الصيرورة التاريخية لقانون الصحافة


جرائم الصحافة بالمغرب

مدخل عام للدراسة

المبحث الثاني : الصيرورة التاريخية لقانون الصحافة بالمغرب

بدون صحافة نزيهة تحترم أخلاقيات المهنة ،يصعب تصور ممارسة حقيقة لحقوق الإنسان،فهي تكتسي دورا هاما في هذا المجال ،اكتسبته من ارتباطها ، الوثيق بحريتي التعبير والرأي.
وباعتبارها إحدى الوسائل الحديثة للتعبير ،فأن الصحافة كانت ومازالت أهم الركائز التي تستند عليها الدولة للتأثير على الرأي العام، إلا أن حاجة الدول الديموقراطية للصحافة مختلفة عن حاجة الأنظمة الدكتاتورية لها، وباعتبار المغرب من الدول التي إختارت النهج الديمقراطي فإنه كان لزاما عليه ضمان حرية صحفية تمكن الفرد من الإطلاع على حقيقة أمور البلاد ، مقابل وضع قانون جنائي للصحافة يحمي حقوق الأفراد من تعسفات السلطة الرابعة .
يمكن تعريف القانون الجنائي للصحافة ، بأنه تلك المقتضيات والتدابير الوقائية والزجرية التي تهم طبع وتوزيع الصحف والمجلات والملصقات ، وما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد هو أن الصحافة المغربية مرت بمراحل متعددة بدءا بظهير 27ابريل 1914 وإنتهاءا بظهير 03 اكتوبر2002 .
للإحاطة قدر الإمكان بهذا المبحث ، سنتطرق للقانون الجنائي للصحافة في المرحلة ما قبل الإستعمارية(المطلب الأول )، ثم في المرحلة الإستعمارية (المطلب الثاني)، وفي مرحلة الإستقلال (المطلب الثالث)، وسنركز على هذه النقطة الأخيرة ، محاولين التطرق للتعديلات اللاحقة على قانون الصحافة لسنة 1958 والظروف السياسية التي كانت سببا في وجودها .
المطلب الأول : قانون الصحافة في المرحلة ما قبل الإستعمارية.
في ظل هاته المرحلة ، لم يتم تسجيل أي قانون منظم للصحافة ، سواء فيما يتعلق بالحرية أو القانون الزجري لهذه الأخيرة ، ويمكن إرجاع ذلك لعدم إطلاع المغرب على هذه التقنية الجديدة للتعبير إلا بعد دخول المستعمر ، إلا اننا نعود ونسجل ، بأن بعض الجرائم المعاقب عنها طبقا لقانون الصحافة الحالي كانت مجرمة بموجب نصوص الشريعة الإسلامية والتي كان المغرب يتبنى مبادئها في سياسته الجنائية خاصة منها جرائم القذف والسب وإفشاء الأسرار وإشاعة الأخبار الكاذبة ودون تحديد الصورة التي قد تأتي فيها هذه الأفعال .
المطلب الثاني : قانون الصحافة في المرحلة الإستعمارية
بعد توقيع السلطان المغربي على معاهدة الحماية ودخول القوات الفرنسية إلى المغرب، عملت هذه الأخيرة جاهدة على توفير ترسانة قانونية تتلاءم ومصالحها أكثر مما تخدم مصالح الشعب المغربي .
ورغبة منها في تأمين تواجدها بالمغرب ، عملت فرنسا على إصدار قانون زجري للصحافة بموجب ظهير 27 ابريل 1914 المستوحى من التشريع الفرنسي للصحافة الصادر في 29 يوليوز 1881 وكل ما يمكن أن يقال عن هذا الظهير أنه ليبرالي يوصف في بعض جوانبه بالصرامة والقسوة خاصة فيما يتعلق بشرط وضع ضمانة مالية لكل من يريد إصدار صحيفة وذلك لأداء الغرامات التي يمكن أن يحكم بها ضد المسؤولين عن الصحيفة, إلا أن الغرض الأساسي من ذلك هو إضعاف موارد الجريدة المادية.

إن قساوة وصرامة ظهير 1914 تجلت أيضا في الظهائر الأخرى اللاحقة كظهير 20 نونبر 1920 وظهير 26 يونيو 1936 تم ظهير 18 أكتوبر 1937 وهي نصوص ما جاءت إلا لتضييق الخناق على كل نشاط صحفي يحاول التحرك خارج أهداف ومصالح الحماية الفرنسية .
المطلب الثالث : قانون الصحافة في عهد الإستقلال
لقد وضع قانون الصحافة لستة 1958 كجزء لإطار قانوني عام يهدف إلى تنظيم واقع مجتمعي جديد , أي واقع المغرب خارج لتوه من الحماية والطامح إلى التخلص من كل الوشائج التي تربطه بممارسات الماضي الإستعماري, ذلك الماضي الكابت لحرية التعبير, والكاتم لأنفاس جل الحريات العامة كما أريد لها أن تكون بموجب ظهير 27 أبريل 1914 ، أو بموجب التعديلات المدخلة عليه . فالمشرع المغربي وهو محكوم بذكريات الماضي الإستعماري التي يرغب في تجاوز سلبياتها في الظهائر المعدلة لقانون الحريات العامة الإستعمارية والمتوالية في اتجاه التشديد على الصحافة الوطنية وخصوصا حرية التعبير حتى حدود سنة 1955
في 15 نونبر1958 وضع المغرب المستقل قانون الحريات العامة ومن بين مكوناته الأساسية ذلك الجانب المنظم للإعلام و الإتصال والذي يحمل بين سطور مواده تعبيرا عميقا عن مدى تشبع واضعيه بروح الديمقراطية , فمهد لهذا القانون قبل صدور الميثاق الصادر في 8 ماي 1958 والمتضمن لإقرار ملكي صريح بضمان حرية التعبير والصحافة و الإجتماع , وممارسة ذلك بصورة لا حد لها , إلا ما ترفضه الشروط الجوهرية الأساسية لقيام كيان الدولة المغربية المحددة بعض جوانبها في النظام الملكي وحماية الدولة والصالح العام .
من المعلوم أن قانون الإعلام و الإتصال وضع في مناخ سياسي يحمل إندفاعا حقيقيا نحو الطموح الديموقراطي ولذلك كان لابد له أن يحمل نفحة ليبرالية وهو لا يضاهي في ليبراليته تلك إلا قوانين الدول المتقدمة , لقد كان متأثرا بقانون الإعلام الفرنسي الصادر في 26 غشت 1944 .

إن ما أتى به القانون المغربي للإعلام من ليبرالية جعلت منه قانونا تقدميا لا نظير له في المحيط العربي والإفريقي إبان وضعه.
لم يمضي وقت طويل , فبدأت التراجعات عن طريق مس الجوهر الليبرالي لهذا القانون , فعوض أن يستمر قانون الصحافة في التطور نحو آفاق تسمح بمزيد من حرية الإعلام لتقوية حرية التعبير , فبدأت عملية قص أجنحة ذلك القانون اللبرالي حتى صار قريب التطابق مع القوانين الموجودة في المحيطين العربي والإفريقي .
إن الجوانب السلبية الناتجة عن هذه التعديلات , لم تكن ناتجة عن فراغ , وإنما عن ظروف سياسية عسيرة عاشها المغرب والتي كان من إنعكاسها تقييد حرية التعبير , ولا يمكن إدعاء فهم عمق هذه التعديلات إلا بعد الإمساك بناصية حقيقة الظرفية التاريخية التي ورد فيها , وهكذا نرى أنه من اللازم التطرق بالتعديلات المدخلة على ظهير 1958 الخاص بالحريات العامة في شق قانون الصحافة موازاة مع الظروف السياسية لهذه التعديلات.
أولا : تعديلات 1959.
تم إدخال تعديلين على قانون الصحافة سنة 1959،كان أولها في فاتح يونيو1959 ، و الذي إنصب على الفصل71، وخصوصا الفقرة الثالثة منه ، وقد تناول هذا التعديل مسطرة المتابعة وشكليات تحريكها .
ولم تمضي إلا شهرين عن هذا التعديل الأول ،حتى صدر تعديل آخر تكميلي لظهير 1958، وذلك بتاريخ2 شتنبر 1959، وأكدت المادة الأولى منه على أن النشر والتوزيع أو النسخ بأية وسيلة كانت لأي إدعاء أو غزو حتى ولو تم على صيغة الشك أو الإرتياب ، أو كان يشار في النشر إلى الشخص أو الهيئة، بحيث يمكن معرفة من خلال وسائل التعبير المستعملة ويهم الوقائع الخاصة لعقوبات جنائية ، إن ذلك النشر يعد ممنوعا قبل أن تجرم المحاكم هذه الأفعال ، وخاصة عندما يكون هدف هذا النشر هو إثارة الرأي العام.
لقد أكدت المادة الثانية من الظهير التعديلي على العقوبات المفروضة في حالة مخالفة المقتضيات المشار إليها وذلك بالحبس لمدة تتراوح بين ستة أشهر وسنتين وغرامة مالية تتراوح بين 10.000و20.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وأخيرا ، فإن المادة الثالثة من القانون التعديلي المتعلقة بمسطرة المتابعة أكدت على أن هذه الأخيرة يجب أن تتم بناءا على شكاية من الشخص المعني بالأمر حالة ما إذا كانت الوقائع المنشورة أو الموزعة أو المستنسخة قد تسببت في الإخلال بالنظام العام أومن المحتمل أن تسبب ذلك
لسنا في حاجة إلى التذكير بأن هذه التعديلات قد قيدت من حرية التعبير والرأي بموجب تلك المقتضيات الجديدة ، فقد انصبت بالأساس على ما يهم السب والقذف والإهانة ، أي كل ما يتعلق باستنكار أساليب وتجاوزات أعوان السلطة وموظفيها.
لقد أعادت المقتضيات المعدلة إنتاج ما تمت محاربته بعد الإستقلال ، وذلك راجع إلى الإنقسام الحاصل في صفوف الحركة الوطنية فالصحافة المغربية إختارت الوقوف في موقع المعارضة إلى جانب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية ، وهو الموقف الذي حاولت من خلاله الصحافة إقامة رقابة على السلطة والوقوف على التجاوزات والممارسات اللاشرعية لموظفيها وأعوانها . إن ممارسة حق الرقابة على السلطة بواسطة الصحافة ، كانت تلعب فيه المراسلات الداخلية دورا هاما إضافة إلى الشكاوي التي كانت تتوصل بها الصحافة من طرف المواطنين .
على إثر هذه المستجدات الظرفية ، تدخلت الحكومة لإنزال العقاب بكل من ينشر مقالا يوضح تظلمات المواطنين من أعمال الموظفين الحكوميين ، فالدوافع ، وكما يظهر سياسية بالدرجة الأولى ، ومما يزيد الأمر وضوحا هو أن يوم إدخال تعديل 2 شتنبر 1959 هو يوم رفع دعوى ضد” صحيفة التحرير من طرف وزير الداخلية ووزير التربية الوطنية ووزير الدفاع الوطني
لم يمضي إلا شهور قليلة حتى توقفت جريدة التحرير و توبع السيد محمد البصري بإعتباره مدير الجريدة و السيد عبد الرحمان اليوسفي باعتباره رئيس التحرير, و تطور الأمر من متابعة بتهمة القذف و السب إلى الإتهام بمحاولة إغتيال ولي العهد (الحسن الثاني ذلك الحين) وذلك بعد إجتماع المجلس الوزاري برئاسة جلالة الملك محمد الخامس و تقرير مسؤولية الجريدة في التهجمات الواردة في إعدادها ليومي 13و14 دجنبر 1959 والماسة بالمؤسسات الوطنية المقدسة
أصبح سهلا بعد هذه الأحداث اللجوء إلى الزجر الوقائي المخول لوزير الداخلية إضافة إلى جراء ات الحجز الإداري والمصادرة والتوقيف القضائي …
إن أهم ما تجدر الإشارة إليه هو أن الحديث عن التعديلات وما تحمله من تراجعات سلبية لا يجب أن تمر إلا بموازاة مع الظرفية السياسية التي عاشها المغرب في فترات هذه التعديلات.
ثانيا: تعديلات 28 ماي 1960
لا شك أن إجراءات الزجر الوقائية الخاصة بجرائم الصحافة سوف تتقوى مباشرة بعد إقالة حكومة عبد الله إبراهيم ، جاء ظهير 28 ماي 1960 منصبا على المادة 77 من قانون 1958 : فأضاف فقرة ثانية أعطى بموجبها لوزير الداخلية سلطة الأمر بتوقيف الجريدة أو المطبوع الدوري ، والذي حسب عبارة النص ، قد يمس بالأسس الدينية والسياسية للدولة ، بصرف النظر عن العقوبات الجنائية الأخرى المقررة في النصوص المعمول بها ، كما يعطي هذا النص للوزير الأول الحق في منع الجريدة أو المطبوع الدوري .
يتضمن التعديل الرفع من العقوبات المفروضة حالة مخالفة مقتضيات المادة 77 ، والمتراوحة بين الحبس ستة أشهر إلى خمس سنوات وغرامة ما بين 1200 و12000 درهم .
إن الإفتراض الوارد في هذا التعديل هو افتراض غير موجود في الواقع ، فكيف يمكن تصور قيام صحيفة ، وبواضح العبارة بالدعوة إلى قلب الأوضاع والتحريض على تدمير أسس الدولة ، أو قيام هذه الصحيفة بحملة طويلة من أجل تسميم الجو السياسي العام ( ) مع افتراض أن تجد هذه الحملة صداها في الشارع ولدى الجمهور .
إن نص الفقرة الثانية من المادة 77 أصبح جزءا من قانون الصحافة ، لذلك أصبح التساؤل مطروحا حول كيفية التأكد من أن الأسس السياسية والدينية في خطر ، وكيفية إثبات ذلك ، إننا أمام نص أملته الظروف السياسية التي وضع فيها، تجسد لمرحلة تاريخية حرجة أكثر مما أملته الظروف القانونية ، وما يوضح الصورة أكثر هو تقوي مركز وزارة الداخلية بموجب سلطة الرقابة الممنوحة لها في مواجهة الصحافة.
إن التوقيف الإداري للنشرات الدورية والجرائد لم يرد فيه النص الأصلي لقانون 1958 و إنما أضيف بموجب ظهير 28 ماي 1960.
التوقيف الإداري إجراء شاذ إذ نادرا ما نجد نظيرا له في التشريعات الحديثة ويشكل خطرا على حرية الصحافة خاصة وأن الفصل 77 لم يحدد مدة التوقيف وهو الأمر الذي يجعل السلطات الإدارية قد تجنح إلى التعسف في استعمال الحق ، فتوقيف الجريدة أو المطبوع لأجل غير معلوم قد يلازمه المنع الممنوح للوزير الأول بموجب النص الأصلي ، وبالتالي نكون أمام عقوبتين يقرهما أشخاص تابعين للسلطة التنفيذية غير مجبرتين على تعليل قرارهما.
إن منح حق التوقيف للسلطات الإدارية التنفيذية يخالف مقتضيات العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي إنضم إليه المغرب سنة 1980 ، فالمادة 19 منه وخاصة الفقرة الثالثة منها تنص على أن حرية التعبير يجوز إخضاعها لبعض الشروط ، ولكن فرضت أن تكون محددة بنص قانوني وأن تكون ضرورية :
 لإحترام حقوق الأخرين وسمعتهم .
 لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة .
يستفاد مما سبق أن القانون المفترض فيه أن يحد من حرية التعبير ، يفترض فيه أن يحدد ويدقق المعايير القائلة أن القيود المفروضة على حرية التعبير تستجيب للضرورة الملحة لحماية النظام العام والأمن العام للدولة ، بينما أنه في المغرب ، لم يصدر قانون يدقق ماذا نعني ” بالمساس بالنظام العام ” فغياب مثل هذه التحديات والرفض الواضح للقيام بهذه التحديات يفسح المجال واسعا أمام الجهات الإدارية للممارسة التحكم والتعسف ضد الجرائد والنشرات ، ومعلوم أنه في مثل هذه الحالات ليست حرية النشر أو الناشر هي المنتهكة ، بل حق المواطن في الإعلام.
لقد توالت التعديلات المدخلة على قانون الصحافة خلال الفترة الممتدة ما بين 1962 و1963 إلى سنة 1973 ، حيث تجاوزت هذه التعديلات الأخيرة تلك الترميمات العادية السابقة عليها ، فتعديل 10 أبريل 1973 كان عميقا وذا تأثير كبير على مسار قانون الإعلام و الإتصال وما حمله من حرية وليبرالية .

ثالثا: تعديلات 10 أبريل 1973
وصفت هذه التعديلات بأنها الأشد قساوة والأكثر عمقا وتنوعا ، وبحكم كونها غير خاصة بقانون الإعلام و الإتصال فقط ، بل مست قانون الحريات العامة المغربي من جمعيات وتجمعات وتظاهرات …. إلخ، فهي إذا فاقت تلك الترميمات التي همت بنودا بعينها سنة، 1960 ،1962، 1963- 1959.
لقد انصبت تعديلات ظهير 1973 على تقوية مراقبة الصحافة بتشديد الخناق عليها وهي بذلك جعلت من قانون الصحافة المغربي شبيها للأنظمة القانونية الصحفية العربية والإفريقية .
همت هذه التعديلات حوالي 15 مادة من قانون الإعلام المغربي هزت روح قانون 1958، وقد لا يفيد تردي مضمون المواد المعدلة ، إلا أن ما يمكن استخلاصه منها هو كونها تهدف إلى تقييد حرية الصحافة فصارت في اتجاه تشديد العقوبات والغرامات وكانت محملة بالآثار السلبية للظرف السياسي المنشئ لها ، وهو ظرف متصل بمتاعب السياسة الوطنية الداخلية ، تلك المتاعب التي فجرتها أحداث 3 مارس 1973 وما تلاها من قمع شرس مس مناضلي أحزاب اليسار واليسار الجديد ، كما أن التعديل جاء أيضا بعد محاولتين إنقلابيتين سنتي 1971 و1972 .
في مثل هذه الظروف ، لا يمكن أن ننتظر من القاعدة القانونية المنشأة فيها إلا أن تكون معبرة صادقة للمحيط السياسي والإجتماعي الذي أنجبها ، ولذلك جاءت مقيدة لحرية الصحافة ورافعة من قيمة العقوبات والغرامات ، فهي تعديلات في إتجاه التشديد.

رابعا : إطار التعديلات الجديدة وبعض مضامينها
لقد وجدت التعديلات الأخيرة لقانون الإعلام والصحافة مشروعيتها في المطالب التي رفعت من قبل أحزاب الحركة الوطنية المتضررة صحافتها جراء التقييدات المدخلة على قانون الإعلام والإتصال منذ عقد الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن المنصرم، إضافة إلى تلك الإعتبارات الظرفية القائمة منذ التسعينات ، فهو إذن لم يكن وليد المعطيات المرافقة لتشكيل حكومة التناوب ، كما لم يكن نتيجة تطبيق برنامجها السياسي المعلن عنه.
إن العوامل الدافعة إلى مراجعة وتصحيح التعديلات المدخلة على قانون الإعلام والإتصال كثيرة وخاصة منها رغبة المشرع في مواكبة القانون المذكور للتطور التكنولوجي الحاصل في مجال الإعلام وتقنين مبادئ ومفاهيم جديدة صنفها تطور حقوق الإنسان نحو جيل ثالث مثل الحق في الإعلام .
لقد أعلن المغرب صراحة عن تمسكه بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليه دوليا وأبان عن رغبة جامحة في بناء دولة الحق والقانون ، وهي رغبة دونما مصاعب تحول دون بلوغ التحول الديمقراطي الحقيقي ، ولم يكن مجال الإعلام والإتصال بمعزل عن ما يحدث من تحولات ، بل لم يكن معزولا عن التحولات الدولية أيضا ، فهو القطاع الأكثر إحتكاكا بهذه التحولات ، ولذلك كان ولا زال ضروريا تعديل بنود قانونه وهنا نشير إلى ذلك الدور الهام الذي لعبته أحزاب الحركة الوطنية والنقابة الوطنية للصحافة وجمعيات حقوق الإنسان بالمغرب .
لقد قامت الأحزاب الوطنية الديمقراطية سواءا داخل النقابة الوطنية للصحافة أو داخل البرلمان بتكثيف جهودها من أجل إعادة النظر في قانون الإعلام والإتصال وخصوصا تعديلات 1973 المدخلة عليه ، ومن تم قام كل من حزب الإستقلال ومنظمة العمل الديمقراطي وحزب الإتحاد الإشتراكي في 18 ماي 1995 بمبادرة تشريعية ترمي أساسا إلى التخلص مما أدخل على قانون الإعلام والإتصال من تقييدات سنة 1973 .
هناك معطيان أساسيان تحكما في هذا التعديل ، أولهما الرغبة في إعادة قانون الصحافة إلى روحه الليبرالية التي إكتسبها بموجب قانون 1958 ، وثانيهما ما أوجبته الظروف السياسية لعقد التسعينات إذ صار ضروريا تحيين هذا القانون لمسايرة المستجدات السياسية الداخلية والدولية.
يمكن القول أن هذين المعطيين عملا على تشكيل الرافد الأساسي والمرجعية الجوهرية لما طرح من مشاريع قوانين أمام البرلمان .
1. مشروع قانون الصحافة لسنة 1998.
بعد المصادقة على دستور 1996 ، جاء الفصل التاسع منه صريحا ، إذ أقر حرية التعبير والرأي وجعلها حقا لكل الغاربة ، وذلك مالم يكن منسجما مع قانون الصحافة الذي يعاني من تعديلات متتالية ، فكيف يتصور إنسجام دستور صادر سنة 1996 مع قانون سابق عنه بحوالي 38 سنة ؟
ربما أن السؤال المطروح أعلاه هو ما جعل حكومة التناوب التوافقي المشكلة سنة 1998 ، تحاول إعادة ترتيب المشهد الإعلامي ، لكن الأمر لم يكن سهلا ، تحت ذريعة أن هناك مقاومة عنيفة لصدور هذا القانون المعدل لمقتضيات ظهير 1958 والتعديلات اللاحقة له وربما ذلك ما جعل أول خطاب للعرش لجلالة الملك محمد السادس يدعو صراحة الحكومة إلى الإسراع بوضع مشاريع قوانين لمراجعة مدونة الحريات العامة .
لا يجب إغفال الدور الذي لعبته المناظرة الأولى للإعلام والإتصال وما طرح من قضايا تهم القانون المغربي للإعلام داخل لجنة القضايا القانونية والأخلاقيات المهنية التي أعطت أهمية خاصة لمسألة إضفاء الطابع المنفتح على القانون المنظم للصحافة بصفته أحد الروافد الجوهرية لمدونة الحريات العامة ، فانصب إهتمام المناظرة على ضرورة آحترام روح قانون 1958 ومقتضيات روح العصر التي تستلهم وتستمد في هذا المجال بعض مقوماتهما من مرجعية حقوق الإنسان وروح دستور 1992 ولا يفوتنا بهذا الصدد أن نذكر أن المناظرة الوطنية للإعلام شملت مقترحاتها تعديل 35 فصلا من قانون الصحافة
2-قانون الصحافة بعد تعديلات 2002 ( قانون 77.00).
جاءت التعديلات الأخيرة لقانون الصحافة محملة بمطالب الجمعيات الحقوقية والنقابة الوطنية للصحافة ومرة أخرى مقترحات المناظرة الوطنية للإعلام لسنة 1993، وذلك بغية حماية هذا القانون لحرية الصحافة وتنظيم ممارستها ووضع ضمانات تحمي الصحفيين من التعسف والشطط الذي قد تتعرض له من طرف الإدارة ، وبعد صدور هذا القانون المحمل بالتعديلات الجديدة هناك من رأى بأن لا فائدة منها ، وفي المقابل ، رأي البعض الآخر بأنها مكتسبات وإنجازات حققتها الصحافة الوطنية ، وسنحاول التطرق لسلبيات وإيجابيات قانون 77.00 الصادر تنفيذه بموجب ظهير 03 أكتوبر 2002
– سلبيات تعديل 3 أكتوبر 2002.
من أهم ما يعاب عليه أخر تعديل لقانون الصحافة هو تكريس لما كان قائما ، أي عدم الفصل بين أحكام قانون الصحافة والقانون الجنائي علما أن قانون الصحافة صدر قبل صدور القانون الجنائي بثلاث سنوات، والذي لم يعد مقبولا ولامعقولا اليوم هو أننا أمام إصلاحات ديمقراطية جذرية ولازلنا نحتفظ بمقتضيات لطالما نادت جهات عديدة بالتخلي عنها ، فهناك عدة جرائم ترتكب عن طريق الصحافة وتطبق عليها مقتضيات القانون الجنائي
لقد غير التعديل الجديد مقتضى شكلي طفيف بموجب الفصل 72 من قانون الصحافة ، فقد مدد أجل الإثبات من 15 يوما قبل موعد انعقاد أول جلسة ، وهذا المقتضى قد لا ينصف الصحفيين ، فآجال الإثبات أمام جرائم القتل مفتوحة للمتهم حتى نهاية المحاكمة عكس ما تطرقنا له بخصوص الجريمة الصحفية .
إذا كان القانون الجديد قد لبى بعض مطالب الصحفيين ومطالب المجتمع المدني ، بتخفيضه أو إلغائه بعض العقوبات الحبسية ، فإنه ينبغي القول إن التشريع المغربي للإعلام لازال يشكو من العقوبات الجنائية والتقليدية من حبس وغرامة ، وذلك في وقت يسير فيه التوجه العام الدولي نحو البحث عن البدائل الأكثر ملائمة ونجاعة .
وبخصوص الفصل 77 من قانون الصحافة والذي كان محطة إنتقاد كبير ، فإنه كان منتظرا إلغاؤه كليا من قانون الصحافة ، إلا أن موقف وزارة الداخلية والأمانة العامة للحكومة حال دون ذلك ، فتدخل الوزير الأول للفصل في الموضوع بموجب تقديم صيغة لهذا الفصل تراعي التوازنات ، وجاءت صيغة النص لتجيز لوزير الداخلية بقرار معلل أن يأمر بالحجز الإداري لكل عدد من جريدة أو نشرة دورية قد يؤدي نشرها إلى الإخلال بالنظام العام ، ويكون هذا القرار قابلا للطعن أمام القضاء والذي عليه أن يثبت فيه داخل أجل 24 ساعة من تاريخ تقديم الطلب .
من الملاحظ أن ما تم حذفه وإلغاؤه من الفصل 77 قد تم نقله إلى الفصل 41 من توقيف إداري ومنع إداري ، وأصبح للوزير الأول حق منع الجريدة وبإمكان وزير الداخلية توقيفها إذا ما إستمرت في تدمير الأسس السياسية والدينية للمملكة مع إعطاء القضاء حقا لتوقيفها أو منعها نهائيا ، وذلك موازاة مع حق وزير الداخلية في الحجز الذي يقره الفصل 77 .
ما يعاب على القانون الجديد هو تركه لعبارات فضفاضة دون تعريف ، مثلا النظام العام + الأمن العام + المساس بالدين الإسلامي + المؤسسة الملكية + الوحدة الترابية وهي أمور حلت محل تدمير الأسس السياسية والدينية للدولة.
إذا ما تمعنا في الفصل 29 ، فسنلاحظ أنه يستعين بعض إجراءات الفصل 77 ليطبقها على الصحافة الأجنبية ، فأعطى لوزير الإعلام والإتصال وللوزير الأول حق منع دخول الصحف الأجنبية إلى المغرب ، فهذا الحق ممنوح للجهتين المذكورتين بشكل مطلق دونما حاجة لتعليل قرار المنع ، لكن هذه السلطة قد يشوبها تعسف ضد بعض الصحف الأجنبية .
كان على المشرع وهو يقر مقتضيات جديدة أن يسير في إتجاه إضعاف تدخلات السلطة التنفيدية في مواجهة الصحافة ، هذا إذا كانت فعلا رغبة حقيقية في ترسيخ مبادئ الدمقراطية وبناء صرح قوي لدولة الحق والقانون .
– إيجابيات تعديل 3 أكتوبر 2002
عمل قانون 77.00 على إلغاء بعض العقوبات الحبسية في عشر فصول وهي في الأصل عقوبات مخففة ، ومقابل ذلك تم الرفع من القيمة المالية للغرامات وتخفيظ بعضها بشكل ضيق أيضا ، كما إشترط التعديل تقليل القرارات الإدارية حسب الفصل 29 والفصل 77 من قانون الصحافة وإحالة البث في صحة المنع أو الحجز على القضاء الإداري.
ودائما في إطار ماهو إيجابي لابد من الإعتراف أن النص الجديد أكد على تجريم التحريض على الميز العنصري أو الكراهية أو العنف بناء على الجنس أو اللون أو الإنتماء العرقي أو الديني وهذه الإضافة النوعية ستجعل قانون الإعلام والإتصال متلائما مع التشريع الدولي .
نص ظهير 1958 في حلته الجديدة على الحق في الإعلام في الوصول إلى مصادر الخبر ، وهو حق من حقوق الإنسان ، وقد تجاوب المشرع أيضا مع المستجدات التكنولوجية بحيث أدمجه ضمن مجال تنظيمه مختلف وسائل الإعلام الإلكترونية .
رغم التعديلات الواردة على قانون الصحافة بإيجابياتها وسلبياتها ، فإن لم تعمل على منح الصحافة المزيد من الحرية بالرغم من الأهمية التي تحتلها هذه الأخيرة ، وذلك راجع ، ربما لرغبة المشرع الأكيدة في صيانة حقوق الأفراد وحريتهم ، والأكثر من ذلك حماية للصالح العام .

قرأوا أيضا...

1 فكرة عن “الصيرورة التاريخية لقانون الصحافة”

  1. للنشر الفوري
    التاريخ 11 دجنبر 2012

    جلاد علىّ وعلى المحامي رحيم

    الكاتب : عبد العزيز العلوي

    i.minus.com/jIj2iRcMZ84gi.png

    نظرت محكمة الدار البيضاء القطب الجنحي قضية “لعنة الموتى” يوم الثلاثاء الماضي 4 دجنمبر تمام الساعة الواحدة زوالا بالقاعة 8 . وقد تمت الجلسة كالعادة في لمحة عابرة وخاطفة، حيث لم يستغرق نظر القضية إلا ثوان معدودة. الجلسة لم تختلف عن الجلسات السابقة لهذه القضية اللغز، التي لم تعرف سوى التأجيل تلو التأجيل وبصورة سريعة بكل جلسة منذ سنة ونصف هي عمر القضية. ولم يحضر المتهم الأول ذ/ علال الناصري ولا الشاكي الذي تؤكد المصادر المطلعة أنه قبض مبلغ ضخم لقاء التنازل الذي وقعه محاميه للمتهمين. وقد تأجلت القضية إلى يوم الثلاثاء 25 ديجنبر الجاري 2012 لإعادة إعلان المتهم الأول الذي عجزت المحكمة لسبب غير معروف عن التقرير بإحضاره بالقوة الجبرية طبقا لتنصيصات وأحكام القانون. وقد أكدت مصادر مطلعة أن هذه القضية اللغز ستتمخض عن مفاجآت مثيرة وعاصفة خلال جلساتها القادمة والمرجح تداخل جهات مختلفة فيها . القضية هذه الشهيرة والمعروفة أيضا بإسم قضية “جريمة الموتى المتقاضين” ذات الملف: جنحي تلبس عدد: 3397 2012 المرجع (11.611) المحكمة الإبتدائية الزجرية بالدار البيضاء. على سبيل الزور بعث محاميين من هيئة الدار البيضاء الموتى من قبورهم. وتقاضوا باسمائهم مصطنعين اوراق مزورة للتقاضي بالمحكمة الإبتدائية الزجرية بالدار البيضاء. الميت المسمى هنري أوحايون اليهودي المتوفي في 6/10/1999 ومدفون بالدار البيضاء هو أحد الموتى الذي إدعى المحاميين المتهميين أنه انابهما عنه في التقاضي بعد وفاته بعشرات السنين.
    قضية بعث الموتى هذه واستخدامهم في التقاضي المتهم الأول فيها الاستاذ علال الناصري من هيئة الدار البيضاء والمتهم الثاني هو الاستاذ مصطفى بن حجر، وأن المتهم الأول لم يمثل أمام عدالة المحكمة منذ عدة شهور ولم تطلب المحكمة أن تحضره النيابة بالقوة ليمثل أمام عدالتها اسوة بسائر المتقاضين والمطلوبين للمثول أمام القضاء.
    وكانت تلك القضية قد بدأت بمحضـر تم يوم 25 من شهر غشت لسنة 2011 على الساعة 11 و 45 دقيقة. اجراه السيد/ عميد الشرطة رئيس المجموعة الثانية للابحاث بالفرقة الجنائية الولائية بالمصلحة الولائية للشرطة القضائية بولاية أمن الدار البيضاء، بمقتضى: البحث التمهيدي ، واستنادا إلى تعليمات النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية المضمنة بالإرسالية عدد: 1169 س 11 بتاريخ 02/08/2011؛ والرامية إلى فتح بحث وإجراء التحريات اللازمة في شان ما نشر بجريدة: L’economiste ضمن عددها: 3585 الصادر بتاريخ الفاتح غشت لسنة 2011 بصفحتها الثامنة والعشرين، هدا المقال معنون بـ :
    “COMMENT UN MORT PARVIENT A SAISIR LA JUSTICE”
    حول نزاع يتعلق بقطعة أرضية مشيدة عليها فيلا بانفا. بناء عليه أستدعي واستمع للمجني عليه اليهودي المسمى: بنجمان شتريت بن جاك شتريت فرنسي مزداد بتاريخ 18/06/1942 بالدار البيضاء من والدته: فاني احيون.
    ما قام به عصبة فاسدة من المحامين ولو كان عددهم كبير لا يجب وجود الكثير من المحاميين الشرفاء. لكن العصبة الفاسدة طغت أفعالهم الجرمية بخصوص استيلائهم وسطوهم على عقارات الغائبين والمغتربين وعقارات الدولة على كل تصور. ونشر أخيرا أن مافيا الاستيلاء على أملاك الأجانب زورت وثائق 699 عقارا في المغرب. حيث أوضحت تحريات أمنية مكثفة بخصوص ملف تزوير عقارات الأجانب في المغرب باستعمال شخصيات أجنبية وهمية أسفرت عن وجود 699 ملف عقار مملوك لمغاربة أجانب يشمل عقارات فاخرة تعرضت للسطو. وأن أفراد هذه العصابات متخصصين في الاستيلاء على العقارات باستعمال أسماء أجانب وهميين وفبركة وثائق مزورة و استصدار أحكام قضائية وتحفيظ عقارات باسمهم من خلالها تم بيعها لبعضهم البعض من بين أفرادها محامين وموثقون فرنسيون وإيطاليون، يشتبه في كونهم يعملون على توثيق عقود عرفية تقضي بالوكالة أو الهبة أو الإرث لعقارات ذات مساحات كبيرة
    والنقابة تتغاضى عن الزمرة من منتسبيها الفاسدين وهم يسطون على أملاك الدولة وعقارات الغائبين والمغتربين والغير مشكلين اشرس مافيات سرقة العقار.
    كما تم اعتقال مهندس والتحقيق مع محام وموثق في ملف “السطو” على عقارات الأجانب” وفجر المحامي المتهم قنبلة عند تهديده بتفجير الملف برمته إذا تم سجنه حيث ذكر قائلا : “غادي نفضح كلشي إلى هبطت”. وهذا خير دليل يقيني ثابت على الجرائم المنطوية تحت هذا الملف حين شهد شاهد من أهلها. فأي شيئ آخر تنتظر المنظومة العدلية الموروبة للتخذ إجراءات حمل المحامي على تفجير الملف. وهل هناك خير من التحقيقات والاستدلالات للوصول إلى كشف وجه الحق ومعاقبة المخطيء. أم أن الستر واجب في حالة المحامي وغير وارد في حالة الصحفي.
    كان يجب على نقابتهم الضرب من حديد على من فسد هذا الفساد، عوضا عن أن تطالع أعمالهم المؤثمة تلك في صمت رهيب كصمت الأموات الذين بعثوهم من قبورهم ليتقاضون باسمائهم زورا وتزويرا ونصبا وإحتيالا، كخطوة من خطوات حلقات الاستيلاء على العقارات المسروقة تلك، وهي تبرز اسنانها لرسم شكل الضحك في وجوه الفاسدين وعينها على الانتخابات دون الانتحابات.
    المحامون الفاسدون الضالعين في مثل هذه القضايا والسرقات ثابت انتهاكهم لتنصيصات وأحكام قانون التحفيظ العقاري وقانون العقوبات وقانون تنظيم المهنة والقوانين الأخرى ذات الصلة. ويتوجب محاكمتهم بذات تلك القوانين ليطبق اشد العقوبة على من يثبت تورطه في مثل هذه الافعال الشائنة الجرمية والمدمرة لإقتصاد وسمعة الوطن وتزلزل كيانات أمنه وأمانه. القضايا المنظورة أمام المحاكم تلك ومنها قضية لعنة الموتى إقترف المحامين الفاسدين فيها افعال جرمية شملت : التزوير في محررات رسمية واستعمال المزور فيما زور من أجله مع العلم بذلك، التزوير في محررات عرفية واستعمال المزور فيما زوره من أجله مع العلم، انتحال صفة الغير والتدليس والنصب والإحتيال وخداع زميل له بطرق الاحتيال، تضليل العدالة وتقديم معلومات خاطئة لاستصدار احكام باطلة، التقاضي باسماء اطراف دون ان تكون لهم صفة ودون علمهم، الاستيلاء على مال الغير دون وجه حق بطرق احتيالية، خرق القانون الجنائي وقانون التحفيظ العقاري وقوانين أخرى، خيانة شرف المهنة وخرق قوانين المهنة، التواطؤ والعمل بنظام الجريمة المنظمة، الاثراء دون سبب، التهرب الضريبي، تقديم الرشاوي، القيام بأفعال من شأنها تهديد أمن البلاد.
    الغريب أن جميع قطاعات المنظومة العدلية صامتة وخرساء وعمياء عما يجري من زمرة المحامين الفاسدة. ذلك الجريان الذي فاق مجرى السيول الجارف في البلدان المطيرة ولا عقاب ولا محاسبة وعن الافعال تلك مغضوض حكم القانون نقصد مرفوع .
    حضر في ذهني اليد الحديدية للمنظومة العدلية التي تضرب بقوة على رأس الصحفيين وهالني المشهد عندما قارنت بين الصحفي المسكين الذي عند الطباعة لو ذادت نقطة أو تناقص حرفا خطأ دون قصد فغير معنى كلمة واحدة تقوم الدنيا على الصحفي ولا تقعد إلا بعد الإطاحة بعنقه البائس ضربا بالسيف. كل ما فعله ويفعله زمرة من المحاميين الفاسدين لم يعاقب منهم أحدا حتى الآن، رغم جرائهم التي تعد جنايات بمتوجب قانون العقوبات.
    بينما الصحفي المسكين بن البطة السوداء، عندما نشر كاريكتور ناقص فسرت المنظومة العدلية ذلك النقص إفتراضا وقضت إبتداءا بسنة حبسا لمن شارك ورئيسه وغرامة مالية ب 100 آلاف درهم وإخلاء المقر نهائيا وبتحمل الصحفيين صوائر دعوى الوزارة. رغم أن الإفتراض هو جدلي يحتمل الصحة والخطأ وهذا هو عين الشك الذي في عرف صحيح القانون يفسر لصالح المتهم. ومن أغرب العجائب القانونية أن يدان متهم بشك يقام بموجب افتراض جدلي ويتم انزاله كمحل لدليل التهمة .
    كما حضر لخاطري، يوم أن أيدت محكمة الإستئناف بالدار البيضاء حكم المحكمة الابتدائية الصادر بحق مدير ليومية توبع بتهمة “تسفيه وتحقير مقرر قضائي ومحاولة التأثير على القضاء والتبليغ بوقائع إجرامية غير صحيحة” وكانت المحكمة الابتدائية قد قضت بسنة حبسا نافذة وألف درهم غرامة مالية ومؤاخذته بما نسب إليه دون اعتبار حالة العود. والعزاء للصحفي أن هذه التهمة لها من الوجاهة والشياكة قدرا يرفعها وينزهها عن السطو العقاري والفساد في الأرض.
    وجال بالخاطر أيضا على وجه آخر، تعرض عدد من الصحافيين إلى اعتداء “بالرفس والركل وطرحهم أرضا والتلفظ بأوصاف ونعوت تمييزية وتحقيرية ضدهم لمنعهم من ممارسة عملهم المهني. النقابة الوطنية للصحافة المغربية لا تملك إلا أن تدين وتطالب وفقط.
    نفس القضاة من أصدروا تلك الأحكام القاسية على الصحفيين البائسين الذين لم يقترفوا جرم يذكر، هم ذاتهم من يتابعون قضايا المحامين مافيات السطو العقاري والتقاضي الوهمي والتحفظات العقارية الوهمية ويأخذونهم بكل لين وتغاضي متجاهلين جرمهم . فهل لانهم يعتبرو زملائهم في المنظومة العدلية أم لإعتبارات أخرى نجهلها.
    فهل الصحفي هو بن البطة السوداء والمحامي الفاسد هو بن البطة البيضاء؟
    لما يامنظومة العدل أنت “جلاد عليّ وعلى المحامي رحيمة”.
    إن نضب العدل من المنظومة فهل نطمع “بعدم وجود الظلم”. فإياكم والظلم فهو حرام وما أدراك ما الظلم وما أدراك ما الحرام. فهل نريد محاربة الله ورسوله ونكون والعياذ بالله ضمن من صح فيهم قول الله عز وجل {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} الآية (33) سورة المائدة.
    أو نريد أن نحادد الله فيصح فينا والعياذ بالله قوله تعالى : {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ}.
    أهل؟ مجتمعنا ينشد جذب الاستثمارات الأجنبية والسياحة لإزدهار تراب الوطن وأهله. فإن كان الأمر كذلك، فلنعلم الحقيقة المرة حال إستشراء السلطوية البائسة، التي تنتهك الحقوق، وتنشر الظلم وشريع الغاب، فلا صلاح ولا فلاح ولا استثمار ولا سياحة. طريق الإنفتاح والسير في ركب العولمة الجديدة والعالم المتمدين والمتحضر، يبدأ من موضع واحد لا ثان له هو العدل الحقيقي. الذي مشواره تبدأ أولى خطواته بإرساء دعائم المساواة امام القانون وبسط الحق وارساء دعائم حكم القانون. فلم يزدهر اقتصاد دولة ابدا ما لم يسودها حكم القانون العادل الذي يطبق على القوى والضعيف والغني والفقير والنافذ والبائس بنفس المعايير ونفس الحيادية ونفس النزاهة ونفس العدلية ونفس الموازنة ونفس الكيفية ونفس الإعتبار. لأنه إذا دخل الظلم من الباب هرب الإزدهار والاستثمار من النافذة. فضلا عن رفع البركة بقضاء الله عز وجل. لارفع الله لكم بركة ما دمتم بلا فاسدين .
    i.minus.com/jbd1wGInwWJJJ.jpg

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.