أحكام الاختصاص في الجريمة الإرهابية

مكافحة الإرهاب و حماية حقوق الإنسان
الفصل الثاني : ضمانات حقوق الإنسان في الجريمة الإرهابية
المبحث الثالث: أحكام الاختصاص في الجريمة الإرهابية
بمجرد خرق أحكام القانون الجنائي بإتيان الجريمة يطرح التساؤل عن ماهية المحكمة من جملة المحاكم المتواجدة فوق التراب الوطني التي لها صلاحية البث في الدعوى العمومية المثارة من قبل النيابة العامة.
والاختصاص، هو سلطة المحكمة للحكم في الدعوى، وهو الولاية التي يمنحها المشرع لمحكمة ما للبث في القضايا المعروضة عليها.
وتجدر الإشارة إلى أن القواعد الشكلية المتعلقة بقواعد المسطرة الجنائية تطبق بأثر فوري على جميع الأشخاص المتابعين أمام القضاء الزجري بغض النظر عن تاريخ ارتكابهم لهاته الأفعال.
وانطلاقا من المادة التاسعة من القانون رقم03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب والتي تنص على أن مقتضيات هذا القانون يجري العمل بها ابتداء من تاريخ النشر بالجريدة الرسمية. هذا يعني أن هاته الأحكام لا تخضع لقاعدة عدم الرجعية وإنما تطبق بأثر فوري .
تشير أخيرا إلى أنه في القانون المغربي لا تعتبر قواعد الاختصاص من النظام العام، ما لم يتعلق بنوعية الجريمة بحيث أن طلبات الإحالة بسبب عدم الاختصاص، ما لم تكن سبب نوعية الجريمة، ويتعين تقديمها من طرف الأطراف قبل كل دفع في جوهر الدعوى تحت طائلة السقوط (المادة323 ق.م.ج).
ولمزيد من الإلمام بموضوع الاختصاص في الجريمة الإرهابية سنعمل على تحليله من خلال مطلبين اثنين، يتعلق الأول بالمعايير المعتمدة في تحديد اختصاص المحاكم الزجرية، والثاني بقواعد الاختصاص والنظام العام.

المطلب الأول :المعايير المعتمدة في تحديد اختصاص المحاكم الزجرية
إن دراسة الاختصاص وقواعده ترمي لمعرفة الجهة القضائية والمحكمة المؤهلة للنظر في النزاعات على اختلافها، فالاختصاص في مفهوم القضاء الجنائي يتنوع استنادا لمجموعة من الاعتبارات فقد نجده يتعلق مرة بنوع الفعل الجرمي المرتكب –اختصاص نوعي- ومرة بشخص الفاعل- اختصاص شخصي وأحيانا أخرى بالمكان –اختصاص مكاني
الفقرة الأولى: الاختصاص النوعي:
يقصد بالاختصاص النوعي، طبيعة الجريمة التي تتم إحالتها على التحقيق الإعدادي، وكذا تحديد نوعية هذه الجريمة، ويطلق عليه أيضا اسم الاختصاص المادي أو المطلق وهو الذي يعتمد عليه في توزيع الاختصاص بين المحاكم العادية والمحاكم الاستثنائية وقضاة التحقيق.
الفقرة الثانية: الاختصاص الشخصي:
الاختصاص الشخصي يقوم على الاعتداد ببعض الصفات المتوفرة في مرتكبي الجرائم أو حالتهم أو وضعيتهم، فهو ينعقد تبعا للوضعية الشخصية للظنين، إما بناء على معيار سن المتهم كالأحداث مثلا، وإما بناء على صفته الوظيفية كالوزراء والعسكريون والموظفون، حيث يعقد القانون تبعا لهذه الصفات أو الوضعيات الاختصاص بالنظر في جرائمهم لجهة معينة دون غيرها.
الفقرة الثالثة: الاختصاص المكاني:
المقصود بالاختصاص المكاني أو المحلي أو الترابي صلاحية محكمة من جملة محاكم لها نفس الاختصاص النوعي بالنظر في الدعوى الناجمة عن جريمة من الجرائم.
ويعود الاختصاص في القضايا إما بالنظر لمكان اقتراف الفعل المجرم، أو لمحل إقامة مقترف الفعل أو الامتناع المجرم قانونا، أو مكان إلقاء القبض عليه ولو بجريمة أخرى وذلك لتقريب القضاء من المتقاضين وكذلك التخفيف من أعبائه.
إلا أن المشرع المغربي نجده قد خرج عن قواعد الاختصاص المنصوص عليها في المسطرة الجنائية حينما أقر منع الاختصاص بالنظر في الجرائم الإرهابية المشار إليها في الباب الأول المكرر من قانون 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب لمحكمة الاستئناف بالرباط.
والتي يشمل اختصاصها كافة التراب الوطني وبالتالي استبعاده هذه القضايا من الخضوع لقواعد الاختصاص العادي، حيث جاء في مادته السابعة ما يلي: “بصرف النظر عن قواعد الاختصاص المقررة في قانون المسطرة الجنائية أو في نصوص أخرى تختص محكمة الاستئناف بالرباط بالمتابعة والتحقيق والحكم في الجرائم الإرهابية يمكن للمحكمة المذكورة لأسباب تتعلق بالأمن العمومي أن تعقد جلساتها بصفة استثنائية بمقر أي محكمة أخرى”.
وتبعا لذلك فإن محكمة الاستئناف بالرباط هي التي خول لها المشرع مباشرة تدبير القضايا المتعلقة بالجرائم الإرهابية بدء بالمتابعة وما يسبقه من إشراف النيابة العامة على عمل الضابطة القضائية ومرورا بالتحقيق الإعدادي الذي يتكفل به قاضي التحقيق وانتهاء بالمحاكمة والبث في ملف القضية.
وبالإضافة إلى ذلك ، لإن اختصاص محكمة الاستئناف بالرباط يشمل المتابعة والتحقيق والحكم في الجرائم الإرهابية سواء كانت لهذه الجرائم وصف جناية أو وصف جنحة.
وبذلك يكون المشرع المغربي قد ساير مجموعة من الدول مثل إسبانيا التي منحت الاختصاص للمحكمة الوطنية بمدريد، إلا أن المشرع الإسباني قد عدل عن الأخذ بمبدأ مركزية الإجراءات في قضايا الإرهاب في القانون الأساسي الصادر في يونيو1985.
ومصر التي خولته لمحكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة.
وما تجب الإشارة إليه أن هذا النظام + مركزية الإجراءات + قد تعرض لعدة انتقادات وقيل في هذا الشأن أن اختصاص محكمة الاستئناف بالرباط بالجرائم الإرهابية سيخلف مشكلة تراكم القضايا في جهة قضائية واحدة، فضلا عن تكدس الرباط بالمتهمين.

المطلب الثاني: قواعد الاختصاص والنظام العام
إن ربط القواعد المتعلقة بالاختصاص الزجري بالنظام العام واعتبارها قواعد آمرة لا ينبغي مخالفتها يترتب عنه عدم السماح لأطراف الدعوى بإجراء أي تعديل فيها سواء كان ذلك عن طريق الاتفاق الصريح أو الضمني، كما يخول لها حق إثارة الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى في أية مرحلة كانت عليها هذه الأخيرة ولو لأول مرة أمام المجلس الأعلى.
والذي نلاحظه على المستوى التشريعات المقارنة أن بعضها كالتشريع السوري قد حسمت المسألة صراحة واعتبرت قواعد الاختصاص بجميع أنواعها قواعد آمرة بدون تمييز في الحكم في هذه الخصوصية بين قواعد الاختصاص النوعي أو الشخصي أو المحلي.
وفي حين نجد قوانين أخرى كالقانون المصري والفرنسي مثلا لم تتعرض للموضوع بكيفية مباشرة وحاسمة والتي منها القانون المغربي الذي نص في الفصل 323 م.ج على أنه ” تحت طائلة السقوط، يجب أن تقدم قبل كل دفاع في جوهر الدعوى، ودفعة واحدة، طلبات الإحالة بسبب عدم الاختصاص ما لم يسبب نوع الجريمة- وأنواع الدفع المترتبة إما عن بطلان الاستدعاء أو بطلان المسطرة المجراة سابقا وكذا المسائل المتعين فصلها أوليا..”.
يستفاد من النص السابق أن الاختصاص النوعي من النظام العام ينبغي على المحاكم مراعاته تلقائيا كما يتعين إثارته في أية مرحلة كانت عليها الدعوى، وقد قضى بذلك المجلس الأعلى :” الدفع بعدم الاختصاص لأن الفعل يكون جناية، متعلق بالنظام العام هي التي استأنفت الحكم الابتدائي” .
إن المشرع نفسه الذي ألزم باتباع المعايير الثلاثة في توزيع الاختصاص سواء بين المحاكم أو قضاء التحقيق قد يرى أن العلة التي بنى عليها فكرة توزيع الاختصاص بحسب المعايير الآنفة لن تحقق النتائج المطلوبة والأهداف المنشودة، حيث يعمد إلى إيراد استثناءات على القواعد العامة، الغاية منها تلطيف وإدخال بعض من المرونة عليها. وتتحدد هذه الاستثناءات في:
1-الإحالة من أجل تشكك مشروع:
الأصل  أن المحكمة التي عرض عليها النزاع تكون هي صاحبة الاختصاص للبث فيه –إلا أنه قد تتوفر ظروف تجعل المشرع يتدخل لسحب القضية من محكمة أو هيئة مكلفة بالتحقيق ويحيلها على جهة قضائية أخرى للبث فيها. وهو ما يعرف بالإحالة من أجل تشكك مشروع، وقد تعرض المشرع لهذه الحالة التي تعتبر استثناءا لقواعد الاختصاص العادية.
2-الإحالة من أجل مصلحة عامة:
الإحالة من أجل مصلحة عامة يمكن تقديمها من أجل الأمن العمومي أو لتحقيق حسن سير العدالة وهذه الحالة الاستثنائية الواردة على قواعد الاختصاص منصوص عليها في المادة272 ق.م.ج.
3-الإحالة بسبب نقض المجلس الأعلى للحكم:
ينص الفصل550 ق.م.ج على ما يلي:” إذا أبطل المجلس الأعلى مقررا صادرا عن محكمة زجرية أحال الدعوى والأطراف إلى نفس المحكمة متركبة من هيئة أخرى وبصفة استثنائية على محكمة أخرى من نفس نوع ودرجة المحكمة التي أصدرت المقرر المطعون فيه.
_______________________________________
–عبد السلام بوهوش، عبد المجيد شفيق ، الجريمة الإرهابية في التشريع المغربي مرجع سابق ص239
-قرار رقم707 في 29/4/1964، (القضاء والقانون) عدد 70-71 ص161
-عبد السلام بوهوش، عبد المجيد شفيق ، الجريمة الإرهابية في التشريع المغربي مرجع سابق ص243

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.