التدخل العمومي في ميدان التعمير بالمغرب
القسم الأول: واقع التدخل العمومي في ميدان التعمير
الفصل الأول: دور المتدخلين العموميين في ميدان التخطيط العمراني
المبحث الثاني: مدى لامركزية التخطيط العمراني بالمغرب
الفقرة الثانية: مساهمة الجماعات المحلية في دراسة وإعداد وثائق التعمير
ثانيا: مساهمة المجالس الجماعية في إعداد ودراسة باقي وثائق التعمير
بالإضافة إلى المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية وتصميم التهيئة، فإن ثمة وثائق تعمير أخرى تتدخل في إعدادها ودراستها الجماعات المحلية إن بشكل أو بآخر سواء تعلق الأمر بتصميم التنطيق أم تصميم التنمية أو قرارات التخطيط وهي وثائق منصوص عليها في 12-90 المتعلق بالتعمير (أ) أم تعلق الأمر بوثائق التعمير المقترحة التي يتحدث عنها مشروع القانون 04.04 المتعلق بالسكنى والتعمير (ب).
أ- على مستوى باقي وثائق التعمير المنصوص عليها في القانون المتعلق بالتعمير
سوف نرصد في هذه الفقرة دور المجالس الجماعية على مستوى تصميم التنطيق والتنمة وكذا قرارات التخطيط.
1- على مستوى تصميم التنطيق
تنص المادة 12 من المرسوم التطبيقي للقانون 12-90 المتعلق بالتعمير على أن إعداد مشروع تصميم التنطيق يتم بمسعى من الوزارة المكلفة بالتعمير وبمساهمة من الجماعات المعنية والمجموعة الحضرية في حالة وجودها مع مراعاة الصلاحيات المسندة في هذا الميدان إلى الوكالات الحضرية بموجب التشريع الجاري به العمل، حيث يحال المشروع على الجماعات المعنية لإبداء ما تراه في شأنه من اقتراحات تتولى الإدارة دراستها بمشاركتها ([1]) وذلك بعد ما يكون المشروع قد عرض على أنظار اللجنة المحلية المشار إليها في المادة الخامسة من المرسوم التطبيقي للقانون 12-90 التي يترأسها الوالي أو عامل الإقليم أو العمالة المعنية ويكون رئيس المجلس الجماعي من بين أعضائها.
هذا، وإذا لم تبد المجالس المعنية أي رأي داخل أجل الشهرين السالفة الذكر، فإن سكوتها يحمل على أن ليس لها أي اقتراح في موضوع التصميم المحال إليها ([2]) وهو بذلك يهدف إلى تمكين الإدارة والجماعات المحلية من اتخاذ التدابير التحفظية لإعداد تصميم التهيئة العمرانية وذلك خلافا لمقتضيات المادة التاسعة من ظهير 1952 التي كانت تقصره فقط على المناطق المراد تغطيتها بتصاميم التهيئة.
ودور الجماعات المحلية في هذا المضمار يظل ضعيفا، حيث لا يتجاوز درجة المساهمة كما هو الشأن على مستوى تصميم التهيئة إلا أن الملاحظ هو أن هذا التصميم –أي تصميم التنطيق- لم يعد مرغوبا فيه من قبل الكثير، نظرا لطابعه المؤقت من جهة ولما أصبحت تعرفه مساطر المصادقة على تصاميم التهيئة من تسريع خاصة مع تعميم الوكالات الحضرية من جهة ثانية، ولذلك ينادي البعض بحذف هذه التصاميم طالما أن التجربة أبانت عن عدم الجدوى من إعدادها ([3]) وهذا هو الاتجاه الذي صار عليه واضعو مشروع القانون رقم 00-42 المتعلق بتأهيل العمران.
إن الدعوة إلى حذف هذه التصاميم تستدعي في المقابل العمل على المزيد من تبسيط مساطر إخراج تصاميم التهيئة إلى حيز الوجود تفاديا لأي فراغ على مستوى التغطية بوثائق التعمير قد يستغله المضاربون العقاريون بشكل مباشر أو غير مباشر سببا لبعثرة تنظيم المدن.
2- على مستوى تصميم التنمية ([4]):
لقد كانت تدرس التصاميم الخاصة بتوسيع نطاق العمارات القروية بسعي من المصالح المختصة التابعة لوزارة الأشغال العمومية ولوزارة الفلاحة حين كان التعمير تابعا لوزارة الأشغال العمومية في الفترة الممتدة ما بين دجنبر 1955 يوليوز 1967 حيث واكب هذه الفترة إصدار ظهير 25 يونيو 1960 المتعلق بتنظيم التكثلات العمرانية القروية.
وبعد موافقة رئيس مقاطعة الهندسة القروية يعرض المشروع الذي تضعه الإدارة المكلفة بالتعمير على المجلس القروي الذي يتعين عليه إبداء رأيه فيه في ظرف شهر واحد.
ويخضع مشروع التصميم بعد ذلك إلى بحث يدوم شهرا واحدا يطلع خلاله العموم عليه يبدي ملاحظاته بشأنه…. ويعلن عن إيداع المشروع بإلصاق الإعلانات الخاصة به بمقر السلطة المحلية المعنية بالأمر.
ويستشار المجلس القروي من جديد فيما إذا قدمت ملاحظات أثناء البحث… ([5])، هذه الاستشارة التي لا يتوفر عليها المجلس الجماعي الذي يتوفر على تصميم تهيئة، ورغم ذلك تظل مساهمة المجلس القروي في وضع مشاريع تصاميم التنمية تكاد تكون منعدمة حيث يعود الدور الأساسي في ذلك للإدارة الإقليمية المكلفة بالتعمير وهذا ما أفرزته الممارسة الجماعية حيث يظل رأي المجلس القروي استشاريا في الموضوع كما يوحي بذلك القانون 00-78 المتعلق بالميثاق الجماعي الذي ينص في بنده الأول من فصله 38على أن المجلس الجماعي يسهر على احترام الاختيارات والضوابط المقررة في مخططات توجيه التهيئة العمرانية وتصاميم التهيئة وكل الوثائق الأخرى المتعلقة بإعداد التراب والتعمير.
ويلاحظ مؤخرا على أن الوكالات الحضرية تعمل على إشراك المجالس القروية في مرحلة الإعداد عبر اجتماعات تشاورية تعقدها معها. هذه الممارسات التي يجب أن تقنن في اتجاه إشراك حقيقي وفاعل للمجالس القروية.
ونظرا للعيوب التي أصبحت تشوب ظهير 1960 من جهة ولعدم مواكبته لمجموعة من المستجدات القانونية في ميدان التدبير المحلي من جهة أخرى[6]، فإن التوجه الرسمي يروم في اتجاه حذفه، وهذا ما يتبين من خلال الوقوف على الوثائق التي يقترحها وضعوا مشروع القانون00-42 وكذا 04-04 السالفي الذكر، حيث نجد غيابا لتصميم التنمية ولعل ما يبرر ذلك الرغبة الملحة في وضع وثائق جديدة للتخطيط العمراني بالوسط القروي تعتمد مساطر محلية وبسيطة في وضعها والمصادقة عليها.
إذا كان تدخل المجالس الجماعية على مستوى وثائق التعمير السالفة الذكر يتميز بالمحدودية فإن الأمر ليس كذلك على مستوى قرارات التصفيف.
3- على مستوى قرارات تخطيط الطرق العامة
يعتبر قرار تخطيط الطرق العامة من وثائق التعمير الأولى بالمغرب التي حضيت بتنظيم تشريعي، حيث تطرق له ظهير 1952 المتعلق بالتعمير ([7]) وكذا ظهير 1960 المتعلق بتنمية التكثلات العمرانية ([8]) كما نظمه كذلك القانون 12-90 مخصصا له فرعا بذاته يتضمن خمسة فصول.
وسواء تعلق الأمر بقرارات تخطيط حدود الطرق العامة أم قرارات تخطيط حدود الطرق العامة المعينة فيها الأراضي المراد نزع ملكيتها لما تستوجبه العملية ([9])، فإن صلاحية إصدارهما –عكس باقي وثائق التعمير- تعود لرئيس المجلس الجماعي كما تقضي بذلك المادة 32 من القانون 12-90 السالف الذكر([10]).
إلا أن اتخاذ هذه القرارات واقف على شرط موافقة الإدارة المكلفة بالتعمير على المشاريع التي تقترحها وكذا التحقق من ملاءمة ذلك لوثائق التعمير المصادق عليها في حالة وجودها، كما يستشف ذلك من منطوق الفقرة الأولى من المادة 33 من القانون 12-90 المذكور أعلاه وكذا الفصل السادس من ظهير 1960 بشأن توسيع نطاق العمارات القروية.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم “موافقة الإدارة” المشار إليه في المادة 32 من القانون 12-90 وكذا المادة 28 من مرسومه التطبيقي في المادة 32 يظل غامضا، حيث إن مشروع القانون رقم 42.00 المتعلق بتأهيل العمران كان واضحا في هذا الصدد باقتراح المادة 35 منه صراحة على ضرورة موافقة الوكالة الحضرية. كما تسجل لمشروع قانون تأهيل العمران كذلك نقطتان إيجابيتان في هذا الصدد نلخصهما في الآتي:
– استبدال مفهوم “قرارات تخطيط حدود الطرق العامة المعينة فيها الأراضي المراد نزع ملكيتها لما تستوجبه العملية ” ب” قرارات حدود الطرق العامة بمثابة قرارات التخلي ” وهو تغيير محمود من حيث المبنى والمعنى والأقرب إلى الصيغة الواردة في النص الفرنسي « Les arrêtés d’alignement emportant cessibilité »؛
– الفقرة الأخيرة من المادة 35 منه والتي جاء فيها:
” وبالرغم من كل مقتضى مخالف، تعفى الأراضي المشار إليها أعلاه من الضرائب والرسوم المفروضة على العقارات باستثناء تلك المتعلقة بالتحفيظ العقاري وذلك خلال المدة التي تبقى فيها خاضعة للآثار المترتبة عن إعلان المنفعة العامة.” فلا يعقل أنه بعدما تم حرمان مالك الأرض من التصرف في أرضه بدافع المنفعة العامة أن تفرض عليه ضرائب لا دخل له فيها، حيث تدخل هذه الفقرة التي نتمنى أن تتبناها المراجعة المقبلة للنصوص القانونية المتعلقة بميدان التعمير في باب المنطق والعدالة. وفي هذا السياق نقترح إعفاء جميع الأراضي التي تبقى خاضعة للآثار المترتبة عن إعلان المنفعة العامة بمقتضى وثائق التعمير من كل جباية ما لم ترفع عنها صفة المنفعة العامة.
وإذا كان تخطيط الطرق في المغرب يعلن على أنه من المنفعة العامة فتح الطرق أو المساحات الجديدة، فإنه في فرنسا لا يعتبر كذلك إلا تسوية أو تعديل الطرق، أما فتح الطرق الجديدة فيستلزم اللجوء إلى مسطرة نزع الملكية للمنفعة العامة ([11]).
والخلاصة أن المجالس الجماعية تلعب دورا لا يستهان به على مستوى قرارات حدود الطرق العامة مقارنة مع دورها على مستوى باقي وثائق التعمير السالف ذكرها وذلك راجع لبساطة هذه الوثيقة ويسر مسطرتها.
إلا أن ما يلاحظ على مستوى الواقع أنه لا يتم اللجوء إليها إلا لماما رغم الحاجة إليها في كثير من الأحيان، الأمر الذي يطرح أكثر من سؤال، فهل هذا يعني عدم أهمية الوثيقة؟ أم تهرب الجماعات من تحمل مسؤولية إصدارها وما قد يترتب عليها من آثار؟
___________________________________
[1] المادة 16 من القانون 12-90 المتعلق بالتعمير.
[2] الفقرة الأخيرة من المادة 16 السالفة الذكر أعلاه.
[3] إلا أن الوزارة المنتدبة لدى الوزير الأول المكلفة بالإسكان والتعمير قد ردت على ذلك في إطار تبريرها الحفاظ على تصميم التنطيق ضمن وثائق التعمير في إطار مشروع القانون 04-04 المتعلق بالسكنى وبالتعمير بكونه الإجراء التحفضي الوحيد المتضمن في القانون .هذا مع العلم أن المطالبة بحذف هذا التصميم كان من بين الاقتراحات الصادرة عن الجماعات المحلية في إطار المائدة المستديرة المنظمة في شأن تقييم تطبيق مقتضيات النصوص المعمول بها في ميدان التعمير من طرف وزارة إعداد التراب الوطني والبيئة والتعمير والإسكان
[4] يكاد تصميم التنمية في المجال القروي يقوم بنفس المهام التي يقوم بها تصميم التهيئة في الوسط الحضري حيث ينظم التكثلات القروية ويوجه المجال بها مستلهما في ذلك التوجيهات الواردة في تصميم الهيكلة القروية لإعداد التراب الوطني إن وجد.
[5] المادة الثالثة من الظهير رقم 1.60.063 بشأن توسيع نطاق العمارات القروية.
[6] رغم ما يسجل له من حسنات تتمثل في تبسيطه لمسطرة التنفيذ التي تستحضر بعض خصوصيات المجال القروي.
[7] المادتان 3 و4 من ظهير 1952 بعدما كان يتم اتخاذه من طرف الباشا والقائد.
[8] المادة 6 منه حيث يعود في هذا الشأن للقواد صلاحية إصدار هذا النوع من القرارات.
[9] للتمييز بين هذين القرارين يراجع: المبحث الأول، المطلب الأول، اللفقرة الثانية أ من هذا الفصل.
[10] تنص الفقرة الأولى من المادة 32 على ما يلي ” يجوز لرؤساء مجالس الجماعات بعد مداولة المجلس أن يصدروا قرارات تهدف إلى إحداث طرق جماعية ومساحات ومواقف سيارات عامة بالجماعات أو إلى تغيير تخطيطها أو عرضها أو حذفها كلا أو بعضا، وتكون هذه القرارات مصحوبة بخريطة تبين فيها حدود الطرق والساحات ومواقف السيارات المزمع إحداثها أو إدخال تغيير عليها أو حذفها”.
[11] للتوسع أكثر في هذا الصدد يراجع : عبد الرحمن البكريوي: “التعمير بين المركزية واللامركزية”. مرجع سابق، ص: 145.