تطور الوظيفة السلمية لمنظمة الأمم المتحدة
الفصل الثاني: الوظيفة السلمية لمنظمة الأمم المتحدةما بعد الحرب الباردة
المبحث الثاني: ممارسة الأمم المتحدة وظيفتها السلمية بعد الحرب الباردة
بعد نهاية الحرب الباردة توسعت مجالات حفظ السلم والأمن الدوليين، حيث تفردت الولايات المتحدة الأمريكية بالهيمنة على منظمات الأمم المتحدة الشيء الذي انعكس على حركية المنظمة. وأصبحت كل الدول تدور في فلك الولايات المتحدة الأمريكية، و هذا سهل عملية اتخاذ القرار داخل المنظمة وكذا سرعة التحرك لتنفيذه، ولا يمكن الإنكار أن سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على سلطة القرار قد أعطى نتائج جيدة، إذ عملت الأمم المتحدة جاهدة لحل مجموعة من النزاعات الدولية وإقرار السلم والأمن الدوليين.
وقد تكفلت الأمم المتحدة للحفاظ على حقوق الإنسان وذلك من خلال حماية حقوق الأقليات كما حدث عقب تدخلها في شمال العراق من أجل حماية الأكراد إضافة إلى تدخلها في كوسوفو، وعلاوة على ما سبق فإنها –المنظمة- قامت بتقديم المساعدات الإنسانية لمجموعة من الدول التي تحتاج إليها. ونجد أيضا أن منظمة الأمم المتحدة قد عملت لمكافحة خطر الإرهاب الدولي الذي بدأ يهدد العالم بأسره، ونذكر هنا بتدخلها في أفغانستان. لكن السؤال المطروح إلى أي حد نجحت المنظمة الأممية في الوصول إلى الهدف المنشود الذي كانت تسعى من ورائه إلى تحقيق السلم والأمن الدوليين، وبالتالي خلق عالم يسوده جو من الأمن والاطمئنان.
المطلب الأول: التدخل الإنساني
يعتبر التدخل الدولي بصفة عامة، وتدخل الأمم المتحدة بصفة خاصة في النزاعات المسلحة من المسائل التي أثارت جدلا كبيرا بين الدول والفقه والقضاء الدوليين كما اختلفت حولها موافق المنظمات الدولية العالمية والإقليمية، لأن تعريف التدخل الدولي ومدى مشروعيته لازال محل خلاف من جانب العديد من الدول، وهذا الخلاف قد تأثر إلى حد بعيد بالأحداث والتطورات الدولية سواء تلك التي حدثت قبل قيام الأمم المتحدة أو بعدها خاصة في الفترة التالية، على انتهاء الحرب الباردة 1990 باعتبارها الفترة التي شهدت العديد من الصراعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي خاصة.
كما شهدت أيضا العديد من صور التدخل الدولي في تلك النزاعات من طرف بعض الدول أو بعض المنظمات الدولية خاصة منظمة الأمم المتحدة وهو الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات بين الفقه والدول حول مدى مشروعية هذا التدخل وحول إمكانية اعتباره إنشاءا لقواعد قانونية دولية جديدة، أم تعديلا الأحكام والقواعد القانونية التي تتضمنها مواثيق المنظمات الدولية وغيرها من القواعد الدولية التي تحكم علاقة الدول بالمنظمات الدولية في الصراعات. وقد توسعت هذه التدخلات بعد سنة 1990 نظرا لما شهدته العلاقات الدولية من تطورات غاية في السرعة والخطورة خاصة فيما يتعلق بالتدخل في شؤون الدول حال قيام صراعات مسلحة داخلية. ذلك لأنه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وقيادة لولايات المتحدة الأمريكية للعالم وإملاء وجهة نظرها وفلسفتها للأمور السياسية والاقتصادية الدولية وأيضا النواحي الثقافية على الدول الأخرى من خلال التصرف الفردي، والمباشر من جانبها وكذلك من خلال استخدام الأمم المتحدة لإضفاء نوع من الشرعية على تصرفاتها عن طريق الترويج لشعارات معينة مثل الحماية الإنسانية وحماية النظم الديمقراطية وحفظ السلم والأمن الدوليين، وهي المسائل التي مازالت محل خلاف على مستوى الفقه الدولي وكذا الدول المختلفة. وأيضا شهدت هذه الفترة عمليات عديدة لاختراق سيادة الدول وانتهاكا لاستقلالها بكيفية أثارت القلق لدى العديد من الدول الأخرى خاصة النامية كما حدث من عمليات تدخل باسم الأمم المتحدة. الشيء الذي أثار اختلافا فقيا حول مدى مشروعية التدخل الإنساني، حيث انقسم الفقه إلى مؤيد ومعارض ( ) لعمليات التدخل.
ومن المعلوم أن ميثاق الأمم المتحدة نص في (م 2/7) على مبدأ عدم التدخل الدولي في شؤون الدول الأعضاء، و هذا ما يؤكد لنا أن الأمم المتحدة أخذت على عاتقها تحريم التدخل الدولي في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء سواء من قبلها أو غيرها من الدول الأعضاء لدرجة اعتبارها أن أي أمر يعرض بهذا الخصوص أمام أجهزة الأمم المتحدة يعد أمرا غير مشروع لتشكيله نوعا من التدخل الدولي. ( ).
وقد احترمت المنظمة ما ورد في ميثاقها إلى حد كبير منذ قيامها حتى سنة 1990 ولكن الأمر تغير بعد هذه السنة، إذ أن تدخلها لم ينحصر في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء بل تعداه الأمر إلى حد استخدام القوة والعقوبات الاقتصادية في المسائل التي اعتبرها خلال الحرب الباردة من المسائل الداخلية التي تحكمها المادة (2/7) خاصة عند تعرض بعض الدول لنزاع مسلح داخلي وهو الأمر الذي أثار الخلاف بين الدول والأوساط الفقهية عن مدى الالتزام الأمم المتحدة بمبدأ عدم التدخل حسب ما جاء في الميثاق.
فالأمم المتحدة بعد سنة 1990 ومع تزايد النزاعات المسلحة الداخلية رأت أن من حقها التدخل في هذه النزاعات معتبرة هذه التصرفات مشروعية على عكس ما كان عليه موقفها خلال الحرب الباردة، لأن النزاعات تعمل على تهديد السلم والأمن الدوليين. مما دفع بها إلى استخدام أحكام الفصل السابع من الميثاق الذي يسمح باستخدام القوة كما عملت على توقيع الخطر الاقتصادي على بعض الدول وأخذت تدافع عن تصرفاتها الجديدة على أنها مبررة لحماية حقوق الإنسان، وتحقيق الحماية الإنسانية في حالة النزاعات المسلحة الداخلية مثال ما حدث في كل من البوسنة والهرسك والصومال. وتدخلها في العراق لحماية الأكراد من خلال قرار مجلس الأمن 688 سنة 1991، وهذا ما تم تعزيزه من طرف الأمين العام “كوفي عنان” الذي حاول تقنين هذه التصرفات غير المشروعة من خلال المذكرة التي قدمها إلى الجمعية العامة سنة 1999 حيث أقر فيها بأهمية التدخل الإنساني في شؤون الدول الأخرى، وسوف نتطرق بالدراسة والتحليل إلى بعض صور تدخل الأمم المتحدة خاصة في كوسوفو في فقرة ثانية والبوسنة والهرسك في فقرة أولى، وإلى مسألة مكافحة الإرهاب في المطلب الثاني.
الفقرة الأولى: التدخل في البوسنة والهرسك
تعتبر منطقة البلقان إحدى المناطق التي تتميز بالتداخل العرقي والديني الأكثر اضطرابا في العالم بسبب التصادم المستمر بين القوة العرقية والدينية المختلفة التي تولدت عنها صراعات عديدة قديمة العهد، حيث بدأ العنف بظهر في إمارة الصرب بسبب التوسعات العرقية فكثرت المذابح والاعتداءات الوحشية ضد المسلمين، ومنذ ذلك التاريخ و الصراع مستمر يشتد وينخفض على ضوء التطورات الدولية والإقليمية، ذلك أن انحسار الإمبراطورية العثمانية ونمو الحركات القومية وأطماع الدول الاستعمارية الكبرى أثرت جميعا على التطورات في منطقة البلقان الشيء الذي فتح المجال أمام القومية السلافية بزعامة صربيا لمحاولة التوسع في منطقة البلقان.
وقد اشتعل الصراع المسلح في أعقاب إعلان صرب البوسنة استقلالهم عن البوسنة في أبريل 1991 وأيدتهم في ذلك جمهورية صربيا والجبل الأسود حيث أمدتهم بالأسلحة والجنود وكان دعمها مباشرا مما أدى إلى استيلاء صرب البوسنة على ما يزيد عن 70 % من مساحة دول البوسنة والهرسك وإجراء عمليات التطهير العرقي بصورة كبيرة ضد المسلمين.
وسيطر الكروات على 20 % من مساحة البوسنة من الجانب الآخر حتى أصبحت وضعية المسلمين مؤلمة لا يحسدون عليها بمحاصرتهم في شريط ضيق من الأرض وتعرضهم لحرب إبادة، الأمر الذي دفع بالبعض إلى القول بأن ما حدث في البوسنة والهرسك بعد 1991 هي جرائم ضد الإنسانية، وأمام هذه الانتهاكات والاعتداءات التي ارتكبها الصرب ضد المسلمين في البوسنة والهرسك دفعت المشاعر الإنسانية في المنطقة الأوربية والعالم إلى التحرك لمحاولة وضع حد لهذه المآسي، وتحرك مجلس الأمن وأصدر العديد من القرارات لتقديم المساعدات إلى الضحايا حيث أصدر القرار 731 سنة 1991 أعرب فيه عن شجبه القتال الضاري بين الأطراف المتصارعة في البوسنة والهرسك وعمل على ضرورة فرض حظر تصدير الأسلحة إلى أطراف الصراع.
وقام الأمين العام ل الأمم المتحدة في 8 أكتوبر 1991 بتعيين مبعوثين دوليين لدراسة قضية البوسنة والهرسك وباشتداد الصراع وتزايد الضحايا من الجانب المسلم ضغطت بعض الدول في اتجاه رفع خطر توريد الأسلحة عن المسلمين ولكن المبعوثين رفضوا ذلك بحجة أن ذلك سيؤدي إلى اشتعال الموقف أكثر، وانتهوا إلى وضع خطة لتقسيم أرض البوسنة، الأمر الذي دفع بالبعض إلى التساؤل حول كيفية تخطيط الأمم المتحدة لتقسيم دولة أعلنت استقلالها وقبولها بالأمم المتحدة عضوا. ( )
وعلى الرغم من محاباة الحطة للصرب إلا أنهم رفضوها واستمروا في عمليات الإبادة والتطهير العرقي ضد المسلمين، الأمر الذي دفع بوزير خارجية البوسنة والهرسك الطلب من الأمم المتحدة التدخل في الصراع البوسني عن طريق رسالة موجهة إلى مجلس الأمن سنة 1992 ولكن جاء رد مجلس الأمن في بيان رئاسي بتاريخ 25/07/1992 يقول فيه بأن مجلس الأمن يتفق مع آراء الأمين العام “بطرس غالي” بعدم ملائمة الظروف الحالية في أن تقوم الأمم المتحدة بالإشراف على سحب الأسلحة الثقيلة المستخدمة من طرف الصرب ضد المسلمين أو أي تدخل بالقوة، محتفيا بالتأكيد على أهمية وصول الإمدادات الإنسانية إلى مسلمي البوسنة.
وعلى إثر هذه المآسي الإنسانية التي ترتبت عن الصراع في البوسنة والهرسك أصدر مجلس الأمن العديد من القرارات لمواجهة المشكلة، وصلت إلى 55 قرارا من سنة 1991 إلى سنة 1994، إضافة إلى العديد من البيانات الرئاسية التي ألقاها رئيس المجلس في هذه الفقرة. إلا أن عمليات القتال الشرسة والتطهير العرقي من طرف الصرب ضد المسلمين كانت على أشدها وكان مرجع ذلك التعامل غير الحازم من قبل الأمم المتحدة، مع الصرب على عكس ما حدث في الأزمة الكويتية العراقية سنة 1991 ذلك أن المجلس أصر قرار رقم 724 سنة 1991 بشأن إنشاء قوة حفظ السلام مكونة من مجموعة قليلة العدد من الضباط والعسكريين وأعضاء مدنيين وبعض موظفي الأمانة العامة للأمم المتحدة حيث أن هذه القوة لم تؤد أي دور إيجابي في حفظ السلم في هذا النزاع وكان كل ما يشغل الأمين العام للأمم المتحدة هو تحقيق سلامة أفراد هذه القوة.
وقد أثير التساؤل حول إمكانية مواجهة أزمة تعرض دولة عضو في الأمم المتحدة لاعتداءات مسلحة، إلا أن مجلس الأمن لم يرد بنفس الحزم الذي كان عليه في الأزمة الكويتية العراقية لسنة 1991 وقد جاءت كل قراراته مؤكدة على ضرورة اعتماد الحل السياسي عن طريق المفاوضات حيث عبر هذا الاتجاه عن دهشة من موقف الأمم المتحدة إزاء أزمة البوسنة والهرسك ( ).
ذلك لأن مجلس الأمن فرض خطر توريد الأسلحة على أطراف الصراع في البوسنة والهرسك بالقرار 713 لسنة 1991 مع علمه بأن المسلمين غير مسلحين وأنهم ضحية الاعتداءات الصربية وقد تم تأكيد ذلك بواسطة تقرير المقرر الخاص للجنة حقوق الإنسان من أن أحد العوامل التي أدت إلى كثافة التطهير العرقي هو عدم التوازن الواضح في امتلاك الأسلحة التي يتوفر عليها كل من الصرب والمسلمين البوسنيين، وقرر المجلس أيضا أن انتهاك القانون الدولي الإنساني في يوغوسلافيا يعد انتهاكا للسلم والأمن الدوليين، الأمر الذي يستلزم تطبيق أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إلا انه لم يتخذ الخطوات اللازمة لتنفيذ ما انتهى إليه، ونظرا لعدم استجابة الصرب للنداءات الدولية بوقف القتال واستمرارهم في عملية القتل والتطهير العرقي فوض مجلس الأمن سنة 1993 عددا من الدول لاتخاذ الإجراءات الضرورية باستخدام القوة الجوية لحماية الأماكن الآمنة التي حددها المجلس للمسلمين، وبناء على ذلك بدأت القوات الجوية التابعة للناتو بإجراء طلعات جوية فوق البوسنة والهرسك بهدف منع الطيران الصربي من التحليق فوق هذه المناطق الآمنة، إلا أن هذه الطلعات لم تكن كافية لوقف اعتداءات الصرب وأمام قيام طائرات الناتو بإسقاط بعض القنابل على مواقع الصرب حول سارييفو للحد من العمليات العسكرية، كان هناك رد فعل من جانب الصرب تمثل في محاصرة بعض القوات الدولية في البوسنة والهرسك، وأخذهم رهائن للضغط على الناتو ومنعه من تكرار عمليات القصف على مواقعه، وخلال هذه الأحداث بقيت الأمم المتحدة عاجزة عن مواجهة هذه الأزمة إلى أن ينتهي الصراع المسلح بعد توقيع اتفاق دايتون في نوفمبر 1995 من طرف الجهود الإقليمية والدولية الأخرى، وقد تجلى موقف الجمعية العامة من أزمة البوسنة والهرسك بتحديها للنزاعات على أساس أن البوسنة والهرسك إحدى الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، والتي سبق لها أن أصدرت قرارا يفيد بقبولها عضوا بالأمم المتحد سنة 1991، ولذا عندما حدث الصراع بالمنطقة أدرجت المشكلة أمام الجمعية العامة في جدول أعمال الدورة السادسة والأربعين وفي نفس السنة بناء على طلب من تركيا نظرت في المسألة وأصدرت مجموعة من القرارات في الدورة التاسعة والأربعين وطلب من الأمين العام تقديم تقرير عن مدى تنفيذ القرار (49/10) خلال ثلاثين يوما من اتخاذه وبموجب هذا القرار قدم الأمين العام تقريرا في 6 دسمبر 1994 ( ).
وفي قرارها (48/88) حثت الجمعية العامة جميع الأطراف المعنية باحترام وقف إطلاق النار من اجل خلق مناخ يؤدي إلى استئناف مفاوضات السلام وأمام تخاذل مجلس الأمن عن مناصرة المسلمين البوسنيين الذين تعرضوا لاعتداءات شرسة من قبل الصرب لجأ المسلمون إلى الجمعية العامة لاستصدار قرارا سنة 1992 يقضي بوقف القتال فورا والعمل على اتخاذ إجراءات القمع ضد السرب طبقا للفصل السابع من الميثاق، ولكن خلال مناقشات الجمعية العامة استبعدت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وفرنسا استخدام القوة العسكرية ضد الصرب على غرار ما حدث في العراق سنة 1991.
كما صرح الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالي بأن الوقت لم يحن بعد للتدخل العسكري، أما بخصوص موقف المنظمات الإقليمية وباعتبار يوغوسلافيا إحدى الدول التي تقع في أوربا بدأ الاهتمام بالموقف في البوسنة والهرسك منذ بدأ القتال، حيث حاول المجتمع الأوربي جمع أطرافه اللازمة في مؤتمر إقليمي لكن المحاولة فشلت بسبب تعنت الصرب، وبعد التدخل الدولي من طرف الأمم المتحدة شاركت الدول الأوربية عن طريق إرسال ممثليها للعمل ضمن جهود الأمم المتحدة في التنسيق بين المواقف الإقليمية الأوربية ومواقف الأمم المتحدة التي كانت في مجملها لا تخرج عن موقف الأوربيين. إلا أن هذه الجهود تجاه الصراع في البوسنة والهرسك كانت محل شك من قبل البعض على اعتبار أنها تشكل انحيازا ضد المسلمين ذلك لأنه عند إعلان كرواتيا استقلالها في يوغوسلافيا سنة 1991، لقيت تأييدا من الدول الأوربية لكن عندما أعلنت البوسنة استقلالها بعد كرواتيا في نفس السنة لم تلق الدعم الأوربي ويرجع أنصار هذا الاتجاه ذلك لأغلبية سكانها المسلمين و أن الغرب لا يقبل بقيام دولة إسلامية في أوربا.
ومع اشتداد الصراع وعدم احترام الصرب للقرارات الدولية وسقوط المزيد من الضحايا حاولت الولايات المتحدة الأمريكية من خلال التهديد بالتدخل بالقوة وضع حل لهذه المشكلة خاصة مع تزايد الضغط من قبل الكونغريس الأمريكي، إلا أن الدول الأوربية أقنعتها بان الصراع في البوسنة والهرسك هو صراع داخلي لا يجوز التدخل فيه من طرف دول أخرى، و أن أوربا أولى بحلها.
ولذلك ذهب البعض إلى أهمية تكامل العلاقة بين الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية الذي يمكن من الزيادة في قدرات المنظمات الإقليمية للعمل على الحد من حدوث اعتداءات في نفس الوقت العمل كخط دفاع أمامي يساعد على حل المشاكل الإقليمية.
الفقرة الثانية: التدخل في كوسوفو
بعد انتهاء الصراع في البوسنة والهرسك ومن خلال الدور الذي لعبه “سلوبودان ميلوسيفيدش” في قيام الصراع واندلاعه لمدة خمس سنوات تقريبا حدثت خلالها انتهاكات إنسانية خطيرة، أخذ يولي وجهه تجاه كوسوفو لإثارة الصراعات العرقية بين الألبان الذين يشكلون أغلبية السكان والصرب. بانتهاجه لبعض السياسات التي تعمل على إهدار بعض الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الألبان المشكلين لأغلبية السكان في كوسوفو، خاصة تلك المتعلقة بالنواحي السياسية والثقافية مما أثار الألبان داخل الإقليم وعملوا على مقاومة السياسات التي تنتهجها حكومة بلجراد نحوهم، وكرد فعل لهذه السياسات قام الألبان بتشكيل حكومة لهم وإنشاء جيش خاص بهم تحت اسم جيش تحرير كوسوفو. حيث بدأت عمليات مقاومة الوجود الصربي في الإقليم من خلال المواجهة العسكرية بين أفراد هذا الجيش والقوات الصربية، وأمام اشتعال الموقف عملت بلجراد على زيادة قواتها المسلحة وأرسلت العديد من الميلشيات المسلحة إلى الإقليم وقد حدثت انتهاكات إنسانية خطيرة على يد هذه القوات والميليشيات الصربية مما دفع الآلاف من ألبان كوسوفو إلى الهروب واللجوء إلى الدول المجاورة، كمقدونيا وألبانيا، وخلال هذه المآسي الإنسانية، حاولت منظمة الأمن والتعاون الأوربي التدخل لوقفها، ولكن بلجراد رفضت هذه المساعي مما دفع بمجلس الأمن إلى الاجتماع في ضوء اشتعال الموقف في كوسوفو وفي منطقة البلقان وأصدر قرار 1160 في 31 مارس 1998 قام فيه بتأييد الجهود التي تبذلها منظمة الأمن والتعاون الأوربية ومجموعة الاتصال الدولية من أجل التوصل إلى تسوية للأزمة كما أدان المجلس مجموع الأعمال العدائية والإرهاب الصربي الذي يمارس ضد المدنيين الأبرياء في كوسوفو وأيضا دعا بلجراد إلى ضرورة اتخاذ الخطوات الضرورية للتوصل إلى حل سلمي عن طريق الحوار المباشر وفرضه حظرا على توريد الأسلحة ضد كل من كوسوفو وبلجراد.
وبتصاعد عمليات العنف وتدهور الموقف في كوسوفو وفي منطقة البلقان جراء تزايد تدفق اللاجئين تجاه الدول المجاورة، أصدر مجلس الأمن قرارا تحت رقم 1199 في شتنبر 1998 مؤكدا في على حق اللاجئين في العودة إلى منازلهم مضيفا فيه أن تدهور الموقف في كوسوفو يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين في منطقة البلقان ( ).
وتجدر الإشارة إلى أن الصراع في كوسوفو كانت له آثاره الاقتصادية بالنسبة للدول المجاورة كمقدونيا وبلغاريا والمجر ورومانيا وغيرها لأن التجارة الإقليمية تأثرت بشدة مما أدى إلى ضعف التبادل التجاري وعجز موازين المدفوعات لهذه الدول.
وقد اعتبر البعض بأن المجتمع الدولي ينظر إلى الصراع المسلح في كوسوفو على أنه حربا أهلية، بما يعني من منظور القانون الدولي أنه على مختلف الأطراف الدولية التزام مبدأ الحياد و أن حق التدخل يقتصر فقط على الأمم المتحدة في حال تفاقم الصراع بشكل يؤدي إلى تهديد السلم والأمن الدوليين كما يحق لمجلس الأمن إعمالا لأحكام المادة 53 من الميثاق أن يستعين بالمنظمات الإقليمية في أعمال القمع اللازمة لمواجهة الموقف( ).
وعلى إثر تصاعد أزمة اللاجئين الكوسوفيين أصدر مجلس الأمن القرار 1239 سنة 1999 وركز فيه على تناول قضية اللاجئين، وأهمية الجهود الدولية لوقف المعاناة الإنسانية وحث المنظمات الإنسانية على مواجهة الموقف والعمل على حل المشكلة دون أي إثارة لاستخدام القوة ضد بلجراد.
وتجدر الإشارة إلى تدخل الحلف الأطلنطي والدور الذي لعبه في أزمة كوسوفو أثار خلافا كبيرا، حيث أن البعض يرى أن مجلس الأمن بالقرار 1160 الصادر 1998 قد استند إلى أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة إلا أنه لم ير أن الوضع في كوسوفو يشكل تهديد للسلم والأمن الدوليين حيث اكتفى القرار بفرض خطر عسكري على يوغوسلافيا ودعوة أطراف الأزمة إلى العمل على التواصل إلى تسوية سلمية وأيضا القرار رقم 1239 الصادر في 1999 قد اتخذ اتجاها أكثر تصعيدا عندما نص على أن الموقف في كوسوفو يشكل تهديد للسلم والأمن في منطقة البلقان ، إلا أنه لم يقدم أساسا قانونيا لأي عمل عسكري، حيث اكتفى بالإشارة إلى أن عدم تنفيذ ما جاء في القرار 1160 وكذا القرار 1199 سيدفع مجلس الأمن إلى اتخاذ إجراءات إضافية لاستعادة السلم والأمن في المنطقة، الأمر الذي أدى بالسكرتير العام للأمم المتحدة “كوفي عنان” على التأكيد بضرورة صدور قرار جديد من مجلس الأمن يسمح باستخدام القوة العسكرية كشرط مسبق لأي عمل عسكري ضد بلغراد( ).
وهو الأمر الذي لم يأخذ به حلف الناتو والذي قرر بإرادته وبضغط لولايات المتحدة الأمريكية القيام بعمليات عسكرية عن طريق القصف الجوي والبحري على أراضي يوغوسلافيا مدة 79 يوما حيث أن هذا القصف و هذه العمليات لم تتوقف إلا بعد قبول بلجراد الشروط الذي وضعها الحلف لوقف القصف، و هذا التدخل العسكري من قبل حلف الناتو أثار العديد من التساؤلات والجدل بين الفقه والدول باعتباره تصرفا دون أي تفويض من مجلس الأمن.
لكن حلف الناتو من جانبه أخذ يدافع عن موقفه ليس على أساس قانوني وإنما على أساس أخلاقي و الذي يعني أن المشاكل الإنسانية المترتبة عن الصراع المسلح في كوسوفو كانت خطيرة لأن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة قالت بأن هناك مليون لاجئ من كوسوفو في الدول المجاورة منذ بدء حملات التطهير العرقي الصربية، وكلف المفوضية والمنظمة الإنسانية الأخرى تكلفة مليار دولار حتى أنها أصبحت عاجزة عن مساعدة هؤلاء الضحايا، الأمر الذي دفعها لمناشدة الدول الأخرى لتقديم الدعم المالي لمواجهة الحاجات الإنسانية للضحايا وطلبت ما قيمته 359 مليون دولار ولم تحصل منها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إلا على مبلغ 168 مليون، في حين كلفت العملية العسكرية لحلف الأطلنطي ضد بلجراد حوالي 12 مليار دولار، الشيء الذي يؤكد بأن العالم لديه استعداد للإنفاق أكثر في مجال التدمير في حين هناك تردد من طرف البشرية للعمل على تخفيف المعاناة الإنسانية.
المطلب الثاني: مكافحة الإرهاب
بعد انتهاء الحرب الباردة اعتبر مجلس الأمن في حالات عدة بأن دعم الإرهاب من طرف دولة ما يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين ونشير إلى أن التهديد الذي لاحظه مجلس الأمن في مجموعة من قراراته المتعلقة بالسودان وليبيا وأفغانستان قد يكون مصدره حكومة راعية للإرهاب باعتبارها تقدم المأوى والملاذ الآمن للإرهابيين مثل أفغانستان في عهد حكومة طالبان، وذلك بعد التفجيرات التي تعرضت لها السفارتين الأمريكيتين سنة 1998، وقد يكون مصدره دولة متورطة في الإرهاب أو داعمة له، كما هو الشأن بالنسبة لليبيا.
لكن هذا الطابع الدولي للتهديد السلم والأمن الدوليين تم تجاوزه في التكييف الجديد الذي آخذ به مجلس الأمن بخصوص 11 سبتمبر 2001، على الولايات المتحدة الأمريكية حيث مدد المجلس مفهوم تهديد السلم ليشمل الاعتداءات ارتكبها خواص أو أفراد عاديون على الأراضي الأمريكية والتي شكلت انطلاقة للهجمات بواسطة طائرات مدنية أمريكية فإلى أي مدى تم احترام ما جاء به ميثاق الأمم المتحدة في المادة 51 والمتعلقة بممارسة حق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي لدولة عضو في الميثاق عندما اعترف مجلس الأمن في الولايات المتحدة الأمريكية بحقها في الدفاع عن نفسها ضد هجمات 11 سبتمبر ؟ و هذا ما سيتم التطرق إليه ومناقشته في هذا المحور من خلال الحرب الأمريكية على أفغانستان.
قضية أفغانستان
لقد شهدت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها العالم بأجمعه في 11 سبتمبر 2001 أحداثا خطيرة ومروعة باعتبارها المرة الأولى التي تم فيها تنفيذ عملية إرهابية بهذا الحجم وسط الأراضي الأمريكية وضد أهم رموزها الاقتصادية والعسكرية، (مبنى البانتاجون ومركز التجارة العالمية).
وذلك عن طريق استخدام الطائرات المدنية المخطوفة كأداة لتنفيذ هذه العمليات والتمكن من تحقيق الأهداف بشكل مفجع ( ). وأمام هذه الأحداث المفجعة وقف العالم مذهولا لشدة الدمار المحدث من جراء الهجمات الإرهاب وهو يترقب في الوقت نفسه طريقة الرد الأمريكي وموقفه، وهذا ما حدث بالفعل بعد أيام قلة حيث جاء الرد الأمريكي عنيفا ضد دولة أفغانستان المتهمة باحتضان أسامة بن لادن الذي يعتبر المتهم الأول بهذا العمليات وبعد امتناع حركة طالبان في أفغانستان عن تسليم هذا الزعيم المنظم للقاعدة. ونشير إلى أن الرد الأمريكي جاء بناء على قرار مجلس الأمن رقم 1368 الذي يمنح الولايات المتحدة الأمريكية المرجعية والشرعية للرد العسكري الـذي تمت التهيئ له، وقـد قامت الولايات المتحدة الأمريكية أثنـاء هجومهـا على أفغانستان في ترحيل مجموعة من الأشخاص الذين اعتقدتهم منتمين لتنظيم القاعدة إلى “غوانتاناهو” بكوبا بهدف اعتقالهم لأجل غير مسمى مع العلم أن ذلك يعتبر خرقا قواعد القانون الدولي الإنساني وحتى دون أن تنسب إليهم جرائم محددة أو أن تقوم بمقاضاتهم أمام محاكم دولية خاصة.
وهو الأمر الذي أدى إلى طرح عدة استفهامات حول ركائز تدخل وحدود الشرعية والتجاوز فيه قد أصدر مجلس الأمن قراره رقم 1368 في 12 سبتمبر 2001 يعطي من خلاله الشرعية الدولية للرد العسكري الأمريكي، حيث نص على أن المجلس يعتبر تلك العمليات الإرهابية مثل أية عملية للإرهاب تعتبر تهديد للسلم والأمن الدوليين ويعترف لها كذلك بالحق في الدفاع الشرعي الفردي أو الجماعي طبقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على أنه “ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينقص الحق الطبيعي للدول فرادى وجماعات في الدفاع عن انفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أعضاء الأمم المتحدة وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين” والملاحظ على هذا القرار هو السرعة الذي اتخذ بها والإجماع الذي حظي به داخل مجلس الأمن وصدوره بعد يوم واحد من وقوع الأجداث و هذا الأمر يعتبر غير معهود في هذه الجهاز خصوصا عندما تتعلق المسألة بمباشرة أزمات خطيرة بدول ضعيفة، حيث أنه لم يستطع حتى تشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق المتعلقة بالجرائم التي ارتكبتها “إسرائيل” ضد الشعب الفلسطيني خلال انتفاضة الأقصى ( ).
ويتمثل مضمون القرار في نقطتين هما أنه قد اعتبر العمليات التي وقعت على أمريكا أنها بمثابة عمل حربي يهدد السلم والأمن الدوليين أما المسألة الثانية فتتجلى في اعتماده على المادة 51 باعترافه للولايات المتحدة بالحق في الدفاع الشرعي، لكن ما يتم التساؤل حوله هو هل الانفجارات الواقعة على واشنطن ونيويورك هي فعلا أعمال حرب تستوجب تفعيل المادة 51 من الميثاق؟
وللإجابة على هذا السؤال فقد ندد فقهاء القانون الدولي بالتجاوزات البالغة والخطير لهذا الأخير عندما تم تكييف أحداث 11 سبتمبر بأنها فعل حربي يتطلب رد عسكريا في إطار نظلم الأمن الجماعي وما تم التنصيص عليه في المادة 51 من الميثاق. حيث اعتبر الفقهاء بأن هذه الأحداث ليست بحرب والانفجارات التي وقعت على أمريكا لا يمكن اعتبارها إعلان للحرب و أن ذلك التدخل باسم المادة 51 يفتقر إلى القاعدة القانونية.
وهنا نشير إلى الاعتراف الذي قامت به الولايات المتحدة الأمريكية بأن هذه الهجمات لم تنفذها أية دولة من الدول بينما نفذتها عناصر تابعة لتنظيم القاعدة المتزعمة من طرف أسامة بن لادن، والمقيم في ذلك الوقت بأفغانستان.
وبالتالي فهذه الهجمات إذا نظرنا إلى الجهة التي نفذتها فهي تشكل للأمن والسلم الدوليين بناءا على ما أكدته قرارات مجلس الأمن في هذا الشأن ولكنها لا تشكل حربا بمفهوم القانون الدولي أو بحسب المعنى المتعارف عليه دوليا وهو قيام صراع مسلح بين الدول.
فالعمليات العسكرية الأمريكية في أفغانستان ابتداء من 7 أكتوبر 2001 هي التي ينطبق عليها وصف الحرب بالرغم من أنها نفذت بدعوى القضاء على الإرهاب إلا أنها كانت موجهة ضد دولة معينة وهي دولة أفغانستان بهدف الإطاحة بالحكومة القائمة وتعويضها بحكومة أخرى نصبت من طرف الأمم المتحدة تحت وصاية الولايات المتحدة الأمريكية حيث توسعت أهدافها من مجرد القبض على أسامة بن لادن، إلى هدف آخر هو القضاء على حكومة طالبان وهذا ما تم تنفيذه بالفعل حيث تحولت الحرب الأهلية في أفغانستان إلى حرب دولية ( ).
إذ أن القوات الأجنبية الأمريكية قامت بعمليات عسكرية مشتركة مع أمراء الحرب في أفغانستان والحاقدين على حكومة طالبان بقصد الإطاحة بهذه الخيرة، فهذه الحرب المتعارضة مع مبادئ السيادة والاستقلال وتحريم استخدام القوة فإنها تمت في إطار انتهاكات خطيرة لأحكام القانون الدولي الملزمة لأطراف النزاعات المسلحة بتطبيق قواعد قانون الحرب.
فهجمات 11 سبتمبر تعتبر عدوانا مسلحا حسب الرؤية الأمريكية، وبالرجوع إلى المادة 51 من الميثاق فإنه يجوز للدولة التي تتعرض لعدوان مسلح ممارسة حق الدفاع الشرعي ويستنتج من هذا أنه لا يجوز اتخاذ إجراءات الدفاع الشرعي ما لم يصل العمل العدائي إلى درجة استخدام القوة المسلحة، وبما أن ميثاق الأمم المتحدة لم يتضمن تعريف للاعتداءات المسلحة وذلك على ما يبدو بهدف ترك الأمر لمجلس الأمن ليحدد وجود الاعتداء المسلح من عدمه في كل حالة تعرض عليه. إلا أن الأمر كان يقتضي إيجاد تعريفا للعدوان المسلح و هذا ما تم بالفعل بفضل مجهود الجمعية العامة التي توصلت إلى إصدار إعلان يتعلق بتعريف العدوان دون وضع لائحة حصرية للأعمال التي تعد إرهابا، حيث منحت المادة الرابعة منه لمجلس الأمن أن يحكم بأن أعمالا أخرى تشكل عدوانا بمقتضى الميثاق باستثناء كفاح الشعوب من أجل الحصول على استقلالها وحقها في تقرير المصير.
إلا أن هجمات 11 سبتمبر 2001 لا يمكن اعتبارها عدوانا سواء بالاستناد للمادة 51 أو بالاستناد إلى قرار تعريف العدوان الصادر عن الجمعية العامة سنة 1974، حيث أن هذه الهجمات تم تنفيذها من طرف مجموعة من الإرهابيين وطبقا لما تنص عليه قرارات مجلس الأمن الصادرة التي لها صلة بهذه الهجمات فهي ليست بفعل من أية دولة بما فيها أفغانستان ولهذا السبب فهي لا تدخل في نطاق العدوان المسلح لأن تنفيذها لم يتم بوسائل عسكرية وإنما تم بواسطة طائرات مدنية أمريكية موجهة ضد أهداف فوق الأراضي الأمريكية من طرف أفراد عاديين، ينتمون إلى شبكة أو منظمة إرهابية.
فانتفاء شروط العدوان المسلح على أحداث 11 شتنبر بمفهوم المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة وقرار الجمعية العامة لتعريف العدوان سنة 1974 يعني انعدام الأساس القانوني لوصف تلك الهجمات، بأنها تعد حربا حقيقية أو اعتبارها عدوانا مسلحا يجيز ممارسة الدفاع الشرعي لكن الولايات المتحدة الأمريكية قد بررت حملتها العسكرية ضد أفغانستان على أنها استخدام لحقها الطبيعي في الدفاع عن النفس مؤيدة في ذلك بقرار مجلس الأمن رقم 1368، و هذا ما يعني التبني الخاطئ للتحديد الأمريكي بشأن طبيعة هجمات 11 شتنبر من طرف مجلس الأمن لكن إذا كان تكييف مجلس الأمن لأعمال إرهابية تشكل تهديد للسلم والأمن الدوليين له مبرر في بعض الحالات المعينة مثل حالة السودان وليبيا على اعتبار وجود دولة راعية للإرهاب أو مدعمة له، فإن التكييف الجديد لأعمال 11 شتنبر قد تجاوزت الطابع الدولي الذي ركز عليه مجلس الأمن إذ انه بعد نهاية الحرب الباردة اعتبر في عدة حالات بان دعم دولة ما للإرهاب يشكل تهديد للسلم والأمن الدوليين ( ).
ومدد هذا المفهوم ليشمل اعتداءات ارتكبها خواص أو أفراد عاديون في الأراضي الأمريكية و هذا التوسع النوعي لمفهوم الإرهاب سيتم تمديده بواسطة القرار 1373 ليشمل تدابير أخرى غير عسكرية لكنها خطيرة حيث أن مجلس الأمن اقتصر فقط على التكييف القانوني لهذه الهجمات وبالتالي امتنع عن اتخاذ التدابير العسكرية في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين بمقتضى الفصل السابع من الميثاق وأبعد نفسه عن هذه المسؤولية.
ورغم أن مجلس الأمن لم يستعمل مصطلح حرب حرفيا في القرار 1368 وما لحقه من قرارات فإنه من الناحية الموضوعية أجاز لنفسه سلطة تكييف هذه الهجمات بأنها اعتداء خطير يهدد السلم والأمن الدوليين ويجيز للدولة العضو في الأمم المتحدة وطبقا للمادة 51 حق الرد والدفاع اشرعي إلا أن ممارسو هذه السلطة من طرف مجلس الأمن هي جزئية بالنظر إلى سلطاته الواسعة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين واعتمادا على هذا الأساس كان ينتظر من مجلس الأمن أن يتحمل مسؤولية اتخاذه للتدابير الضرورية قبل الوصول إلى التدابير العسكرية ( )، فالأمم المتحد بتبنيها للتحديد الأمريكي الخاطئ لهجمات 11 شتنبر 2001، قد قدمت غطاءا دوليا لحرب انتقامية غير منتهية من حيث الزمان والمكان، والأهداف وبعيدا عن الضوابط القانونية المتعارف عليها علنيا فالمشكلة المطروحة لا تتعلق بمدى مشروعية اللجوء إلى الدفاع عن النفس باعتبارها أساسا قانونيا للرد العسكري على الاعتداءات وإنما تتعلق أيضا بمشروعية التدابير المسلحة المتخذة ضد الإرهاب بدعوى القضاء عليه، وبهذا الصدد يأتي الحديث عن حدود الشرعية الدولية للتدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان، وتتجلى هذه الشرعية في مطابقة التصرف للقاعدة القانونية الدولية والمتجسدة في المواثيق والمعاهدات الدولية وقرارات وتوصيات المنظمات الدولية والإقليمية ومبادئ القانون الدولي وأحكام المحاكم الدولية ( )، ونشير إلى أن القانون الدولي لا يجيز الإطاحة بحكومة قائمة في دولة ما بواسطة تدخل عسكري اجنبي لمجرد إيوائها لمطلوبين للعدالة حتى ولو كان هؤلاء المطلوبون يوصفون بالإرهابيين كأسامة بن لادن، فحكومة طالبان لم توجه لها أي تهمة غير توفير الملجأ للإرهابيين وإيوائهم، وشن الحرب ضدها والإطاحة بحكومة الدولة وتتمثل خطورة هذا الأمر في كونه سيؤدي مستقبلا إلى قيام نزاعات وحروب مسلحة قد تستخدم فيها أسلحة الدمار الشامل، وهذا ما بدا واضحا في أزمة أفغانستان وهو الأمر الذي يشكل انتهاكا واضحا لحقوق الإنسان الجماعية وبالتالي فمن الخطأ النظر إلى الحرب الأمريكية على أفغانستان على أنها مجرد حرب انتقامية من اجل القضاء على الإرهاب بل إن الهدف المتوخى من هذه الحرب يشمل تكريس الدول القيادي العالمي للولايات المتحدة الأمريكية وتثبيت الزعامة الأحادية.
مقال رائع ومعلومات قيمة لكن ياسادتي لو تفضلتم وكتبتم أسم صاحب البحث أو المقال فسأكون شاكراً لكم
أهلا بك عدنان
لو إستعملت أداة البحث لحصلت مرادك بسرعة
تفضل
https://maraje3.com/2009/10/%D8%AA%D8%B7%D9%88%D8%B1-%D9%88%D8%B8%D9%8A%D9%81%D8%A9-%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86%D8%B8%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9/