الأسرة لم تعترف بحق الزوجة في الكد والسعاية كما نادى به العديد من فقهاء المالكية في المغرب [4].
ذلك أن المشرع المغربي كل ما سمح به هو إمكانية الزوجين، إبرام عقد مستقل بينهما، يتوافقان فيه على الطريقة التي سيتم بها تدبير الأموال التي سيتم اكتسابها.

والواقع أنه سمح بتصرف هو أصلا مباح شرعا وقانونا ويجوز القيام به من غير التنصيص عليه مادامت هذه التصرفات لا تمس النظام العام المغربي ولا مقاصد وغايات عقد الزواج وليس من الشروط المنافية له[5].
كما أن هذا التصرف ينبثق من استقلال كل واحد من الزوجين بذمته المالية، وهذا على خلاف ما ذهب إليه المشرع التونسي الذي أجاز للزوجين اختيار نظام الاشتراك في الأملاك عند إبرام عقد الزواج أو بتاريخ لاحق.

وهو نظام اختياري يهدف إلى جعل عقار أو جملة من العقارات ملكا مشتركا بين الزوجين متى كانت من متعلقات العائلة بل ذهب أبعد من ذلك عندما نص في الفصل 2 انه إذا صرح الزوجان بأنهما يختاران نظام الاشتراك في الأملاك فإنهما يخضعان إلى أحكام هذا القانون[6], كما يحق لهما الاتفاق على توسيع نطاق الاشتراك بشرط التنصيص على ذلك صراحة بالعقد.

وبهذا منح القانون التونسي للزوجين الحرية التامة في اختيار النظام المالي الذي يرغبان في الخضوع إليه, واعتبر الزواج المبرم دون تنصيص على رأي الزوجين في نظام الأملاك الزوجية, بمثابة اختيار لنظام التفرقة في الأملاك. [7].

وإن كان الأشكال يطرح في حالة كون الزوجين يحملان معا الجنسية المغربية واختار الخضوع إلى قانون الموطن المشترك، أو في الحالة التي يكون أحد الزوجين أجنبيا، أو يتوفران على ازدواجية في الجنسية[8]. لأن النظام السائد في الدول الغربية هو مبدأ شيوع الأموال بين الزوجين ما لم يتفق الأطراف على استعباده، فالقانون الفرنسي يترك حرية للزوجين في الاختيار بين :

-نظام الفصل في الأموال الذي يقوم على الفصل الاتفاقي للأموال[9]، وان كان الزوجين يشتركان في واجب المساعدة والنفقة وما تتطلبه مصروفات البيت وما يتم اقتناؤه, بعد الزواج مما يستلزم عند إنهاء العلاقة الزوجية تنظيم العلاقة المالية على أساس أنها قائمة على الاشتراك في الأموال فيما اقتناه الزوجين أثناء قيام العلاقة الزوجية.[10]

-نظام الاشتراك في الأموال وهو إما نظام اشتراك قانوني، المتبع فيما لم يختر الزوجان نظام آخر في العقد أو الاشتراك الاتفاقي إذ يتم الاتفاق على تعديل نظام الاشتراك القانوني وتمديده ليشمل كل الأموال المنقولة والعقارية التي يملكانها من تاريخ إبرام الزواج.

كما أن القانون البلجيكي يستلزم من الزوجين في حالة الطلاق الاتفاقي، القيام بالتسوية الاتفاقية، وتوزيع جميع الممتلكات المشتركة وتوثيق هذه الحقوق المتفق عليها بشكل دقيق في متن الاتفاق الأولي أو في عقد مستقل، وقد منح المشرع البلجيكي الحرية لإرادة الزوجين فيما يقررانه، مما سيسمح للمغاربة المقيمين في بلجيكا, اختيار القانون الوطني المغربي في ما يخص تدبير أموالهما المشتركة.

إلا أن الضمانات التي يقررها التقنين البلجيكي للزوجين مقارنة مع التشريع المغربي تجعل الزوجين يرغبان في الخضوع للقانون البلجيكي الذي يوجب علهما في حالة وجود عقارات مشتركة اللجوء إلى جرد الممتلكات, من قبل الموثق, الذي يجب عليه القيام باتخاذ جميع الإجراءات التي ينص عليها القانون.
وإن كان قانون وجود العقارات يتدخل من أجل الحد من اتفاق الأطراف وحماية الطرف المتضرر، فإن الأمر لا يثير اشكالا إذا كان موقع هذه الممتلكات في موطنها المشترك.

وعلى خلاف ذلك عندما يكون موقع بعض الممتلكات في المغرب، فقد يلجأ أحد الزوجين إلى التدليس أو الغبن, خاصة وأن المشرع المغربي لا يعترف بحق المرأة في أن تمتلك حصة من الممتلكات مساوية لحصة الزوج عند انتهاء الرابطة الزوجية، وحتى عندما تكون هذه الحقوق القانونية ثابتة للمرأة باتفاق مسبق، وتقوم المحاكم بإنفاذها، فإن الرجل هو الذي يدير الممتلكات التي تملكها المرأة أثناء الزواج أو عند الطلاق[11].

و أمام غياب نص تشريعي في القانون المغربي يوفر لها هذه الحماية, نجد أن التشريع البلجيكي يفرض للنظام المالي في قانون الطلاق حماية خاصة، إذ يتعرض طرف العلاقة الزوجية الذي تحايل على القانون, في شخص الخبير العقاري في حالة تعيينه أو الموثق,  بإخفاء بعض الممتلكات عن الآخر إلى عقوبات جنائية سالبة للحرية، أو مادية بالإضافة إلى العقوبات المدنية كحرمانه من الأموال التي قام بإخفائها.

أما في حالة غياب اتفاق مسبق بين الزوجين خلال الحياة الزوجية، فإنه حسب المادة 49 من قانون الأسرة يكون التركيز موجها بدرجة أكبر عند تقسيم ممتلكات الزوجية إلى المساهمات المالية في الملكية المكتسبة أثناء الزواج، بينما ينتقص من قدر الإسهامات الأخرى، مثل تربية الأطفال ورعاية الأقرباء وأداء الواجبات المنزلية، وهذه الإسهامات ذات الطابع غير مالي التي تقدمها الزوجة، كثيرا ما تمكن الزوج من كسب الدخل ومن زيادة الأصول المالية، الأمر الذي يجعل المرأة المغربية تفضل اختيار الخضوع لقانون الإقامة على القانون الوطني المغربي.

مما يستوجب من المشرع المغربي القيام بتدارك النقص التشريعي وحماية الأموال المكتسبة أثناء الحياة الزوجية, وإعطاء الإسهامات المالية وغير المالية نفس الوزن، عند غياب اتفاق مسبق بين الزوجين، والعمل على توفير النصوص القانونية، التي تضمن الحماية من التدليس أو التحايل الذي يقوم به أحد طرفي العلاقة الزوجية والإقتداء بالنهج الذي سار عليه التشريع البلجيكي من خلال فرض عقوبات مدنية وجنائية عند الاقتضاء.
الطلاق الإتفاقي للمغاربة في المهجر وفق مدونة الأسرة
___________________________________________________
[1] -موسى عبود “الوجيز في القانون الدولي الخاص المغربي”طبعة 1994, ص 19
1- استجابت هذه المادة للواقع المعيش للأسرة المغربية و عالجت مسألة حق استفادة الزوجة من الأموال المكونة خلال الحياة الزوجية والتي ساهمت في تكوينها، عند وقوع الطلاق، معتمدة في ذلك علة مقاصد الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي، الذي تبلور في عدة فتاوي ونوازل حكم فيها القضاء عملا بقواعد الإنصاف والعدالة والقسط، حيث ساير العمل القضائي الحديث هذا التراث الفقهي في العديد من الأحكام الصادرة من مختلف درجات المحاكم المغربية ففي قرار صادر بتاريخ 28-11-1987 تحت عدد 44. للمجلس الأعلى اعتبر أن “الاستفادة التي تحصل للزوجة إذا تبت أ ن ما استفاد له ناتج عن عملهما المشترك، تجعل الكد والسعاية ثابتين للزوجة وتستحق بذلك نسبة من الثروة خلال الحياة الزوجية.
انظر في هذا الصدد زهور الحر حق الزوجة في المستفاد من الثروة، مداخلة في إطار الندوة الخاصة بمدونة الأسرة التي نظمها المعهد العالي للقضاء بمدينتي إفران ومراكش 23 – 26 فبراير 2004.
[3] -وهو ما يتعارض مع القانون الدولي الخاص المقارن الذي يخضع العلاقات المالية للقانون الذي يختاره الزوجين صراحة أو ضمنا,”ففي قضية متعلقة بالنظام المالي بين زوجين من كاني(  Ganey)ذكر ديمولان بأنه يتعين اعتبار النظام المالي للزوجين كعقد ضمني بينهما وان الزوجين قررا إخضاع هذا العقد لقانون أول موطن لهما لذا يتعين تطبيق القواعد العرفية لباريس على مجموع أموال الزوجين أينما كان محل وجودها نظرا لان باريس كانت موطن الزوجين خلال فترة الزواج” ناصر متيوي مشكوري”مبادئ في القانون الدولي الخاص مكتبة المعارف الجامعية طبعة 2003 ص 13.
[4] – يمكن القول أن فتوى ابن عرضون الصادرة في القرن السادس تضمنت رؤيا رائدة ومتقدمة، فقد قال ابن عرضون لما سئل عن الزوجة التي تقدم عملها للزوج وهي غير ملزمة بذلك هل تشاركه في الأموال التي تعود عليه في ذلك أم لا؟ فأجاب “أن للزوجة الحق في اقتسام الثروة مع زوجها على التساوي فلها النصف في ثروته عند الطلاق. ولها النصف من تركته عند الوفاة غير نصيبها في الإرث جزاء لها عما قامت به من أعمال لا تلزمها أو جزاء لها عما بذلته من جهد أثناء الحياة الزوجية.
انظر في هذا الصدد : عبد الكبير العلوي المدغري، المرأة بين أحكام الفقه والدعوة إلى التغيير سنة 1999 ص 197.
[5] – إدريس الفاخوري مرجع سابق ص 16.
[6] – قانون عدد 91 لسنة 1998 مؤرخ في 9 نوفمبر 1998 يتعلق بنظام الاشتراك في الأملاك بين الزوجين.
[7] – الفصل 7 من نفس القانون.
[8]- فان مصير الحكم الصادر بناءا على اختيار نظام غير النظام المغربي في تقسيم الأموال المشتركة بين الزوجين عدم الاعتراف به أمام القضاء المغربي وفي ذلك ذهبت المحكمة الابتدائية بالناضور قسم قضاء الاسرة في حكم عدد :503بتاريخ 24/05/2004 رفض الطلب الذي تقدمت به المدعية لمنح الصيغة التنفيذية للحكم الأجنبي الصادر عن القضاء البلجيكي بتاريخ 24/10/2000 في الملف عدد السجل العام A/3681/97 والقاضي بالطلاق الاتفاقي بين الزوجين “حيث أن الحكم الأجنبي صدر في دعوى أطرفها زوجان مغربيان تزوجا وفق القانون المغربي وان من جملة ما قضى به الحكم بعد الطلاق بين الطرفين قسمة وكذلك تصفية وتوزيع الاموال المشتركة بينهما نتيجة فسخ الرابطة الزوجية…
وحيث انه ليس في القانون المغربي ما يعرف بالأموال المشتركة بين الزوجين ما لم يكن اتفاق مسبق بينهما وحيث انه واستنادا الى ما ذكر يكون الحكم الأجنبي المطلوب تذييله, عندما فصل في مسالة الأموال المشتركة بين الزوجان المدعيان نتيجة فسخ الرابطة الزوجية بينهما قد جاء مخالفا للنظام العام المغربي مما يتعين معه التصريح برفضه.    حكم غير منشور
[9] – راجع في هذا الصدد, رعد مقداد محمود الحمداني، النظام المالي للزوجين، الطبعة الأولى 2003 ص 65.
[10] – إن هذا النوع من الاتفاق على تدبير الأموال بين الزوجين بعد الزواج يتوافق مع ما نص عليه المشرع المغربي في المادة 49 من قانون الأسرة.
[11]- وفي كثير من الدول، بما فيها تلك الدول التي يوجد فيها نظام الملكية المشتركة ليس ثمة حكم قانوني يشترط استشارة المرأة عند بيع الممتلكات التي كان يملكها الطرفان أثناء الزواج أو عند التصرف في تلك الممتلكات بشكل آخر. وهذا يقيد قدرة المرأة على مراقبة التصرف في الممتلكات أو الدخل المتحصل عليه مما يتطلب توفير حماية قانونية لها في هذا الإطار.

قرأوا أيضا...

1 فكرة عن “تنظيم العلاقات المالية بين الزوجين بعد الطلاق الإتفاقي”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.