مفهوم قرينة البراءة لدى القضاء الجنائي
الفصل التمهيدي : مفهوم قرينة البراءة لدى القضاء الجنائي
المطلب الأول: ماهية المبدأ
المطلب الثاني: نشأة المبدأ وتطوره
المطلب الثالث: الأنظمة الإجرائية وانعكاساتها على قرينة البراءة
تختلف النظم الإجرائية القضائية وتتنوع تبعا لاختلاف الأوضاع الاجتماعية والسياسية للشعوب، وهذا ما جعلها تتباين في تبنيها لنظام معين خاص بها، ورغم تعدد هذه النظم يمكن ردها إلى أربعة أنظمة أساسية:
يوصف أولها بالنظام الاتهامي، ويوصف ثانيها بالنظام التنقيبي وبوصف ثالثها بالنظام المختلط بالإضافة إلى نظام رابع يهم الشعوب الإسلامية وهو نظام الشريعة الإسلامية.
هذا، ويدل التاريخ على أن معظم المجتمعات البشرية على اختلافها قد مرت بنوع من هذه الأنظمة حيث طبق فيها، وأن كل منها قد ساد تطبيقه خلال فترة من الزمن، وترك بصماته على المجتمع الذي طبق فيه وعلى المجتمعات المجاورة له ولأهمية هذه الأنظمة في الحياة العملية عامة، رأينا أن نتعرض لها بما يخدم موضوع بحثنا المتعلق بالإثبات الجنائي وبمفهوم قرينة البراءة كأصل ومبدأ يجب الاعتماد عليه لتحقيق العدالة الفردية التي هي جزء من العدالة الاجتماعية، ذلك أن موضوع الإثبات الجنائي لم يظهر إلى الوجود ولم تبرز معالمه إلا من خلال هذه الأنظمة المختلفة وعليه سنقسم هذا الفصل إلى المحاور التالية:
أ- النظام الاتهامي.
ب- النظام التفتيشي
ج- النظام المختلط.
المحور الأول: النظام الاتهامي
أولا: البعد الفكري لهذا النظام:
يقوم هذا النظام حسب تسميته على أن تحريك الدعوى فيه يبدأ باتهام يوجهه المضرور في الجريمة إلى الجاني، وأن الدعوى نزال بين خصمين يقوم فيه المضرور من الجريمة بدور المدعى ويمثل الجاني دور المدعى عليه الذي تقتصر مهمته على موازنة بين الأدلة المقدمة والحكم لمن ترجح كفته دون سعي من جانب القاضي للبحث عن الحقيقة –كقاضي مدني-
ويعد هذا النظام من أقدم الأنظمة الإجرائية تاريخيا لأنه الأسبق في الظهور( ) حيث طبق في الشرائع القديمة الفرعونية واليونانية والرومانية القديمة كما طبق في فرنسا –مرجع القانون المغربي- ومع ذلك مازالت بعض آثاره بارزة إلى اليوم في مختلف الشرائع المقارنة، ويطبق حاليا في كل من أنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية.
ثانيا: خصائص هذا النظام
يتميز هذا النظام ببعض الخصائص وهي:
1- أن الدعوى الجنائية تمر بمرحلة واحدة فقط هي المحاكمة.
2- أن الإجراءات فيه تتم بصورة علانية( ) وسنوية( ) وفي حضور الخصوم وبمواجهتهم( ).
3- أنه يترك عبئ الاتهام لنفس المجني عليه( ) أو المضرور من الجريمة أو لأقربائه أو لمن شاهدها ولا تتدخل السلطات العامة في جمع الأدلة لإثبات التهمة( ).
4- أن يترك أمر الفصل في الخصومة الجنائية لقاضي التحقيق، الذي يختاره الطرفان في بعض الأحيان أو يختار حسب تقاليد معينة في أحيان أخرى.
5- إن دور القاضي سلبي يقتصر على فحص الأدلة التي يقدمها طرفا الدعوى ثم يرجح جانب أحدهما والقضاء بمصلحته.
6- أنه يمزج بين الدعوتين المدنية والجنائية، ففي ذات الوقت الذي يسعى فيه المجني عليه إلى تعويض ما أصابه من ضرر بارتكابه الجريمة، فإنه يسعىكذلك إلى إنزال العقاب بمن ارتكب الجريمة.
7- نظام الإثبات في هذا النظام يخضع لقواعد شكلية، فليس للقاضي أي حرية أو سلطة مطلقة في تقدير الدليل، بل إن الاقتناع القضائي لا يتم إلا من خلال أدلة معينة تقترب إلى الحصر.
ثالثا: عيوب هذا النظام
وعلى الرغم من تميز هذا النظام بالمساواة في الحقوق بين ممثل الاتهام والمتهم، وفي اشتراط العلانية الشفوية وحضور الخصوم في إجراءات المحاكمة. وكل هذه الأمور تكفل احترام الحرية الشخصية للمتهم، إلا أنه عيب عليه أنه يهيء السبيل الصحيح للكشف عن الحقيقة. فالقاضي أشبه بالمتفرج فيما يعرضه الخصوم من أدلة وبراهين، وقد تكون كلها غير صالحة أو غير كافية للفصل في النزاع المطروح عليه.
مما أدى إلى ظهور نظام جديد سمي بالنظام التنقيبي تفاديا للعيوب التي عرفها النظام السابق –النظام الاتهامي-
____________________________
– ظهرت الملامح الأولى لهذا النظام عند اليونان، وطبق في روما حتى نهاية عصر الجمهوري وكانت الإجراءات المستعملة لدى الجرمان لها طابع الاتهامي، فقد كان الشاكي يتوجه بشكوى لجمعية الناس الأضرار، التي يرأسها قاضي منتخب للمرافعات ولكنه لا يفصل في النزاع بنفسه ولا يمكن لهذه المحكمة أن تصدر حكما إلا إذا امتثل الأفراد للاتهام، وكان الدليل الأساسي هو خلف اليمين، وكانت المبارزة بين الخصوم في حضور القاضي أمرا مقبولا، وفي العصر الإقطاعي كانت الإجراءات واحدة في القضايا الجنائية و المدنية، وكانت تتمثل في مناقشة بين خصمين تتميز بالعلانية.
وكان الاعتراف هو سيد الأدلة، وكانت الأدلة المقبولة هي بذاتها التي تقبل في المسائل المدنية.
راجع بهذا الخصوص: الدكتور أحمد فتحي سرور “شرح قانون الإجراءات الجنائية”. المجلد الأول، الطبعة الرابعة 1981.
– تتفق فكرة العلانية –النظرة الديموقراطية إذ مؤداها أن تجري المحاكمة بحضور أفراد من الجمهور وتحت رقابتهم.
– شفوية الإجراءات كما تتماشى مع ظروف المجتمعات القديمة التي لم تكن الكتابة منتشرة فيها نظرا لطابع الأمية الذي كان سائدا آنذاك.
– حصول الإجراءات في حضور الخصوم ومراجعتهم يجعل الدعوة الجنائية تتشابه بالدعوى المدنية من حيث أن الطرفين على قدم المساواة ينافس كل منهما مزاعمه أمام حكم محايد.
-غير أن المضرور في الجريمة كان في أحيان كثيرة يهمل رفع دعواه أو يمتنع –راجع في ذلك- أحذاف محمد “علم الإجرام”. لأسباب منها الخوف من جبروت الجاني أو الرغبة في الانتقام بنفسه، ومنها أن جمع الأدلة تضع عليه عبئا ثقيلا قد لا يقوى على حمله كما تتطلب منه بدل جهد كثير هو في غنى عنه أو إيقاف أموال كثيرة لا يستطيع تدبيرها، ومنها رفض الدعوى، بحيث أن رفض دعوى المدعى تجعله عرضة للقصاص، وهو توقيع العقوبات التي كانت مقررة للجريمة المدعى بها وتكون نتيجة كل ذلك إفلات الجاني من العقاب وهذا يعد عيب من عيوب النظام الاتهامي.
– فالاتهام وفقا لهذا النظام يكون ابتداء حقا للمجني عليه ثم صار حقا لكل واحد من أفراد عائلته ثم كل واحد من أفراد عشيرته، وصار في النهاية حقا لكل واحد من أفراد المجتمع، ومعنى هذا الاتهام ابتدء فرديا ثم تحول إلى اتهام شعبي أو اجتماعي ولم يعرف هذا النظام سلطة عامة مثل النيابة العامة، وهناك رأي مخالف يقول بأن نتيجة إفلات الجاني من العقوبة في هذا النظام هو الذي جعل بعض الدول التي أخذت بهذا النظام تلاقي هذه النتيجة فظهرت في فرنسا مثلا في القرن الثالث عشر في دائرة كل محكمة طائفة من معاوني العدالة يطلق عليهم الدعاوى مهمتهم تمثيل الخصوم أمام القضاء، كما أحل في منتصف القرن الرابع عشر نظام المدعى العام الذي استقر بصفة نهائية منذ ذلك التاريخ في قانون الإجراءات الفرنسية.
CBS-10?
جد رائع بارك الله فيك
نحبببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببك ياااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا منتدى
جد رائع بارك الله فيك