القانون الجنائي للمنافسة
الفصل الأول: القواعد الموضوعية للقانون الجنائي للمنافسة
الفرع الأول: الممارسات المخلة بحرية المنافسة
المبحث الأول: الممارسات المنافية لحرية المنافسة
المطلب الثاني: الاستغلال التعسفي للوضع المهيمن في السوق ولحالة التبعية الاقتصادية.
إذا كانت الاتفاقات غير المشروعة والتي تشكل ممارسات منافية لحرية المنافسة تنشأ بمبادرة الأطراف الموقعة أي بين مقاولتين فأكثر ، فإن وضعية الاستغلال التعسفي تنشأ دون مبادرة مسبقة للمقاولة المستفيدة منها، فقط إن هذه الأخيرة تقوم بالتعسف في استغلال هذا الوضع ، وذلك قصد التحكم في السوق عن طريق فرض شروط غير مبررة على الشركاء المنافسين أو التابعين لها؛ إما من طرف المنتجين إزاء الموزعين، أو من طرف الموزعين اتجاه المنتجين كما هو الحال بالنسبة للأسواق الكبرى مثلا، حيث يكون الهدف المتوخي في الأخير من هؤلاء المتعسفين هو إزاحة المنافسين من السوق مما يؤثر سلبا على وضعية المستهلك بدوره نظرا لما يؤدي إليه هذا الوضع من ارتفاع الأسعار وفقدان حرية الاختيار لديه .
إلا أن بلوغ هذا الهدف – الاستغلال التعسفي – لن يتأت إلا بالقيام بإحدى الممارسات التي أوردها المشرع المغربي ضمن المادة 7 من قانون حرية الأسعار والمنافسة، وهو ما سنحاول توضيحه من خلال الفقرات التالية
فقرة أولى: الاستغلال التعسفي للوضع المهيمن في السوق
إن المشرع المغربي لم يعرف الوضع المهيمن بل اكتفى بذكر بعض النماذج من الممارسات التي يمكن أن تقوم بها المقاولات ، وهو يساير في ذلك جل قوانين المنافسة والتي بدورها تحاشت تعريف الوضع المهيمن بدءا باتفاقية روما وقانون 1963 الفرنسي والأمر الصادر سنة 1986 .
لكن رغم ذلك نجد أن مجلس المنافسة الفرنسي قد تبنى موقفا مشابها لموقف سلطات ومحاكم المجموعة الاقتصادية الأوروبية عندما عرفت الوضع المهيمن بأنه ” وضع قوة اقتصادية تحتفظ بها المقاولة، وبمقتضاه تستطيع وضع عراقيل تحول دون تحقيق منافسة فعالة على سوق ما، والقيام بتصرفات انفرادية إزاء المنافسين والزبناء والمستهلكين” .
وانطلاقا من التعريف أعلاه يمكننا أن نقول بأننا نكون إزاء وضع مهيمن وذلك عندما تقوم المقاولة المهيمنة بممارسات يكون الغرض منها إقصاء المنافسين أو منع ولوج مقاولة جديدة إلى السوق المهيمن عليه عن طريق القيام بتعريفات يصعب على أي مقاولة أن تقوم بها دون أن تعرض مصلحتها في السوق للخطر ، ويكون الهدف المتوخى من هؤلاء المتعسفين هو إزاحة المتنافسين من السوق .
ويتميز الوضع المهيمن حسب بعض الفقه بتوفير ثلاثة عناصر على الأقل وهي :
• تمكين المقاولة المهيمنة من القيام بعملية تقييم وتحليل اقتصادي للسوق.
• احتكار المقاولة المهيمنة للسوق واستحواذها عليه بأكمله أو جزء مهم منه دون الخضوع لأية منافسة من طرف جهة أخرى.
• تركيز القوة الاقتصادية في يد المقاولة المهيمنة أو مجموعة من المقاولات المهيمنة.
وانطلاقا مما سبق، يظهر أنه لاعتبار مقاولة في وضع مهيمن يتطلب دراية تامة وحذرا شديدا وفحصا دقيقا للحيز الذي تحتله المقاولة في السوق.
وبالرجوع إلى المادة 7 من قانون 99-06 يتبين أنه لتحقق الوضع المهيمن، ينبغي توافر علاقة سببية بينه وبين الاستغلال التعسفي، لذلك ينبغي إثبات هذا التعسف وما يترتب عليه من آثار ضارة .
فقرة ثانية: الاستغلال التعسفي لحالة التبعية الاقتصادية
تنص المادة 7 من قانون حرية الأسعار والمنافسة على أن ” يحظر قيام منشأة أو مجموعة من المنشآت بالاستغلال التعسفي…. لحالة تبعية اقتصادية يوجد فيها زبون أو ممون وليس لديه حل موازنة.
انطلاقا من المادة أعلاه نلاحظ أن المشرع المغربي يحظر قيام مقاولة أو مجموعة من المقاولات بإساءة استغلال حالة تبعية اقتصادية يوجد فيها زبون أو ممون وليس لديه من خيار آخر، لكن تحقق هذه التبعية الاقتصادية يتوقف على مقدار الحصة التي تستحوذ عليها المقاولة أو المجموعة داخل السوق، وما إذا كان بالإمكان الحصول على الخدمة أو السلعة من مصدر آخر،وكذلك طبيعة التبعية الاقتصادية لعلاقة الموزع بالمورد وعلاقة المورد بالموزع .ولقد ميز الفقه بين نماذج أساسية للتبعية الاقتصادية ومنها:
التبعية بسبب الملائمة : ويتعلق الأمر بمنتجات تحمل علامة مميزة أكسبتها شهرة يستحيل استبدالها بمنتجات أخرى، وهذا ما يؤدي إلى حالة التبعية التي يوجد فيها التاجر الموزع لهذه المنتجات.
-التبعية بسبب قلة المنتوجات : وذلك في حالة وجود أزمة إنتاج أو توريد فالمقاولة التي لا تعد عضوا في المجموعة المحتكرة لهذه المواد تعتبر تابعة اقتصاديا.
التبعية الناتجة عن علاقات أعمال : تفترض هذه الحالة ارتباط مقاولة بأخرى أو مجموعة من المقاولات بواسطة عقود طويلة الأمد أو استثمارات، لكن قطع هذه الروابط يؤدي إلى صعوبة إرجاع أنشطة المقاولة إلى حالتها الأولى قبل إبرام العقود .
التبعية الناتجة عن القوة الشرائية : كحالة المورد الذي يكون في علاقة يفرض فيها عليه الطرف الآخر شروطه مثلا كموزع المنتجات الرياضية الذي لا يستطيع ممارسة نشاطه دون أن يقترح على زبنائه منتجات ذات علامة متميزة وذات جودة مثل ( ADIDAS).
فقرة ثالثة: أشكال الممارسات التعسفية المخلة بقواعد المنافسة
حدد المشرع المغربي في المادة 7 من قانون 99-06 أصنافا من الممارسات التعسفية التي قد تشكل خرقا لقواعد المنافسة في إطار الوضع المهيمن داخل السوق ويتعلق الأمر بما يلي:
*رفض البيع أو البيوع المقيدة ، وهذا ما نصت عليه أيضا المادة 49 من نفس القانون حيث أشار المشرع من خلالها إلى أنه ” يحظر : الامتناع عن بيع منتوج أو تقديم خدمة إلى المستهلك دون سبب مقبول” ويرجع سبب تحريم رفض البيع إلى كون هذه الممارسة تقلص من المنافسة على مستوى التوزيع،كما أنها تضر بالمستهلك وهذا النص يتعلق بالمنع بالنسبة للعلاقات بين المهنيين والمستهلكين، أما المادة 45 فنصت على المنع في العلاقات بين المهنيين، وقد خصص المشرع لكلتا الحالتين عقابا زجريا إضافة إلى غرامات مالية تختلف حسب الحالة .
*فرض شروط بيع تمييزية ، ما لم يكن للتمييز ما يبرره كاختلاف البضاعة محل البيع، أو إذا كانت تكلفة السلعة مختلفة عن سابقتها، أو تم الأخذ بعين الاعتبار الأخطار التكنولوجية التي تهدد أحد المتعاقدين .
*قطع علاقات تجارية ثابتة لمجرد أن الشريك يرفض الخضوع لشروط تجارية غير مبررة.
*الفرض بصفة مباشرة أو غير مباشرة حدا أدنى لسعر إعادة بيع منتوج أو سلعة،أو لسعر تقديم خدمة أو لهامش تجاري.
*عروض أسعار للمستهلكين تكون منخفضة بصفة تعسفية بالمقارنة مع تكاليف الإنتاج والتحويل والتسويق، وذلك بمجرد ما يكون الغرض من العروض أو الممارسات المذكورة أو يمكن أن يترتب عليها إلغاء سوق أو الحيلولة دون دخول منشأة أو منتجاتها إلى أحد الأسواق .
ونظرا لخطورة هذه الممارسات المنافية لقواعد المنافسة فقد رتب المشرع المغربي البطلان المطلق على كل عقد يتضمنها ، ويمكن لكل ذي مصلحة أن يطالب بهذا البطلان سواء كان من أطراف العقد أو من الأغيار، غير أنه لا يمكن أن يحتج بهذا البطلان ضد الأغيار حسني النية وهو ما يتماشى مع مبدأ نسبية آثار العقد تطبيقا للفصل 228 من قانون الالتزامات والعقود المغربي .
_______________________
– أحمد أبران ” حماية رضا المستهلك في ضوء القواعد العامة والخاصة” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في قانون الأعمال جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة .
السنة الجامعية 2000 ص 74.
– مفيد الفارسي، مرجع سابق، ص 33.
– أمينة لحرش “الممارسة المنافية المنافسة ” ماستر قانون الأعمال كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الدار البيضاء، السنة الجامعية 2007-2008 الصفحة 7.
-أبو عبيد “الحماية الجنائية للمنافسة وحرية الأسعار ” مرجع سابق ص7.
-Guy keuteen et jean sleentant « droit des affaires en évolution » et a blisement limile 1992-p 334.
– المصطفى سهل، المجموعات ذات النفع الاقتصادي بين تنمية التركيز وقواعد المنافسة تقرير لنيل ع م وحدة قانون المقاولات جامعة محمد الخامس الرباط ، اكدال السنة الجامعية 2003-2004 ص، 143.
– أمينة لحرش ،مرجع سابق، ص 10
– سعاد مهدوي ” الممارسات المنافية لقواعد المنافسة ” ماستر قانون الأعمال السنة الجامعة 2007-2008 ، ص 9.
– ينبغي الإشارة إلى أنه ليس كل رفض للبيع ممنوعا: لأنه قد يمنع إذا كان محل البيع بضائع محجوز عليها أو سلع للعرض فقط وليس للبيع، أو أن يكون طلب الشراء مقترن بسوء نية المشتري في أخذ كل المنتوجات من البائع مما يعرضه لفقدان زبنائه ، أو أن يكون رفض البيع مبنيا على العادات التجارية .
للمزيد من التفاصيل يجب مراجعة محمد السيد عمران ” حماية المستهلك أثناء تكوين العقد دراسة مقارنة مع دراسة تحليلية تطبيقية للنصوص الخاصة لحماية المستهلك منشأة المعارف الإسكندرية، (بدون سنة الطبع) ص 21 وما بعدها.
– المادة 71 من قانون حرية الأسعار والمنافسة المغربي رقم 99-06.
– المادة 7 من قانون حرية الأسعار والمنافسة المغربي رقم 99-06.
– انظر الفقرة الأولى من المادة 9 من قانون حرية الأسعار والمنافسة المغربي.
– ينص الفصل 228 من ق ل ع م على أن ” الالتزامات لا تلزم إلا من كان طرفا في العقد فهي لا تضر الغير ولا تنفعهم إلا في الحالات المذكورة في القانون “.