الحقوق المتعلقة بالتركة بالنسبة للطفل القاصر

الحقوق المتعلقة بالتركة – المبحث الثاني :
يقصد بالتركة في منظور المشرع المغربي مجموع ما يتركه الميت من مال أو حقوق مالية  وهي بهذا التعريف تعني جميع ما يتركه الهالك مما كان يملكه في حياته من أموال كالنقود والعقارات والمنقولات والحقوق المالية كحق الشفعة وحق قبول الوصية .
وتقضي المادة 322 من مدونة الأسرة، تتعلق بخمسة حقوق بالتركة رتبتها على الشكل الآتي :

1-الحقوق المتعلقة بعين التركة
2-الحقوق المتعلقة بمؤن تجهيز الميت
3-الحقوق المتعلقة بديون الميت
4-الحق في الوصية
5-الحق في الإرث

انطلاقا من هذا الترتيب وما دام موضوعنا ينصب في هذا المبحث على الحقوق المتعلقة بالتركة في مدونة الأسرة ، وذلك من خلال التطرق إلى كل حق الطفل في الوصية ( مطلب أول) وكذا حقه في الإرث ( مطلب ثاني )

المطلب الأول : حق الطفل في الوصية
أتت المدونة بجديد يتوافق ومبادئ العدل والإنصاف فنصت على مساواة أولاد البنت في الوصية الواجبة مع أولاد الإبن، المادة 369 وعدد معالجتها لتصفية أموال التركة أخذت بعين الاعتبار التجهيزات الأساسية المعدة للاستعمال اليومي للأسرة وحثت على تركها بين أفراد الأسرة الذين يستعملونها مع تعيينهم حراسا عليها إلى حين التصفية المادة 377 ومن خلال ما سبق يمكن التطرق إلى تعريف الوصية ( فرع أول ) ومقدار الوصية ( فرع ثاني ) ثم الوصية الواجبة ( فرع ثالث)  .

الفرع الأول : تعريف الوصية
الوصية في مدونة الأسرة هي عقد يوجب حقا في ثلث مال عاقده يلزمه بموته .  والوصية في الاصطلاح الفقهي : هي تمليك مضاف إلى ما بعد الموت عن طريق التبرع . وتجد مشروعيتها في الكتاب والسنة والإجماع .
ففي القرآن الكريم قال تعالى في سورة النساء :” فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أودين “.
وفي السنة النبوية عن عبدالله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :” ما حق امرئ مسلم يبيث ليلتين وله شيء يريد أن يوصي به إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه ”
أما الإجماع فقد انعقد منذ عصر الصحابة رضي الله عنهم إلى الآن على جواز الوصية .
ويلاحظ أن الوصية حسب التعريف الفقهي  تقتصر على تمليك الأعيان والمنافع فقط، ولا تشمل جميع أنواع الوصايا كالوصية بإسقاط دين أو إجراء كفيل بما تكفل به أو بحق من الحقوق المالية لذلك فإن التعريف الذي أورده المشرع جاء شاملا لجميع أنواع الوصايا بالمال والحقوق التي تنتقل عن طريق الإرث  .

الفرع الثاني : مقدار الوصية
حدد المشرع مقدار الوصية في حدود ثلث مال الموصي اعتمادا على ما ثبت عن سعد بن أبي وقاص انه قال :” جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذني من وجع اشتد بي فقلت يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأن ذو مال ولا يرثيني إلا ابنة لي ، أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال : لا قلت : فالشطر يا رسول الله قال : لا قلت فالثلث قال: و الثلث كثير إنك  إن تدع ورثتك أغيناء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ” .

الفرع الثالث : الوصية الواجبة
يقصد بالوصية الواجبة حسب مقتضيات المادة 369 من مدونة الأسرة تلك الوصية التي فرضها القانون في تركة كل من توفي عن أولاد ابن أو أولاد بنت وقد مات الابن أو البنت قبله أو معه وهي تجب للأحفاد المذكورين في ثلث تركة الموصي حسب المقدار والشروط المنصوص عليها قانونا.
وتدخل الوصية الواجبة في باب المواريث المجتهد فيها من لدن الفقهاء الذين خصوا بها أولاد الابن دون أولاد البنت وإن كان المشرع المغربي قد رأى من توسيع الاجتهاد في هذا الباب، منح هذا الحق أيضا لأولاد البنت   مراعاة منه لمصلحة الأطفال سواء كانوا أولاد ابن أو أولاد بنت دون تمييز بينهم بحيث تجعلهم الوصية المذكورة يستحقون نصيب ما يرثه أبوهم الهالك أو أمهم الهالكة في جدهم أو جدتهم على ألا يتجاوز هذا النصيب مقدار الثلث من التركة وألا يكون أولئك الأحفاد وارثين لأصل مورثهم جدا كان أو جدة أو أن يكون قد أعطاهم في حياته بلا عوض مقدار ما يستحقون بهذه الوصية الواجبة، إما عن طريق الصدقة أو الهبة أو غيرهما من التبرعات أو أن يكون قد أوصى لهم في حياته بما يعادل ما يستحقونه بالوصية الواجبة .

المطلب الثاني : حق الطفل في الإرث
قامت المدونة في المادة 323 بتعريف الإرث كآلاتي :” الإرث انتقال حق بموت مالكه بعد تصفية التركة لمن استحقه شرعا بلا تبرع ولا معاوضة “.ويقتضي المشرع المغربي توفر بعض الشروط لإستحقاق الإرث   منها الشرط المتعلق بضرورة وجود الوارث حقيقة أو حكما عند موت المورث مما يعني أن المشرع قد اقتفى أثر الشرع الحكيم في استحقاق الجنين للإرث باعتباره موجودا حكما إذ تتوقف على ولادته تصفية التركة بحيث إذا توفي رجل ما وترك زوجته حاملا ، فإن تركته لا يفصل فيها بمجرد وقوع الوفاة بل ينبغي انتظار حصول الولادة بحكم أن جنس المولود قد يؤثر على توزيع التركة، شريطة استهلاله أي ثبوت حياته بصراخ أو رضاع أو غيرهما   ومن خلال ما سبق يمكن تقسيم هذا المطلب إلى ( فرع أول) حالات استحقاق الطفل للإرث ( وفرع ثاني ) حالات عدم استحقاق الطفل للإرث .

الفرع الأول : حالات استحقاق الطفل للإرث
تتجلى حالات استحقاق الطفل للإرث إذا كان جنسه ذكرا وكيفما كانت طبيعة القرابة التي تربطه بالهالك الموروث في الحالات التي يكون هذا الطفل إبنا أو ابن ابن وإن سفل أو أخا شقيقا أو أخا لأب أو ابن أخ الشقيق أو إبن أخ لأب و إن سفل أو عما شقيقا أو عما لأب، أو إبنا العم الشقيق أو إبنا العم للأب وإن سفل أو أخا للأم  .
أما إذا كان جنس الطفل أنثى فإنها تكون مستحقة للإرث بعد وفاة مورثها وكيفما كانت طبيعة القرابة التي تربطهما إذا كانت بنتا أو بنت ابن أو أختا شقيقة أو أختا للأب أو أختا للأم .
ولا بأس أن نشير إلى إمكانية وجود حالات أخرى، وإن كانت نادرة أو صعبة  التحقق يثبت فيها للطفل حق في الإرث وهي الحالات التي يكون فيها الطفل-ذكرا أو أنثى – زوجا أم زوجة أو أبا أو أما للمورث الهالك، طالما أن المشرع المغربي قد حدد سن الرشد القانوني في 18 سنة شمسية كاملة  وبالتالي فإنه يمكن لنا الوقوف على وجود حالات يكون الطفل يحمل صفة زوج أو زوجة أو أب أو أم على فرض إنجابه لمولود قبل بلوغه سن الرشد القانوني مما يكون معه مستحقا للإرث إذا ما توفي مولوده المذكور في حياته  .

تركة الطفل القاصرالفرع الثاني : حالات عدم استحقاق الطفل للإرث
كثيرة هي الحالات التي ينتفي فيها حق الطفل في الإرث ، أبرزها ولادته ميتا حيث إن عدم استهلال المولود يعد من موانع الإرث حسب ما اعتبره الفقه الإسلامي وأقره المشرع المغربي بدوره من خلال مقتضيات المادة 331 من مدونة الأسرة التي تنص على ما يلي :” لا يستحق الإرث إلا إذا ثبتت حياة المولود بصراخ أو رضاع ونحوهما.

غير أن عدم استهلال المولود لا يشكل الحالة الوحيدة التي ينتفي فيها حق الطفل في الإرث بل إن عدم اتحاذ الدين بين الطفل وقريبه الهالك ، يعد هو الأخر من موانع الإرث بحكم أن المشرع المغربي لا يأخذ بنظام الثوارث بين المسلم وغير المسلم  لإعتبارات تتعلق أساسا بمفهوم النظام العام، المستمدة قواعده من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف الذي يحرم هذا الثوارث استنادا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :” لا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم ”  مما يستفاد معه أنه إذا كان الطفل ينحدر من أب مغربي مسلم وأم أجنبية تدين بديانة كتابية غير الإسلام، وحدث أن ما تت هذه الأم فإن طفلها شأنه شأن أبيه لا يمكن  له أن يرثها لإختلافهما في الدين، أما إذا تم هذا الزواج المختلط بصورة عكسية كأن ينحدر نتيجة لذلك طفل من أم مغربية مسلمة وأب أجنبي غير مسلم فالملاحظ أن هذا الزواج لا يعتد به في المغرب  ولا يمكن أن تترتب عليه أية آثار بحكم مخالفته للنظام العام المغربي، ولو تم بصورة صحيحة في دولة أجنبية حيث إذا حدث أن ماتت الأم المغربية المسلمة فإن أطفالهم الذين يتبعون ملة أبيهم التي هي غير الإسلام لايكون لهم أي حق في ميراثها .

ونعتقد أنه كان حريا بالمشرع المغربي أن يعتبر أطفال هذه المرأة المسلمة الهالكة في حكم أبناء زنا، حتى يترتب على هذا التكييف وجود بنوة غير شرعية بالنسبة للأم مادام أن زواج هذه الأخيرة بأبيهم غير المسلم لم يكنا صحيحا وفقا لمقتضيات مدونة الأسرة المستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية وذلك حتى لا يتم حرمان هؤلاء الأطفال الذين لا ذنب لهم من حقهم في تركة والدتهم  .
وضعية القاصر في ظل مدونة الأسرة
الباب الثاني: وضعية الطفل المتكفل به وحقوق الأطفال في التركة
الفصل الأول : زواج القاصر والحقوق المتعلقة بالتركة
_____________________
– راجع المادة 321 من مدونة الأسرة
– ادريس الفاخوري ، سلسلة الندوات (2)  مدونة الأسرة بعد ثلاثة سنوان من التطبيق الحصيلة والمعوقات أشغال الندوة الدولية المنظمة من طرف مجموعة البحث في القانون والأسرة الطبعة 2008 ص  208
راجع المادة 277 من مدونة الأسرة .
– بحث تحت عنوان ” حقوق الطفل من خلال  مستجدات مدونة الأسرة تحت إشراف الأستاذ ادريس جويلل طبعة 2004-2005 ص 86.
بحث سابق تحت إشراف الأستاذ ادريس جويلل ، حول حقوق الطفل من خلال مستجدات مدونة الأسرة ص 87.
– سعاد رحائم مدونة الأسرة بين الاجتهاد والنص القانوني مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء 2004 ص 89.
–  ادريس الفاخوري   مدونة الأسرة بعد ثلاثة سنوات من التطبيق الحصيلة والمعوقات  الطبعة 2008 ص  208
– تنص المادة 330 من نفس المدونة على ما يلي :” يشترط في استحقاق الإرث ما يلي :
-تحقق موت الموروث حقيقة وحكما
-وجود وارث عند موته حقيقة أو حكمه
-العلم بجهة الإرث
– الدكتور ادريس الفاخوري، مرجع سابق، ص259.
– راجع المادتين  337-338 من مدونة الأسرة .
-راجع المادتين430 و 463 من نفس المدونة
– الطفل في منظور المشرع المغرب  هو الذي يبلغ 18 سنة شمسية حسب المادة الأولى من قانون كفالة الأطفال المهملين الصادر بتاريخ 2002.
– إدريس الفاخوري ، سلسلة الندوات (2)  مدونة الأسرة بعد ثلاثة سنوات من التطبيق الحصيلة والمعوقات أشغال الندوة الدولية المنظمة من طرف مجموعة البحث في القانون والأسرة الطبعة 2008 ص  260.
– تنص المادة 332 من مدونة الأسرة على ما يلي :” لا توارث بين مسلم  وغير مسلم ولا بين من نفى  الشرع نسبه ”
– راجع البند الرابع من المادة 39 من مدونة الأسرة .
– إدريس الفاخوري ، مرجع سابق ص 261

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.