الإستثناءات الواردة على مبدأ منع الممارسات المنافية لحرية المنافسة

القانون الجنائي للمنافسة
الفصل الأول: القواعد الموضوعية للقانون الجنائي للمنافسة
الفرع الأول: الممارسات المخلة بحرية المنافسة
المبحث الأول: الممارسات المنافية لحرية المنافسة
المطلب الثالث: الاستثناءات الواردة على مبدأ منع الممارسات المنافية لحرية المنافسة.
تعرف قاعدة منع الممارسات المنافية لقواعد المنافسة والتي تجد سندها القانوني من خلال المادتين 6 و 7 من قانون 99-06 ، حالات استثنائية يرفع فيها المشرع الحظر عن هذه الممارسات , معلنا بذلك عن مقاصده و فلسفته التشريعية بوضعه التقدم الاقتصادي فوق كل اعتبار آخر ولو ترتب عليه تقييد للمنافسة , مما يدفعنا إلى القول بأن مناط التجريم و الإباحة هو المصلحة الاقتصادية العامة, إذ لم    تعد لحرية المنافسة قيمة يجب الدفاع عنها , بل أصبحت وسيلة يجب توظيفها لتحقيق التنمية الاقتصادية , ولا يقبل بها إذا تعارضت مع هذا الهدف ,  كما أن معظم المقاولات المغربية إما صغرى أو متوسطة  . مما دفع المشرع المغربي إلى أخذ هذا الوضع بعين الاعتبار، وإيجاد حالات استثنائية تلطف من القاعدة العامة، ويتعلق الأمر بحالتين تعفى فيهما المقاولات من المنع رغم خرقها لمقتضيات المادتين السادسة والسابعة من قانون حرية الأسعار والمنافسة، فالأولى تتعلق بالممارسات الناتجة عن تطبيق نص تشريعي أو تنظيمي ( فقرة أولى)، والثانية تتعلق بالاتفاقات التي من شأنها المساهمة في التقدم الاقتصادي ( فقرة ثانية).

فقرة أولى : الممارسات الناتجة عن تطبيق نص تشريعي أو تنظيمي
تنص المادة 8 من قانون حرية الأسعار والمنافسة المغربي في فقرتها الأولى على أنه ” لا تخضع لأحكام المادتين 6 و 7 الممارسات التي تنتج عن تطبيق نص تشريعي أو تنظيمي…”, والملاحظ أن المشرع المغربي قد ساير في هذا الأمر المشرع الفرنسي القديم ، حيث أجاز هذا الأخير بدوره من خلال الفصل 10 من الأمر الصادر في 1 دجنبر 1986 ” القيام بممارسات منافية للمنافسة كلما أجاز ذلك نص تشريعي أو تنظيمي اتخذ لتطبيقه فقط “. مما يعني أن المشرع المغربي يساير بشكل أعمى المشرع الفرنسي ليس فقط فيما يخص قانون المنافسة وإنما في جل القوانين الأخرى, وكأن المغرب لا يزال مستعمرا من طرف فرنسا، لذلك ينبغي إعادة النظر في مجال صياغة النصوص القانونية ومحاولة صياغة نصوص مغربية خالصة.

وبالعودة إلى الموضوع فإن المشرع المغربي استثنى بعض الممارسات من المنع لأسباب تهدف إلى تحقيق سياسة اقتصادية فيما يتعلق باحتكار بعض المؤسسات العمومية ذات الطابع الاقتصادي والتجاري على مساحة جغرافية معينة أو استغلال أنشطة محددة كالتنقيب عن البترول ,أو ممارسة مهنة الصيدلة ,أو الأبناك والتأمين .
لكن الوضع الحالي مع الخوصصة والانخراط الليبرالي سمح بتغيير جذري في هذه المفاهيم التقليدية من خلال نهج الدولة لسياسة تحويل عدة مؤسسات عمومية إلى القطاع الخاص، بل لم يستثن هذا القانون الأشخاص العمومية فيما يخص تدخلهم في أعمال الإنتاج والتوزيع والخدمات ، لكن  هذه الحالة تفرض التدخل الحتمي للمشرع من أجل تحديد الشروط المتعلقة مثلا بالمساحة الجغرافية بين الوحدات المعنية كما في حال الصيادلة  .

فقرة ثانية: الاتفاقات التي من شأنها المساهمة في التقدم الاقتصادي.
مما لاشك فيه أن المنافسة لا تعتبر هدفا في حد ذاتها بقدر ما هي وسيلة يستعان بها قصد الوصول إلى تحقيق التقدم و الانتعاش الاقتصادي عن طريق ضمان توافر أكبر عدد ممكن من المقاولات داخل السوق مما سيمكن في الأخير من ضمان حرية الاختيار التامة لدى المستهلك .
وانطلاقا مما سبق أجازت جل قوانين المنافسة الاتفاقات المنافية للمنافسة كلما كان من شأنها أن تساهم في تحقيق التقدم والرخاء الاقتصادي, فبالنسبة للمشرع المغربي فقد نص على ذلك من خلال المادة 8 من قانون 99-06 في فقرتها الثانية حيث قال ” لا تخضع لأحكام المادتين 6 و7 الممارسات …. التي يمكن للقائمين بها أن يثبتوا أنها تساهم في التقدم الاقتصادي, وأن مساهماتها كافية لتعويض قيود المنافسة ,وأنها تخصص للمستعملين جزءا عادلا من الربح الناتج عنها دون تمكين المنشآت المعنية بالأمر من إلغاء المنافسة فيما يخص جزءا مهما من المنتوجات والخدمات المعنية ، ويجب ألا تفرض الممارسات المذكورة قيودا على المنافسة إلا بقدر ما تكون ضرورية لبلوغ هدف التقدم المشار إليه أعلاه ….” .
وما يلاحظ على هذه الفقرة من المادة 8 من ق .ح.أ.م المغربي هو أن المشرع احتفظ تقريبا بنفس الصياغة الواردة ضمن كل من الفقرة 2 من المادة 10 من الأمر الفرنسي الصادر في 1 دجنبر 1986، والفقرة 3 من المادة 85 من اتفاقية روما التي أجازت الممارسات التي من شأنها أن تساهم في التقدم الاقتصادي وذلك بتقييدها بعدة شروط  ،إلا أن الفقرة 2 من المادة 8 من القانون المغربي قد أعطت عناية خاصة للقطاع الفلاحي إذ أوردت إشارة إلى إمكانية السماح من طرف الإدارة بعد استطلاع  رأي مجلس المنافسة ببعض الاتفاقات إذا كان الهدف منها هو تسويق الفلاحين لمنتجاتهم؛ كتوزيعها تحت اسم موحد أو تحديد حجم أو جودة الإنتاج أو تحديد  نظام تسويق موحد كتسويق مادة الشمندر أو حبوب عباد الشمس … . ونعتقد أن إضافة المشرع المغربي لهذه الفقرة تنسجم مع الطابع الفلاحي الذي يتميز به الاقتصاد الوطني المغربي عن غيره من الاقتصادات الأخرى .
كما أن المشرع المغربي كان صائبا عندما اخذ بعين الاعتبار الاتفاقات التي يمكن إبرامها بين المقاولات الصغرى والمتوسطة لما يشكله هذا النوع من المقاولات من قاعدة أساسية أيضا في اقتصاد المغرب.
_________________
ـ أبو عبيدة مرجع سابق ص 7 .
– سعاد مهدوي ، مرجع سابق، الصفحة 11
– أمينة لحرش ، مرجع سابق، ص 11.
– مفيد الفارسي مرجع سابق ص 38 .
– ومن هذه الشروط :
•    أن يكون من شأن الممارسة أو الاتفاقات المنافية للمنافسة أن تساهم في التقدم الاقتصادي….
•    أن تسفر هذه الآثار على تخصيص المستعملين والمقاولات المعنية على حد سواء أرباحا تتمثل أساسا في انخفاض الأسعار وتحسين الخدمات وغيرها من الامتيازات الاقتصادية والتقنية .
•    يجب ألا تفرض الممارسات أو الاتفاقات الممنوعة قيودا على المنافسة إلا بقدر ما تكون ضرورية لبلوغ هدف التقدم وهو ما يفرض إيجاد علاقة سببية ورابطة سببية.
•    وأخيرا يجب ألا تمكن الممارسات الممنوعة المقاولة المعنية بالأمر من إلغاء المنافسة فيما يخص جزءا مهما من المنتجات والخدمات المعنية.
للمزيد من التفاصيل راجع مفيد الفارسي م س ، ص  39.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.