الطلاق بين المذهب المالكي ومدونة الأسرة الجديدة
الباب الثاني: حالات التطليق والإجراءات المسطرية
الفصل الأول: حالات التطليق وحقوق الزوجة والأولاد
المبحث الأول: حالات التطليق
المطلب الثاني: حالات التطليق
الفقرة الثالثة: التطليق للعيب
ينبني الزوج على المودة والألفة والرحمة والمساكنة والمعاشرة بين الزوجين واستمتاع بعضهما بالبعض، لكن قد تطرأ عيوب أو أمراض تحول دون ذلك، ولم تستطع الزوجة الصبر على هذه العيوب ربعت دعواها للقضاء قصد التطليق والعيوب قد تكون بالرجل أو بالمرأة.
انطلاقا من هذا ماذا نقصد بالعيب؟ وما هو موقف الفقه الإسلامي والمشرع المغربي، وعلى الرغم من أننا نبحث في مسألة التطليق لعيب في الرجل فسنبحث كذلك في العيوب التي تقتضي رد الزوجة زيادة في الاستفادة والإيضاح.
أ-تعريف العيب :
العيب في اللغة جمعها أعياب وعيوب والمعاب والمعيب ، العيب والعيب الوصمة. أما في الاصطلاح فهو نقص بدني أو عقلي في أحد الزوجين يمنع من تحصيل مقاصد الزواج والتمتع بالحياة الزوجية ( ).
ب-موقف الفقه الإسلامي من التطليق للعيب :
اختلف الفقه الإسلامي حول موضوع التفريق للعيب اختلافا كبيرا فمنه من يجيز الرد للعيب، ومنه من لا يجيز ذلك، وهناك من ذهب مذهبا وسطا:
الرأي الأول: فقد ذهب الفقه الظاهري إلى أنه لا يفرق إطلاقا بين الزوج وزوجته للعيب لأنه لا يوجد بشأن هذا التفريق دليل شرعي، وإنما هناك مجرد أقوال للصحابة فقط، التي تعتبر مجرد آراء اجتهادية لا تنبنى عليها الأحكام الشرعية( ).
الرأي الثاني: ذهب جانب من الأحناف والحنابلة بالخصوص إلى أن كل عيب بأحد الزوجين لا يحمل معه المقصود من الزواج من التناسل أو توافر المودة أو يحدث النفرة بينهما يوجب الخيار للطرف الآخر.
الرأي الثالث: ولقد جمهور الفقهاء –ومن بينهم المالكية- بين الرأيين السالفين فقرر أنه ليس كل عيب يصلح سببا لطلب التفريق بين الزوجين، وإنما بعض العيوب التي من شأنها أن تخل بالمقصود الأصلي من الزواج وعلى الرغم من اتفاق جمهور الفقهاء كمبدأ عام حول هذه المسألة، فقد اختلفوا حل من يثبت له حق الخيار من الزوجين، فالأحناف فإن هذا الحق يثبت للزوجة فقط لأن الزوج باستطاعته أن يدخل الضرر عنه حق الطلاق الذي خوله المشرع إياه وبالنسبة للمالكية والحنابلة والشافعية فإن حق الخيار كما يثبت للزوجة يثبت للزوجة كذلك( ).
ج-موقف المشرع المغربي من التطليق للعيب :
نظم الشرع المغربي التطليق للعيب في المواد 107، 108، 109، 110، 111 من مدونة الأسرة.
107″تعتبر عيوبا مؤثرة على استقرار الحياة الزوجية وتخول طلب إنهائها: العيوب المانعة من المعاشرة الزوجية.
الأمراض الخطيرة على حياة الزوج الآخر أو على صحته التي لا يرجى الشفاء منها داخل سنة”
108 ” يشترط لقبول طلب أحد الزوجين إنهاء علاقة الزوجية للعيب:
1-ألا يكون الطالب عالما بالعيب حين العقد.
2-ألا يصدر من طالب الفسخ ما يدل على الرضى بالعيب بعد العلم بتعذر الشفاء”
109 “لا صداق في حالة التطليق للعيب عن طريق القضاء قبل البناء، ويحق للزوج بعد البناء أن يرجع بقدر الصداق على من غرر به، أو كتم عنه العيب قصدا”
110 “إذا علم الزوج بالغيب قبل العقد وطلق قبل البناء لزمه نصف الصداق”
111 “يستعان بأهل الخبرة من الأخصائيين في معرفة العيب أو المرض”
انطلاقا من هذا نرى بأن المشرع المغربي ميز بين عيوب الفرج التي لا يمكن البرء منها والأمراض الأخرى المزمنة التي تحدث للزوجة ضررا بالغا، فبينما الأولى تبيح الحكم بالتطليق في الحال، فإنه بالنسبة للأمراض المزمنة الأخرى يجب على القاضي أن يمهل الزوج المريض لمدة سنة حتى يشفى من مرضه وإلا طلقت الزوجة عليه ومن البديهي أن إثبات هذه الأمراض لا يطرح من الناحية العملية أي مشكل مادام أنه بالإمكان دائما الاستعانة بالخبرة الطبية في هذا المجال.
كما أن الزوجة إذا كانت قبل العقد أو بعده عالمة بالعيب ورضيت به صراحة أو دلالة ويقصد بها غالبا تمكين الزوجة نفسها من زوجها بعد اعتراضها على العيب فليس لها أن تطلب التطليق للعيب وعلى الزوج إذا ما ادعى ذلك العلم أن يتبنة بالوسائل المقبولة شرعا، غير أن مثل هذا الحكم إذا كان مقبولا بالنسبة لبعض العيوب كالبرص مثلا فهو غير مقبول بالنسبة لأخرى وخاصة عيوب الفرج أو التناسل التي قد تجعل المرأة –مع استمرار المعاشرة الزوجية- عرضة للفتنة والفساد، وعلى الرغم من ذلك فإننا نعتقد أنه يبقى للمرأة وخاصة فيما يتعلق بإصابة زوجها بعيوب الفرج أن تطلب التطليق للضرر الذي تستحيل معه العشرة، كما أن المشرع المغربي إذا كان لم يورد عيوب الفرج، وهي محصورة في الفقه المالكي بالجب والخصاء والعنة، فإنه قد أورد الأمراض الأخرى على سبيل المثال فقط ومعنى ذلك أن الأولى تقيد القاضي بينما له أن يقيس على الثانية خاصة أن المشرع استعمل “ك” وهي أداة للتشبيه، والقياس لا يصح إلا إذا تحققت في المرض الشروط الآتية:
-أن يكون العيب مستحكما
-أن يكون البرء من المرض غير ممكن أو ممكنا ولكن بعد مرور سنة.
-أنه لا يمكن للزوجة أن تقيم مع زوجها إلا بضرر.
-أن يؤجله القاضي لمدة سنة
د-رد الزوجة للعيب:
إذا كان بالزوجة بعض العيوب التناسلية التي تحول دون الوطء أو دون تحقيق مقاصد الزواج، لحداء الفرج أو بها عيوبا أو أمراضا كالجنون والجذام والبرص والسل، وهي عيوب تجيز طلب التطليق للعيب، لاكتشافها نجد الفقه المالكي يذهب إلى جواز النظر إلى فرج المرأة، لمعرفة العيب طالما دعت إليه الضرورة، قال الأباضية والحنابلة، إلا أنهم يكتفون بشهادة امرأة واحدة عدلة لأنه محل حاجة، والأحوط اثنان ومسألة الإثبات تثار في حالة ما إذا غرته أو غره وليها.
وهكذا فإن الزوج يمكن أن يبقى على الزوجة أو أن يطلقها إذا ظهر بها عيبا من العيوب كالتالي:
1-إذا علم بالعيب قبل الدخول وفيه فرضيتين:
-إن شاء طلق ولا شيء عليه
-إن شاء دخل ولزمه الصداق كاملا.
2-إذا لم يعلم إلا بعد الدخول وفيه فرضيتين كذلك:
-أبقى عليها إن شاء.
-أن يردها، ويسترد مازاد على أقل المهر وتعيد له مازاد على أقل المهر إن كانت هي التي غرت به، وإن كان ***رجع عليها بما دفعه.
و هذا ما أكده الفقه المالكي، وعن عمر رضي الله عنه قال: إذا تزوجها، فرأى جداما أو برصا فإن لها المهر بحسيسه إياها، ووليها ضامن الصداق ويرون أن الوالي يغرم لأنه غرر به، هذا إذا كان يعلم بالعيب، أما إذا لم يكن يعلم فالتغرير يؤكد في هذه الحالة من المرأة فيرجع عليها بجميع الصداق ( ).
______________________
-معوض عبد التواب موسوعة الأحوال الشخصية، ص 573.
-محمود محمد الطنطاوي، الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية، ص 371.
-نفس المرجع، ص 371 وما بعدها.
-ابن قدامة، المعني ج7، ص 189.