مسؤولية الغش في البضاعة في القانون الجنائي

المسؤولية الجنائية للغش في البضائع – المبحث الأول:
بعد التهميش الذي شهدته مؤسسة الحسبة خلال فترة الحماية[1] توالت النصوص المنظمة لزجر الغش التي عرفت بدورها تقلبات كثيرة ابتدأت من الرسالة الدورية التي وجهها مندوب الإقامة العامة الفرنسية بالمغرب إلى رؤساء البلديات بتاريخ 17/09/1913 والمتضمنة لنص نموذجي يجب الاعتماد عليه في صياغة القرارات البلدية المتعلقة بالزجر والغش في المواد الغذائية والمواد المخصصة للمدواة.

وتبعا لذلك أصدرت بلدية الدار البيضاء في 20/11/1913 قرارا بلديا يمنع الغش في المواد الغذائية والمواد المخصصة للمدواة ويسند أمر البحث وتحرير المحاضر إلى الشرطة التي توجهها طبقا للفصل الخامس إلى القنصل أو السلطة المعنية في نفس الوقت مع جميع الأشياء والمنتوجات لكي يتابع المخالف طبقا لتشريع الدولة التي ينتمي إليها ونظرا لعدم فعالية القرار بسبب ارتباط المغاربة بولاية الحسبة ولشدة العقوبات بالنسبة للفرنسيين أو غيرهم من الأجانب المقيميين فإن السلطات الفرنسية أصدرت ظهيرا بتاريخ 26/3/1914 يتعلق بمخالفات قرارات القواد والباشاوات في ميدان الغش الذي ووجه بمعارضة صارمة لتوحيده العقوبة بالنسبة لجميع المخالفات وتشديدها وبتاريخ 14/10/1914 صدر الظهير المتعلق بزجر الغش الذي جاء سنة 1959 عرف ستة عشر تتميما وتعديلا وتغييرا وعرفت هذه السنة كما هو معلوم صدور الظهير الشريف رقم 380. 59. 1 بتاريخ 29/10/1959 الذي جعل من جرائم الغش الماسة بصحة الأمة جنايات معاقب عليها بالإعدام مع التطبيق بأثر رجعي[2] إثر كارثة الزيوت المسمومة التي ذهب ضحيتها أكثر من الالاف المغاربة.

إلى أن كل هذه التقلبات توجت بصدور قانون جديد لزجر الغش اعتبر ثمرة كل هذه التجارب واحتل مكانة بارزة تجعله من القوانين المتطورة وهو قانون 83 . 13 الذي نفذ بظهير 5/10/1984.

هذا القانون يتكون من ثلاثة أقسام:
القسم الأول: يتعلق بالجرائم وعقوباتها (ف 1 إلى 17)[3]
القسم الثاني: يتعلق بمسطرة البحث عن الجرائم وإثباتها ( ف 18 إلى 42)
القسم الثالث: يتعلق بأحكام متنوعة عامة وانتقالية

ولن أتطرق من خلال هذه الدراسة لكل هذه الأقسام بل سأكتفي بدراسة نطاق المسؤولية الجنائية للغش في البضائع.

إن قانون زجر الغش في البضائع يعد من القوانين الخاصة إلا أن هذا لا يمنع من خضوعه للمبادئ العامة للقانون الجنائي فيما يتعلق بالأركان اللازمة لقيام الجريمة وكذا لقواعد المسؤولية الجنائية المنصوص عليها في الفصول 132 إلى 140 من القانون الجنائي.

ولقد جعل هذا القانون طبقا لمبادئ القانون الجنائي العام النية عنصرا ضروريا لقيام جنحة الغش في البضائع إلا أن الكثير من التطبيقات القضائية قد خالفت هذه القاعدة بحيث انقسم القضاء في هذا الصدد إلى اتجاهين حيث ذهب الاتجاه الأول إلى أن إثبات الركن المعنوي للجنحة يقع على عاتق النيابة العامة أما الاتجاه الثاني فيذهب إلى أن جرائم الغش تعتبر جرائم مادية يكفي فيها توافر الركنين المادي والقانوني وإن لم يصرح بذلك.

فقد ذهب بعض الفقه [4] إلى تساؤل بخصوص الاتجاه الأخير على يشكل تحولا من المسؤولية المبنية على الخطأ إلى المسؤولية المبنية على تحمل المخاطر.

وعند قيام المسؤولية الجنائية للغش في البضائع يجب توافر وتعقد العناصر الأساسية المكونة لها أي الإدراك والإرادة حتى يمكن القضاء متباعة وإدانة مخالفته للأفعال التي حددها المشرع في هذا القانون.
المسؤولية الجنائية للغش في البضائع بين القانون والقضاء
___________________________________________________
[1] – جواد الغماري “معاد وخصائص قانون الاستهلاك” مجلة القانون والاقتصاد العدد العاشر،  ص 81.
[2] – محمد بوغادي : حماية المستهلك في ضوء قانون زجر الغش في البضائع مجلة المحكمة العدد 1 / 2003 ص 76-77.
[3] – جواد الغماري: جرائم الغش في البضائع” الطبعة الثانية 2002 ص 52-54.
[4] – محمد شعبي: الحماية القضائية للمستهلك في عادة زجر الغش في البضائع محاكم الدار البيضاء  نموذجا،  ص 69.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.