المطلب الثاني : أركان الوكالة
يعتبر عقد الوكالة كسائر العقود حيث يستلزم توفرها، على أربعة أركان من رضى وأهلية ومحل وسبب، وإن خللت نصوص الوكالة من حكم معين تعين الرجوع في شأنها إلى القواعد العامة في الالتزام لذا سنتطرق لهذه الأركان في الفقرات الاتية :
الفقرة الأولى : الرضى
يلزم انعقاد الوكالة أن يلتقي إيجاب الموكل مع قبول الوكيل والإيجاب معناه إظهار ما يدل من الموكل على رغبته في التوكيل، والقبول معناه رضى الوكل بالتوكيل الذي أسند إليه، والأصل تقدم الإيجاب عن القبول في العقود كلها لكن ذلك ليس شرطا فلو تقدم القبول عن الإيجاب صح العقد
فالوكالة إما ان تكون صريحة وهي التي يرد فيها الإيجاب والقبول بصورة صريحة أما الوكالة الضمنية فهي التي يرد فيها رضا أحد طرفي العقد، ضمنيا، بحيث قد يكون الإيجاب صريحا من طرف الموكل والقبول ضمنيا من طرف الوكيل وقد نصت المادة 883 من قانون الالتزامات والعقود على ان تتم، الوكالة بتراضي الطرفين ويسوغ ان يكون رضى الموكل صريحا أو ضمنيا مع استثناء الحالات التي تتطلب القانون فيها شكلا صريحا”.
كما أن التوكيل يمكن أن يكون توكيل على بياض أو لحامله والتوكيل على بياض هو الذي يصدره الموكل ويترك بياض مخصصا لاسم الوكيل من دون تعيينه بالذات أي هو توكيل لا يعين فيه الموكل وكيله وإنما يترك البياض لكتابة اسم الوكيل فيما بعد .
أما التوكيل للحامل فهو الذي يعطي بمقتضاه الموكل، توكيلا لحامله دون ذكر اسمه لهذا الغير أو لغيره من يسلم إليه التوكيل للحامل أن يقوم بتنفيذ الوكالة، ويكون الحامل الاخير الذي قام بتنفيذ الوكالة هو الملزم اتجاه الموكل. وبذلك فإن التوكيل للحامل يتضمن وكالة أصلية ونيابية في التوكيل وبالتالي فهو يختلف عن التوكيل على بياض كما ان الوكالة البنكية هي الأخرى تتطلب رضا كل من طرفي العقد بحيث يمكن أن يكون هذا الرضا صريحا أو ضمنيا وتكون الوكالة البنكية ضمنيا إذا كان إيجاب الموكل ضمنيا وكان بقبول الوكيل ضمنيا كما في حالة توكيل الزبون البنك في استخلاص كمبيالة كما قد تتطلب الوكالة أن تأتي في شكل معين
وحيث أن التعاملات البنكية تشترط في اغلب الأحيان إجراء توكيل داخلي خاص بها أي توكيل يقوم البنك بطبع نموذجه ويتم التوقيع عليه من قبل الموكل والوكيل أمام الموظف المسؤول في البنك وذلك بعد أخذ نماذج توقيع لهما
الفقرة الثانية : الأهلية
الأهلية هي قدرة الشخص على القيام بالتصرفات القانونية وتثبت بتوفر سن الرشد القانون، أي الصلاحية لإجراء التصرفات القانونية التي تكسبه الحق وتحمله الالتزام ولما كان العمل القانوني الذي يبرمه النائب الحساب الأصيل وباسمه ينصرف أثره إلى الأصيل مباشرة ويجب أن يكون الموكل أهلا وقت الوكالة .
فالموكل إذن هو من يريد أن يقيم غيره مقام نفسه، وشرطه أن تتوفر فيه الأهلية العقود، بأن يكون بالغا راشدا ومالكا للتصرف فيما وكل فيه، فلا يصح من الصبي أو السفيه أو المجنون، أن يوكل غيره لأن تصف السفهاء ومن في حكمهم موقوف على إذن وليه الأولياء لقوله تعالى :” فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل “..
وتشير المادة 880 من قانون الالتزامات والعقود :” على أنه يلزم الحصة الوكالة أن يكون الموكل أهلا لأن يجري بنفسه التصرف الذي يكون محلا لها
وبالتالي فإن الأهلية المتطلبة لإجراء التصرفات القانونية في الموكل لإبرام عقد الوكالة هي نفسها أهلية التصرف محل الوكالة.
وإضافة إلى هذه الأهلية هناك الأهلية المطلوبة للالتزام بما تنشئه الوكالة نفسها من التزامات
فلا يجب إذن ان تتوفر في الموكل أهليتان : أهلية الالتزام بالوكالة وأهلية الالتزام بالتصرف محل الوكالة وهذه الأخيرة يجب أن تتوافر عنه إبرام الوكالة وأن تظل قائمة وقت إبرام التصرف .
وبالتالي فإن الموكل في الوكالة البنكية يلزم توفر على هذه الأهلية أما الوكيل فقد اشترطت المادة 880 من قانون الالتزامات والعقود :”أن يكون متمتعا بالتمييز بقواه العقلية، ولو لم تكن له صلاحية إجراء التصرف في حق نفسه
فيسوغ للشخص أن يجري باسم الغير ما لا يستطيع ان يجريه بالأصالة عن نفسه”
ومن خلال هذه المادة نستنتج انه يشرتط في الوكيل أن يكون قد أتم الثانية عشرة من عمره وغير مصاب بجنون مادام أثر التصرف القانوني محل الوكالة لا تنصرف إلى الوكيل وإنما للموكل لكن نظرا خصوصيات الوكالة البنكية وارتباطها بالمجال الاقتصادي فإنه يجب توفر الأهلية بالنسبة للوكيل عكس ما تقتضي به القواعد المدنية العامة في الوكالة بالنسبة للوكيل.
الفقرة الثالثة : المحل
يعتبر المحل ركنا من أركان الوكالة فإنه يستلزم كذلك توفره في الوكالة البنكية على غرار الوكالة العادية لأنه هو التصرف القانوني الذي يقوم به الوكيل لحساب الموكل ففي المجال البنكي فقد يكون توكيلا في قبول واكتتاب وتظهير وتداول وتخليص الكمبيالات وكل السندات والشيكات وسندات الخزن وكل الاوراق التجارية، وقد يكون توكيلا في تشغيل الحساب…
ويشترط في التصرف الذي يكون محلا للوكالة ان يكون ممكنا فإذا كان مستحيلا كان باطلا لأنه التزام بمستحيل وبالتالي تبطل الوكالة تبعا لبطلان التصرف وقد نص الفصل 59 من قانون الالتزامات والعقود على بطلان الالتزام ” يبطل الالتزام الذي يكون محله شيئا أو عملا مستحيلا إما بحسب طبيعته أو بحكم القانون وتكون الاستحالة مادية بحسب طبيعة التصرف القانوني عما لو محل الوكالة بيع منتوجات وهمية وتكون قانونية في الحالة التي يكلف فها الموكل الوكيل القيام أعمال قامت السلطات المختصة بإصدار قرار يمنعها “.
وأن يكون هذا العمل معينا أو قابلا للتعيين أي ان يكون معينا تعيينا كافيا بنفي عنه كل لبس او غموض من شأنه أن يحول دون معرفة الوكيل بالتصرف القانون الواجب القيام به، وإذا لم يكن محل الوكالة معينا فيجب على الأقل أن يكون قابلا للتعيين
وبالإضافة إلى الشرطين السابقين لابد أن يكون العمل مشروعا ويكون كذلك إذا لم يكن مخالفا للنظام العام والأخلاق الحميدة او للقوانين الدينية والمدنية
وعموما فمحل الوكالة يجب أن تطبق عليه القواعد العامة والذي يقتضي ان يكون التصرف القانوني محل الوكالة ممكنا وأن يكون معينا القابل للتعيين وأن يكون مشروعا وههذا ما نصت عليه المادة 881 من قانون الالتزامات والعقود.
الفقرة الرابعة : السبب
نعني بالسبب الغاية من إقدام المعني بالامر من اتخاذ الوكالة البنكية فقد تكون هذه الغاية هي تسهيل المعاملات البنكية، إذ غالبا ما يصعب على الشخص القيام بجميع أعماله ومن هنا يلجأ إلى مثل هؤلاء الوكلاء لتكليفهم بالبعض منها كما في حالة توكيل صاحب الحساب البنك في القيام بتحويل بنكي ويشترط في هذا السبب أن يكون مشروعا ويكون كذلك إذا لم يكن مخالفا للنظام العام والأخلاق الحميدة.
وعلى كل حال فالسبب يرجع فيه إلى القواعد العامة التي اخذ بها المشرع المغربي في المواد 62-65 من قانون الالتزامات والعقود وهي النظرية التي تحصر السبب في الغرض أو الهدف المباشر الذي يقصد الملتزم تحقيقه والذي من أجله تحمل بالالتزام عن طريق التعاقد والذي يجب أن يكون موجودا مشروعا وحقيقيا .
والأصل أن الوكالة تنعقد لمصلحة الموكل، وقد تنعقد لمصلحة كل من الموكل والوكيل، كما إذا اوكل أحد الشريكين في الشيوع الشريك الآخر في إدارة المال الشائع، أو في حالة توكيل الشركاء من ينوب عليهم في إنجاز العمليات البنكية في الحساب الجماعي.
وبتوفر الوكالة البنكية على الأركان اللازمة لانعقادها، فإنها تكون صحيحة وبالتالي حلول الوكيل محل الموكل في القيام بجميع الأعمال الموكلة له . فما هو إذن نطاق تضييق الوكالة البنكية ؟
___________________________
عبد السلام أحمد فيغو، مرجع سابق، ص 157.
عبد الرزاق السنهوري ، مرجع سابق، ص 401.
– سورة البقرة ، الآية 282.
– السنهوري، مرجع سابق، ص 413.
– احمد عبد السلام فيغو ، مرجع سابق، ص 30.
عبدالسلام أحمد فيغو، مرجع سابق، ص167.
– السنهوري، مرجع سابق، ص 531.