حق الطفل في الرضاعة

حق الطفل في الرضاعة – المبحث  الرابع:
يعتبر هذا الحق من الحقوق الطبيعية للطفل نظرا لارتباطه بتغذية المولود ونموه الجسمي والعاطفي والإجتماعي بحكم عجز الصغير عن إشباع جميع هذه الحاجيات بمفرده ، مما جعل الإسلام يؤكد على أهمية الرضاعة التي تعرف شرعا بإمتصاص أو مص الطفل اللبن من ثدي المرأة في العامين الأولين بعد الولادة مصداقا لقوله تعالى :{ والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } حيث تدل الأية الكريمة على أن الله سبحانه وتعالى قد خرج بحكمته البالغة من بين القرن والدم لبنا خالصا أودع فيه جميع عناصر التغذية اللازمة والمواد النافعة للرضيع الذي تقع مسؤولية إرضاعه على عاتق والديه معا. وإن كانت تقوم بها الأم من باب أولى.

إذ ألزمها المشرع المغربي خلال مقتضيات المادة 54 من مدونة الأسرة بإرضاع أولادها عند الاستطاعة في حين جعل أجرة هذا الإرضاع طبقا لمقتضيات المادة 201من نفس المدونة على عاتق المكلف بنفقة الولد، والذي غالبا ما يكون والده مما يستفاد معه أن الأبوين معا يتحملان مسؤولية ضمان الحق في الرضاعة لطفلهما ( مطلب أول) كما أن الدولة تتحمل بدورهما مسؤولية اتخاذ التدابير الكفيلة برعاية الحق المذكور ( مطلب ثاني).

المطلب الأول : مسؤولية الأباء إزاء ضمان حق الطفل في الرضاعة
باستقراء مقتضيات المادة 54 من مدونة الأسرة يتضح أنها استهلت بإلزام أبوي الطفل بحماية حياته وخصته منذ الحمل إلى حين بلوغه سن الرشد 18 سنة شمسية كاملة كما تفرض عليهما أيضا اتخاذ كافة التدابير الممكنة لضمان النمو الطبيعي لابنهما.وذلك بالسهر على الحفاظ على سلامته الجسدية والنفسية والعمل على بذل جميع المجهودات المستطاعة بصحته وقاية وعلاجا . مما دفع بالعديد من المنظمات الإقليمية والهيئات الدولية. كهيئة الصحة العالمية إلى إصدار عدة بيانات تحت من خلالها الأمهات على ضرورة إرضاع أولادهن طبيعيا، انسجاما مع أحكام المادة 24 من الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الطفل.

وهكذا انطلاقا من إيمانه العميق بأهمية الرضاعة الطبيعية في حياة الطفل فقد فرض المشرع المغربي على أبويه ضرورة الحرص على تمتيعه بهذا الحق وذلك عبر إلزام الأم بإرضاع ابنها ( فرع أول) وإلزام الأب بأداء أجرة هذا الإرضاع ( فرع ثاني)

الفرع الأول : إلزام الأم بإرضاع ابنها
على الرغم من كون المشرع المغربي لم يخصص أي باب من أبواب مدونة الأسرة لتنظيم أحكام الرضاع، كما كان الحال عليه في مدونة الأحوال الشخصية السابقة . فإن ذلك لا يمنعنا من أن نستشف بأن الأم تكون عادة مجبرة على إرضاع أبنائها وذلك استنادا إلى ما ذهب إليه جمهور الفقه ، سيما وأن المشرع نفسه قد أحالتا فيما يخص كل ما لم يرد به نص في مدونة الأسرة على المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعي فيه تحقيق قيم الإسلام.

ويستدل الجمهور المذكور على مسألة إلزام الأم بإرضاع ابنها بقوله عز وجل (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ) حيث يذهب الفقهاء إلى اعتبار أن هذه الآية وإن كانت في صورة خبر، إلا أنه جاء خبرا في معنى الأمر، وهو يدل على الإلزام دلالة مؤكدة . وعلى هذا الأساس تكون الأم ملزمة بإرضاع ابنها مادامت قادرة على ذلك، وهو الأمر الذي أكده المشرع المغربي في المادة 54 من مدونة الأسرة، عندما قضى بأنه من المسؤوليات الملقاة على عاتق الأباء تجاه أطفالهم إرضاع الأم لهم عند الاستطاعة مما يعني أن المشرع قد راعى حالات العجز عن الإرضاع بسبب ضعف الحالة الصحية للام أو لغيرها من الأسباب، التي تجعل إرضاع الصغير من طرف والدته مضرا بمصلحته، الحال الذي جعل مدونة الأسرة توقف إلزام الأم بإرضاع ابنها على شرط الاستطاعة.

وعموما فقد اعتبر جمهور الفقهاء أن الأم تكون ملزمة بإرضاع طفلها في الحالات الآتية :
أثناء قيام العلاقة الزوجية طالما ان الأب قد تمسك بإرضاع الأم لولدها ولم يكن هناك أي مانع يحول دون قيامها بهذا الواجب .
إذا لم يقبل الرضيع ثديا غير ثدي أمه ، أو كان ترك الأم لإرضاعه يضر به
إذا كان كل من الولد الرضيع والأب معدما
-إذا لم يكن الأب موجودا وكان الولد الرضيع معدما .

الفرع الثاني : إلزام الأب بأداء أجرة الإرضاع
يقصد بأجرة الإرضاع ذلك المقابل الذي تستحقه مرضعة الطفل، سواء أكانت أما له أو امرأة أخرى غيرها وهي تكون واجبة على المكلف بنفقة الرضيع وهو الأب في الغالب الذي يكون ملزما بالإنفاق على طفله وبالتالي أداء أجرة إرضاعه مصداقا لقوله تعالى :” فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن”.

غير أنه إذا كانت العلاقة الزوجية ما تزال قائمة بين أبوي الطفل حقيقة أو حكما كأن تكون الزوجة في عصمة زوجها أو في عدة من طلاق رجعي، وكانت ممن ترضع ولدها فإن الأب لا يكون ملزما بأداء أجرة الرضاعة في هذه الحالة على اعتبارا ان المتعارف عليه في جميع الأمصار الإسلامية أن الزوجة تكون ملزمة بإرضاع فلذة كبدها بدون أجرة ما دامت في عصمة زوجها، أما إذا طلق هذا الزوج زوجته طلاقا بائنا،وكان له منها طفل رضيع وكانت والدته هي مرضعته فإن أباه يكون ملزما في هذه الحالة بأداء أجرة الرضاعة لها. ولو لم يوجد بين الأبوين المطلقين اتفاق مسبق على مقدارها بحيث إذا وقع نزاع بينهما حول تحديدها فإنه يعرض على قاضي الأسرة، الذي يتولى تقدير الأجرة التي تستحقها الأم عن الرضاع، وذلك قياسا على أحكام الفقرة الثانية من المادة 189 من مدونة الأسرة.
حق الطفل في الرضاعة

وهناك حالة واحدة يتم فيها إعفاء الأب من أداء أجرة الرضاعة وهي تلك المعلقة على ثبوت إعساره ببينة إذ تكون الأم ملزمة في هذه الحالة بإرضاع ابنها مجانا إن كانت هي مرضعته أما إذا لم تكن كذلك فإنه يجب عليها حينها أداء أجرة الرضاعة لمن تتولى إرضاع الطفل بدلا عنها شريطة أن تكون الأم المذكورة موسرة .

المطلب الثاني : مسؤولية الدولة إزاء ضمان حق الطفل في الرضاع
تتلقى الدولة مسؤوليتها في ضمان حق الطفل في الرضاعة، من مقتضيات الفقرة ما قبل الأخيرة من المادة 54 من مدونة الأسرة التي تنص على ما يلي :
” تعتبر الدولة مسؤولة عن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأطفال، وضمان حقوقهم ورعايتها طبقا للقانون”، ومن خلال هذا المقتضى يمكن القول بأن الدولة تظهر مسؤوليتها عند الرضاع من خلال المجهودات المبذولة من طرفها تجاه الأمهات المرضعات بصفة عامة ( فرع أول) ثم تجاه الأمهات المرضعات العاملات بصفة خاصة ( فرع ثاني )

الفرع الأول: مجهودات الدولة اتجاه الأمهات المرضعات بصفة عامة
ترتبط هذه المجهودات أساسا بالسياسة المعتمدة من قبل القائمين على الصحة العمومية في المغرب ، بحيث لا ينبغي أن تقتصر المجهودات المذكورة على مرحلة إرضاع الأطفال فقط بل يجب ان تمتد لتشتمل اتخاذ كل التدابير الضرورية لحماية الأطفال من الإصابة بشتى الأمراض المعدية وذلك بالعمل على مواكبة عمليات التلقيح ضد مختلف الأمراض الفتاكة التي يشكل القضاء عليها أحد أهم أهداف مصلحة حماية الأمومة والطفولة التابعة لوزارة الصحة العمومية والتي يعد من بين أهدافها الأخرى الحرص على توفير الغذاء المتكامل للأطفال المنتمين إلى الأسرة معوزة قصد ضمان الوقاية الناجعة لهم من جميع الأمراض الناتجة عن سوء التغذية بعد فطامهم وذلك عبر إمدادهم ببعض المواد الغذائية ذات التركيبة المتناسقة من الفيتامينات والبروتينات اللازمة للنمو.

لكن للأسف الشديد فإن ما يلاحظ هو أن العدد المسجل للأطفال الذين يستفيدون من المواد الغذائية المذكورة يبقى قليلا مقارنة بعدد الأطفال الذين يولدون في المغرب سنويا ، وذلك بسبب قلة الوسائل والتجهيزات التي تتوفر عليها المصالح المكلفة مما يحول دون تعميم خدماتها على جميع جهات المملكة.

الفرع الثاني : مجهودات الدولة تجاه الأمهات المرضعات العاملات .
عادة ما يسمح القانون للأم العاملة سواء في القطاع العام أو الخاص متى عادت من إجازة الوضع، أن تتمتع يوميا وعلى مدى سنة كاملة من تاريخ استئنافها للعمل باستراحة خاصة تقدر بساعة في اليوم موزعة مناصفة بين الصباح والمساء حتى تتمكن من إرضاع مولودها خلال فترات العمل.

ولعل الغاية من إعمال هذا المقتضى تكمن في حرص المشرع على عدم تقييد الأم المرضعة العاملة بالأوقات العادية لبداية أو نهاية العمل ، سيما وأنه سمح لها أن تتفق مع الجهة المسؤولة عن عملها حول الاستفادة من هذه الساعة المخصصة للرضاعة في أي وقت من أيام الشغل وذلك متى يتسنى لها إرضاع مولودها بالطريقة التي لا تعرضها للإرهاق.
والملاحظ أنه إذا كانت بعض النساء العاملات يتعسف في استعمال هذا الحق المخول لهن قانونا وذلك بتجاوز الوقت المحدد في ساعة يوميا إلى ساعتين أو ثلاث كما هو الشأن بالنسبة للموظفات على الخصوص فإنه وبالمقابل توجد نساء أخريات محرومات من الاستفادة من الحق المذكور خصوصا منهن اللواتي يعملن في القطاع الفلاحي أو في مجال الصناعة التقليدية وذلك لجهل أو تجاهل مشغلهن وجود هذا الحق في مدونة الشغل المغربية رغم أن هذه الأخيرة قد فرضت غرامة تتراوح ما بين 2000 و 5000 درهم على كل مشغل أخل بمقتضيات المذكورة.

وذلك إيمانا منها بأن هذا الإخلال سيدفع بالعديد من الأمهات إلى تقطيع اوقات الرضاع بشكل غير متقارب مما سينعكس سلبا على صحة الطفل و نموه الطبيعي لا سيما إذا كانت تغذيته تعتمد أساسا على لبن أمه، إلا أن الوضعية المزرية للمرضعات العمالات خارج البيت، وخصوصا في المعامل والحقول لا يسعه إلا أن يسجل ضعف الوسائل المعتمدة من قبل الجهات المسؤولة، كوزارة الصحة، والعاملات والمجالس المحلية، بل وانعدامها أحيانا في مجال المحافظة على صحة الطفل الرضيع ذي الأم العاملة حيث يوجد عدد كبير من العاملات اللواتي لا يستطعن وضع أطفالهن في دور الأمومة أو الحضانة إما لكون هذا الدور غير موجودة أصلا بالمناطق التي يقمن داخل دائرتها، وإما لكونها عبارة عن مؤسسات خاصة تتطلب مبالغ مالية مهمة لا يقدرن على أدائها في مقابل استفادة فلذات أكبادهن الرضع من العناية طيلة الأوقات التي يتغيبن فيها عن البيت .³
الباب الأول : الحماية القانونية للطفل في مدونة الأسرة
وضعية القاصر في ظل مدونة الأسرة

 

وضعية القاصر في ظل مدونة الأسرة

____________________
– كمال الدين محمدي بن عبد الواحد السياسي الشهير بابن الهمام شرح فتح القديم للعاجز الفقير الجزء الثالث المطبعة الأميرية القاهرة 1317 ص 438
– سورة البقرة الأية 231.
– الدكتور ادريس الفاخوري من مدونة الأسرة بعد ثلاث سنوات من التطبيق الحصيلة والمعوقات الطبعة 2008 ص 231.
– يقضي البند “هـ” من الفقرة الثانية من هذه المادة بإلزام الدول الأطراف في الاتفاقية المذكورة بكفالة تزويد جميع قطاعات المجتمع ولا سيما الوالدين والطفل بالمعلومات الأساسية المتعلقة بصحة الطفل ومزايا الرضاعة الطبيعية.
– الدكتور ادريس الفاخوري من مدونة الأسرة بعد ثلاث سنوات من التطبيق الحصيلة والمعوقات الطبعة 2008 ص 232-233
– كانت مدونة الأحوال الشخصية الملغاة تنظم أحكام الرضاعة في إطار الباب الرابع من الكتاب الثالث المتعلق بالولادة ونتائجها وذلك من خلال الفصل 112 –113 – 114.
-تنص المادة 400 من مدونة الأسرة على ما يلي كل من لم يريد به نص في هذه المدونة يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعي تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف “.
– سورة البقرة الأية 231.
– محمد الشافعي ، الزواج في مدونة الأسرة سلسلة البحوت القانونية العدد 9 المطبعة والوراقة الوطنية مراكش 2005-2006.
– محمد بن معجوز المزغراني ، أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية، وفق مدونة الأحوال الشخصية ، الجزء الثاني ، مطبعة النجاج الجديدة الدار البيضاء ، 1994 ص 95.
– ادريس الفاخوري ، سلسلة الندوات (2) مدونة الأسرة بعد ثلاثة سنوان من التطبيق الحصيلة والمعوقات أشغال الندوة الدولية المنظمة من طرف مجموعة البحث في القانون والأسرة الطبعة 2008 ص 233-234
– تنص المادة 201 من مدونة الأسرة على ما يلي :” أجرة رضاع الولد على المكلف بنفتقه ”
– سورة الطلاق، من الأية 6.
– إذا كانت منن تتولى إرضاع الطفل هي امرأة غير والدته فإنه ينبغي لها أن تتفق مسبقا مع أبيه على مقدار أجرة الرضاعة بحيث إذا حدث وقامت بإرضاع الصغير قبل حصول الاتفاق على هذه الأجرة فإنها تعتبر متبرعة طيلة الفترة التي سبقت وقوع الاتفاق المذكور
– الدكتور ادريس الفاخوري مرجع سابقا ، ص 234-235.
– الدكتور ادريس الفاخوري مرجع سابقا ، ص 236.
– أمال جلال ، بعض الجوانب القانونية لرعاية الطفل بالمغرب ، المجلة المغربية للقانون والسياسية والاقتصاد العدد الخامس الرباط 1979 ص 25.
– الدكتور ادريس الفاخوري مرجع سابقا ، ص 236-237.
-راجع الفقرة الأولى، من المادة 161 من م الأسرة
– الدكتور ادريس الفاخوري مرجع سابقا ، ص 237-238
– راجع الفقرة ما قبل الأخيرة من المادة 165 من مدونة الأسرة
– أمال جلال مرجع سابق ص 27

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.