جريمة قتل الأم لوليدها – فقرة ثانية :
لقد كفل المشرع الجنائي المغربي حق الإنسان في الحياة، حيث عاقب بشدة على جريمة القتل العمد في صورتها البسيطة بالسجن المؤبد أو بالاعدام في حالة اقترافها بظرف من ظروف التشديد
إلا أن المشرع أخذ بعين الاعتبار بعض الظروف التي قد تدفع الشخص لارتكاب جريمة القتل وذلك تحت تأثير قوى معينة مما يستدعي النظر إلى مسؤولية بعين التخفيف في العقاب [1].
وأمام الاختلاف البين في حالات جرائم القتل لم يجد المشرع الجنائي المغربي بدا من تنويع الجزاءات المستحقة وفق ما يقتضيه مبدأ تفريد العقاب.[2] كما هو الشأن في حالة قتل الأم لطفلها الوليد الذي تعتبر من الحوادث النادرة [3]. ذلك أن عاطفة الأمومة تطغى على النساء بصفة عامة فمن النادر أن تتجرأ أم على قتل وليدها إلا إذا كان لديها سبب أدى بها إلى الإقدام على قتل وليدها [4].
ومن بين الأسباب التي قد تدفع المرأة إلى قتل وليدها ، الضغوط النفسية والاجتماعية والنظرة السيئة للمرأة التي تحمل سفاحا، وما يلحق بها من عار بعد اتضاح ثمرة سفاحها أو بدافع الشفقة أو الرحمة إذا كان الوليد مشوه الخلقة أو لرغبة في قطع علاقتها نهائيا بزوجها الذي طلقها مثلا [5].
وعلى كل حال فقد ارتأى المشرع الجنائي المغربي تخفيف عقوبة الأم التي تقتل وليدها سواء كانت فاعلة أصلية أو مشاركة إذ تعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات ( الفصل 397 ق ج ) كما ذهبت بعض التشريعات المقارنة إلى الاخذ بهذا العذر فخففت عقوبة الأم التي تقتل وليدها كما هو الشأن بالنسبة للفصل 551 من قانون العقوبات اللبناني وقانون الجزاء الكويتي ( م 159) وقانون العقوبات العراقي ( م 407) وجانب من الدول الغربية كقانون العقوبات الإيطالي.
غير أن السؤال المطروح في هذا الإطار هو هل تستفيد الأم التي تقتل وليدها لوحدها من هذا العذر؟ وهل تستفيد منه في حالة قتل الوليد غير شرعي أم حتى في حالة قتل الوليد الشرعي؟
بالنسبة للإجابة عن السؤال الاول فإن المشرع الجنائي المغربي نص صراحة من خلال الفصل 397 على استفادة الأم القاتلة لوحدها من هذا العذر المخفف للعقوبة دون استفادة مشاركيها والمساهمين معها في القتل ، وذلك خلافا لقانون العقوبات الإيطالي الذي لم يشترط استفادة الأم لوحدها من هذا العذر بل أي شخص يريد من ارتكابه لهذه الجريمة إنقاذ شرفه أو شرف شخص آخر تربطه به صلة مباشرة كالزوج والأب والأم والاخ والعم والخال أو العمة أو الخالة أو أي شخص آخر تربطه بالأسرة قرابة مباشرة [6].
وعلى خلاف معظم التشريعات فإن قانون العقوبات المصري لم ينص على حكم خاص لقتل الطفل حديث الولادة سواء كان من الأم أيا كان غرضها من القتل أو سواء كان من الأب أو ذوي الأم ولو كان إنقاد للعار [7]
أما بالنسبة للسؤال الثاني فإنه وإن كان من غير المألوف ان تقدم الأم على قتل وليدها الشرعي فإن هذا لا يعني انعدام إمكانية اقتراف هذه الجريمة كما هو حال الأم التي تقتل وليدها المشوه الخلقة غير أن المشرع الجنائي المغربي لم يميز بين الوليد الشرعي وغير الشرعي فقد جاء النص عاما ومن ثم فالأم تستفيد من عذر التخفيف سواء كان الوليد شرعيا أو غير شرعي. وبذلك يكون المشرع الجنائي المغربي قد ساير التشريع الجنائي الفرنسي الذي يقرر هذا العذر سواء كان قتل الأم لوليدها اتقاء للعار أو غيره ومهما كانت البواعث دنيئة[8] على خلاف بعض التشريعات العربية التي تمتع الأم بهذا العذر متى كان القتل انقاد للعار فقط كما هو الشأن بالنسبة لقانون العقوبات السوري الكويتي واللبناني.
وأخيرا نخلص إلى أن حماية الوليد من القتل في القانون الجنائي المغربي تبقى قاصرة لكون المشرع أخذ بالباعث كعذر قانوني مهما كانت نية المجرم دنيئة.
الحق في الحياة فقها و قانونا
____________________________
[1] – عبد الوهاب حومد ، القانون الجنائي الخاص ، مطبعة التومي الرباط، 1968 ص 64
[2] – عبد الحفيظ بلقاضي ، جريمة قتل الأم لطفلها الوليد ، مجلة المحاكم المغربية 88- 89 ستى 2001 ص 74
[3] – عبدالوحد العلمي، القانون الجنائي المغربي القسم الخاص مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ، 1996 ص 222
[4] – أحمد أجوييد، الموجز في شرح القانون الجنائي الخاص مرجع سابق، ص 27
[5] – أحمد الخمليشي ، القانون الجنائي الخاص مرجع سابق، ص 68
[6] ممدوح خليل ” الجرائم الماسة بحق الطفل في الحياة والسلامة البدنية مجلة الحقوق الكويتية عدد 3 شتنبر 2003 ص 118.
[7] – هلالي عبدالله أحمد ” الحماية الجنائية لحق الطفل في الحياة بين القانون الوضعي والشريعة الإسلامية ” دار النهضة العربية القاهرة ، 1989 ص 308.
[8] – رجاء ناجي ” قتل الرأفة والحلاص ” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في الحقوق كلية الحقوق اكدال الرباط، السنة الجامعية 1999-2000 ص 180.