الإسناد الاتفاقي للاختصاص القضائي في الطلاق الإتفاقي

الإسناد الاتفاقي للاختصاص القضائي – الفقرة الثانية:
يفرض التقنين القضائي البلجيكي في الفقرة الثانية من المادة 2822 على الزوجين الراغبين في اللجوء إلى مسطرة الطلاق الاتفاقي، أن يتفقا وجوبا في متن الاتفاقية الأولية على المحكمة التي يرغبان عرض طلب الطلاق الاتفاقي على أنظرها.
فمن شأن الزوجين الاتفاق على إسناد الاختصاص للمحاكم البلجيكية أو إخراج الدعوى، باتفاق الزوجين، من اختصاص محاكم الدولة المختصة بها أصلا (وإن كانت المحاكم البلجيكية هي المختصة) وإدخالها في اختصاص محاكم دولة أخرى (المحاكم المغربية).

فهل يجوز الاتفاق على إسناد الاختصاص إلى غير المحكمة المختصة دوليا حسب قواعد الاختصاص المغربية مع العلم أن من شروط تذييل الحكم الأجنبي في المغرب صدوره من محكمة مختصة؟

إن الإجابة على هذا التساؤل تستدعي منا النظر إلى قواعد الاختصاص القضائي المغربي بمنظار القوانين المقارنة.

فالمشرع الفرنسي وإن اتخذ من الجنسية الفرنسية وحدها أداة لتحديد الاختصاص القضائي الدولي، فإن القضاء الفرنسي اتخذ أدوات لتحديد الاختصاص القضائي الدولي، ومن ذلك موطن المدعى عليه ومحل إبرام العقد، والخضوع الإرادي.

فأجاز قبول اختصاص المحاكم الفرنسية [1] كما أجاز التنازل عن اختصاصها وقبول اختصاص محكمة أجنبية إذ نص القانون الفرنسي على أنه يجوز للفرنسي بوصفه مدعيا أن يتنازل عن اختصاص المحاكم الفرنسية المقرر لصالحه في المادة 14 من القانون المدني ويقبل باختصاص المحكمة الأجنبية، ويتم هذا التنازل بإرادته وحده لأن هذا الاختصاص امتياز مقرر له، فالاختصاص المقرر فيها هو عند القضاء من قبيل الاختصاص المحلي وهذا يجوز التنازل عنه.

كذلك يجوز التنازل عن الاختصاص المقرر في المادة 15 [2] من القانون المدني الفرنسي, ولكن هذا التنازل لا يتم إلا بالاتفاق بين المدعي والمدعى عليه لأن الاختصاص مقرر لصالح الاثنين فلا يكفي في شأن التنازل عنه إرادة الواحد منها.

كما أنه في الدعاوى فيما بين الأجانب يجوز التنازل عن عدم اختصاص المحاكم الفرنسية وقد جرى القضاء الفرنسي على أن الدفع بعدم اختصاص هذه المحاكم يتعين التمسك به قبل الدخول في موضوع الدعوى وإلا سقط الحق فيه, على خلاف المشرع المغربي الذي لم يتضمن أي مقتضى ينص على إمكانية منح الزوجين الاتفاق على إسناد الاختصاص لغير المحاكم الوطنية.

وأمام سكوت المشرع، “يبدو أن الاجتهاد القضائي المغربي يميل إلى تحريم الخروج عن قواعد الاختصاص الدولي للمحاكم المغربية ويذكر الأستاذ عبد الله درميش، في قرار صدر بتاريخ 28/2/1974 تحت عدد 615 في الملف عدد 25576، مما جاء فيه أن قضية الاختصاص الدولي تمس بالنظام العام الدولي المغربي وللمحكمة أن تثيرها تلقائيا. وقد علق الأستاذ العياشي المسعودي على هذا الموقف، “إن موقف المحكمة المغربية التي أصدرت الحكم المشار إليه, غير صحيح في نظرنا لأنه ليس إجباريا أن تثير المحكمة قضية الاختصاص الدولي لكن يجوز لها فقط القيام بذلك في الحالات التي تكون فيها قاعدة الاختصاص الدولي آمرة لا يجوز للأطراف الاتفاق على مخالفتها كما في نزاعات الحالة والأهلية”[3].

إننا نتفق مع أستاذنا العياشي المسعودي في نتيجة أنه ليس إجباريا أن تثير المحكمة قضية الاختصاص الدولي، وإن كنا نرى أنه لا يمكن اعتبار أن نزاعات الحالة والأهلية من قواعد الاختصاص الدولي الآمرة ولا يجوز للأطراف الاتفاق على مخالفتها، وذلك لسببين:

-أن المشرع المغربي ورغم التعديل الذي أدخله على قانون المسطرة المدنية لسنة 1974 بمقتضى قانون رقم 03-72 لم يتخذ الجنسية كعنصر شخصي لإسناد الاختصاص للمحاكم الوطنية من جهة ومن جهة ثانية التوجه الجديد الذي أصبحت تنهجه السياسة التشريعية المغربية والتي من بينها, المستجدات التي عرفها قانون الأسرة المغربي وتعامله بشكل إيجابي إلى حد ما مع أوضاع الجالية المغربية بالمهجر.

– كما أن ما تضمنته المادة 212 من قانون المسطرة المدنية يؤكد إمكانية إسناد الاختصاص لغير المحاكم المغربية[4] وهذا ما سعى منشور وزير العدل إلى السادة القضاة الإشادة به و الذي ورد فيه “يجب تنبيه المعنيين بالطلاق الاتفاقي، إلى أن بعض الدول الأوربية تفرض لقبول الأحكام الصادرة بالتطليق في الدول الأجنبية، مراعاتها لقواعد الاختصاص ذي الصلة بالسكن الاعتيادي الفعلي للزوجين”.

مما يجعلنا نرى بأنه ليس هناك ما يمنع الزوجين من الاتفاق على إسناد الاختصاص لغير المحاكم الوطنية ما دامت أن هناك عناصر, شخصية و موضوعية, تعزز تحديد المحكمة المختصة للنظر في طلب الطلاق.

فمشكلة الاختصاص القضائي كما ذهب إلى ذلك الأستاذ نيبواييه يجب أن تحل على أساس قاعدة عامة هي أن تختص محاكم الدولة بما يرفع إليها من دعاوى متى كانت هذه الدعاوى ترجع إلى وقائع نشأت أو أشخاص موجودين في الدولة ولا يقصد به التعبير عن إقليمية القضاء, لأن هذه الإقليمية ليست محل شك وإنما يقصد به بيان إقليمية الأسس[5] التي يتحدد عليها اختصاص محاكم الدولة فأداء العدالة هي خدمة عامة تدخل في عداد الخدمات العامة اللازمة لكفالة الأمن المدني داخل إقليم الدولة.

وهذه القاعدة العامة المبنية على اعتبارات قانونية ترد عليها استثناءات مبنية على اعتبار الملائمة, وهو ما يتحقق لنا باتفاق الخصوم على إسناد الاختصاص القضائي للدولة التي تتوفر لهم فيها روابط موضوعية.

ولعل هذا ما تضمنته المادة 2 من قانون المرافعات الإيطالي, التي بعد أن وضعت قاعدة عامة في عدم جواز التنازل عن اختصاص المحاكم الإيطالية المرسوم لها في القانون الإيطالي, نصت على استثناء حالة ما يكون الالتزام بين أجنبين أو ما بين أجنبي وإيطالي غير مقيم وغير متوطن في إيطاليا واتفق كتابة على الخروج من ولاية القضاء الإيطالي [6].

الأمر الذي يؤكد على ضرورة منح الزوجين في إطار الطلاق الاتفاقي إسناد الاختصاص للمحكمة التي تمكنهما من فض نزاعاتهما في اقرب وقت ممكن بالوسائل الأقل تكلفة على غرار ما سارت عليه التشريعات المقارنة.
الطلاق الإتفاقي للمغاربة في المهجر وفق مدونة الأسرة
___________________________________________________
[1] – تحول القضاء الفرنسي من تقرير عدم اختصاصه بالدعاوي فيما يخص الأجانب بصفة مطلقة إلى تقرير اختصاصه بهذه الدعاوي، اختصاصا اتسع نطاقه فشمل دعاوي الحالة والدعاوي الشخصية متى كان للمدعى عليه موطن في فرنسا واستعان القضاء في تقرير هذه القواعد بنصوص قانون الإجراءات المدنية الخاصة بالاختصاص المحلي (المادتين 59 و 420) راجع عبد الله عز الدين مرجع سابق : ص 612.
[2] – وتنص المادة 15 من نفس القانون بأنه يمكن مقاضاة الفرنسي أمام محكمة فرنسية من اجل الالتزامات التي عقدها في بلد أجنبي ولو مع أجني “راجع عبد الله عز الدين، مرجع سابق ص 609.
[3] – العياشي المسعودي. تقييم قانون المسطرة المدنية الحالي، مرجع سابق ص 195.
[4] – كما سبقت الإشارة إلى ذلك
[5] – عز الدين عبد الله، مرجع سابق ص 658.
[6] – نفس المرجع ص 628.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.