أشكال الإرهاب وأساليبه – المبحث الثاني :
سنتناول في هذا المبحث أشكال إرهاب وأساليبه بحيث سنتطرق في مطلب أول لأشكال الإرهاب في مطلب إلى صور الأعمال الإرهابية.
المطلب الأول : أشكال الإرهاب.
إذا كانت الإحاطة بجميع أشكال الإرهاب هي أمر بالغ الصعوبة، فلا أقل من أن نتناول أغلب هذه الإشكال وخاصة تلك التي نالت حظا من التطبيق في الواقع العملي، لنتمكن من التعرف على طبيعة كل منها، وتتعدد أشكال وأنماط وفقا لتعدد الباحثين الذين تناولوا الظاهرة واختلاف مشاربهم الفكرية والمرجعية والزاوية التي ينظر بها كل منهم إلى الإرهاب، فيذكر البعض أشكالا متعددة للإرهاب دون أن يستند إلى معيار محدد في حين يعدد البعض الآخر أشكالا للإرهاب على أساس معايير مختلفة منها: المعيار التاريخي والفاعلون والنطاق الطبيعة مضيفا إليها الإرهاب الفكري والإرهاب النفسي، ومن جانبنا سوف نتناول أشكال من خلال النظر إليه في جوانبه الثلاثة : الفاعل والهدف والنطاق ومن ثم يمكن رصد أشكاله في :
الفقرة الأولى : أشكال الإرهاب وفقا لمرتكبيه.
يمكن تقسيم الإرهاب من حيث القائمين به إلى نوعين رئيسيين هما إرهاب الدول وإرهاب الأفراد والمجموعات ومع ذلك قد يحدث تداخل بين هذين النوعين، فالدولة ترتكب الإرهاب بنفسها أو بواسطة دعمها لبعض الأفراد أو الجماعات لتضعف بعض الدول الأخرى المنافسة ، كما ان الجماعات الإرهابية إذا نجحت في السيطرة على مقاليد السلطة قد تستمر في استخدام العنف والإرهاب وهذا ما حدث في عهد الثورة البولسوفية وسوف نتناول من النوعين كما يلي :
إرهاب الدولة :
رغم الخلاف حول وجود إرهاب الدولة أو عدم وجوده فإن الرأي مستقر على وجود مثل هذا الإرهاب حيث تصدر الولايات المتحدة الأمريكية سنويا قائمة تورد فيها أسماء الدول الداعمة للإرهاب، وعلى الرغم من أن البعض يدخل إرهاب الدولة في إطار العدوان أكثر من كومه إرهابا إلا أنه يرى أن الدولة تمارس بنفسها أو بواسطة الجماعات التي تعمل باسمها الإرهاب في الداخل أو الخارج، وإذا كانت الغالبية من الفقهاء تؤيد وجود إرهاب الدولة إلا أنهم اختلفوا في تعريفه كما أنهم عددوا صورا مختلفة لأشكاله فالبعض يعرفه على أنه استعمال الدولة لوسائل العنف بانتظام لإثارة الرعب لتحقيق أهداف سياسية وهذه الأهداف قد تكون بالسلطة أو قمع المعارضة، فالإرهاب يساعد الدولة على تحقيق بعض الأهداف التي تعجز الطرق السلمية عن تحقيقها. وإرهاب الدولة يسمى أيضا الإرهاب الأبيض ويشمل كافة الحركات والأنشطة الإرهابية.
إرهاب الأفراد والمجموعات
من صور إرهاب الأفراد والمجموعات:
– الإرهاب الثوري: وهو الذي يهدف إلى إحداث تغيير شامل في التركيبة السياسية والاجتماعية للنضال القائم ، وقد يكون في إطار حركة عالمية مثل الماركسية أو في إطار داخلي ويتميز بمجموعة من الصفات منها : النشاط الجماعي ويبرر في إطار إديولوجية ثورية أيضا تركيزه على التنظيم ومثاله الألوية الحمراء والعمل المباشر.
– الإرهاب الشبه الثوري: يهدف إلى إحداث بعض التغييرات البنائية والوظيفية في نظام سياسي معين وقد يصبح جزء من برنامج أكثر اتساعا للتغيير السياسي.
-الإرهاب العدمي: يستهدف القضاء على النظام القائم دون وجود تصور لنظام بديل فهو لا يستهدف التغيير فقط بل التدمير وهذه الفئات لا تسبب تحديا كبيرا للدولة كما لا توجد لها أمثلة معاصرة ولكنها وجدت إبان الثورة الفرنسية.
-الإرهاب العادي: هو الذي يتم من قبل الأفراد بدافع أناني تحقيق مصالح شخصية أو اقتصادية أو اجتماعية ويتمثل في أعمال الخطف واحتجاز الرهائن إذا كان الهدف منها طلب فدية مالية وكذلك يدخل في أعمال النهب والسلب والتخريب.
ويمكن القول بأن الاهتمام الدولي ينصب بصفة أساسية –في الوقت الراهن- على الإرهاب الذي تسانده الدول، على عكس ما كان عليه الحال في الماضي نظرا لما تتسم به العمليات الإرهابية الحديثة من تقنيات عالية واستخدام واسع للتكنولوجيا الأمر الذي يصعب أن تقوم عليه مجموعة من الأفراد دون مساعدة بعض الدول كما أن تكاليف العمليات الإرهابية أصبحت مرتفعة لدرجة كبيرة مما يتطلب تدبير الموارد ومن ثمة فقد ارتدى إرهاب الدولة في كثير من الأحيان ثوب الإرهاب الفردي ليرتكب عملياته بعيدا عن استهجان الرأي العام العالمي والداخلي.
الفقرة الثانية : أشكال الإرهاب وفقا للهدف منه .
تتعدد الأهداف التي تسعى إليها الحركات الإرهابية ويمكن أن نميز من هذه الأهداف بين الأهداف الأديولوجية والانفصالية والإجرامية وعلى أساس ذلك تتعدد أشكال الإرهاب على النحو التالي:
المؤسسة أو الإرهاب المؤسسي أو السلطوي نظرا لأنه يحافظ على السلطة الشرعية أو المؤسسات فقد يطلق عليه الإرهاب من أعلى أو الإرهاب الأحمر ولكن ليس كل عنف تمارسه الدولة يسمى إرهابا فهناك أشكالا من العنف الرسمي تمارسه الدولة في حدود الشرعية.
والبعض يعرف إرهاب الدولة ويعرض لصورة رغم سابق رفضه لما يسمى لإرهاب الدولة ويعرفه بانه :” استخدام حكومة دولة لدرجة كثيفة وعادية من العنف ضد المدنيين لإضعاف أو تدمير إرادتهم في المقاومة أو الرفض ومن صور هذا الإرهاب ما يتم داخل الدولة وخارجها .
الإرهاب الداخلي قد يكون من خلال التعسف في السلطة مثل أعمال التعذيب والمعاملة اللانسانية أو التطبيق التعسفي للقوانين وهو ما يطلق عليه أيضا الإرهاب القمعي الذي تحكم من خلاله الدولة سيطرتها على بعض الفئات والحركان الثورية وتتمكن من اسكات المعارضين وذلك من خلال مجموعات إرهابية تؤسسها الدولة لزرع الرعب في أواسط مجموعة معينة من المواطنين أو ضد المجتمع بأسره أما على المستوى الخارجي فالدولة تمارس الإرهاب على صورتين : أحدهما مباشرة والأخرى غير مباشرة، فالصورة المباشرة على المستوى الخارجي تتمثل في تلك العمليات التي تنفذها وحداتها العسكرية ضد المدنيين في دولة أخرى ويسمى بالإرهاب العسكري وهو يختلف عن الإرهاب القهري من حيث الهدف، حيث يهدف الإرهاب القهري إلى تجميع الشعب السيطرة عليه، في حين يهدف الإرهاب العسكري إلى تفريق الشعب وإضعاف إرادته.
أما الصورة الغير المباشرة فتتمثل في المساعدات التي تقدمها الدولة إلى الإرهاب وجماعاته مثل توفير السلاح والمأوى إلى غير ذلك.
إرهاب الأفراد والجماعات : يطلق البعض على الإرهاب الفردي إرهاب التمرد ويشكك في كونه إرهابا للضعفاء ويشير إلى أن المقصود بالضعف هو قلة موارد من يلجئون إلى الإرهاب بشكل كبير عن الموارد التي يتحكمون فيها مقارنة بطموحاتهم، فهو لا يعكس ضعفا بقدر ما يعكس مبالغة في الطموح والأهداف ويطلق على هذا النوع من الإرهاب:” الإرهاب من أسفل”.
الإرهاب الإيديولوجي: ويهدف إلى تحقيق إيديولوجية معينة يؤمن بها القائمون به وينذرون أنفسهم لإنجازها، وقد عرف هذا الإرهاب قديما في صورة الإرهاب الفوضوي فقد مارس الثوار في روسيا إرهابا أيديولوجيا للوصول إلى هدفهم فحققوا الثورة البولشوفية سنة 1917، ويعد إرهاب الثوري إحدى صور الإرهاب الإديولوجي الذي سبقت الإشارة إليه، وقد يكون الإرهاب الإديولوجي دينيا مثل الذي عرفته القرون الوسطى من خلال محاولات فرض الموالاة والإخلاص للكنيسة الكاثوليكية في روما ويضرب له البعض مثلا بالأصولية الإسلامية التي تعارض كل الإديولوجيات الحديثة لأنها تدل على الحقيقة المطلقة ويرى فيها حربا شاملة لا تنتهي إلا بتحقيق أهدافها، كما أنها إيديولوجية متكاملة عن الفرد والدولة في حين يرى البعض أن الإرهاب الديني أو الأصولية الإسلامية رغم أنها تستند إلى الإيديولوجية إلا أنها تختلف عن الإرهاب الإيديولوجي الذي يمكن أن يكون ماركسيا مثلا في الجذور السياسية والاجتماعية.
الإرهاب الانفصالي : ينسب إلى الحركات التي تستخدم تكنيكات الإرهاب من أجل تحقيق الانفصال عن الدولة الأم والاعتراف بالاستقلال السياسي والإقليمي لمجموعة أو جنس معين، ويسمى الإرهاب القومي أو الإقليمي وقد وجد هذا النوع من الإرهاب منذ أمد طويل وهو عكس حركات التحرر التي تستهدف التحرير من الاستعمار والحصول على استقلالها وممارسة حقها في تقرير مصيرها الأمر الذي دفع المجتمع الدولي إلى الاعتراف بشرعية كفاحها في حين أن الحركات الانفصالية لا تستهدف وحدة الدولة وسيادتها الإقليمية ومن ثم لا تعترف بها المواثيق الدولية لأنها تتنافى مع مبدأ وحدة إقليم الدولة المعترفة به دوليا، وهذا النوع من الإرهاب يقتصر على الأفراد والمجموعات السياسية ولا يتصور أن تمارسه الدولة اللهم إلا بطريق غير مباشر من خلال دعم بعض الحركات الانفصالية وهو يقوم بصفة أصلية على أسس عرقية أو قومية ويتميز بالعنف الدموي والاستمرارية وله امتداد بين فئات الشعب ومن أمثلته الراهنة منظمة الجيش الجمهوري الإيرلاندي ( LIRA) ومنظمة إيتا الانفصالية في إسبانيا التي تطالب بنفصال إقليم الباسط عن إسبانيا، ولا توجد حركة قومية أو عرقية انفصالية تمكنت من تحقيق أهدافها حتى الآن من خلال الإرهاب أو بدون استخدامه.
الإرهاب الإجرامي: إن هذا النوع من الإرهاب تحركه دوافع إنانية وشخصية واقتصادية واجتماعية، ويتخذ أساليب متعددة لتحقيق أهدافه مثل الأبتزاز والسطو المسلح وأخذ الرهائن لطلب الفدية والتخريب ونهب الأموال والممتلكات وممارسة أعمال الاتجار في المخدرات وعمليات غسل الأموال القذرة و الفساد وغيرها وهو نفس الإرهاب العادي.
الفقرة الثالثة : أشكال الإرهاب وفقا لنطاقه.
يمكن تقسيم هذا الشكل من الإرهاب إلى نمطين هما : إرهاب محلي وإرهاب دولي .
الإرهاب المحلي: يمارس داخل نطاق الدولة بهدف تغيير الحكم وذلك من أجل تحقيق مصلحة داخلية كالسعي للسلطة أو الانتفاص من أطلاقها ويتميز هذا النوع من الإرهاب بأنه من المتصور ممارسته من جانب الدولة والأفراد والجماعات على السواء فقد تمارسه الدولة ضد مواطنيها أو يمارسه مواطنوا الدولة ضد سلطات الحكم فيها دون الأجانب، وهو يتطلب الوطنية من حيث المنفذين أو مكان التنفيذ والتخطيط أو الأعداد للعمل، وكذلك الضحايا والأهداف والنتائج المترتبة عليه والاعتماد على الدعم المحلي في التمويل، إلا أن ما يمكن ملاحظته هو أنه أصبح هناك تأثير في ما بين الإرهاب المحلي والإرهاب الدولي وذلك للارتباط بين السياسة الداخلية والخارجية في الدولة والواحدة وفي ما بين الدول مما جعل حوادث الإرهاب المحلي البحتة قليلة إذا ما قورنت بحوادث الإرهاب ذات الأبعاد الدولية ويرى جانب من الفقهاء أن الإرهاب الوطني لم يعد له سوى الإسم حيث تم إلغاء الحدود بين الدول بوجود شبكات تدعم الإرهاب في كل مكان وبذلك يصبح الفصل بين الإرهاب المحلي والدولي هو فصل تعسفي في حين يجد البعض الآخر في عالمية الإديولوجية التي تعتنقها المنظمات الإرهابية والدعم الخارجي لعمليات الإرهاب الداخلي من بعض الدول والتحالفات الإجرامية بين المنظمات الإرهابية والمنظمات الإجرامية الأخرى واتصال حركات التطرف الديني بالخارج يرى في كل ذلك أسبابا تبرر زيادة الإرهاب الدولي وندرة الإرهاب المحلي. ويمكن الرد على ذلك بأن الإديولوجيا إذا كانت صفة مميزة للمنظمات الإرهابية حتى آواخر القرن 18 وأوائل القرن 19 إلا أن معظم هذه المنظمات أصبت غير موجودة أو أنها قد تخلت عن تلك الأديولوجيا كما أن المنظمات الإرهابية الحديثة لا تعتنق إديولوجية معينة أو على الأقل لا تعتنق الأديولوجيا التي تحظى بقبول عالمي فحتى حركات التحرير الوطني هناك خلاف حول تمتعها بحق الكفاح المسلح رغم اعتراف المواثيق الدولية بذلك فكيف نقبل بقول عالمي لإيديولوجية ما لأحدى المنظمات الإرهابية البحتة كما أن الدعم الخارجي لعمليات الإرهاب في الداخل وإن كان يعطي العملية بعد دوليا إلا أن آثارها قد لا تتجاوز حدود الدولة التي وقعت فيها، بالإضافة إلى التعاون بين المنظمات الإرهابية والإجرامية لا ينهض دليلا كافيا على إطلاق تدويل الإرهاب ونفي صفته المحلية ومن ثم مازال الإرهاب المحلي يحتفظ باستقلاله كشكل متميز للإرهاب تقتصر آثاره على إقليم الدولة وترجع أسبابه إلى مشكلات تعاني منه الدولة ومن أمثلته المذابح التي تعرض لها مئات المدنيين في التسعينات في الجزائر فيصبح الإرهاب وطنيا إذا ارتكبه رعايا دولة على أرض هذه الدولىة وكان ماسا بمواطني هذه الدولة إن كان ذلك نادر الحدوث .
الإرهاب الدولي : هو الإرهاب الذي تتوفر له الصفة الدولية في إحدى عناصره ومكوناته ونحيل في هذا الصدد إلى ما سبق توضيحه في شأن بيان الصفة الدولية للإرهاب وذلك عندما يكون أحد الأطراف دوليا سواء أشخاص أو أشياء أو أماكن أو يكون الهدف دوليا مثل إساءة العلاقات الدولية، وتتعدد أساليب الإرهاب الدولي منها أخذ الرهائن وخطف الطائرات والاعتداء على الشخصيات الدولية وغيرها وقد كان هذا النوع م الإرهاب محل عناية خاصة من التشريعات الدولية فنظمت الاتفاقيات الدولية والإقليمية معظم أعمال الإرهاب الدولي، فالإرهاب عادة يتضمن عنصر الصفة الخارجية التي ترتبط باعتبارات المكان أو الشخص أو المصلحة .
وبعد بياننا فيما سبق أشكال وأنماط الإرهاب نشير أخيرا إلى أن هذه الأشكال والأنماط قد تتداخل في ما بينها لتجد شكلين أو أكثر في آن واحد فعلى سبيل المثال قد نجد إرهابا فرديا إديولوجيا أو إرهابا فرديا انفصاليا، وقد يكتسب كلا النوعين الطابع الدولي أو المحلي.
وأخيرا فإن هناك نقطة مشتركة تجمع هذه الأشكال من الإرهاب هي أنها جميعها تهاجم بشكل مميز المجتمعات المفتوحة والتي تعرف تعددية ديمقراطية حيث يكون الموت بالنسبة لعناصرها هو رسالة أكثر من كونه هدفا كما تستفيد من الحدود التي تفرضها تلك الديمقراطيات على التعاون لمناهضة الإرهاب باسم السيادة القومية.
الفصل التمهيدي
قانون مكافحة الإرهاب دراسة نقدية