جرائم الصحافة بالمغرب
الفصل الأول : الجرائم المرتكبة عن طريق الصحافة
أراد المشرع المغربي من خلال ظهير 15 نونبر 1958 أن يكرس صراحة حرية الصحافة ، فهذه الأخيرة، وكما أسلفنا ، ترتكز على حرية الرأي وحرية التعبير عن الرأي، ويترتب على آنتفائهما انتفاء المعنى الحقيقي للصحافة، فالتشريعات المؤمنة بهذه الحرية لا تجعل من الإدلاء بالآراء جريمة، إلا أن ممارستها بشكل تعسفي ودون مراعاة حقوق المجتمع بمختلف مكوناته قد يخلف جرائم معاقبا عنها ، ومن تم لايمكن القول بوجود تناقض بين نصوص قانون الصحافة كجزء من ظهير الحريات العامة والفقرة الثانية من الفصل التاسع من الدستور ، والتي تنص صراحة على حريتي الرأي والتعبير .
إن أهم ما تعاني منه المؤسسة الصحفية – وعلى غرار مختلف المؤسسات هو خضوعها لمجموعة من القوانين ، فتخضع في أحد جوانبها- باعتبارها مقاولة – للقانون التجاري ومايخلفه ذلك من آثار، خاصة التقييد التجاري ، ثم لقانون الشغل في إطار العلاقة التي تجمع صاحب المؤسسة الصحفية باعتباره مشغلا مع الصحفيين العاملين تحت سلطته باعتبارهم أجراء ، ثم لقانون الإلتزامات والعقود في إطار تحديد المسؤولية المدنية لرجال الصحافة ، ثم للقانون الإداري إذا تعلق الأمر بمؤسسة إعلامية عمومية أو شبه عمومية ، أما من الناحية الزجرية ، فهي تخضع لظهير 15 نونبر 1958 بمثابة قانون الحريات العامة في شقها الخاص بقانون الصحافة من جهة ، ومن جهة أخرى فهي تخضع للقانون الجنائي ، ومن الناحية الإجرائية ، فالمسطرة المتبعة لمحاكمة الصحفي عن أفعاله الجرمية منصوص عليها في القسم الثاني من الباب الخامس الخاص بالمتابعات والزجر
( الفصول من 70 إلى 76)إضافة إلى قانون المسطرة الجنائية كنص عام.
لغل أهم مايلاحظه كل متصفح لمقتضيات قانون الصحافة هو ذلك العنوان الذي أعطاه المشرع للباب الرابع من القانون المذكور، جاء فيه : << في الجرائم أو الجنح المرتكبة عن طريق الصحافة أو غيرها من وسائل النشر>>.المثير للإستغراب بهذا الصدد هو أن المشرع لم يعتبر الجنح جرائم بل اعتبارها شيئا آخر مستقلا بذاته بآستعماله عبارة ” أو” التي تفيد التخيير وذلك ما يمكن اعتباره سهوا منه، إلا أنه عاد في القسم الأول من الباب المشار إليه ليضع له كعنوان < التحريض على إرتكاب الجرائم والجنح> وذلك ما ينفي سهو المشرع ، بل إصرارا منه على اعتبار الجنح المرتكبة عن طريق الصحافة فعلا آخر لا يدخل في إطار الجريمة وذلك ما يتعارض مع المستقر عليه فقها وقضاءا وكذا مختلف التشريعات ، إذ تقسم الجريمة إلى جنايات وجنح تأديبية وأخرى ضبطية مخالفات ، وبالتالي فقد كان أولى على واضعي قانون الصحافة تسمية هذا الباب: < الجنح والمخالفات المرتكبة عن طريق الصحافة والنشر > أو < الجرائم المرتكبة عن طريق الصحافة والنشر> وذلك ما حاولنا تفاديه ونحن بصدد تحليل الجرائم الواردة في هذا الباب.
من المعلوم أن ظهير 15نونبر 1958 في شقه الخاص بالصحافة لا يضمن أفعالا بمثابة جنايات إلا في حدود ضيقة ، إلا أن ذلك لا يعني أن الصحفي ، وهو بصدد مزاولة مهامه لا يرتكب جناية ، بل العكس من ذلك ، خاصة إذا تعلق الأمر بتوصله إلى سر من أسرار الدفاع الوطني والقيام بنشره خدمة لمصالح أجنبية معادية ، أو علمه بمؤامرة والتزامه الصمت حيالها ، إلى غيرها من الجنايات التي يمكن أن يؤتيها الصحفي وهو يزاول مهامه.
سنكتفي في هذا الفصل بتحليل الجرائم المنصوص عليها في قانون الصحافة فقط دون تلك المنصوص عليها في القانون الجنائي ، وبذلك سنتطرق للجرائم الماسة بالمصلحة العامة في مبحث أول ثم الجرائم الماسة بالمصلحة الخاصة في مبحث ثاني ، على أن نتطرق في مبحث ثالث للإستدراك وحق الجواب.