مبدأ وحدة جهاز النيابة العامة

مفهوم قرينة البراءة لدى القضاء الجنائي
الفصل الأول : القضاء الواقف – النيابة العامة

المبحث الأول: مبادئ النيابة العامة
سمي القضاء الواقف بهذا الإسم نظرا لكونه يقدم ملتمساته أثناء المحاكمة بعد وقوفه أمام قاضي الحكم. والقضاء الواقف هو ما يصطلح عليه باسم جهاز النيابة العامة في المغرب وكذلك الجمهورية المصرية وجل الدول العربية، ونظرا لما لهذا الجهاز من أهمية واسعة على صعيد تحريك وممارسة الدعوى العمومية بل ومتابعة المتهم حتى خلال تنفيذه للعقوبة في حالة إدانته، فإننا نرى ضرورة التعريف بهذا الجهاز والإشارة إلى وضعيته القانونية وكذلك طرح مجمل الإشكاليات والانتقادات التي تطرحها طبيعة هذا الجهاز وكذلك المبادئ الأساسية التي يقوم عليها وكذلك السلطات المخولة لأعضاء هذا الجهاز.
وبناءا على ما سبق نرى ضرورة الإشارة إلى المبادئ التي يقوم عليها جهاز النيابة العامة والتي لها علاقة بمبدأ البراءة المفترضة في المتهم (المبحث الأول) حتى وإن كانت هذه العلاقة غير مباشرة وفي (المبحث الثاني) سنحاول استعراض بعض سلطات النيابة العامة وذلك تحت إطار نفس المبدأ، وتحقيقا لفكرة عدم الخروج عن النص المطلوب سنقوم بالاقتصار على السلطات التي تهدف إلى التعريف بتوجه  المشرع من حيث الأخذ بالمبدأ والتنصيص عليه في المادة الأولى من المسطرة     الجنائية وإغفاله لبعض المفاهيم والتي تنم عن نية مبيتة ضد هذا المبدأ.

المطلب الأول: مبدأ وحدة جهاز النيابة العامة.

يهدف هذا المبدأ إلى الإقرار بتكافل وتكاتل أعضاء هذا الجهاز وكونهم يعبرون عن رأي واحد، بل ذهب المشرع بعيدا إلى حد اعتبارهم كالشخص الواحد، وهذا بالضبط ما يثير نقمة كثير من فقهاء القانون الجنائي وأعمدة مجال المسطرة الجنائية، حيث أن هذا المبدأ يحمل في طياته خرقا علنيا لمبدأ قرينة البراءة وذلك من خلال منح النيابة العامة صلاحية تغيير أعضئها بالنسبة للملف الواحد دون أن يؤثر ذلك على إجراءات المحاكمة حيث يمكن لأحد قضاة النيابة العامة (بناءا على هذا المبدأ) أن يقوم بإعداد بحث تمهيدي ويعمد قبل إنهاءه إلى تغيير هذا الأخير واستبداله بقاضي آخر يتابع هذا البحث أو أنه يقوم بممارسة الدعوى العمومية أمام القضاء. والأدهى أنه قد يطالب بإيقاع أقصى العقوبات على المتهم رغم أن كل ما لديه من معلومات عن القضية هو ما تضمنه ملف القضية الذي يمكن أن يكون قد تسلمه قبل بدء المحاكمة بساعات أو دقائق محدودة لا تكفي سوى لرؤية الخطوط العريضة للجريمة.
ولا نغفل إشارة المشرع لضرورة مراعاة الاختصاص المكاني والنوعي لقضاة النيابة العامة داخل هذا المبدأ، والتي لا أعتبر شخصيا أن لها أهمية سوى من حيث حفظ هيبة قاضي النيابة العامة أمام نظيره من دائرة أخرى. وكنا نود لو أن المشرع رتب جزاء البطلان على الإجراءات أو المحاكمة ككل في حالة عدم مشاركة نفس قاضي النيابة العامة في جميع مراحل الدعوى وذلك تيمنا بموقفه مع قضاء الحكم.
وبما أن دور النيابة العامة لا يقل أهمية عن دور قاضي الحكم، بل أنه وفي نظر أغلب المهتمين بالمجال الحقوقي فإنها تعتبر حاضرة وبقوة وذلك لمعايشة هذا الجهاز للجريمة من اللحظة الأولى لوقوعها وإلى غاية صدور الحكم ولكون ملتمساتها تؤثر على قرار القاضي إيجابا وسلبا.
وهذا المبدأ يخلف نتيجة هامة جدا وهي اعتبار الإجراء الذي يقوم به أحد أعضاء النيابة العامة خلافا لتعليمات رئيسه، يعتبر صحيحا ويلزم جهاز النيابة العامة بأكمله، ولا يحق للرئيس أن يلغيه، كل ما في الأمر أن المرؤوس يمكن أن يتعرض للمساءلة التأديبية بسبب عدم انضباطه الإداري ومخالفته لتعليمات رئيسه( ).
_____________________________
– “شرح قانون المسطرة الجنائية”، منشورات وزارة العدل، ج.1، ط.8، العدد 2، 2004، ص 158.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.