كيف تعمل الأمم المتحدة وما تفعله لمنع الصراعات

التحديات التي تواجه الأمم المتحدة في ظل النظام العالمي الجديد

الفصل التمهيدي:
يعتبر إنشاء منظمة الأمم المتحدة من أبرز الإنجازات التي طبعت بشكل واضح تاريخ الإنسانية خلال القرن العشرين، هذا الإنشاء الذي جاء غداة الحرب العالمية الثانية استجابة لرغبة المجتمع الدولي في ألا يعيش العالم حربا بشعة مدمرة مماثلة، حيث آلت شعوب هذا المجتمع على أنفسها أن تنقد الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي من خلال جيل واحد جلبت مرتين على الإنسانية أحزانا يعجز عنها الوصف، وقد جسد ميثاق المنظمة هذه الرغبة الأكيدة حيث تصدرته جملته الشهيرة ” نحن شعوب الأمم المتحدة….” بدلا من أن يبدأ كميثاق عصبة الأمم بعبارة ” ان الفرقاء الكبار المتعاقدين….”.
وبذلك وضع المجتمع الدولي سنة 1945 بمدينة سان فرانسيسكو دعائم منظمة ذات بعد عالمي من مهامها حفظ السلم والأمن الدولي، وحل المنازعات الدولية بالطرق السلمية، وإنماء العلاقات الودية بين الأمم وتحقيق التنمية والتعاون الدولي، وحماية البيئة والنهوض بحقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون تمييز وتدوين القانون الدولي. وقد شهدت منذ إنشاءها أحداثا وعاشت تحولات كبيرة توزعت جهودها على مجالات عديدة، إلا أنها نجحت في بعضها وفشلت في الآخر. كما أعدت العديد من الإعلانات والإتفاقيات الدولية، بدءا بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948، وإتفاقية حقوق الطفل سنة 1990. ونظمت مؤتمرات عالمية ساهمت فيها وكالاتها المتخصصة مثل المؤثمر العالمي للمرأة.
كما لايمكن أن ينكر دورها في حل عدة مشاكل دولية ذات طبيعة سياسية أو إقتصادية أو إنسانية، وكمثال على ذلك إنشاء المفوضية السامية لللاجئين في 1951، والوكالة الدولية للطاقة الذرية في 1957، ومجلس الأغذية العالمي في 1974، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية بروما في 1974، كما كانت وراء وقف الحرب أو بعض المواجهات التي كانت بإمكانها الزج بالعالم في حرب نووية مدمرة, ودورها في تصفية الإستعمار، كما أنها مارست تأثيرا بالغا في تطور العلاقات الدولية منذ خروجها إلى الوجود.
وبالتالي يصعب تنكر السياسة الدولية لهذه المنظمة التي أصبحت تمثل مرجعا حقيقيا ومنبرا للمعاملات الدولية. وبذلك  تعتبر مختبرا للسياسة الدولية والقانون الدولي. كما أنها تجسد إلى حد ما
مثال المجموعة الدولية وتشكل العمود الفقري لمشروع سياسي مسخر مبدئيا للسلم والتطور الإقتصادي والإجتماعي.

أولا: كيف تعمل الأمم المتحدة:

أنشئت الأمم المتحدة في 24 أكتوبر سنة 1945، وقد أنشأها 51 بلدا ملتزما بحفظ السلام عن طريق التعاون الدولي و الأمن الجماعي. وتنتمي إلى الأمم المتحدة اليوم كل دول العالم تقريبا، إذ يبلغ عدد أعضاء الأمم المتحدة 191 بلدا في المجموع.
وعندما تصبح الدول أعضاءا في الأمم المتحدة، فإنها توافق على القبول بالإلتزامات المنصوص عليها في ميثاقها، وهو معاهدة دولية تحدد المبادئ الأساسية للعلاقات الدولية، و الأمم المتحدة وفقا للميثاق، أربعة مقاصد هي: صون السلم و الأمن الدوليين وذلك باتخاذها للتدابير الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم و إزالتها؛ وتنمية العلاقة الودية بين الأمم على أساس إحترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها؛ وتحقيق التعاون الدولي على حل المشاكل الدولية ذات الصبغة الإقتصادية والإجتماعية والتقافية والإنسانية وعلى تعزيز إحترام حقوق الإنسان، في حين ينبني المقصد الرابع على جعل هذه الهيئة مركزا لتنسيق أعمال الأمم وتوجيهها نحو إدراك هذه الغايات المشتركة.
والأمم المتحدة ليست حكومة عالمية وهي لا تضع قوانين. ولكنها توفر سبل المساعدة على حل النزاعات الدولية وصياغة السياسات المتعلقة بالمسائل التي تمسنا جميعا، وكل الدول الأعضاء كبيرها وصغيرها، غنيها وفقيرها، بما لها من آراء سياسية ونظم اجتماعية متباينة لها في الأمم المتحدة أن تعرب عن آرائها وتدلي بأصواتها في هذه العملية.
وللأمم المتحدة ستة أجهزة رئيسية، تقع مقار خمسة منها في المقر الرئيسي للأمم المتحدة بنيويورك، وهي الجمعية العامة ومجلس الأمن والمجلس الإقتصادي والإجتماعي ومجلس الوصاية والأمانة العامة. أما مقر الجهاز السادس، وهو محكمة العدل الدولية، فيقع في لاهاي بهولاندا.

ثانيا: الأمم المتحدة وما تفعله لمنع الصراعات:

تضفي الأمم المتحدة على مسألة منع اندلاع الصراعات نفس القدر من الأهمية التي تضفيها على حفض السلام. وتتسم عملية المنع بجوانب كثيرة: فهي تشمل الإنذار المبكر و الدبلوماسية ونزع السلاح والنشر الوقائي واستخدام الجزاءات عند الإقتضاء، غير أن الوقاية الفعالة تتناول قبل كل شيئ الثغرات الهيكلية التي تدفع بالمجتمعات إلى الصراعات.

وتقوم الأمم المتحدة بالمساعدة في تحويل العالم إلى مكان أوفر أمنا عن طريق التصدي للأسباب الكامنة للحروب وذلك من خلال أنشطتها الرامية إلى النهوض بأمن البشرية والحكم الرشيد والتنمية المنصفة وحقوق الإنسان.
ولكي تحظى أعمال الوقاية بالنجاح يجب دعمها بواسطة الشعوب والأطراف المتضررة تضررا مباشرا. وينطوي ذلك على التعاون فيما بين البلدان والأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمجتمع المدني وحتى القطاع الخاص. وتستخدم الأمم المتحدة بدعم من المجتمع الدولي استراتيجيات وقاية متكاملة لتجنب التكاليف المادية والبشرية والمعنوية الهائلة الناجمة عن الصراعات. وإذ تقوم الأمم المتحدة بذلك، تيسر التحول من تقافة رد الفعل إلى تقافة الوقاية كحجر أساس للأمن الجماعي.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.