دراسة شاملة حول منهجية تبييض الأموال وتأثيراتها الاقتصادية

تستعرض منهجية دراسة تبييض الأموال كيف تؤثر هذه الظاهرة الاقتصادية الخطيرة على الاستقرار السياسي والاجتماعي. هل تساءلت يومًا عن الجوانب القانونية والاقتصادية التي تحيط بتبييض الأموال وتأثيراتها على المجتمع المحلي والدولي؟


تتناول المذكرة ظاهرة تبييض الأموال كإحدى الظواهر الاقتصادية الخطيرة التي تؤثر على الاستقرار السياسي والاجتماعي. تناقش الوثيقة الجوانب القانونية والاقتصادية لهذه الظاهرة وتأثيراتها على المستويين المحلي والدولي.


الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية

وزارة العدل

إجازة المعهد الوطني للقضاء

مذكرة التخرج

منهجية فعالة لدراسة تبييض الأموال وتأثيراتها

جريمة تبييض الأموال

[1_img_1]

من إعداد الطالب القاضي: منيعي حسني السبتي

الدفعة الثانية عشر

مقدمة

تشكل الأموال عصب الاقتصاد الذي يعتبر عماد الحياة المعاصرة، وأحد مقومات الأنظمة السياسية والاجتماعية السائدة في العالم، ويقاس رقي وتقدم الشعوب برقي وتقدم اقتصادها، وقد أصبح الاقتصاد نظاما عالميا ارتبطت به الأسرة الدولية بصورة عصرية، فأصبح يشكل كيانا مترابطا تتفاعل أجزاؤه فتتأثر وتؤثر في المتغيرات المختلفة التي تتجاذب العالم المعاصر.

ولا شك في أن الاقتصاد الوطني عامل أساسي في استقرار الحياة السياسية والاجتماعية، إذ يوفر التوازن بين الامكانات والرغبات، مما يعطي للسياسة مفهومها الأصيل، وهذا يؤكد ارتباط الأمن السياسي بالأمن الاقتصادي وارتباط الاثنين بالأمن الاجتماعي.

وقد برز في القرنين السابقين مجموعات من أصحاب النفوذ المالي بدت كعنصر فعال على الصعيدين المحلي والدولي، بإمكانها شراء ضمائر بعض الدول وبيعها في مصالح اقتصادية، وقد ظهرت بعض الفضائح من خلال صفقات تجارية غير مشروعة بين بعض الأفراد وبعض الشركات وبعض الدول بالإضافة إلى بعض الرؤساء والوزراء وأصحاب السلطة والمال الذين تتحدث عنهم الصحف.

هذا الأمر هو الذي حمل المؤتمرات الدولية والوطنية على معالجة موضوع جرائم الأموال غير المشروعة ومنع إخفائها وتمويه مصدرها غير المشروع، ويعتبر تبييض، أو غسيل الأموال، أو الجريمة البيضاء، من التعبيرات التي تداولت مؤخرا في كافة المحافل المحلية والإقليمية والدولية المهتمة بالجرائم الاقتصادية والأمن الاجتماعي والأمن الاقتصادي، باعتبار أن عمليات تبييض الأموال ترتبط إلى حد كبير بأنشطة غير مشروعة.

وقد تزايد الاهتمام بهاته الظاهرة خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وذلك لمكافحتها على الصعيد الداخلي والدولي، وذلك من خلال البعثات العلمية المتلاحقة، التي تجوب العالم للبحث على محاربة هذه الظاهرة،

فإلقاء الضوء على هاته الأخيرة، جدير بأن تعطى ما يكفي من اهتمام، بالنظر إلى مفاعيلها القانونية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، من خلال متابعة ومواكبة تطور التشريعات الحديثة لمسألة تبييض الأموال.

فعلى الصعيد الوطني فقد نمت وترعرعت ظاهرة تبييض الأموال في المرحلة الانتقالية الاقتصادية، وأن الانتقال من نظام لآخر لا يتم إلا عبر تناقضات اجتماعية واقتصادية وكذلك سياسية، وهذه الفترة الانتقالية توفر المناخ الملائم لاستفحال ظواهر غير شرعية، وقد فتحت هذه المرحلة العديد من التجاوزات التي استهدفت المنظومة التشريعية بالدرجة الأولى، بحجة عدم استقرار الوضع السياسي، فالانتهاك الصارخ للنصوص التشريعية، التي لم تكن تتماشى مع التحولات الاقتصادية التي شهدتها الجزائر، وأكبر مثال على ذلك إفلاس أهم بنكين تجاريين خاصين في الجزائر، والفضيحة المالية التي تسببا فيها،

مما اضطر السلطات النقدية إلى الإسراع في إجراء التعديلات المناسبة على قانون النقد والقرض، وهذه التعديلات إذا لم تراع طبيعة الظاهرة والمستوى الذي بلغته في الجزائر فلا يمكن الحديث عن الإجراءات والإحترازات الوقائية التي تضاف إلى سلسلة النصوص التشريعية السابقة.

فهناك العديد من الأسئلة التي تطرح حول موضوع تبييض الأموال، فما هو المفهوم القانوني لتبييض الأموال، وما هي أركان هذه الجريمة والعقوبة المقررة لها من خلال مشروع تعديل قانون العقوبات، كل هذه التساؤلات نحاول الإجابة عليها من خلال الخطة التالية.

في الفصل الأول نبين ماهية ظاهرة تبييض الأموال وذلك من خلال مبحثين أولهما نخصصه للتعريف بالظاهرة وثانيهما يتعلق بإشكالية تكييف هذه الظاهرة، بعد ذلك نحاول إلقاء الضوء على البنيان القانوني لجريمة تبييض الأموال في الفصل الثاني من خلال مبحثين مخصصين لأركان الجريمة من جهة والاختصاص والجزاء من جهة أخرى.

الفصل الأول: ماهية ظاهرة تبيض الأموال

بما أن ظاهرة تبيض الأموال القذرة من أهم العوامل التي تتسبب في شل حركة التنمية لارتباطها الكبير بمختلف النشاطات الاجتماعية سواء كانت اقتصادية بالدرجة الأولى أو اجتماعية أو ثقافية أو سياسية، وحتى يمكننا الإلمام بهذا الموضوع يستوجب معرفة ماهية هذه الظاهرة وذلك بالتطرق لتعريفها من جهة أولى ثم إشكالية تكييفها القانوني من جهة أخرى.

المبحث الأول: تعريف ظاهرة تبييض الأموال:

تمثل ظاهرة تبييض الأموال إحدى الظواهر المقلقة للعالم في الآونة الأخيرة – خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر

2001 ولهذه الظاهرة خطورتها وعواقبها السلبية، وجوانبها الإشكالية القانونية سواء في نطاق القوانين الجنائية

الوطنية أو على صعيد القانون الجنائي الدولي.

فمن حيث خطورتها: لا يمكن إغفال جوانبها الاقتصادية الصرفة حيث يقدر الخبراء نشاط الاتجار بالمخدرات وحده بما قيمته أربعمائة مليار دولار سنويا أي ما يعادل كل النتائج للبترول العالمي، وتقدره الأمم المتحدة بما لا يقل عن 9 % من حجم التجارة الدولية وعلى أية حال فالرقم الحقيقي – وفقا للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية –يزيد عن ذلك بكثير.1

أما من حيث عواقبها السلبية: فلا شك اليوم في انتشار الظاهرة وصيرورتها خيارا مغريا لا ينطوي على مخاطر جمة كما يجب الإشارة إلى تزايد فرص إفلات هذه الظاهرة من دائرة الملاحقة والعقاب، لأسباب متنوعة،

موضوعية وإجرائية. منها ما يرجع إلى قصور التشريعات الجنائية الوطنية، ومنها ما يعزى إلى غياب آليات القانون الجنائي الدولي، يضاف إلى ذلك ضمان التمتع بعائدات الجريمة وفرص تدوير الأموال المتحصل عنها بما يضفي عليها طابعا شرعيا يحفز الجماعات الإجرامية المنظمة إلى المضى قدما عن هذا النشاط.

فمن حيث جوانبها الإشكالية القانونية: يمكن رؤيتها على صعيدين:

أ- صعيد القوانين الجنائية الوطنية: حيث يثار التساؤل حول التكييف القانوني الذي يمكن إسباغه على هذا النشاط

الإجرامي، ووسائل مكافحته والحيلولة وقائيا دون وقوعه وهنا تختلف مواقف التشريعات الجنائية الوطنية في هذا

الخصوص ثم إذن مشاكل خاصة بآليات مكافحة هذه الظاهرة ومحاولة تكييفها القانوني لا سيما مع ما يفرضه مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذي صار يهيمن اليوم على معظم النظم الجنائية الوطنية.

ب- صعيد القانون الجنائي الدولي: وجوانبه الإشكالية إجرائية بأكثر مما هي موضوعية إذ نتساءل: كيف يمكن تطويع قواعد الاختصاص الجنائي الدولي بما يتيح ملاحقة جرائم تبييض الأموال بوصفها جرائم تبعية لجرائم أخرى أصلية وقعت في إقليم دولة أخرى؟ وهل يمكن في دولة “تبييض الأموال” الاحتجاج بالحكم الجنائي الصادر من محاكم دولة “الاتجار في المخدرات مثلا”؟ لا سيما إدا كنا بصدد نظامين قانونيين مختلفين؟ هذه وغيرها من أسئلة يتعين بحثها على مستوى القانون الجنائي الدولي.

وبالرغم من كل ما قيل لم يتوصل فقهاء القانون الجنائي إلى تعريف جامع مانع لهذه الجريمة نظرا لحداثتها وسرعة تطورها الذي يساير التطور التكنولوجي الحديث فكل المحاولات الرامية إلى إيجاد تعريف خاص بها فضفاضة في فحواها وذلك لكثرة الأساليب المستعملة في ارتكابها ولهذا سوف نتطرق لمختلف التعريفات المعروفة سواء على مستوى الاتفاقيات الدولية أو التشريعات الداخلية ولكن قبل ذلك نحاول التعريج على نطاق الجريمة.

المطلب الأول: نطاق ظاهرة تبييض الأموال:

الفرع الأول: جريمة ذات طابع دولي:

يمثل الطابع الدولي للأموال أمرا لا يمكن تجاهله ويمكن اعتبار هذا الطابع شاملا لكافة الأقنعة التي تختبئ وراءها الأموال غير النظيفة، فتبييض أموال الجريمة المنظمة يتم التخطيط والإعداد له بجناية أو جنحة ثم تنفيذها بواسطة جماعات إجرامية منظمة تتوزع فيها الأدوار على أكثر من جهة كما تتشتت أركان الجريمة وعناصرها على أكثر من إقليم دولة، وهو ما يعني في نهاية المطاف تدويلا للجريمة سواء من حيث تنفيذ أركانها أو اتساع نطاق آثارها ويقوم الطابع الدولي على حقيقتين.2

-1 أن تدويل هذه الجريمة يفترض بالضرورة عبر الحدود والحواجز وأبواب المصارف، وهذا أمر لا يمكن تصور حصوله دون تواطؤ على مستوى كبار مسؤولي المؤسسات المصرفية ومن يديرونها أو على مستوى صغار ومتوسطي الموظفين أو المستخدمين الذين يضطلعون بمهمة تسيير العمل اليومي التنفيذي.

-2 إن نشاط تبييض الأموال يرتبط ويتداخل مع الجريمة المنظمة الدولية وهكذا يمكن اعتبار نشاط تبييض الأموال جريمة في حد ذاته إذ هو حصاد لثمار محصلة من نشاط غير مشروع وبوصفه أداة لتمويل ارتكاب جرائم أخرى، فليس من المستبعد في ظل هذا الواقع أن تتشابك المصالح وتتخفى وتتعقد وتغزو أرضا وآفاقا جديدين فيصبح تبييض الأموال في نهاية المطاف إحدى مكونات اللعبة السياسية الخفية على المستوى العالمي فتدخل هذه الأموال ــــــــــــــــ

دهاليز أجهزة المخابرات وصفقات الأسلحة المحظورة ولعبة الصراع الاقتصادي بين الدول، والتجسس بكافة صوره وأشكاله وهكذا تعبر الأموال غير النظيفة عن انتماءات غير نظيفة أو على الأقل مشبوهة.3

الفرع الثاني: جريمة ذات طابع سياسي:

إن القناع السياسي لنشاط تبييض الأموال يزيد ليس فحسب من إخفائه بل في دعمه وإخفاء مظاهر الشرعية والحماية عليه، وهكذا تتكامل الأدوار بين السياسة والمال فتمويل الحملات الانتخابية مقابل مظلة للدعم والحماية يعتبر تحالفا خفيا ولا يقتصر الغطاء السياسي لنشاط تبييض الأموال على حد إخفائه لواقع تبادل المصالح وتكامل الأدوار الوظيفية بين المال والسياسة، بل قد يشمل أيضا إخفائه الواقع تحالف الغايات والأهداف على نحو يصبح فيه المال غير النظيف رؤية سياسية بدوره وهو أمر في غاية الخطورة فليكن تبادل المصالح وتكامل الأدوار الوظيفية محض قيمة مرحلية أو “تكتيكية” فلتتحالف الغايات والأهداف على العكس قيمة “استراتيجية” ومثل هذا الوضع ينذر بأن يتحول المال غير النظيف إلى قوة سياسية لها رجالها وأهدافها وبرامجها المسطرة.

الفرع الثالث: جريمة اقتصادية:

لا يوجد استقرار في الفقه على تعريف محدد للجريمة الاقتصادية، تحديدا جامعا مانعا، وثمة تشريعات نصت صراحة على ما يعتبر من الجرائم الاقتصادية وتنتمي إلى قانون العقوبات الاقتصادي، بينما خلت تشريعات أخرى من ــــــــــــــــــ

هذا التحديد، تاركة للفقه والقضاء عبء القيام بهذه المهمة، وإزاء ذلك تشعبت الآراء الفقهية فيما ضمن قانون العقوبات الاقتصادي واعتباره جريمة اقتصادية.

وبالتالي فالجريمة الاقتصادية هي كل فعل أو امتناع يعاقب عليه القانون ويخالف السياسة الاقتصادية للدولة مما يقضي أن تتوافر فيها الأركان العامة للجريمة وأن تخالف السياسة الاقتصادية التي ترسمها الدولة بقوانين أو مراسيم أو قرارات.

وانطلاقا مما سبقت الإشارة إليه يمكن استخلاص أن نشاط تبييض الأموال يرتدي بالنظر لطبيعته وآثاره أقنعة عديدة تساهم في صعوبة الكشف عنه وملاحقته فهو يتسلل أولا ثم يتشابك، وأخيرا يلتحم مع منظومة الآلة

الاقتصادية والسياسية، والعمل الاجتماعي والخيري يضاف إلى ذلك ما يبيحه تواطؤ المؤسسات والنظم المصرفية على المستوى الداخلي، وكذلك ما تزخر به من إمكانات التدويل على المستوى الدولي.

________________________

1 د.سليمان عبد المنعم، مسؤولية المصرف الجنائية عن الأموال غير النظيفة، دار الجامعة الجديدة للنشر، ص.10.

2 د.سليمان عبد المنعم، ظاهرة غسيل الأموال غير النظيفة، مجلة الدراسات القانونية، جامعة بيروت لبنان، عدد 1 مجلد 1 سنة 1998 ص.80.

3 د.سليمان عبد المنعم : المرجع السابق، ص.81.

Rechercher

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.