الوظيفة السلمية لمنظمة الأمم المتحدةما بعد الحرب الباردة – الفصل الثاني:
المبحث الأول: اتساع مفهوم السلم والأمن الدوليين:
بعد انتهاء الحرب الباردة اعتقد البعض أن انتهاء الصراع الإيديولوجي بين الشرق والغرب سيخلص الأمم المتحدة من قيدها ويجعلها تعمل من اجل حفظ السلم والأمن الدوليين بصورة أفضل مما كانت عليه في عصر الحرب الباردة،
خاصة أن الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن قد أصدرت العديد من القرارات الدولية بخصوص النزاعات المسلحة على اعتبار أنها تمثل تهديدا للسلم والأمن الدوليين كما حدث بشأن الصراع الداخلي في الصومال والبوسنة والهرسك وغيرها من الصراعات الأخرى، ولم يقف مجلس الأمن عند حد التصدي للنزاعات المسلحة باعتبارها تمثل تهديدا للسلم والأمن الدوليين ولكنه تصدى لبعض الحالات التي تتعلق بانتهاك حقوق الإنسان.
إلى جانب البعد العسكري والأمني الذي يلازم عمليات حفظ السلم أصبحت تتواجد أبعاد أخرى جديدة أملتها طبيعة النزاعات التي تستدعي نشر قوات حفظ السلام أو نتيجة للتوجه الجديد الذي هيمن على الأمم المتحدة بعد نهاية الحرب الباردة والمتمثل في محاولة معالجة أسباب تهديد السلم والأمن الدوليين، وبذلك أصبحت مهام قوات حفظ السلام ذات أبعاد إنسانية وتنموية.
فمن حيث البعد الإنساني، أصبحت الأمم المتحدة تولي اهتماما متزايدا لحقوق الإنسان بحيث عرفت آليات احترام هذه الحقوق وحمايتها تطورا جوهريا انتقل من الدبلوماسية الإنسانية إلى إقرار المسؤولية الجنائية الدولية للفرد أو الجماعة التي تنتهك حقوق الإنسان بل تم تكريس حق التدخل من اجل المساعدة الإنسانية وتم الربط بين حقوق الإنسان والمحافظة على السلم والأمن الدوليين، وتبعا لذلك أصبح فرض احترام حقوق الإنسان وحمايتها يشغل حيزا هاما من مهمات قوات حفظ السلام، بل إن العديد من الجمعيات أحدثت أصلا لحماية هذا الحق الذي أصبح هدفا يشكل أحد الأبعاد الأساسية في المهمات الجديدة لقوات حفظ السلام و أن يعطى لهذه العمليات أحدثت أساسا لتوفير الإغاثة الإنسانية وبالتالي حماية السكان من خطر الأمراض والمجاعة والاعتداءات المسلحة إضافة إلى الاهتمام بحقوق الإنسان كهدف لتحقيق السلم والاستقرار الوطني والدولي. وإلى جانب ذلك تركزت مجالات التدخل من طرف قوات حفظ السلام لنزع أسلحة المتحاربين، حيث أصبحت تقوم بتجميع الأسلحة وتحديدها والتخلص منها سمة أساسية في معظم التسويات السلمية الشاملة وإعادة إدماج المحاربين في الحياة المدنية وأيضا إزالة الألغام أصبحت تشكل محورا بارزا في أعمال حفظ السلام.
وبالإضافة إلى ذلك تم الاهتمام بإعادة بناء الهياكل والبنيات الاقتصادية والاجتماعية، فتوسيع صلاحية الأمم المتحدة له مجالات أخرى لا تقل أهمية تتمثل في مكافحة تلوث البيئة والمخدرات ومكافحة الإرهاب ونزع السلاح وهذا ما سيتم التطرق إليه ومناقشته في المحاور التالية:
المطلب الأول: حقوق الإنسان وتطبيق الديمقراطية
اعتلت كل من مسألة حقوق الإنسان وتطبيق الديمقراطية المرتبة الأولى في الاهتمامات الدولية بعد الحرب الباردة خصوصا لدى منظمة الأمم المتحدة، وذلك في إطار توسيع دائرة مجالات حفظ السلم والأمن الدوليين، وبعد ظهور مناخ دولي يرفض التسامح مع الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، وكذا التساهل مع الأنظمة ذات الطبيعة العسكرية الديكتاتورية في بعض الدول: الشيء الذي جعل منظمة الأمم المتحدة تسعى جاهدة لإيجاد حل لهذه المشاكل وإعادة السلم والأمن الدولي إلى نصابه.
الفقرة الأول: حماية حقوق الإنسان
يأتي ميثاق الأمم المتحدة في مقدمة المواثيق الدولية التي اهتمت بمسألة حقوق الإنسان فقد تضمنت ديباجة الميثاق ما يؤكد ضرورة كفالة الحقوق الأساسية للفرد، إذ ورد فيها: “الإيمان بالحقوق الأساسية للفرد وبكرامة الإنسان وبما للنساء والرجال والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية” وبموجب المادة الأولى تعهدت الدول الأطراف في الميثاق بالتعاون فيما بينها من أجل احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وضمانها للجميع و بحفظ السلم والأمن الدوليين وبالاعتراف بحق هام من الحقوق الأساسية للشعوب هو الحق في تقرير المصير والذي يعتبر أساس السلام العالمي والحقوق الإنسان وجعلت المادة 8155 من تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا والتشجيع على ذلك من دون أي تمييز بسبب الجنس أو الدين أو التفرقة بين الرجال والنساء مقصدا من مقاصد المنظمة الأممية، وتخول المادة 13 للجمعية العامة اختصاص إجراء الدراسات وإصدار التوصيات الهادفة إلى إنماء التعاون الاقتصادي والثقافي بين الدول وتنمية مجال التعليم والصحة وتحقيق حقوق الإنسان، وأعيد التأكيد في المواد 55-56 على حق الشعوب في تقرير المصير واحترام حقوق الإنسان، وتلتزم الجمعية العامة بالمسؤولية الرئيسية في تحقيق هذه الغاية بموجب المادة 60 وتعهد المادة 62 للمجلس الاقتصادي و الاجتماعي، بدور هام في مجال حقوق الإنسان إذ يقدم توصيات لإشاعة احترامها، كما له أن يعد مشاريع اتفاقيات ودراسات يعرضها على الجمعية العامة ويملك أيضا سلطة إنشاء لجان تساهم في صياغة إعلانات واتفاقيات حقوق الإنسان (لجنة حقوق الإنسان) ويتحمل مجلس الوصاية بدوره مهمة السهر على كفالة تنفيذ حقوق الإنسان في الأقاليم الخاضعة للوصاية تطبيقا لنص المادة 76 من الميثاق.
إن ميثاق الأمم المتحدة يعد بمثابة معاهدة جماعية توافقت فيها إدارة الأعضاء في المجتمع الدولي على تحديد قواعد القانون الدولي التي تحكم العلاقات بينها في مواضيع مختلفة من بينها حقوق الإنسان ( ) وهو يعتبر من ضمن المعاهدات الشارعة التي تفرض على الأطراف المتعاقدين للالتزام بنصوصها وتحتم تفوقها على القانون الوطني لأية دولة متعاقدة بما في ذلك القواعد الدستورية ومن ثم فإن المنظمة قد تنظر وتصدر توصيات وقرارات بشأن خروقات معينة لحقوق الإنسان تعتبر جزءا من السياسة العامة لإحدى الدول الأعضاء ولا تتوافق مع التزاماتها بموجب المادة 55 و56 من الميثاق بل وقد تؤدي انتهاكات حقوق الإنسان إلى توقيع عقوبات على الدولة المسؤولة عن هذا الخطأ، ثم جاء بعد ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كترجمة لما بميثاق الأمم المتحدة من نصوص متعلقة بحماية حقوق الإنسان ( )، وقد أبدت الجمعية العامة هذا الإعلان لكونه يمثل الحد الأدنى المشترك من المبادئ بين كافة الشعوب و الأمم والتي ينبغي على جميع أفراد ومؤسسات ودول الاعتراف بها وتعزيز احترامها، ومن بين الحقوق المعلنة فيه حق كل فرد في الحياة والحرية وسلامة شخصه وفي أن لا يعرض للتعذيب أو العقوبات أو المعاملات القاسية الماسة للكرامة وحرية الرأي والتعبير عنه ومجموعة من الحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية والجماعية.
وقد عرف اهتمام الأمم المتحدة بمجال حقوق الإنسان تزايدا مهما وتطورا ملحوظا بعد الحرب الباردة خاصة على مستوى آليات احترام هذه الحقوق وحمايتها، حيث تم إقرار المسؤولية الجنائية الدولية للفرد، أو الجماعة التي تنتهك حقوق الإنسان، وتكريس حق التدخل من اجل المساعدة الإنسانية حتى أصبحت مسألة احترام حقوق الإنسان وحمايتها تشغل حيزا كبيرا وهاما من مهمات قوات حفظ السلام وقد رخص مجلس الأمن لقوات حفظ السلام باستعمال القوة المسلحة لتوفير البيئة الآمنة لحماية وصول المساعدات الإنسانية للسكان في الدول ذات الأوضاع المتردية نتيجة الصراعات التي تعرفها وما يترتب عن ذلك من مجاعات ونزوح اللاجئين وتعذيب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ( ) باعتبارها أوضاع تهدد السلم والأمن الدوليين، وتبعا لهذا التطور فمجلس الأمن قد طور مهمات قوات الأمم المتحدة لتشمل البعد الإنساني للسلم.
على أن الأمر لم يقتصر على تطوير هذه المهمات ذات الطابع الإنساني بل لجأ مجلس الأمن أيضا إلى تكريس ما يسمى بواجب التدخل الإنساني لتقديم المساعدات الإنسانية من خلال إصداره لقرار رقم 688 سنة 1991 بخصوص أكراد العراق الذي أعلن فيه لأول مرة أن النزوح الجماعي اللاجئين وحالة الحرمان التي يعانون منها تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، وثم تعزيز هذا الاتجاه بوضع آليات جديدة لحماية حقوق الإنسان بلجوء مجلس الأمن إلى إنشاء محكمة جنائية دولية لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني في يوغوسلافيا سنة 1991 وأيضا إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة بمحاكمة المسؤولين عن الإبادة والجرائم الأخرى ضد حقوق الإنسان المقترفة في رواندا بعد اندلاع الحرب الأهلية سنة 1993 ( ).
ولدعم قوات حفظ السلام رخص مجلس الأمن في بعض الحالات لمنظمات إقليمية باتخاذ التدابير اللازمة لردع الهجمات على القوات وتوفير الظروف المناسبة للقيام بمهامها وكمثال على ذلك تفويض المجلس لمنظمة الحلف الأطلسي بتوفير الدعم الجوي لقوات الحماية الدولية في البوسنة والهرسك وحماية المناطق الآمنة هناك.
وعلى الرغم من القرارات العديدة التي أصدرها مجلس الأمن والتي تهتم بتحقيق الحماية الإنسانية في العديد من النزاعات المسلحة كما حدث في العراق والصومال، إلا أنه قد أهمل صراعات عدة كانت عواقبها أشد كما الحال في إقليم التبت بالصين والمجازر التي تعرض لها المسلحون على يد الصرب في البوسنة والهرسك وأيضا معاناة الشعب الفلسطيني من جراء الاحتلال الإسرائيلي ومن المعلوم فإن مجلس الأمن لم يقف فقط عند إصدار قرارات تتعلق بالقواعد الإنسانية وإنما أخذ بتوسع خاصة بعد سنة 1990 في الأمور المتعلقة بحقوق الإنسان في حالات وظروف مختلف إما نتيجة لنزاعات مسلحة ونتيجة للاضطرابات السياسية الداخلية لدولة ما، أو حدوث انقلاب عسكري على الحكومة ( ).
وقد أنشأت مجلس الأمن جهازا يعتني بحماية حقوق الإنسان يخضع لإدارة السكرتير العام وهو مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان الذي يقوم بتقديم تقارير عن أوضاع حقوق الإنسان الدولية إلى الأمين العام و الذي بدوره يقوم بتقديم هذه التقارير هذه التقارير إلى مجلس الأمن و الجمعية العامة، وبالفعل فقد أكدت بعض التقارير على وجود انتهاكات لحقوق الإنسان في كل من الصين وزمبابوي، كما أن الجمعية العامة في دورتها الخمسين نظرت في التقرير المؤقت عن حالة حقوق الإنسان في العراق في عهد صدام المقدم من طرف المقرر الخاص للجنة حقوق الإنسان والتي أعربت من خلال مجموعة من الملاحظات والتوصيات الواردة في التقرير عن استيائها من رفض الحكومة العراقية التعاون مع آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جميع أنحاء العراق.
وطلبت إلى الأمين العام بأن يقدم إلى المقرر الخاص كل ما يلزم من مساعدة الاضطلاع بولايته و أن يعتمد تخصيص الموارد البشرية والمادية الكافية لإرسال مراقبين لحقوق الإنسان إلى المواقع التي تيسر تدفق المعلومات وتقيمها،وتساعد على التحقق المستقل من حقوق الإنسان في العراق.
وقد قررت لجنة حقوق الإنسان في دورتها الثانية والخمسين لسنة 1996 تجديد ولاية المقرر الخاص سنة أخرى في العراق ( )، ولم تقف الأمم المتحدة عند هذا الحد في مجال حماية حقوق الإنسان بل إن الأمين العام “كوفي عنان” في تقريره في أعمال المنظمة لسنة 1999 بعنوان “مواجهة التحدي الإنساني تحت ثقافة الردع” عرض فيه رأيه ورأي المنظمة في أهمية استخدام القوة من أجل تحقيق الحماية الإنسانية وحماية حقوق الإنسان.
الفقرة الثانية: تشجيع تطبيق الديمقراطية
لقد اتسعت مجالات اهتمام منظمة الأمم المتحدة بحيث أصبحت تشمل عدة قضايا جديدة ومنها قضية الديمقراطية التي عرفت اهتماما متزايدا منذ تجربة نكاراغوا التي عهد فيها سنة 1989 لبعثة تابعة للأمم المتحدة بتنظيم انتخابات والتحقق من نزاهتها، ليتسع فيما بعد نطاق هذه العمليات ليشمل تسوية عدة نزاعات كما حدث في كمبوديا والموزامبيق، والسلفادور وأنغولا ( ). فخلال هذه الفترة شكلت مسألة الانتخابات مهمة أساسية لقوات حفظ السلام الأممية كما قامت الأمم المتحدة في مناسبات عدة بإيفاد بعثات من الخبراء المتخصصين في مجال الانتخابات لتقديم المساعدات في هذا المجال للدول.
بالإضافة إلى ما سبق أصبحت الأمم المتحدة تقدم المساعدة لمساندة الديمقراطية في الدول التي تعرف أنظمة عسكرية ديكتاتورية حيث شكلت حالة هايتي أول تجربة في هذا المجال، إذ رخص مجلس الأمن قراره رقم 940 في 31 يوليوز 1991 بانتشار القوات المتعددة الجنسية من ثلاثين دولة تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية لإبعاد العسكريين الذين قادوا الانقلاب ضد الرئيس “جان برتراند أرستيد” سنة 1991، وإعادة الرئيس الشرعي إلى منصبه وإقرار الديمقراطية ( )
إن اهتمام منظمة الأمم المتحدة بالديمقراطية راجع إلى الاقتناع بأن التسلط والاستبداد لا يمكن أن ينتج عنه إلا التهميش والحرمان مما يغذي الصراعات والنزاعات وبالتالي تحديد السلم والأمن الدوليين، حيث أصبحت تطرح رهانات دمقرطة الأنظمة السياسية والأجهزة داخل الدول، وخاصة دول العالم الثالث وبعض دول أوربا الشرقية التي تعاني فيها الشريحة الكبرى من المجتمع من غياب احترام حقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية، حيث تتمركز الثروات في يد الأقلية على اعتبار أن العلاقة بين حقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية والديمقراطية هي علاقة جدلية، لأن التنمية لا تستحق هذا الاسم ما لم تبن وتؤسس على مشاركة الإنسان فيها وتمتعه بنصيب منها، وممارسة حقوقه كاملة خلالها ( )، و هذا لا يمكن أن يتم إلا عبر تنمية وطنية للديمقراطية تقوم على أساس مشاركة السكان وتطوير مستواهم من خلال الحق في التعليم والتكوين والشغل وغيرها من الحقوق اللازمة لازدهار الإنسان والمجتمع في الوقت نفسه ( ).
فمن المؤكد أن الأنظمة الديمقراطية الحريصة على احترام حقوق الإنسان سيكون لها وضع دولي متميز وستطرح أمامها ضرورة المشاركة في الإصلاحات الديمقراطية من داخل دول العالم الثالث.
المطلب الثاني: الحرب على الإرهاب ونزع السلاح
عرف العالم منذ مدة ليست بالقصيرة مجموعة من الهجمات المسلحة في مجموعة من المواقع عبر العالم، خلفت عدة ضحايا أغلبهم من المدنيين الأبرياء حيث استهدفت المصالح الحيوية لمجموعة من الدول وعلى رأسها مصالح القوة الاقتصادية العالمية الأولى المتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية حيث كيفت هذه الهجمات على أنها إرهاب دولي استحدثت الأمم المتحدة مجموعة من الآليات لمواجهتها، بالإضافة إلى هذا الخطر المهدد للأمن والسلم الدوليين الذي يمكن اعتباره حديث النشأة هناك خطر آخر تعود جذوره إلى فترة الحرب الباردة ويتمثل في لسلاح النووي الذي شكل أحد تمظهرات الحرب السالفة الذكر، حيث أدى التسابق المحموم نحو التسلح إلى تطوير الأسلحة بشكل كبير، الشيء الذي خلق معادلة جديدة تتمثل في كون الحرب بمعناها المادي تعني تدمير الكون بأكمله إذن كيف تعاملت الأمم المتحدة مع هذين الخطرين المحدقين بالبشرية؟
الفقرة الأولى: الحرب على الإرهاب
تندرج ظاهرة الحرب على الإرهاب ضمن الظواهر المعقدة على الصعيد العالمي حيث أنه لا سبيل للقضاء على الظاهرة الإرهابية قبل القضاء على عللها، ومعرفة أسبابها وهذا ما تم إدراكه من طرف الأمم المتحدة منذ بداية تعاملها مع هذه القضية، حيث انصبت جهود الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ سنة 1972 في الدورة 27 تحت عنوان “التدابير الرامية إلى منع الإرهاب الدولي” الذي يفتك بحياة العديد من الأرواح البشرية البريئة ويهدد الحريات الأساسية ولدراسة الأسباب الكامنة وراء كل أشكال الإرهاب وأعمال العنف الناجم عن البؤس والحرمان الذي يؤدي ببعض الناس إلى التضحية بأرواحهم، وذلك في محاولة لإحداث تغييرات جذرية، ويمكن تصنيف الأسباب المؤدية إلى ممارسة الإرهاب إلى صنفين أسباب خارجية، ذات طبيعة سياسية قد تكون نتيجة لتدهور العلاقات بين الدول تنتج عنها ردود فعل عنيفة بين الأطراف، وأخرى داخلية ذات طبيعة اقتصادية وسياسية واجتماعية ( ).
وإذا كانت الأمم المتحدة لم تبادر إلى معالجة قضية الإرهاب الدولي إلا منذ السبعينات من القرن الماضي، فمرجع ذلك فشل عصبة الأمم في هذا الميدان إضافة إلى ذلك فإن ظاهرة الإرهاب بمفهومها المعاصر لم تستفحل إلا في أعقاب الثلاثة عقود الأخيرة من القرن الماضي، حيث بادرت الأمم المتحدة منذ سنة 1972 في إطار معركتها ضد الإرهاب الدولي إلى إنشاء لجنة خاصة، تفرعت عنها ثلاث لجان اقتصرت مهمة إحداثها على إيجاد تعريف للإرهاب الدولي، ومنذ أن بدأت هذه اللجنة في مزاولة أعمالها وهي تواجه العديد من الصعوبات الناتجة عن تباين المواقف بداخلها.
وقد زادت خطورة الأمر بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 من خلال ما شهدته الولايات المتحدة الأمريكية من أحداث مرعبة وقعت في عمق التراب الأمريكي مدمرة بذلك مراكز تجسد رمز القوة لهذا البلد بتجلياته الاقتصادية والعسكرية، حيث أصبح موضوع الإرهاب حديث العام والخاص، ومحط اهتمام الصحافة و السياسيين وتضارب الآراء حول الدوافع التي تؤدي إلى التضحية بالنفس أولا ثم قتل الأبرياء من المدنيين وتخريب العديد من المنشآت ثانية، وقد كان الكل ينتظر الرد على منفذي هذه العمليات العدوانية وجاء الرد الأمريكي سريعا، حيث بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بشن حملاتها العسكرية على أفغانستان المتهمة باحتضان أسامة بن لادن بعد امتناع حركة طالبان الحاكمة عن تسليم أعضاء تنظيم القاعدة، وقد جاء هذا الرد بناء على القرار الصادر من مجلس الأمن تحت رقم 1368 الذي منح لولايات المتحدة الأمريكية المرجعية الشرعية للرد العسكري بعد التهيء له، ويتضمن هذا القرار تصريح المجلس الذي يعتبر العمليات الإرهابية التي تمت في 11 سبتمبر مثلها مثل أية عملية للإرهاب الدولي تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، والاعتراف للولايات المتحدة بحق الدفاع الشرعي الفردي أو الجماعي طبقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة ( ).
وقد أصدر مجلس الأمن أيضا في 28 سبتمبر 2001 قرارا يحمل رقم 1373 متضمنا للعديد من التدابير للحد من الظاهرة الإرهابية موجهة بذلك الدول إلى التعاون فيما بينها من خلال إقراره العديد من التعليمات، إلا أن ما يلاحظ على هذا القرار هو أنه نص على تجميد الأموال والممتلكات للعديد من الحركات التي تلجأ إلى “الأعمال الإرهابية” دون تمييز في ذلك بين حركات المقاومة ضد المستعمر والحركات الإرهابية.
ونشير أيضا إلى أنه وإن بقيت الأمم المتحدة عاجزة عن وضع تعريف شامل للإرهاب الدولي نظرا للخلاف الحاد القائم داخلها فقد عمدت من جانب آخر إلى محاولة تصنيف بعض الأنشطة وإدانتها على أنها أعمال إرهابية، وهكذا وافقت لجنة القانون الدولي سنة 1954 على مشروع تقنين الجرائم الدولية، كما أصدرت الجمعية العامة الإعلان المتعلق بمبادئ القانون الدولي سنة 1970 و الذي العلاقات الودية والتعاون الدولي.
وناقشت اللجنة الخاصة بالإرهاب خلال دورتها 32 الدراسة المعدة من طرف الأمانة العامة للأمم المتحدة والتي تضمنت استعراض وجهات نظر القانون الدولي فيما يتعلق بالأسباب الكامنة وراء ظاهرة الإرهاب، وقد تعرضت الدراسة لتعريف الإرهاب مع إيضاح أن الإرهاب يوصف بأنه دولي عندما يتم الإعداد له وتنظيمه في دولة ما لكي يقع في دولة أخرى، أو عندما يتواجد مرتكبوا الأعمال الإرهابية في دولة غير الدولة التي تقع فيها هذه الأحداث مع اقتراح تدابير عملية لمكافحته ( )، كما بحثت اللجنة الأسباب المؤدية إلى الإرهاب والإجراءات اللازمة لمناهضته في دورتها 34 وقدمت تقريرا للجمعية العامة متضمنا مجموعة من الاقتراحات والتوصيات المناسبة، وبحثت الجمعية العامة موضوع الإرهاب مرة أخرى وأكدت التوصيات المقدمة من طرف اللجنة الخاصة بالإرهاب الدولي الصادر سنة 1979 طالبة من جميع الدول مراعاة تنفيذ هذه التوصيات.
وتجدر الإشارة أيضا إلى الخطوة الهامة التي خطتها الأمم المتحدة في معركتها ضد الإرهاب من خلال اعتمادها “الإعلان المتعلق بالتدابير الرامية إلى القضاء على الإرهاب الدولي” بتاريخ 9 دجنبر 1994 وهو الإعلان الذي أكدته الجمعية العامة مرة أخرى سنة 1996 في القرار 50/53، ومن جديد سيتم تأكيد التزام الجمعية العامة بالقضاء على الإرهاب في الإعلان الصادر بمناسبة مرور 50 سنة على إنشاء الأمم المتحدة سنة 1995 باعتباره الإعلان الذي أكد على أهمية التعاون الدولي في القضاء على الإرهاب الدولي( ).
وقد أشار الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي إلى أن المنظمة الأممية قد وفرت أساسا صلبا وقويا يمكن البناء عليه يتمثل في مجموعة من الصكوك القانونية الدولية التي توفر في مجملها خطوة هامة لمكافحة الإرهاب، وأضاف أن تلك الصكوك قد تطورت لتصبح عنصر هاما في المعركة الدائرة ضد الإرهاب كما بعث وفدا من كبار معاونيه بغية الاشتراك في قمة صانعي السلام المنعقدة في شرم الشيخ بمصر سنة 1997 وذلك بهدف إعداد توصيات بشأن أفضل الطرق لتنفيذ قرارات المؤتمر، واتخذت الجمعية العامة خلال دورتها (51) قرارا تطرقت فيه إلى إمكانية النظر في المستقبل بوضع اتفاقية شاملة بشأن الإرهاب الدولي، وجددت إدانتها للأعمال الإرهابية ولأساليب ممارستها على اعتبار أنها أعمالا إجرامية لا يمكن تبريرها.
كما طلبت من جميع الدول بذل الجهود لاتخاذ تدابير إضافية وفقا لأحكام القانون الدولي بما في ذلك المعايير الدولية لحقوق الإنسان، لمنع الإرهاب وتعزيز التعاون الدولي في مكافحته والعمل من أجل تحقيق هذه الغاية عن طريق اعتماد تدابير مثل التدابير الواردة في الوثيقة الرسمية التي اعتمدتها مجموعة البلدان الصناعية الرئيسية السبعة والاتحاد الروسي في المؤتمر الوزاري المعني بالإرهاب المنعقد في باريس في 30 يوليوز 1996 وخطة العمل التي اعتمدها مؤتمر البلدان الأمريكية المعني بالإرهاب المعقود في “ليما” سنة 1996 تحت إشراف منظمة الدول الأمريكية، وأيضا قامت الجمعية العامة بالموافقة على الإعلان المكمل للإعلان المتعلق بالتدابير الرامية إلى القضاء على الإرهاب الدولي لعام 1994 وقررت إنشاء لجنة متخصصة مفتوحة أمام جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أو الأعضاء في الوكالات المتخصصة لوضع اتفاقية دولية تعمل على قمع الهجمات الإرهابية بالقنابل وبعدها اتفاقية دولية لقمع أعمال الإرهاب النووي، وقد اعتمدت الجمعية العامة أيضا نص مشروع الاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل الذي تم إعداده من طرف اللجنة المخصصة سنة 1997 وفتحت باب التوقيع عليها سنة 1998 ليبلغ عدد الاتفاقيات الدولية المودعة لدى الأمم المتحدة المتعلقة بالإرهاب الدولي 11 اتفاقية وذلك حتى سنة 1997.
وتجدر الإشارة أنه في الوقت الحالي هناك مشروع اتفاقيتين تقوم اللجنة القانونية للجمعية العامة بإعدادهما، تتعلق الأولى بقمع أعمال الإرهاب النووي والثانية تتعلق باتفاقية شاملة لإزالة الإرهاب وبهذا الشأن تم عقد ندوة سنة 2002 بفيينا تحت عنوان “مكافحة الإرهاب الدولي: مساهمة الأمم المتحدة” حيث تطرقت الندوة إلى التدابير المتخذة لمكافحة الإرهاب وناقشتها مشيرة إلى أن استئصال الإرهاب والتخلص منه لن يتحقق إلا بجهد عالمي شامل تحت رعاية الأمم المتحدة خاصة بعد إحداث 11 سبتمبر مشيدة بدور الأمم المتحدة في هذا المجال وبدور اللجنة المعنية بالإرهاب والمنشأة لتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1373 سنة 2001 ( ) والمستند صراحة إلى أحكام الباب السابع من الميثاق، على اعتبار أن مجلس الأمن الهيئة السياسية المختصة بمسألة حفظ السلم والأمن الدوليين، من خلال السلطات الواسعة التي خولها له الميثاق بهذا الشأن، وبما أن الإرهاب يهدد السلم والأمن الدوليين فقد تصدى له مجلس الأمن بقرارات عديدة تضمنتها عقوبات ديبلوماسية وسياسية واقتصادية، بل أكثر من ذلك، دفعت الأحداث الإرهابية بمجلس الأمن إلى اتخاذ إجراءات عسكرية.
ودائما وعلى إثر الأحداث الإرهابية الواقعة على الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة تلك الهجمات التي مست بالمصالح الأمريكية في 7 غشت 1998 في كل من نيروبي وكينيا وتنزانيا وما خلفته من خسائر مادية وبشرية اتخذ مجلس الأمن قرارا تحت رقم 1189 مدينا فيه بشدة هذه الأعمال، وطلب من جميع الدول أن تتخذ وفقا لأحكام القانون الدولي تدابير فعالة وعملية من أجل التعاون المكثف في مجال الأمن والعمل دون وقوع تلك الأعمال الإرهابية ومحاكمة مرتكبيها وإنزال عقوبات بهم، وقد أدان مجلس الأمن بشكل قاطع جميع أعمال الإرهاب وأساليب ممارسته على أساس اعتبارها أعمال إرهابية إجرامية لا يمكن تبريرها من خلال قراره رقم 12.69 المتخذ سنة 1999 كما مكن جميع الدول الأطراف في الاتفاقية الدولية المناهضة للإرهاب من تنفيذها تنفيذا تاما.
فمجلس الأمن يعتبر الهيئة الدولية الرئيسية المعنية بحفظ السلم والأمن الدوليين من خلال سلطاته الواسعة المخولة له في هذا المجال كان ولا يزال معنيا بالإرهاب، فقد اعتمد قراره رقم 1373 في 28 شتنبر 2001 معيدا فيه تأكيده لإدانة الهجمات الإرهابية الواقعة في 11 شتنبر واضعا بموجب ذلك تفصيلا استراتيجيا كاملا لمحاربة الإرهاب الدولي.
كما أن قراره رقم 1333 لسنة 2000 طلب فيه من سلطات حركة طالبان الأفغانية العمل على إغلاق كافة المخيمات التي يتدرب فيها الإرهابيون على اعتبار أن الأعمال التي يقومون بها جنائية وغير مبررة.
وأنشأ مجلس الأمن لجنة خاصة وفقا للمادة 28 من نظامه الداخلي مشكلة بذلك خطوة هامة لمكافحة الإرهاب تتألف من جميع أعضاء المجلس، لكن رغم تظافر الجهود الدولية لمنع وقوع أعمال الإرهاب إلا أن هذه الجهود ليست كافية لاستئصال الظاهرة الخطيرة.
الفقرة الثانية: نزع السلاح النووي
لقد كان موضوع نزع السلاح دائما مثار اهتمام بالغ من قبل الأمم المتحدة منذ السنوات الأولى لوجودها، وفي هذا الصدد تحدث ميثاق الأمم المتحدة عن نزع السلاح الذي أوكله إلى بعض الأجهزة على رأسها الجمعية العامة و مجلس الأمن ولجنة أركان الحرب. فأثناء حديثه عن اختصاصات الجمعية نص في الفقرة الأولى من المادة الحادية عشر على أن “للجمعية أن تنظر في المبادئ العامة للتعاون في حفظ السلم والأمن الدوليين ويدخل في ذلك المبادئ المتعلقة بنزع السلاح وتنظيم التسليح…” كما نصت المادة السادسة والعشرون على أنه “رغبة في تحقيق السلم والأمن الدوليين وتوطيدها بأقل تحويل ممكن لموارد العالم الإنسانية و الاقتصادية إلى ناحية التسليح يكون مجلس الأمن مسؤولا بمساعدة لجنة أركان الحرب المشار إليها في المادة (47) عن بلورة خطط تعرض على أعضاء الأمم المتحدة لوضع نظام تخفيض التسلح”. في حين أوكلت الفقرة الأولى من المادة السابعة والأربعون للجنة أركان الحرب مهمة إسداء المشورة والمعونة إلى مجلس الأمن. والملاحظ من قراءة هذه النصوص أنه قد تم توزيع الاختصاص بين الجمعية العامة والمجلس حيث اقتصرت اختصاصات الأولى على النظر في المبادئ العامة وتقديم توصيات بشأنها إلى الدول الأعضاء ( ) أو مجلس الأمن أما الخطط الخاصة بتنظيم السلاح فيضعها مجلس الأمن بمساعدة ومشورة لجنة أركان الحرب ( ).
إن ميثاق الأمم المتحدة يسعى دوما إلى إرساء نظام دولي على أساس فكرة الأمن الجماعي ولهذا الغرض فهو لم يتردد في الحد من سلطة الدول في استعمال القوة العسكرية، وفي منح المنظمة العالمية اختصاصات واسعة للسهر على صيانة ومراقبة منع استخدام القوة.
لقد كان لظهور السلاح الذري لأول مرة والمتمثل في القنبلتين الذريتين اللتين تم إلقاؤهما على كل من هيروشيما وناجازاكي سنة 1945 أثر حاسم في توجه الأمم المتحدة نحو نزع السلاح، و هذا ما اتضح من خلال اهتمام الجمعية العامة بموضوع الأسلحة النووية منذ دورتها الأولى والتي دعت فيها مجلس الأمن إلى وضع تدابير عملية لتنظيم التسليح واتخاذ الضمانات اللازمة لكفالة احترام جميع الدول لذلك و أن يضع المعاهدات الدولية لتخفيض التسلح و أن يعمل على استبعاد الأسلحة النووية لكن انهيار نظام الأمن الجماعي وإحلال مناطق النفوذ محله وكذا فقدان المجلس لمصداقيته ( ) بسبب الاستعمال المتكرر لحق الفيتو، جعل الجهود في ميدان نزع السلاح تتم خارج المنظمة الأممية، لكن هذا لا ينفي قيامها بدور تراوحت أهميته من مجرد الدعوة أو المطالبة أو الحث والتشجيع أو التأييد والترغيب إلى إعداد مشروعات الاتفاقيات نفسها أو القيام بكل المراحل التمهيدية وحتى التوقيع عليها في العديد من الاتفاقيات التي كان لها دور في الحد من التسلح ( ).
وإذا كانت ظروف الحرب الباردة حالت دون تحقيق أهداف المجتمع الدولي بنزع السلاح فإن إنهاء هذه الحرب أعاد الأمل في ذلك خاصة وأنه بعد وصول الرئيس كورباتشوف إلى الحكم في الاتحاد السوفياتي جعل من نزع السلاح أول أهدافه، فدخول هذا البلد في دوامة اقتصادية عسيرة إلى جانب المصاعب المرتبطة بالمطالب الوطنية وإرادات الانفصال عن الاتحاد السوفياتي وتطبيق البروسترويكا. كل هذه العوامل دفعت بالاتحاد السوفياتي إلى الليونة في المفاوضات ( ) مما خلق تضاربا سوفياتي أمريكي وهيأ مناخا ملائما لمعالجة القضايا الخاصة بنزع السلاح حيث تم التوقيع على معاهدات “ستارت” في 31 يوليوز 1991 في موسكو التي اعتبرت ذات أهمية كبيرة حيث قضت بتخفيض عدد الرؤوس النووية من إحدى عشر ألف إلى ستة آلاف وخمسمائة رأس بالنسبة للاتحاد السوفيات والتزام لولايات المتحدة الأمريكية بتخفيض عدد هذه الرؤوس من عشرة إلى ثمانية آلاف حتى سنة 2000، وقبل ذلك تم التوقيع على اتفاق ثنائي بين الدولتين في يونيو 1990 المثبت من تنفيذ بنود معاهدة حظر التجارب والانفجارات النووية السلمية وتدمير الأسلحة الكيماوية، وكذا التوقيع في مؤتمر الأمن والتعاون الأوربي سنة 1992 على معاهدة للحد من الأسلحة التقليدية في أوربا.
وقد قررت معاهدة “ستارت2” التي تم توقيعها في موسكو في 3 يناير 1993 من طرف الرئيسين “بوش” وإلتسين” لإعادة الترسانة النووية لكل من موسكو، واشنطن إلى ما كانت عليه خلال الستينات، وقد اعتبر الرئيس الأمريكي هذه المعاهدة بأنها الأكثر أهمية للحد من التسلح في حين وصفها نظيره الروسي بأنها “وثيقة القرن” و”معاهدة الأمل” ( ) فهي تنص على خطر الأسلحة النووية والصواريخ المنصوبة على الأرض والمجهزة بعدة رؤوس نووية، والقادرة على ضرب أهداف متعددة حيث سيتخلص البلدان من ثلثي الرؤوس النووية، كما نصت هذه الاتفاقية أيضا على التزام الطرفين بتقديم كل ما هو ضروري للعمل على النزع الكامل للسلاح النووي من دول رابطة الدول المستقلة، عن طريق التخلص من الأسلحة المتقادمة والأسلحة المنصوبة في كل من روسيا البيضاء وكازاخستان وأوكرانيا، وضم هذه الدول إلى الاتفاقية المتعلقة بخطر انتشار الأسلحة النووية، ولابد من الإشارة هنا إلى أن الجمعية العامة أوصت بالتفاوض بشأن إبرام معاهدة لحظر إنتاج المواد الانشطارية، وهي مستمرة في بذل جهود كبيرة لتعزيز اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة البترولوجية والسامة وتدمير تلك الأسلحة. ( )
لكن بالرغم من كل هذه الجهود إلا أن الحصيلة لازالت ضعيفة بالنظر إلى حجم التهديد الذي تطرحه مثل هذه الأسلحة على وجود الجنس البشري.
المطلب الثالث: حماية البيئة
تزامن التقدم العلمي والتطور التكنولوجي مع طرح الاهتمام بالبيئة وقضاياها على الصعيد الدولي. ففي البداية لم تكن قضايا البيئة مثارة والدليل على ذلك أن ميثاق الأمم المتحدة لم يتضمن حرفا واحدا عن البيئة أو حمايتها ( ).
ليأتي مؤتمر الأمم المتحدة حول بيئة الإنسان الذي انعقد بمدينة ستوكهولم سنة 1972 مشكلا نقطة الاهتمام الأولى بالقضايا البيئية وأهم ما ترتب عن هذا المؤتمر هو إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة الذي تميز عمله خلال فترة الحرب الباردة بالقصور حيث تتجلى في لفت الأنظار إلى العوامل المهددة للبيئة كالجفاف والتصحر، وتراجع الأراضي المخصصة لتربية الماشية ومشاكل الرمال المحركة والغبار الطائر في المناطق الصحراوية ( ).
ثم بدأ الوعي بالإشكالات المرتبطة بالبيئة يتخذ بعدا أكبر خاصة في الدول الغربية التي ظهرت فيها حركات مناهضة تركز على المشاكل البيئية وقد شكل دخول حركة الخضر verts في ألمانيا الاتحادية للبرلمان سنة 1983 دافعا قويا في هذا الاتجاه ( )، حيث ازداد الوعي بمخاطر تلوث البيئة، حين بدأت قضايا التلوث تطرح بشدة : تلوث المياه نتيجة تسرب المخلفات الصناعية والنفط ومياه الصرف الصحي إليها، وتلوث الهواء بسبب مداخن المصانع والسيارات، وكذا التلوث الكيماوي الناتج عن استخدام الكيماويات في الزراعة وحفظ المنتجات الغذائية.
ومن ناحية أخرى أدرك الرأي العام وجود مشاكل تهدد الحياة فوق سطح الأرض سببها التغير المناخي للكرة الأرضية نتيجة تقلص سمك طبقة الأوزون التي تحمي الغلاف الجوي وهو ما يمكن أن يهدد برفع درجة حرارة الأرض، وقد تنجم عن الظواهر المصاحبة لهذا التغير المناخي فيضانات هائلة يمكن أن تغرق مساحات واسعة وتهدد بكوارث لا تقل خطورة عن الكوارث التي قد تنجم عن حرب نووية ( ).
بالإضافة إلى ما سبق ظهرت إشكالات أخرى، جلبت انتباه الرأي العام، نظرا لآثارها العالمية كما هو الأمر بالنسبة لاقتلاع أشجار غابة الأمازون باعتبار هذه الأخيرة تعتبر “رئة الكرة الأرضية” ( )، لأن النبات يمتص غاز الكربون، ويقلص بالتالي من ارتفاع درجة حرارة الكوكب، حيث بدأت قضايا البيئة تأخذ طابعا عالميا وترسخ الاعتقاد باستحالة حل مشاكلها على المستوى المحلي والإقليمي إذ لابد من مواجهتها على الصعيد الدولي، و هذا ما تم بالفعل عبر التوقيع على عدة اتفاقيات دولية وعقد مؤتمرات دولية، كمعاهدة النقل البين حدودي للنفايات الخطيرة بتاريخ 22 مارس 1989، ومعاهدة فيينا بخصوص البحث ومراقبة طبقة الأوزون، وكذا مؤتمر جنيف حول المناخ في نونبر في 1990 و الذي حث الدول على الحد من انبعاث الغازات الملوثة…
ولعل أهم مؤتمر عقد في مجال البيئة على الإطلاق هو مؤتمر “قمة الأرض” والذي انعقد تحت إشراف “مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية” بمدنية ريودي جانيرو بالبرازيل، حيث جمع 131 رئيس دولة وحكومة وعشرات الآلاف من المهتمين بالبيئة، كما احتضن مئات زعماء القبائل “البدائية” التي تعمر سبعين دولة من أمريكا وإفريقيا وآسيا وأستراليا ( ). وقد ناقشت القمة العديد من الإشكالات المتعلقة بالبيئة كحماية الغلاف الجوي وحماية موارد الأرض وموارد المياه العذبة والمحيطات والبحار والمناطق الساحلية وحفظ التنوع البيولوجي والإدارة السليمة للتكنولوجيا الحيوية والنفايات الخطيرة…. وعلى العكس مما كان منتظرا لم تكن هذه المحطة سبيلا لتقريب وجهات النظر بين الدول بل شكلت مناسبة لتبادل التهم بين دول الشمال ودول الجنوب حول المسؤولية فيما آلت إليه البيئة.
تطور الوظيفة السلمية لمنظمة الأمم المتحدة
CBS-10?