عدم تحقق عنصر السلامة داخل الورش – الفقرة الثالثة :
بالإضافة للالتزامات ذات الطابع العقائدي الصرف فإن المقاول يتحمل ببعض الواجبات المهنية الأخرى، التي تستوجب المساءلة والتقصير أمام رب العمل أو الغير أو هما معا فالمقاول باعتباره رئيسا للورش من حيث التنفيذ يتعين عليه أن يكون يقظا وحذرا في توفير عنصر السلامة والطمأنينة اللازمين لإنجاز البناء في أحسن الظروف .
فما هي مضمون الالتزام بتحقيق عنصر السلامة داخل الورش ؟
وما هي طبيعة المسؤولية التي يتحمل بها المقاول في ظل هذه الحالة ؟
أولا : مضمون الالتزام بتحقيق عنصر السلامة داخل الورش :
لما كان المقاول في البناء غالبا ما يكون مرتبطا بمجموعة من العمال الذين يتولون إنجاز الأشغال تحت امرته فإنه يتوجب عليه أن يضمن لهم عنصر السلامة داخل مكان مباشر : نشاطهم المهني وذلك تحت طائلة المساءلة وهذا ما أشار إليه الفصل 749 ق ل ع ” المعلم أو المخدوم وعلى العموم كل رب عمل يلتزم …
ثانيا : الطبيعة القانونية لمسؤولية المقاول والمقاول من الباطن في حالات
الإخلال بعنصر السلامة .
لما كان الالتزام بتحقيق عنصر السلامة داخل الورش يتدرج ضمن الالتزامات القانونية التي يتوجب احترامها، فإنه أصبح أمرا طبيعيا مساءلة هذا الأخير وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية وليس العقدية لعدم امكانية تصور الخطا العقدي في ظل هذه الحالة .
وسواء كان المضروب العمل أو غير . ممن لا تربطه أية علاقة عقدية بالمقاول فإن لهما الحق في تحريك دعوى المسؤولية التقصيرية ضد المقاول إذا توافرت شروطها بطبيعة الحال، لأن أساس الرجوع على هذا الأخير سيختلف من حالة لأخرى .
فإذا كان المصدر الأضرار بالغير هو تقصيره في حراسة الأ\ياء الخطيرة التي توجد بالورش كالآلات والمواد اللازمة للبناء أو القابلة للأشغال أو الكسر مثلا فإن مسؤولية ستكون مبناة على الخطأ المفترض في حقه بحيث لا يمكن له التخلص منها إلا أثبت أنه قام بما من شأنه منع الضرر وأن الفعل حصل بسبب أجنبي كالقوة القاهرة أو الحدث الفجائي أو خطأ المضرور.
وهكذا فقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية في أحد القرارات المشهورة الصادرة عنها إلى إقرار مسؤولية المقاول في الإضرار التي أصابت المهندس المعماري باعتماد الأساس التقصيري أثر سقوط هذا الأخير من سلم على ارتفاع ثلاثة أمثار من سطح الأرض وهو بقوة بإحدى الزيارات العادية للورش .
وبعد أن رفضت محكمة (أكس –بروفانس ) طلبه على أساس أنه ليس غير بالنسبة للمقاول فإن محكمة النقض لم توافق على هذا الاتجاه في التفسير ، وإنما اعتبرته داخلا في إطار حلقة الغير بمعناه الواسع وبالتالي محقا في طلبه .
أما إذا كان مصدر الضرر هو الأذى المترتب على علاقات الجوار مثلا بما في ذلك اندلاع الحرائق داخل الورش وانتقال خطرها إلى الجيران أو تعكير الجو وتلويثه من طرف المقاول فإن ذلك يستلزم المساءلة التقصيرية المبنية على خطأ واجب الإثبات إعمالا للمبادئ العامة التي تحكم قواعد المسؤولية التقصيرية التي تتطلب من الطرف المضرور إقامة الدليل على خطأ المنسب في حصول الضرر .
وإذا كان الإجماع حاصلا في كل من الفقه والقضاء المعاصرين على ضرورة تطبيق قواعد المسؤولية التقصيرية فيما يخص الأضرار التي تلحق الغير فإن بعض التردد قد حصل بخصوص الإضرار التي تصيب رب العمل خارج نطاق العلاقة العقدية ( الإضرار الجسيمة والمالية التي تلحقه أثناء تنفيذ الشغل نتيجة التقصير المقاول في تحقيق عنصر السلامة داخل الورش) .
لأن الالتزام بعنصر السلامة إذا لم يوجه كالتزام عقدي فإنه قائم كالالتزام قانوني فكل شخص عندما يملك سلوك اجتماعيا ما يلتزم بأن لا يلحق بالغير ضررا غير مشروع ، يفعله الأشخاص أو الأشياء التي يتحمل مسؤوليتها ، وأحيانا يكون ذلك الالتزام أثقل من الالتزام العقدي إذا كان القانون افتراض الخطأ . والالتزام بعنصر السلامة بين طرفين يربطهما عقد لا يكون الالتزام عقديا،ذلك وفقا لما استقر عليه الرأي من انه بين أطراف العقد لا محل إلا للمسؤولية العقدية، وعلى ذلك فإذا قيل بين المتعاقدين بوجود التزام عقدي بضمان السلامة فإن الهدف من وراء ذلك غالبا هو حماية المخطئ والهرب به من نطاق المسؤولية المفترضة.
ونوضح بأنه إذا قيل في عقد من عقود المقاولة بوجود التزام عقدي بتحقيق عنصر السلامة داخل الورش لرب العمل فإن هذا الالتزام لا يقوم في العلاقة بين رب العمل والمقاول من الباطن، وذلك لعدم وجود بين رب العمل والمقاول من الباطن وأن هذا الأخير أجنبي عن المقاولة الأصلية .
خلاصة القول أن مسؤولية المقاول عن الأضرار التي تصيب العمل بسبب تقصير في تحقيق عنصر السلامة داخل الورش لئن كان الأصل فيها أنها صورة من الصور التقليدية للمسؤولية التقصيرية إلا أن ذلك لا يمنع إمكانية إدراجها ضمن حالات المسؤولية العقدية إعمالا لشرط ضمان سلامة الزبون الذي يفرض على المقاول تحقيق السلامة داخل الورش إلى غاية تسلم الزبون للبناء وهذا الرأي يوافق الصواب نظرنا لذلك نؤيد فكرة المستشار (فوسرو) التي تعتبر أن الالتزام بتحقيق السلامة في باقي العقود الأخرى ليس بالأمر الغريب ، لذلك بات أمرا طبيعيا اعتناق هذه الفكرة في ميدان المقاولة .
مسؤولية المقاول والمقاول من الباطن
الفصل الأول : المسؤولية العقدية للمقاول والمقاول من الباطن .
المبحث الأول :المسؤولية العقدية للمقاول والمقاول من الباطن قبل التسليم
المطلب الأول : أسباب المسؤولية العقدية
_________________
– مشار إليه في أطروحة عبدالقادر العرعاري Boubli (B) op ci p 113 N° 195.
– المقصود بالغير هنا هو كل ما عدا رب العمل رب العمل وخلفائه، وبالتالي فالمهندس المعماري وعمال الورش والمارة يعتبرون من الغير حتى وأن تعددت فرص التلاقي بينهم بسبب وحدة العمل طالما انهم غير مرتبطون فيما بينهم بعلاقة عقدية .
– محمد شكري سرور : (مسؤولية المهندس ومقاول البناء ) ط 1985 ص 359.
– مصطفى عبد السيد الجاري : م س ص 68
– مصطفى عبد السيد الجاري : م س ص 69
– G.Ross (B) “la gestion de garantie dans le droit des contrats-thèse .
مشار إليه : عبدالقادر العرعاري ص 132.