تحديد مفهوم الجريمة الاقتصادية في التشريع الإسلامي

الجرائم الإقتصادية : تجارة المخدرات
الفصل التمهيدي
المبحث الأول: الأحكام العامة للجريمة الاقتصادية

المطلب الأول:تحديد مفهوم الجريمة الاقتصادية في التشريع الإسلامي:
إن الشريعة الإسلامية من أعز و أثمن ما وجد في حضارتنا العربية، إن هده الشريعة هي أساس الوحدة الفكرية العربية في كثير من المجالات و من أبرزها الوحدة القانونية التي تعد من أقوى ركائز الوحدة السياسية لأن القانون يعكس صورة المجتمع بكل قيمة الحضارية و أنظمته وأوجه نشاطه.
إن الإسلام هو رسالة السماء الخالدة إلى الأرض وهما لاشك فيه أنها اعتبرت مصالح العباد، لأن العقل الإنساني قاصر عن إدراك أصل المنفعة و المضرة و لهدا فالتشريع الإلهي هو الذي صان الإنسان عن الهوى و الشهوة، فالحسن ما حسنه الشارع و القبح ما قبحه وقد قال سبحانه و تعالى:”ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات و الأرض ومن فيهن”(1).
وقد بين القرآن الكريم التشريع بيانا كليا فوضع القواعد العامة و المبادئ الشاملة يؤكد ذلك قوله تعالى:”ما فرطنا في الكتاب من شيء وثم إلى ربهم يحشرون”(2) وآيات القرآن الكريم لها معان ظاهرة جليلة تدركها جميع الأفهام ولها معان دقيقة لا يفهمها إلا أولي الألباب.
فجاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شارحة مفصلة معللة لكل ما ورد في القرآن ثم أمر المجتهدون بالنظر و الاعتبار فكانت ثمرة اجتهادهم بيان لبيان الكتاب و السنة و بذلك كان القرآن أصلا و السنة بيانا و الاجتهاد إيضاحا و معرفة لحكم الله تعالى في كل مصلحة لم يعتبرها الشارع ولم يلغها. وبهذا كانت الشريعة عامة شاملة لبيان الحكم الشرعي لأفعال الناس في كل جيل وعصر وبيئة و عرق.

إن فسح مجال الدين بالاجتهاد للرقي العقلي و العلمي من غير حدود و للرقي الصناعي والمادي ضمن حدود الأخلاق، فكل مظاهر الطبيعة مفتوحة أمام عقل الإنسان ليجتهد للوصول إلى ما يرفه الحياة و يسعد الناس.
و الإسلام لم يحارب الغرائز الطبيعية و لم يكبتها بل أمر بالعمل و السعي لتحقيق     ما يسد الحاجات البشرية بقيود الشرع لتبقى إنسانية تناسب رقي النوع الإنساني وتميزه بالفضائل النفسية.
والأحكام الفقهية المستنبطة من النصوص الشرعية في مجموعها ذات نزعة جماعية تعنى بالمجتمعات وتهتم بإصلاح شأن الجماعة حتى في العبادات التي هي تكاليف فردية و في المعاملات التي بنيت على الصدق و الوفاء و النصح و عدم الغش و الخداع. والأمر بالعمل و السعي ينتهي أثره في رقي الجماعة.
والحكمة العامة في تشريع العقوبات هي القضاء على الجرائم و المحا فضة على الأرواح    و الأموال و الأغراض و هذا يؤدي إلى إخلاء المجتمع من المفاسد و إلى الأمن و الطمأنينة على المقدسات الإنسانية.
ولذلك جعلت الشريعة الإسلامية العقوبات نوعين:

أولا: الحدود: و هي العقوبات التي قصد بتثبيتها حفظ الضروريات الخمس التي عليها صلح حال البشر و سعادتهم وهذه الضروريات هي الدين و النفس و العقل و المال و النسل ونتطرق بإيجاز في حدود موضوعنا إلى الحد الذي قصد به حفظ المال وهو حد السـرقة و حد الحرابـة ، قال تعالى:”والسارق و السارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكلا من الله” و هذه السرقة التي عرفها فقهاء الشريعة الإسلامية بقولهم هي أخد مكلف خفية مالا من حرز لا ملك له فيه و لا شبهة(3) وهي لا تختلف في شيء عن السرقة في مفهوم التشريع الوضعي، إلا أنه أمام شدة العقوبة المقررة لها شرعا و هي قطع اليد فقد أحيطت الواقعة الإجرامية بشروط من شأنها أن تضيق من نطاق إقامة الحد (4).
أما حد الحرابة (قطع الطريق) فقد جاء فيه قوله سبحانه وتعالى:”إنما جزاء الدين يحاربون الله ورسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا ويصلبوا أو تقطع أيديهم أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض دلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم”(5).
وقد شددت العقوبة على قاطع الطريق الذي يسعى في الأرض فسادا لأنه يؤثر على حركة الإنسان في تقدم الحياة و تحقيق الرفاه للمجتمع بما يحققه من إرهاب للتجار في نقل بضائعهم و أموالهم و التأثير على سيولة الاقتصاد و أثر دلك في بناء المجتمع.

ثانيا: التعازير: ولن الجرائم التي تنصب على المال و الجرائم الاقتصادية لم تنته بالحرابة    و السرقة بل تتعداها إلى جرائم ل احصر لها كالربا و الغش و التدليس و التهرب من الزكاة و الخراج و أكل أموال اليتامى و غيرهم بالباطل و تزوير العملة و التهريب و الرشوة وغيرها   من الجرائم و قد فتحت الشريعة باب الاجتهاد من الاعتبار و التقدير    و ذلك في الجرائم غير المحددة، وقد شرع لها التعزيز وهو الردع و المنع لغة، و في الشرع تأديب على ذنب لا حد فيه. فإن للقاضي كما للمشرع أن يكيف لكل فعل لا يصل إلى حد الجرائم المنصوصة و كل فعل منهي عنه  وفقا لظروف كل قضية وتبعا لحالة المجرم فجعلت الشريعة للإمام أن ينظر باعتبــــار من خلال الزمان و المكان و العرف و البيئـة في هذا الفعل وأن تحدد العقوبة المناسبة في نطاق التعزيز الذي باشره الرسول صلى الله عليه و سلم وأصحابه من بعده في نطاق السياسة الشرعية و المصلحة التي يملكها ولي الأمر بمقتضى الإمامة لأن توليته منوطة بالمصلحة و بهذا النوع و في نطاق المبادئ العامة تحرك التشريع و تيسر التطبيق وتدبر عجلة الفقه الإسلامي في حيوية ومرونة امتازت بهــا الشريعة الإسلامية التي جعلها الله صالحة لكل زمان و مكان و التعزير يتناول الزجر و الغرامة و الحبس و القتل.

ثالثا: مؤسسة الحسبة في الإسلام: الحسبة في الإسلام معناها بصفة عامة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، لقوله عز و جل:”ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر”(6) و المحتسب من تعنيه السلطة للقيام بذلك المهمة و رقابته واجب عليه لا ينبغي أن ينشغل عنها و هي فرض عين بحكم الولاية، وأن عليه الاستجابة لمن استدعاه كما أن عليه أن يكشف المنكرات الظاهرة وله أن يتخذ عونا لأداء مهمته، ومن حقه أن يعزر في المنكرات الظاهرة و أن يجتهد برأيه بالنسبة للعرف دون التشريع فيوافق أو ينكر ما أوصله إليـــه اجتهاده، وهو يحصل على راتبه من بيت المال. وقد بين الفقه الإسلامي مهام المحتسب وحدد نطاق عملة في ثلاث وظائف: العبادات و المحظورات و المعاملات، ففي ما يخص المعاملات فقد قرر الفقهاء أن مدار المحتسب هو ما نطلق عليه الجرائم الاقتصادية فيتحدد واجبه الأساسي في منعها و الكف عنها أو على الأقل التقليل منها، ومن الجرائم في الفقه الإسلامي البيع بغير الموازين و المكايل و المقاييس الرسمية التي تفرضها الدولــــــة أو المحتسب، فإن لم يكن للدولة محتسب موازين و لا مكايل معينة و مفروضة على الأسواق فإن له أن يتوجه بالإنكار لمرتكبي البخس و التطفيف.

واليوم رغم تدخل الدولة بالعديد من النصوص محاولة منها للقضاء على هذا النوع من الجرائم تبقى مؤسسة الحسبة الأداة الناجعة للوصول إلى هدا المرمى، وفي هدا الإطار نجد أن المشرع المغربي قد تدخل أخيرا من أجل إعادة الاعتبار لوسيلة رئيسية صرفة حيث جعل منها أداة رقابة ووقاية ضد بعض الجرائم الناشئة عن النمو الاقتصادي (الجرائم الاقتصادية) كالغش و الزيادة في الأسعار..الخ، وهده الأداة هي مؤسسة الحسبة التي تم العمل بها بموجب قانون رقم 82-20 الصادر بتاريخ 21/11/1992م 28 شعبان 1402 المتخذ بمقتضى الظهير الشريف الصادر عن الأعتاب الشريفة رقم 70-82 حيث أناط المشرع المغربي بموجب هدا القانون اختصاصات تهم القطاعات الصناعية و التجارية منها و مراقبة الأسعار و مراقبة الخدمات ومنتجات الصناعة التقليدية و مراقبة جودة المنتوجات الفلاحية و المواد الغذائية و المشروبات.

وقد منح هدا القانون للمحتسب سلطة إصدار قرار يفرض أداء غرامة في حدود خمسين ألف درهم بحكم تقويمي من السلطات المختصة، كذلك أعطاه سلطة أخد بعض عينات من المواد المعروضة قصد تحليلها، وكدا إجراء حجز تحفظي لنفس الغاية(7) بعد استعرضنا لأهم النصوص القانونية الرادعة لمقترفي الجرائم الاقتصادية يرجى الانتباه إلى أنه مستوى التطبـــــيق العملي لا تطبق تلك النصوص كما هي منصوص عليها في مواجهة المخالفين و ذلك إما بحكم مسؤولياتهم أو مراكزهم المحمية فضلا عن سهولة إخفاء مثل هذه الجرائم و التستر عنها من أعين العدالة.

___________________________________
(1) سورة المومنون الآية 72.
(2) سورة الأنعام الآية 39.
(3) محمد محمود حسن وخالد محمد فلاح: بحث تحت عنوان:”الجرائم الاقتصادية” دراسة مقارنة،لنيل الإجازة في الحقوق قانون خاص بفاس سنة 1992/1993 ص 18 وما يليها.
(4) محمد محمود حسن وخالد محمد فلاح المليغي: مرجع سابق ص 40.
(5) سورة  المائدة الآية 35.
(6) سورة آل عمران الآية 104.
(7) الفصل الثالث من القانون الجنائي.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.