المبادرات والمقترحات لإصلاح جامعة الدول العربية : المبادرة المصرية

الفصل الثاني : المبادرات والمقترحات لإصلاح جامعة الدول العربية
نتيجة للمأزق الذي ظلت تتخبط فيه جامعة الدول العربية، على مدى ستة عقود تقريبا، بسبب مجموعة من الخلفيات التي حاولنا مناقشتها في الفصل الأول: ومع تضاؤل إنجازاتها، وما آل إليه الوضع العربي من تردي على كل المستويات، ظل السؤال ملحا عن كيفية إصلاح هذا الخلل، وتفعيل دورها ومن هنا برزت إرادة عربية جماعية صادقة من أجل إخراج الجامعة من هذه الحالة التي وصفت بالشلل وفقدان الفاعلية، من اجل مواجهة التحديات الدولية والإقليمية الجارفة.

ولتحويل هذه الإرادة إلى برامج عملية قادرة على النجاح تم تقديم مجموعة من المبادرات والمقترحات منها ما اتخذ صبغة رسمية ومنها ما كان غير رسميا، ربما قد تكون حلا ومقدمة للخروج من هذا المأزق.
إذن ما هي أبرز هذه المقترحات والمبادرات؟

المبحث الأول: المبادرات والمقترحات الرسمية:
استجابة للدعوات المتكررة لإصلاح وتطوير الجامعة تقدمت مجموعة من الدول العربية، بالعديد من المبادرات والمقترحات تجسدت في سبع مشروعات تقدمت بها الدول التالية: اليمن، قطر، السودان، الأردن، ليبيا، السعودية، ومصر. حملة كلها شعار تفعيل الجامعة وتطوير الأمانة العامة، بخاصة حيث تتكاثر التحديات الخارجية وتتعاظم الحلول العربية في مواجهتها ليبدو وكأنها تجتهد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، في غمار العاصفة العاتية التي اجتاحت العالم كله بعد أحداث 11 من سبتمبر 2001، واجتاحت المنطقة العربية مع انطلاق انتفاضة الأقصى واحتلال العراق، بخاصة وفي ضوء إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عرضها تغيير الخريطة السياسية للمنطقة وفق المعايير والمصالح الأمريكية، المتقاطعة مع المعايير والمصالح الإسرائيلية وشروعها في ذلك بالفعل، تحت ذريعة محاربة الإرهاب” انطلاقا من منهج إرهاب الدولة في أقصى استخداماته عنفا ( ).
لكل الاعتبارات السابقة، فإن النظام العربي بات في حاجة إلى مبادرة كبرى تجمع بين ما هو سياسي وقانوني، أي تحاول البحث في الإطار السياسي اللازم لتفعيل جامعة الدول العربية، وفي الوقت نفسه تسعى إلى تحديد الأبعاد الضرورية إصلاح بنيتها من المنظور القانوني من هنا برزت المبادرة المصرية باعتبارها الأكثر شمولا في تحليلها الأفكار والمقترحات والمبادرات المتعلقة بتطوير الجامعة العربية والعمل العربي المشترك، لهذا سنركز في هذا الجزء على الخطوط العريضة كما تضمنت المبادرة المذكورة وتقرير الأمانة العامة للجامعة بشأن الهيكل المؤسسي موضوع البحث في هذه الورقة( ).

المطلب الأول: تقرير جامعة الدول العربية حول تطوير وتحديث أنظمة العمل العربي المشترك:
قدم الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة –الدورة 14 بيروت/مارس 2004- تقرير إنجاز حول تطوير وتحديث أنظمة العمل العربي المشترك، يعترف التقرير بوجود قصور في التنسيق في العمل العربي المشترك، رغم وجود آليات رئيسية وفرعية للتنسيق، وإن العمل العربي مازال يفتقد الترابط والتماسك، وفي اعتراف خطير، يرى التقرير أن كلا من المنظمات العربية المتخصصة ومجالس الوزراء العرب، وكذلك الأمانة العامة لجامعة الدول العربية ، كل منها يعمل في شبه انفصال عن الكيانات الأخرى في الموضوعات الواحدة، فبدلا من أن يكون هناك “بناء: واحد متماسك ومترابط، نجد أن هذه العمل يتم في صورة “أعمدة” متراصة بجوار بعضها البعض مفتقدة حلقة التنسيق التي تضمنت ترابط وتماسك العمل لعربي المشترك، سواء في مرحلة التخطيط لهذا العمل، أو اتخاذ قرار بشأنه، أو في متابعة إجراءات التنفيذ لدى الدول الأعضاء ، وتذليل المشكلات والمعوقات التي قد توجه هذا التنفيذ أو في التقييم الدوري والنهائي له ( ).
وبعد عرض سطحي مختصر لأهداف ومهام العمل العربي المشترك وتحليل المهام الاقتصادية والاجتماعية، يأتي التقرير إلى استعراض التعاون العربي الاقتصادي المشترك في الممارسة العملية ويشير إلى تشتت وتعدد في الموضوعات التي ينظرها المجلس الاقتصادي، و إلى التباين في نوعية الموضوعات التي يتم عرضها، ما بين الموضوعات ذات أهمية الاستراتيجية وتلك ذات الأهمية المحدودة ( ).

غير أن ما يهمنا في موضوع هذه الورقة هو ما تضمنه التقرير من مقترحات لتطوير المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وتتمثل هذه المقترحات في اتجاهين:
الأول: الإطار التنظيمي لعمل المجلس.
الثاني: المتطلبات الأساسية اللازمة لفاعلية تشغيل هذا الإطار.
أولا: الإطار التنظيمي لعمل المجلس:
حول الإطار التنظيمي لعمل المجلس الاقتصادي والاجتماعي، يقترح تقرير الأمين العام لجامعة الدول العربية أن يكون المجلس على مستوى رؤساء الحكومات حتى يمكن تجنب إصدار قرارات لا يتم تنفيذها، وذلك نتيجة لتعدد نشاطات المجلس ووجود أكثر من وزير متخصص في كل نشاط من هذه النشاطات، وما قد يؤدي إليه من تعارض في وجهات التنظير بين هؤلاء الوزراء، ويلاحظ أن هذا المقترح سبق أن عرض في مشروع تعديل ميثاق جامعة الدول العربية في مطلع الثمانينات، ويلي هذا المستوى مباشرة المجالس الوزارية والمنظمات والأجهزة التي تدخل نوعيات نشاطها في اختصاص المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ويقوم المجلس الاقتصادي والاجتماعي على مستوى رؤساء الحكومات بتشكيل لجان فنية يكون التمثيل فيها على أساس الموضوعات المطروحة على اجتماعات المجلس، مما يعني اقتصار الحضور على الذين يكون هناك موضوعات تخصهم، في جدول أعمال المجلس، وذلك ضمانا لفاعلية المناقشات واستثمار أفضل لوقتهم، وعلى سبيل المثال تضم اللجنة الفنية الاقتصادية، كبار المسؤولين والخبراء المعنيين بشؤون الاقتصاد والمال والتجارة الداخلية والخارجية، ويشير التقرير إلى اللجنة الفنية الاجتماعية، وإلى اللجنة الفنية للخدمات، ومستوى التمثيل فيهما والقطاعات التي تندرج تحت كل لجنة منها.

وبالنسبة لمؤسسات المجتمع المدني ورجال الأعمال والمستثمرين، فإنه يتم تحقيق تواصل بينهما وبين المجالس الوزارية والمنظمات المتخصصة، مع التأكيد على أهمية توجيه اهتمام كاف للموضوعات التي تعرض من قبل هذه الكيانات ليكون لها دور في إطار العمل العربي المشترك يتفق مع مستجدات القرن الواحد والعشرين فيما يتعلق بالعولمة والمنافسة الدولية واستخدام التكنولوجيا الحديثة، أو نقل الأساليب الإيجابية والسريعة التي تتعالم بها مثل هذه الكيانات لتطوير الأداء البيروقراطي التقليدي للأجهزة الحكومية ( ).
وتقوم كل لجنة بدراسة الموضوعات تمهيدا لرفعها إلى رؤساء الحكومات العربية، ويجوز تشكيل لجان فرعية لكل من هذه اللجان تصب مخرجاتها في اللجان الفنية الرئيسية المعنية، ويحدد النظام الداخلي للمجلس أسلوب تشكيل وعمل هذه اللجان. أما عن الربط بين مستويات هذا الإطار التنظيمي، فيتم كما يشير التقرير من خلال الأمانات الفنية سواء كان ذلك خلال مرحلة إعداد جدول الأعمال قبل بدء دورات المجلس، أو متابعة سير العمل واللجان خلال انعقاد الدورات، أو المتابعة والتقييم بين كل دورتين، وتكون الأمانة العامة لجامعة الدول العربية هي الأمانة الفنية لهذه المستويات من خلال أجهزتها الفنية ( ).
ثانيا: المتطلبات الأساسية اللازمة لفاعلية تشغيل هذا الإطار
يشير التقرير بخصوص المتطلبات الأساسية اللازمة لفاعلية تشغيل الإطار التنظيمي لعمل المجلس إلا أن هذه المتطلبات تتحدد فيما يلي:
أ-فيما يتعلق بتطوير المجلس الاقتصادي والاجتماعي، لابد أن يسبقه تطوير حقيقي ومتكامل في الآلية السياسية التي تمثل الإطار العام للعمل العربي المشترك ككل، والتي تخدم العمل والأداء في هذا المجلس وفي غيره من المجالس والمنظمات والأجهزة العربية وهي الأمانة العامة للجامعة.
وتؤكد المقترحات على أهمية توفر العنصر البشري القادر على القيام بهذا الدور باعتباره ركيزة أساسية لتمكين المجلس الاقتصادي والاجتماعي من الاضطلاع بدوره كمؤسسة محورية في العمل الاقتصادي والاجتماعي العربي المشترك، وينتقد التقرير السلبيات التاريخية لنظم التوظيف التي أدت إلى خلق طبقة من “الموظفين” التي تهتم أكثر بالشكليات دون المضامين.

ب-فيما يتعلق بتطوير المناخ الثقافي في الجامعة العربية، فهو يعمل إيجابيا على توفير بيئة مواتية لتساعد على تحقيق الأهداف بدرجة أكبر من الجودة والفعالية، واعتبر واضعو التقرير أن اعتماد نظام المفوضيات تأكيدا لهذه الثقافة التنظيمية الجديدة في تطوير الأداء والفصل في المعالجة السياسية و الفنية لمجالات العمل المختلفة بالأمانة العامة للجامعة ( ).
ج-وأخيرا، فإن المقترحات الواردة في التقرير بشأن الاهتمام بموازنات المشروعات والبرامج نشير إلى أهمية الاعتبارات المالية التي تخصص للأداء من خلال خطط تنفيذية ذات موازنات وبرامج زمنية محددة بما يعكس الجدية والحرص التي ينظر بها إلى مستوى أداء وإنجاز وفاعلية العمل العربي المشترك( ).
وفي هذا الإطار يلاحظ أن الأفكار والمقترحات المطروحة لتطوير الهيكل المؤسسي لجامعة الدول العربية تمثل تراجعا واضحا عن الطموحات القومية التي طرحت مطلع الثمانينات، خاصة تلك التي وردت في مشروع تعديل ميثاق جامعة الدول العربية، بالإضافة إلى إغفال المقترحات الأخيرة لدور مجلس الوحدة الاقتصادية العربية في خريطة الهيكل التنظيمي الجديد، وإهمال تام للأهداف التي تضمنتها اتفاقية الوحدة الاقتصادية بين دول الجامعة العربية، وتفريط بجانب مهم من استراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك، التي شكل فيها هدف التكامل الاقتصادي أحد السمات الفكرية الوحدوية لمرحلة ثرية في التاريخ العربي المعاصر، قبل أن تتردى أوضاع العرب السياسية في هاوية التشرذم والانقسام( ).

المطلب الثاني: المبادرة المصرية:
في إطار هذه المبادرة دعت مصر إلى بدء حوار صريح بناء لتطوير النظام الإقليمي العربي لجامعة الدول العربية يضع في الاعتبار الأفكار والمبادرات والمقترحات التي سبق أن طرحها عدد من القادة لعرب في هذا المجال وينطلق من المحاور التالية:

أولا: تنقية الأجواء العربية
إن المتتبع لمسيرة جامعة الدول العربية يلاحظ أن الإنجازات التي حققتها قد ارتبطت دائما إما بإدراك سليم للمخاطر التي هددت النظام العربي، إما بمناخ صحي للعلاقات العربية-العربية وعلى سبيل المثال فإن نجاح مجلس الجامعة في التصدي للمشكلة العراقية-الكويتية، عام 1961 في مقابل الإخفاق التام لمجلس الأمن في هذا الصدد، يرجع إلى وقف الاتفاق بين الدول العربية على الرغم مما كان بينها من خلافات في ذلك الوقت- على ضرورة الحفاظ على المبادئ المؤسسية للنظام العربي ومن بينها الحفاظ على السلامة الإقليمية لأعضائه ورفض مبدأ استخدام القوة في العلاقة العربية-العربية، وانبثقت الإنجازات التي حققتها القمتان العربيتان في القاهرة والاسكندرية عام 1964 على صعيد التصدي للأطماع الإسرائيلية في المياه العربية والعمل على بناء الكيان الفلسطيني من حقيقة التهديد الذي شنته إسرائيل في ذلك الوقت وينطبق الشيء نفسه على الإنجاز التاريخي لقمة الخرطوم في غشت 1967 عقب العدوان الإسرائيلي واحتلال أراضي تابعة لبعض الدول العربية، وفي 1987 عقدت قمة عمان التي ينسب لها افضل في إعادة التواصل في العلاقات العربية-المصرية مع الإحساس بتفاقم تداعيات الصراع العراقي الإيراني في ذلك الوقت وعقدت ( ) قمتا 1996-2000 في القاهرة، توجسا لتداعيات الانقلاب الذي طرأ على السياسة الاسرائيلية تجاه التسوية السلمية واعتماد لغة القوة المفرطة في التعامل مع الشعب الفلسطيني، ولما كان النظام العربي يمر الآن بمرحلة من أخطر مراحل تطوره في ظل متغيرات عالمية وإقليمية ظاهرة للعيان، أوجدت وضعا جديدا في المنطقة يشكل دون مبالغة خطرا داهما على المصالح العربية فإن التعامل الرشيد مع هذه الأوضاع يستلزم بالضرورة أن يتم إزالة كل الشوائب في العلاقات العربية-العربية، والعمل على تسويتها جميعا، في إطار مسعى جاء لتنقية الأجواء العربية، بما يؤدي إلى تقوية أسس النظام العربي، ودعم مؤسسته الرئيسية جامعة الدول العربية .

ثانيا: اضطلاع الجامعة العربية بدورها كأداة رئيسة للعمل العربي المشترك
على الرغم من تواضع النظرة العربية إلى جامعة الدول العربية، والاكتفاء بالنظر إليها على أنها أداة توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها، وتنسيق خططها السياسية، وتحقيق للتعاون بينها وهو الأمر الذي عبر عنه نص المادة الثانية من ميثاق “جامعة الدول العربية” فإن تاريخ الجامعة كان مرآة تعكس في معظم الأحيان افتقار الإرادة السياسية للدول الأعضاء، لدعم الجامعة وتقوية دورها، وليت الأمر وقف عند هذا الحد، بل إن الممارسة على مدى ذلك التاريخ قد حفلت بالعديد من المناسبات التي رفضت فيها الدول العربية عرض بعض شؤونها ومنازعاتها على أجهزة الجامعة كما انطلقت الدول الأعضاء، نحو بناء مؤسسات وآليات عربية على مستويات مختلفة موازية، بل ومنافسة أحيانا للجامعة، وعلى الرغم مما تحقق لبعض هذه المؤسسات والآليات من نجاح، فإن أحدا لا ينكر أن مثل هذا النجاح كان خصما من رصيد ما يجب أن يتوافر من دعم وتعضيد لجامعة الدول العربية من جانب جميع الدول الأعضاء فيها ( ).
لقد آن الأوان أن تصبح الجامعة هي الأداة الرسمية الرئيسية للعمل العربي المشترك، من اجل تحقيق الغايات المشتركة التي تسعى إليها الدول الأعضاء في الجامعة، وهو الأمر الذي يفرض بالضرورة إيجاد آليات جديدة في إطار جامعة الدول العربية لتعمل على تحقيق القدر الكافي من التنسيق بين هيئات ومؤسسات لعمل العربي المشترك ، حتى ما تم إنشاؤه من خارج نطاق وإطار جامعة الدول العربية، إن النظر إلى الجامعة بوصفها الأداة الرئيسية للعمل المشترك، كفيل في الوقت ذاته بتأكيد تكامل المصالح الوطنية، بل والمصالح على مستوى التجمعات العربية المختلفة مع المصالح القومية، فهذه الانتماءات والحلقات المتكاملة يجب أن تنصب جميعا في خانة دعم جامعة الدول العربية، وتعزيز العمل العربي المشترك، في ظل مناخ دولي مختلف، وأوضاع إقليمية لفرض تحديات هائلة غير مسبوقة، لا قبل للعرب بمواجهتها إلا من خلال الوقوف صفا واحدا في إطار الجامعة العربية، التي يجب العمل على أن تكون قاطرة العمل العربي المشترك وإداته الرئيسية الفاعلية ومحورا رئيسيا للنظام العربي ( ).
ثالثا: احتواء المنازعات العربية-العربية وتسويتها:
إن أبسط موجبات مصارحة النفس تفرض الاعتراف بأن النزاعات العربية-العربية، التي اتخذت صورا وأشكالا متنوعة، كانت من أبرز سلبيات الفترة السابقة، وإذا كنا لا نرغب في أن ننكأ جراح الماضي، فإن هذه الجراح التي بدأ البعض منها غائرا في الجسد العربي لسنوات طوال، والتي لم تفلح في مداواته المفاوضات والمبادرات والوساطات، كان يمكن لها أن تلتئم وتندمل آثارها فيما لو وجدت من الوسائل والآليات الدبلوماسية ما يكفل احتواء مثل هذه المنازعات في بدايات تشوبها، أو الأداة القانونية الحاسمة التي تضع لها نهايات قاطعة، بما يجعل أطرافها تتطلع إلى مستقبل التعاون بعد التحرر من أثقال خصومات وضغائن لا مبرر لها.
من هنا فإن العمل على احتواء المنازعات العربية-العربية، في مهدها وقبل استفحال أمرها يصبح واجبا قوميا ملحا يجب أن يسبق التفكير في الآلية القضائية العربية لتسوية المنازعات، فقد أثبتت التجارب في العديد من لمناسبات، أن الدبلوماسية الوقائية هي التجسيد الناجح للمبدأ القائل، إن الوقاية خير من العلاج، وهو ما يقودنا إلى ضرورة العمل على إنشاء آلية للوقاية من المنازعات وإدارتها وتسويتها لتقوم بالدور الوقائي ومحكمة عدل عربية لكون أداة تضع نهايات حاسمة للنزعات العربية-العربية( ).
أ-آلية الوقاية من النزاعات وتسويتها:
إن الهدف من إنشاء هذه الآلية هو الوقاية من النزاعات بين الدول العربية، والعمل حال وقوعها على احتوائها والحد من آثارها وتسويتها، والتعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية الأخرى عند الاقتضاء، مع الأخذ بعين الاعتبار المبادئ الأساسية التي يقوم عليها ميثاق جامعة الدول العربية وبصفة خاصة مبادئ احترام السيادة للدول الأعضاء وسلامة أراضيها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية.
لقد سبقت الموافقة من حيث المبدأ في مؤتمر القمة العربية في عام 1996 على إنشاء آلية جامعة الدول العربية للوقاية من النزاعات وإدارتها وتسويتها وأحيلت إلى مجلس الجامعة، حيث تمت دراسة تفصيلات مشروع إنشاء هذه الآلية ومختلف جوانبها، ثم تمت الموافقة على إنشائها عام 2000، من جانب وزراء الخارجية العرب.
وما على العرب الآن إلا تنفيذ هذه القرارات بإخراج هذه الآلية إلى حيز الواقع العربي، في إطار السعي لتطوير جامعة الدول العربية، والعمل على تنشيط العمل العربي المشترك، تقديرا للظروف والمتغيرات والتحديات الإقليمية والدولية التي تواجه النظام العربي ومؤسسته الرئيسية “جامعة الدول العربية” ( ).

ب-إنشاء محكمة عدل دولية.
وإذا كانت بعض المنازعات العربية-العربية التي عرفت سبيلها إلى محكمة العدل الدولية قد وصلت إلى نهايات حاسمة، قبلت بها الأطراف المتنازعة، فإن ذلك يكشف عن مدة الحاجة الملحة إلى إطلاق مشروع إنشاء محكمة العدل العربية من عقاله، فإنشاء محكمة عدل عربية يوفر آلية قانونية تسهم في حسم النزاعات العربية-العربية، وتنقية الأجواء العربية، ويلقى على كاهل الدول الأعضاء إدارة أزمات لا يبررها منطق التضامن العربي، ولا يسوغها عمق العلاقات بين هذه الدول الشقيقة، بما يوفر الجهد، ويزيل الاحتقان في بعض أحوالها، ويبدد الكثير من الحساسيات التي لا مبرر لها ولا فائدة من ورائها، ويؤدي بالدول العربية إلى تكتيل جهودها لمواجهة الواقع العربي بكل ما يحيط به من أخطار وتحديات على الصعيدين الدولي والإقليمي على السواء ( ).
ومن نافلة القول الإشارة إلى آلية قضائية محايدة ستؤدي إلى إطلاق روح المبادرة وطاقات النشاط الخلاق في ظل اطمئنان تام إلى سلامة الأسس القانونية التي يقوم عليها العمل العربي المشترك.
رابعا: التكامل الاقتصادي العربي.
إن أحد المداخل الرئيسية لخروج النظام العربي من أزمته الراهنة هو تحقيق التكامل الاقتصادي، وهو ما تشير إليه خبرة عدد من تجارب التكامل الإقليمي الناجحة، لعل الاتحاد الأوربي أهمها، ولا يخفى أن النظام العربي كانت بدايته بهذا النهج ( )، وليس أدل على ذلك من أن اتفاقية التعاون الاقتصادي تعود إلى عام 1950 بما يسبق الاتفاقية النواة للاتحاد الأوربي، بسبع سنوات، وقد مرت جهود التكامل الاقتصادي العربي بمراحل عديدة، لكن الملاحظ أنها لم تفض في أي مرحلة إلى الثمرة الموجودة التي تتناسب وحجم التحديات التي تواجه الوطن العربي من ناحية أو طموح الوثائق والاتفاقيات التي مازا العرب بعيدا، بعد أكثر من نصف قرن على بداية تلك الجهود عاجزين على تحقيق الوحدة الاقتصادية الكاملة، لذا ينبغي طرح العديد من الأفكار الجديدة في محاولة لكسر الحلقة المفرغة التي تدور فيها جهود التكامل الاقتصادي العربي، وفي هذا الإطار يمكن تقديم الأفكار التالية( ):
1-عمل مسح شامل لما تم من تلك الجهود، ومدى تكاملها أو تضاربها، فما بينها، أو في علاقاتها مع الأطر والترتيبات الأخرى الإقليمية والدولية، بما يتيح التوصل إلى رؤية واضحة وتخطيط سليم لمستقبل التكامل الاقتصادي العربي.
2-التفكير في لجان للتنسيق بين القطاعات الاقتصادية المتماثلة في الدول العربية، بما يمكن من إعطاء دفعة قوية، في المدى المتوسط لتيارات وجهود التكامل بين الاقتصادات العربية، وذلك بالنظر إلى ما لوحظ من أن الإزالة التدريجية للعوائق التجارية لم تؤد إلى أي زيادة يعتد بها في تدفق التجارة بين الدول العربية، وعليه فإن أي تفكير جدي في تحفيز تيارات التجارة البيئية العربية لابد وأن ينطلق من التنسيق المسبق بين الدول المعينة، وعلى أساس اختياري وبما يحقق الصالح الوطني لكل دولة من هذه الدول على حدة، ويحقق في الوقت نفسه الصالح القومي العام ( ).
3-اقتراح مشروعات للتكامل الاقتصادي العربي لا يجب بالضرورة أن تكون شاملة للجدول الأعضاء كافة أو لجميع القطاعات الاقتصادية وإنما يكون شرطها الوحيد هو قدرتها على تحقيق عوائد إيجابية للأطراف المشاركة فيها ولو بدرجات متفاوتة، أو في مجالات مختلفة ومن المأمول أن تؤدي هذه المشروعات الجزئية الاختيارية، حال نجاحها إلى إقدام المزيد من الدول على المشاركة وفقا للنموذج الأوربي:
4-وضع تصور شامل مبني على دراسات علمية لدخول القطاع الخاص بالثقل الذي يتناسب وتنامي دوره في الاقتصادات العربية في مجال التكامل الاقتصادي العربي، وذلك بغرض تحرير قرار التكامل من سيادة الدولة، مادام القرار في هذا الصدد سيكون للمؤسسات الاقتصادية الخاصة، وفق اعتبارات الجدوى الاقتصادية ولا شك أن مردود هذه الجهود، إن تمت سوف يصب في التحليل الأخير في المجرى العام لجهود التكامل الاقتصادي العربي( ).
خامسا: تشكيل برلمان عربي.
إذا كان الجميع متفقا على أهمية البحث على المستويات الوطنية عن الصيغ والصور والأشكال التي تقود إلى توسيع دائرة المشاركة الشعبية دعما للاستقرار السياسي، وإعلاء مفهوم دولة القانون وتعزيزا لاحترام الحقوق الأساسية للإنسان، وللقيم الديمقراطية وهو الأمر الذي يتجلى في اتجاه الدول العربية قاطبة إلى بناء المؤسسات الوطنية التي تكفل تحقيق المعاني والمفاهيم المتقدمة، فإن هذا التيار الصاعد لابد بالضرورة أن ينعكس على العمل الربي المشترك وإدارته السياسية الرئيسية “جامعة الدول العربية” استشهادا بتجارب منظمات وهيئات إقليمية ودولية، سبقت في هذا المضمار، وهو ما يجعل من إنشاء برلمان عربي ضرورة لوضع العمل العربي المشترك وجامعة الدول العربية على المسار الصحيح( ).
إن المرحلة الحالية تتطلب تظافر جميع الجهود من اجل دفع العمل العربي المشترك وتفعيل آلياته، وهو أمر يجب ألا يقتصر على السلطات التنفيذية العربية، دون سواها، لكن يتعين أن تسهم سلطات الدولة جميعا وبصفة خاصة السلطة التشريعية، في تعزيز العمل العربي المشترك لما لهذه السلطة داخل الدولة من دور فاعل مؤثر ومن ثم فإنه من المتعين أن يكون لهذا انعكاسه على المستوى الإقليمي، وفي إطار العمل العربي المشترك، ومن هنا تأتي أهمية إنشاء برلمان عربي يتم تشكيله بالصيغة التي يتم الاتفاق عليها، إما من خلال المجالس النيابية العربية القائمة أو عن طريق الانتخاب المباشر في الدول العربية الأعضاء أو بأسلوب يجمع بين الطريقتين، ولكن المهم هو ما يمكن أن يقوم به هذا البرلمان من وظائف ومهام داخل نظام جامعة الدول العربية.
إن الوظيفة الرئيسية للبرلمان العربي ينبغي أن تكون نوعا من الرقابة السياسية على عمل أجهزة الجامعة والمساهمة في رسم السياسات العامة للجامعة، في جميع مناحي عملها وأوجه نشاطها مع توفير الآليات والوسائل والأساليب التي يمكن أن تحقق مثل هذه الرقابة السياسية، وفضلا عن هذه الرقابة السياسية، فإن الرقابة التشريعية ستكون في صلب اختصاصات البرلمان المنشود، كما أن الرقابة المالية على ميزانية الجامعة ومشروعاتها المشتركة وما عساه أن يتوفر لها مستقبلا من موارد ومصادر مالية مستقلة عن مساهمات الدول الأعضاء، ستكون أمرا بالغ الأهمية يؤدي إلى إطلاق العمل العربي المشترك إلى آفاق التعديلات التي تواجهه في المجالات كافة ( ).

سادسا: إقامة نظام للأمن القومي العربي
لا يمكن تجاهل خطر المشكلات التي أصابت النظام العربي في الصميم، كانت تلك المتعلقة بالأمن القومي، وهو ما يفرض اليوم ضرورة إعادة ترتيب أوضاع نظام الأمن العربي، وإذا كانت التجربة العربية التي أثمرت أطرا أمنية دفاعية، قد افتقرت إلى مقومات أساسية وأعوزتها عناصر ضرورية تكفل لها الفاعلية فإنه ينبغي تدشين وبناء حول هذه القضية بالغة الحساسية والدقة، تطلعا إلى أفضل الصيغ التي يمكن الالتقاء عليها، والتي يجب أن تكون خطوة أولى على طريق تحقيق الأمن القومي العربي.
ومن هنا يمكن التفكير في أحد البديلين الآتيين، أو الجمع بينهما في إطار صيغة ما تكون محلا لاتفاق العرب جميعا.
أ-إنشاء مجلس أمن عربي:
إدراكا لأهمية التضامن العربي في حالات الإخلال بالسلم والأمن العربيين، ومدى فداحة الأخطار والعقبات التي تترتب على التقاعس عن اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لمواجهة مثل هذه الحالات، يجب الإقدام اليوم على إقامة نظام للأمن القومي العربي على غرار ما هو قائم في المنظمات الدولية والإقليمية ( ).
وإذا كانت تفصيلات تشكيل هذا المجلس ونظام التصويت فيه، وحدود صلاحياته واختصاصاته هي أمور تحتاج إلى دراسات تحظى من الجميع بأكثر قدر من الاهتمام والعناية، إلا أنه ينبغي الإشارة إلى أن ما اتفق عليه بشأن هذه الأمور الحيوية يجب أن يكفل لمجلس الأمن العربي أكبر قدر ممكن من سرعة التحرك والقدرة على اتخاذ القرار الحاسم، الذي يجب ألا تقف في وجهه عراقيل الإجماع أو الحق في الاعتراض، فضلا عن صلاحية القيام بالعمل المباشر في بعض الحالات لا سيما حيث يقع عدوان على إحدى الدول الأعضاء وأخيرا، إمكانية متابعة ما يصدر عن المجلس من قرارات من خلال الآليات والوسائل التي ينشؤوها لهذه الغاية.
ب-إقامة منتدى للأمن القومي العربي
أما البديل الثاني فهو التفكير في إقامة منتدى للأمن القومي العربي، للتعامل مع القضايا الأمنية، ويقوم هذا المنتدى في ظل جامعة الدول العربية في إطار مؤسسي يشارك فيه ممثلو الدول من مستويين دفاعيين وأمنيين وخبراء استراتيجيين فضلا عن المتخصصين عن الجامعات ومراكز الدراسات والبحوث ويعقد المنتدى لقاءات وحوارات، وليس اجتماعات، يتم من خلالها النقاش الحر والمفتوح دون قيود، حول القضايا التي تحددها أمانته، لبلورة اتجاهات هامة بشأنها، فيما يتعلق بمفاهيم الأمن، ومصادر التهديد، والصراعات الإقليمية والجوانب الغير العسكرية للأمن ( ).

سابعا: دعم المنظمات العربية المتخصصة
تضطلع المنظمات العربية المتخصصة بدور مهم في لعمل العربي المشترك وتعكس حقيقتين مهمتين: أولهما أن الرابطة العربية تتجاوز بكثير البعد السياسي لتشمل جميع جوانب الحياة ومن أهمها الجانب الثقافي، والثانية أن تلك المنظمات تمثل تجسيدا لنهج الوظيفي في السعي لتحقيق التكامل العربي.
فما تعوقه السياسة يمكن أن ينهض به الثقافة و الاقتصاد، والواقع أنه لا يمكن من ناحية، أن يهدر الدور الذي تقوم به المنظمات العمل العربي المشترك، كما يصعب قبول استمرار أوضاعها على ما هو عليه، ولذا يحتاج الأمر إلى اتخاذ قرار وعدد من الخطوات باتجاه دعم تلك المنظمات منها.
1-عمل مسح شامل لتلك المنظمات ودراسة أوضاعها بشكل علمي، وذلك للتوصل إلى تقييم موضوعي لنشاطها ومن ثم إلى أنسب صيغة مستقبلية لها، بما في ذلك لتفكير في إنشاء منظمات وظيفية جديدة تكون عضويتها اختيارية تحقق طفرة في العمل العربي المشترك، بنقل تدريجي لاختصاصات الدول العربية الأعضاء إلى مثل تلك المنظمات، وعلى غرار النموذج الذي تطور به الاتحاد الأوربي، وحيث يكون نجاحها حافزا لزيادة عدد أعضائها على الأساس الاختياري ذاته، على أن تقوم بهذه الدراسة لجنة مشهود لأعضائها بالموضوعية، يمكن أن تتكون من كبار عاملين سابقين وحاليين في تلك المنظمات وفي جامعة الدول العربية وعدد من الخبراء المتخصصين ويجب أن يكون واضحا أن هدف هذه اللجنة سوف يكون دراسة أوضاع المنظمات بقصد تطويرها إلى الأفضل، وليس بقصد إنهاء وجودها أو تحويله إلى مجرد وجود رمزي( ) في الساحة العربية.
2-تفعيل ربط المنظمات العربية المتخصصة بجامعة الدول العربية دون أن يؤدي هذا إلى الانتقاص من اختصاصها، أو ما يجب أن تتمتع به من استقلال مالي وإداري.

ثامنا: وصل جامعة الدول العربية بالمجتمع المدني العربي ومؤسساته
لقد تعاظم دور وتأثير الهيئات والمنظمات الغير حكومية ومؤسسات المجتمع المدني، بوجه عام على جميع الصعد، ولم يعد من المستطاع تجاهل الدور المهم الذي تقوم به المؤسسات أو إنكاره، لقد فرضت هذه المؤسسات نفسها معبرة عن إرادة المشاركة الشعبية في مختلف مسارات العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي و الإنساني، بوجه عام، على نحو غير مسبوق، ولا شك أن الظاهرة الصحية التي بعثت قوة الدفع الشعبي عضدا للعمل الرسمي على الصعيد الوطني سرعان ما وجدت لها آفاقا رحبة على الصعيدين الدولي والإقليمي، حيث أفسحت العديد من المنظمات الدولية والإقليمية مجالات واسعة للاستماع إلى آراء هذه المؤسسات والمنظمات الدولية غير الحكومية وراءها، وكانت هيئة الأمم المتحدة من أولى المنظمات الدولية في هذا المضمار وذلك من خلال إضفاء الصفة الاستشارية، في نطاق المجلس الاقتصادي والاجتماعي، على أن هذه المنظمات سرعان ما حذت حذوها العديد من المنظمات الدولية الغير حكومية، بل إن بعض المؤتمرات الدولية الكبرى ( ) كانت خير شاهد ودليل على أهمية إسهام المنظمات الدولية الغير الحكومية في العمل الدولي العام، بما يؤدي إلى تعزيز التعاون الدولي والعمل المشترك الذي يهدف إلى خير الإنسان وصالح الإنسانية جميعا.
وإدراكا لما تقدم وانطلاقا منه فإنه قد آن الأوان للجامعة العربية أن تفسح مجالا أوسع ونطاقا أرحب لمؤسسات المجتمع المدني العربي وهيئاته على النحو الذي يصبح فيه وصت المجتمع المدني العربي مسموعا ويسهم في تصويب مساراته والتذكير بنبض الشارع العربي وهواجسه وتطلعاته وأمانيه، وهو ما يجب أن يكون في بؤرة اهتمام الجامعة وأجهزتها، بل وإن يكون بمثابة دليل ومؤشر الاتجاه الصائب الذي يتعين أخذه دائما في الاعتبار ( ).
ومن هنا فإن تعديل ميثاق الجامعة يجب أن يتضمن أفكارا خلاقة حول علاقات صحية ومتواصلة بين جامعة الدول العربية ومؤسسات المجتمع العربي وأن يحدد العلاقات والروابط التي ينبغي أن تقوم على نحو دائم بين الجامعة وهذه المؤسسات والمنتديات، أو المجالس والآليات التي تكفل تحقيق علاقة الوصل المنشودة بين الجامعة ومؤسسات المجتمع المدني العربي بكل أطيافها وعلى تنوع مجالات اهتماماتها النوعية.

تاسعا: تعديل نظام التصويت في أجهزة الجامعة
تركز الانتقادات التي توجه إلى ميثاق جامعة الدول العربية بصفة خاصة على نظام التصويت في مجلس الجامعة، وكيف قام هذا النظام أساسا على قاعدة الاجتماع، بحيث لا تلتزم الدول الأعضاء، من حيث الأصل العام، إلا بما وافقت عليه، وإذا كانت قاعدة الإجماع، بما انطوت عليه –من الناحية الفعلية- من حق اعتراض لكل دولة من الدول الأعضاء، قد بدت ملائمة ومناسبة للظرف التاريخي الذي نشأت فيه الجامعة العربية، ومحدودية عدد الأعضاء فيها، فإنه من المؤكد أن هذه القاعدة لم تعد كذلك في الوقت الراهن ( ).
لقد أثبتت التجارب أن نظام التصويت بشكله الراهن كان عائقا يحول دون انطلاق القرار العربي الواجب في بعض الأوقات الصعبة والظروف الدقيقة التي واجهت جامعة الدول العربية، بما أدى إلى شلل الجامعة والتأثير على مصداقيتها لدى الشعوب العربية ومن هنا فقد آن الأوان للبحث عن أساليب وطرائق جديدة للتصويت في أجهزة جامعة الدول العربية تقيم توازنا مرنا بين معطيات واعتبارات سيادة الدول الأعضاء في الجامعة، وبين موجبات العمل العربي المشترك وضرورة تحرير القرار العربي وإطلاقه من عقال حق الاعتراض الفردي، بما يرتفع بالقرار العربي إلى مستويات التحديات التي تواجه العمل العربي المشترك، والأمر المؤكد أن قاعدة الإجماع لم تعد ملائمة أو مناسبة، وعليه ينبغي تدشين حوار البحث عن أنسب الصيغ التي يجب أن يقوم عليها نظام التصويت، أن الاجتماعات التشاورية والتصويت بنظام توافق الآراء أو الأغلبية الموصوفة، أو البسيطة، وإمكانية إعادة التصويت أكثر من مرة بشأن المقترح ذاته، في حدود أطر وضوابط معينة هي أفكار جديرة بالتأمل والتفكير وصولا إلى ما يؤدي إلى تجاوز الصعوبات التي ترتبت على النظام القائم، وبما يفتح المجال أمام نظام جديد يتسم بالتوازن والمرونة ويطلق القرار العربي نحو خدمة المصالح العربية، وتحقيق أهداف العمل العربي المشترك( ).

عاشرا: اعتماد أسلوب الجماعية:
كثير من القرارات التي تصدر عن جامعة الدول العربية تتصل بعلاقاتها الإقليمية والدولية، ويظهر إمعان النظر من هذه القرارات أن متابعاتها لا تتم على النحو الواجب، وبالتالي فإنها تتحول إلى مجرد تسجيل مواقف أو أنها ستصبح على احسن الفروض موجهات لسلوك الدول العربية، الأعضاء، علما بأن بعضا من تلك القرارات يرتبط بتحركات إقليمية ودولية للمجموعة العربية تتصل بمصالح عربية عليا وتتضمن إجراء حوار مع تكتلات ومؤسسات إقليمية ودولية. أو الدخول في مفاوضات معها بما في ذلك مفاوضات ذات طابع اقتصادي ولعله قد أصبح من الضروري إيجاد نظام يوجب اتباع الدبلوماسية الجماعية في تنفيذ مثل هذه القرارات وسوف يحقق هذا الأسلوب مزايا عديدة في مقدمتها ميزتان ظاهرتان.
الأولى: أنه سيتضمن الالتزام بتنفيذ القرارات حيث أن اللجنة المكلفة بالتحرك الديبلوماسي العربي الجماعي سوف تتحدث باسم جميع الدول الأعضاء.
والثانية: أن التحرك الجماعي سوف يعطي الجانب العربي ميزة رفيعة مضافة دون شك نظرا لأنه سوف يكون مستندا إلى قاعدة جماعية.
وليس مصادفة أن الاتحاد الأوربي وغيره يتعامل مع الدول العربية بوصفه هو طرفا واحدا، بينما يتعامل مع هذه الدول كل واحد على حدة، الأمر الذي يحرمها من فرصة تعظيم مكاسبها في هذه التعاملات لو أنها تحركت بدورها في إطار جماعي، ومن الممكن أن تتشكل لجان ديبلوماسية جماعية على نحو مغاير بحيث يتم التركيز في عضويتها دائما على الدول صاحبة المصلحة الأكبر في كل حالة حتى لا تحتكرها دول بعينها ( ).

حادي عشر: تطوير جهاز الأمانة العامة وتدعيمه.
تبقى الأمانة العامة في التحليل الأخير هي الجهاز المنوط به متابعة وتنفيذ كل ما تتوصل إليه مؤسسات الجامعة من قرارات ولذلك فإن وجود أمانة عامة فاعلة وكفء، هو أمر لا غنى عنه، إذ أريد لهدف تطوير الجامعة أن يتحقق وقد بذلت جهود مقدرة في عملية التطوير هذه حتى الآن طالت هيكل الأمانة العامة ويمكن مواصلة هذه الجهود وتعزيزها وتعديل مسارها حسب نتائج التطبيق مع مزيد من الحرص على تطعيم جهاز الأمانة العامة بأفضل العناصر بما يحفز التوازن بين اعتبارات التوزيع الجغرافي العادل والكفاءة، ومن ناحية أخرى فإنه من المتعين تحرير الأمانة من القيود المالية التي تكبر حركتها بحيث لا تتعرض بشكل مزمن لاحتمالات التوقف عن العمل، بسبب نضوب الموارد المالية ولم يتحقق هذه إلا بإعطاء أولوية لسداد أنصبة الدول الأعضاء في ميزانية الجامعة والتفكير في وسائل أخرى غير مباشرة لدعم موارد الأمانة العامة خاصة أن متطلبات التفعيل تقتضي في مرحلة من المراحل ضرورة رفع سقف الميزانية( ).

وأخيرا وليس آخرا، فإن تساؤلا منطقيا يثار حول الأسلوب أو الإطار الشكلي الأمثل الذي يمكن أن يتم من خلاله تطوير النظام العربي، ومؤسسته الرئيسية جامعة الدول العربية والأمر في هذا الشأن لا يخرج عن أحد بدائل ثلاثة هي على التوالي:
1-طرح ما هو قائم وصياغة ميثاق جديد تماما يكون بديلا للميثاق النافذ وهو الاتجاه الذي انصرفت إليه بعض الجهود السابقة لتطوير جامعة الدول العربية.
2-الاكتفاء بإدخال تعديلات جزئية على الميثاق الحالي.
3-الإبقاء على الميثاق النافذ وإضافة ملحق أو ملاحق إليه على غرار ما حدث بالنسبة لمسألة دورية القمة، بما يحافظ على تراث سياسي وقانوني ارتبط بكل بند من بنوده، ولا يفتح باب الجدل لا مبرر له، حول ثوابت رسخت في ضمير الأمة العربية على ما يزيد على نصف قرن ( ).
ضرورة إصلاح جامعة الدول العربية

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.