عودة البرادعي تكرّس 'تجميد التوريث'.. وتدشن حملة مبارك لتمديد حكمه

تعهد بتصعيد الضغط على ‘النظام غير الشرعي’ لتعديل الدستور : كما قام السيد المسيح من بين الاموات بعد ثلاثة ايام، حسب الكتاب المقدس، قام الدكتور محمد البرادعي من قلب حالة موات سياسي وتدهور اقتصادي واجتماعي، خلفتها 29 عاما من حكم الرئيس حسني مبارك، هكذا رأى بعض المصريين الاستقبال الحافل الذي لقيه الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية لدى عودته الى القاهرة الجمعة الماضي. الا ان الايام والاسابيع المقبلة ستكشف ان كان هؤلاء احسنوا تقدير عمق التعقيدات التي تحكم الحالة السياسية في مصر.
ولا ينفي هذا ان ‘جمعة البرادعي’ كانت احد اسوأ الايام التي عرفها منذ سنوات نظام ديكتاتوري من الاطول عمرا والاكثر دهاء وقوة في العالم، اصبح يجد نفسه مضطرا للاستعداد لمواجهة تحد جديد لبقائه.
واضطرت السلطات الامنية الى غض النظر عن تجمع نحو الفين من انصار البرادعي لاستقباله، رغم تحذيرات واضحة اصدرتها عشية وصوله باتخاذ اجراءات ضد ‘التجمعات غير القانونية’، ادراكا منها ان العالم كله كان يراقب المشهد، وان اعتقال اي من المستقبلين كان سيتحول الى فضيحة جديدة لنظام كان تعرض لانتقادات دولية قاسية قبل ايام قليلة في اجتماعات للامم المتحدة بجنيف حول حقوق الانسان.
وربما يستغل منظمو حملة البرادعي هذا البعد غير المتوفر لدى غيره في تنظيم جولات ميدانية بالمحافظات والمناطق العشوائية خاصة، حيث يحتاج الى تأسيس قاعدة شعبية كافية لتطوير ما سببه من احراج سياسي واعلامي للنظام، الى ضغط حقيقي يجبره على التحرك باتجاه التحول الديمقراطي.
وبمراجعة التعليقات في موقعه على شبكة الفيس بوك، تطل ملامح حالة لا ريب فيها من اليأس والاحباط والغضب كانت القاسم المشترك بين انصار الدكتور البرادعي، رغم اختلافهم في المراحل العمرية والمذاهب السياسية والايديولوجية.
ويبقى على الرجل الذي يقول عنه اصدقاؤه ان هدوءه الشديد وادبه الجم لم يمنعاه ابدا من قبول تحديات بدت يائسة، في اشارة الى التوتر الذي شاب علاقته بالولايات المتحدة في عام 2005 بعد معارضتها التجديد له على رأس الوكالة الولية للطاقة، ان يثبت الى اي مدى يستطيع ان يمضي في مواجهة نظام احترف عبر ثلاثة عقود التخلص من خصوم اشد قوة.
كيف، وبأي قدر من الحكمة والجرأة ايضا، سينفق البرادعي ما يملكه اليوم من رصيد سياسي وشعبي، لتحقيق انجاز على الارض يقنع المتحفظين على تأييده بالتخلي عن شكوكهم هو ما سيرسم خريطة الصراع الذي بدأ يزداد سخونة على سدة الرئاسة قبل نحو 19 شهرا من انتهاء الولاية الخامسة للرئيس مبارك.
وجنحت التصريحات الاولى التي ادلى بها البرادعي بعد عودته باتجاه التصعيد، عندما وصف النظام بانه ‘غير شرعي’، مشيرا الى انه سيعمل على حشد الضغوط لتعديل الدستور بهدف السماح للمستقلين بدخول الانتخابات الرئاسية. الا ان ما طرحه البرادعي حتى اليوم لا يرتقي الى برنامج انتخابي او ‘مانفيستو’ ملزم، ما يترك مجالا لقوى سياسية مهمة كجماعة الاخوان واحزاب تاريخية كالوفد للاحتفاظ بمواقف غير حاسمة تجاه ترشيحه.
وكان جمال مبارك الامين العام المساعد للحزب الحاكم اعلن انه لا توجد نية لتعديل الدستور قبل الانتخابات المقررة العام المقبل، ما يعني عمليا عدم امكانية ترشح البرادعي للرئاسة.
وحسب المادة 76 يشترط الحصول على دعم مائتين وخمسين عضوا في المجالس النيابية والمحلية لترشح المستقلين في انتخابات الرئاسة، وهو شرط شبه مستحيل لغير المرضي عنهم من الحزب الحاكم الذي يهيمن على تلك المجالس.
الا ان صدور هذه التصريحات لم يأخذ في الحسبان ظهور ‘زعيم وطني للمعارضة’ يتمكن من حشد دعم شعبي، قد لا يكون ضخما، الا ان تجاهله يعمق حتما مأزق الحزب الحاكم ويقوي احتمالات تصاعد الاضطرابات المجتمعية في ظل توسع غير مسبوق لثقافة التظاهر والاحتجاج بسبب التدهور الاقتصادي.
واكد تقرير لجهاز الاحصاء الرسمي ان اسعار سلع رئيسية زادت بنسبة 24 بالمئة خلال شهر كانون الثاني/ يناير الماضي وحده.
ومن المرجح ان صعود البرادعي كزعيم اصلاحي ومرشح رئاسي محتمل، قد اسهم في ‘تجميد’ سيناريو التوريث، والبدء عمليا في الاعداد لفترة رئاسية سادسة للرئيس مبارك، تمثل في جولاته بالمحافظات التي شملت مدنا لم يزرها من سنوات طويلة مثل بورسعيد، بينما تراجع مشروع الالف قرية الاكثر فقرا الذي قام من خلاله جمال مبارك بزيارات لبعض القرى بدت انتخابية من الدرجة الاولى مع ما شملته من وعود سياسية لاستجلاب الشعبية.
ويبدو من غير الوارد حاليا ان يتنازل الرئيس مبارك الى نجله عن ورقة الترشح للرئاسة التي لا يكشف عنها رسميا في العادة الا قبل شهور قليلة من الانتخابات.
ويعكس الاحتفاء الرسمي الواسع مؤخرا بمشروع اقامة طريق يربط الصعيد بالبحر الاحمر والذي شاركت فيه السيدة قرينة الرئيس اشارة بدء عملية لحملة مرشح الحزب الحاكم للفوز بفترة رئاسية سادسة، سيكون في نهايتها اكبر حكام مصر عمرا منذ الملك رمسيس الثاني.
وعلى اي حال فان المشهد السياسي المصري الذي يتجه الى مفترق طرق لايمكن المبالغة في اهميته، حيث اصبح يتجه الى مزيد من الحراك والتغيير الذي طال انتظاره.
القدس العربي

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.