حقوق الإنسان من منظور الشريعة الإسلامية – مطلب ثاني:
يقال أن القرأن الكريم والسنة النبوية الشريفة أي الإسلام كله لم يعرف للإنسان حقوقا ، بل فرض عليه واجبات أو كلفه بتكاليف هي في حقيقة الأمر ما تواصينا اليوم على تسميته بحقوق الإنسان [1] وأن كون الحقوق الفردية، أو حقوق الإنسان كما يجري في الاصطلاح الحديث هي واجبات في الإسلام مرده أن الأخلاق هي الأساس في التشريع الإسلامي والأخلاق أصلا هي فروض وتكاليف ويرد ذلك من ناحية أخرى إلى أن التشريع الإسلامي هو عقيدة وقانون وأن العقيدة هي أساس القانون والعقيدة دائما تنطوي على قيود فروض أي هي واجبات [2] وأصل فكرة الواجبات التي تقابل فكرة الحقوق في الدساتير والشرائع الحديثة هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ” فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رغبته والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها والولد راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيته ويبين هذا الحديث أن كلامنا مسؤول عن أمور معينة يجب أن يحسن أدائها فإن قصر في ذلك تناوله العقاب حسب درجة تقصيره وحسب الأمر الذي وقع فيه التقصير فالحديث دعامة كبيرة في النهوض بالواجبات والقيام بالحقوق [3].
وقد أثر الإسلام أن يقيم المجتمع على مسؤوليات عن أن يقيمه على حقوق لأن مباشرة الحقوق يلحقها من الفرد إهمال أو فتور أما المسؤولية فتجعل مباشرة الحق التزاما وتنبه إلى أن الأمر ليس متروكا لاختيار الفرد بل توقظ ضميره وتزيد من رقابته [4].
وقد تكون نظرة الإسلام هذه صحيحة من ناحيتين من الناحية التاريخية ومن الناحية التطبيقية.
من الناحية التاريخية: فقد تبين أن الحقوق لم تصبح هكذا إلا بعد أن أصبحت واجبات تؤدي فحق الإنسان في إبداء الرأي والجهر به والدفاع عن حريته الشخصية ، لم تتقرر كحقوق إلا بعد أن تار الناس وطالبوا بها تم دافعوا عنها، ودفعوا في سبيلها الكثير من أوراحهم ودمائهم واموالهم
ومن الناحية التطبيقية : نجد أن الإهمال في ممارسة الحقوق وفي الدفاع عنها يلحق الأدى ليس بالفرد الذي وقع منه الإهمال فحسب بل بالمجتمع كله، ومن تم كان يجب ألا يقبل الفرد العدوان على شخصه أو حقوقه بصفة عامة، وأن يكفل له المجتمع ضمان ممارسته تلك الحقوق[5]. ولذا يجب على الإنسان المسلم ان يعرف واجباته ويحرص عليها، ويدعوا الغير إلى أدائها ومعنى ذلك أن هذه الواجبات هي مصدر حقوق للآخرين وضمان لبقائها [6].
ولكن كل ما تقدم لا يعني أنه ليس في الإسلام حقوقا للإنسان أو أن الإسلام لم يستعمل لفظ حقوق، فحقوق الإنسان موضوع موغل في القدم في الإسلام فقد شرع الإسلام مند أربعة عشر قرنا من الزمان حقوق الإنسان في شمول وعمق وأحاطها بضمانات كافية لحمايتها وصاغ مجتمعه على أصول ومبادئ تمكن هذه الحقوق وتدعمها [7]
والإنسان بطبيعته كائن اجتماعي يتفاعل مع المجتمع والأشخاص المحيطين به لم ما لهم وعليه ما عليهم وفي داخل كل مجتمع يتوافر للإنسان مجموعة من الحقوق التي تيسر له أداء وظائفه وتنظيم حياته وفي المقابل يوفر المجتمع من جانبه مقدار من الضمانات تكفل للفرد التمتع بهذه الحقوق ويتمتع الإنسان بحقوق أساسية لصيقة بشخصه ويطلق عليها ” حقوق شخصية ” ومن بين تلك الحقوق حق الإنسان في الحياة وحرمة حياته الخاصة، وكفالة حقه في العيش بامان وحقه في التعليم وغيرها[8].
والحكم الإسلامي أسبق من أي نظام أخر وأكثر حرصا على كفالة الحقوق والحريات الشخصية والعامة، فهو لم يكثف بتقرير الحقوق والحريات وإلزام الدولة بتحقيقها وحمايتها. ولم يكتف بأن تضمن الدولة للمواطنين التمتع بهذه الحقوق والحريات بل كان أكثر تطورا وفاعلية حيث جعل التمتع بها واجبا على المواطنين يأتمون إدا تركوه واعتبر حماية الحقوق والحريات الشخصية وبالأخص الحق في الحياة هو في ذاته واجبا على الدولة [9]
ومن هنا تتجسد لنا مظاهر السبق في الإسلام إلى حماية حقوق الإنسان حيث أورد الإسلام هذه الحقوق عندما قسمها إلى حقوق الله تعالى وحقوق للعباد وحقوق مشتركة بين الله وعباده، ويتبين من هذه التقسيمات أن قاسما أعظم من تلك الحقوق يخص الإنسان وهو ما يتعلق بمصلحة خالصة للإنسان وما يكون غالبا على حق الله تعالى أو راجحا عليه في بعض الأحوال[10].
كما أن هناك حقوق أقرها الإسلام للإنسان وهي الحماية والصيانة من أن يسفك دمه أو ينتهك عرضه ، أو يغتصب ماله، تطبيقا لذلك قررت الشريعة الإسلامية اعتبار حق الإنسان في الحياة قاعدة أساسية من قواعده فحرمت قتل الغير بغير حق، حيث جعلت العقوبة هي القصاص بحيث يدل هذا التشديد على مدى التكريم الذي أضفاه الإسلام على حق الإنسان في الحياة وإحاطة هذا الحق بأكبر سياج من الضمانات لحمايته من أي عدوان [11].
وكفلت للإنسان أن يعيش المجتمع وهو آمن على ماله عن طريق القضاء على كل ما يهدد سلامة هذا المجتمع وتضامنه فشددت عقوبة السرقة لما فيها من اعتداء على طمأنينة الفرد فجعلت العقوبة هي قطع اليد.
ونجد الإسلام في نطاق حماية حق الإنسان في أن يعيش آمنا على عرضه يعاقب كل من يلوث عرض غيره كذبا وبهتانا ، كما في ذلك من المساس بشرف الإنسان وامتهان لكرامته ولذلك يقول الله جل شأنه ” والدين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ” [12]
كما أن المصالح التي قررتها الشريعة الإسلامية لحفظ الجماعة وهي الدين والنفس والعرض والعقل والمال، هي أيضا حقوق للمسلم يتعين حفظها وصيانتها إذ أن كل اعتداء على مصلحة للجماعة يمس في النهاية مصلحة الأفراد [13]
إن الإسلام أضفى خصائص وسمات معينة على حقوق الإنسان وحرماته ميزتها عما يتسم بها ما تنادى به العهود والمواثيق الدولية المعاصرة وهذه الخصائص هي :
أ-أن هذه الحقوق والحريات أملتها ضرورة فعلية في المجتمع الإسلامي أساسها ما يقرره الإسلام لهذا الإنسان من تكريم وتفضيل في الإسلام.
ب- أن ضمان حقوق الإنسان وصيانتها هو واجب على الإنسان ولزاما عليه وليس مجرد رخصة، يتمتع بها أولا يتمتع كما أنه يأتم على تركها
ج أن تلك الحقوق ليست منحا يتصدق بها الحكام وإنما هي قيمة أساسية خلقت مع الإنسان مند أن خلقه الله سبحانه وتعالى ، وستظل لصيقة به إلى ان يرت الله تعالى الأرض وما عليها ، فهي حقوق شرعها الخالق سبحانه وليس من حق بشر كائن من كان أن يعتدي عليها ولا تسقط حصانتها الذاتية لا بإرادة الفرد تنازل عنها ولا بإرادة المجتمع ممثلا فيما يقيمه من مؤسسات أيا كانت طبيعتها وكيفما كانت السلطات التي تخولها [14].
د- أن حقوق الإنسان وحرماته لم تأت لنا من الغرب أو من كتابات مفكرية أو مما سجعلته العهود والمواثيق الدولية وإنما هي مبادئ أصلية سبقت بها الشريعية الإسلامية هذه العهود والمواثيق ومن نافلة القول أن الإسلام هو أول من قرر المبادئ الخاصة لحماية حقوق الإنسان في أكمل وأرقى وأنصح صورة وأن ما كلفه الإسلام من كرامة واحترام للإنسان لم يعرف من قبل في أمة من الأمم مهما سجلت من حضارات [15]
وإذا كان هناك أكثر من عشرين اتفاقية وأكثر من خمسين وثيقة دولية تتضمن إعلانات وبيانات ومبادئ لحماية حقوق الإنسان، فإنها لم تصل بعد إلى درجة التطبيق الفعل الذي يحقق الصورة النموذجية لحماية هذه الحقوق الإنسان فإنها لم تعد بعد إلى درجة التطبيق الفعلي الذي يحقق الصور النموذجية لحماية هذه الحقوق أو ضمانات تمتع الإنسان بها تمتعا حقيقيا [16].
في حين أننا نجد الإسلام قد جاء لبناء امة، وإنشاء دولة وإقامة مجتمع رائد الحد في شتى المجلات عن طريق المبادئ والقيم الصالحة للحياة، ومن أهمها حماية الحياة ولم يتخذ الإسلام من هذه المبادئ مجرد مواعظ أخلاقية وإنما هي أوامر ونواهي شرعية وهو ما لم تصل إليه حتى الآن نصوص الإعلانات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان “[17].
وعلى الرغم من ذلك فسبحان من لا أحد أصدق منه قيلا فمن قوله تعالى عن الإنسان الذي خلقه ” إن الإنسان لظلوم كفار، [18] فقد راج هذا الإنسان يضع لنفسه شيئا عجز خالقه عن أن يصنعه له ذهب ينشأ لنفسه ما سماه ” حقوق الإنسان” أخد هذا القاصر حقوقه وقدمها إلى الأمم المتحدة لتقوم على هذه الحقوق وتؤديها له كاملة غير منقوصة [19] ونسى أو تناسى أن الخالق سبحانه يعلم من خلق ويعرف سرما أو جده ” ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير [20] ولذلك أوجد سبحانه لهذا الإنسان سياجا متينا من الأمن حول حقوقه وحرياته وبين تبارك وتعالى ذلك جليا في محكم أياته فكانت أحكام الشريعة الإسلامية هي دستور السماء لبني الإنسان ونظام المجتمع الإسلام ومنهاج الحياة الفاضلة.
ولكن التركيز على الحقوق والمناداة بها وبضمانها لم يكن لازما في عصور الإسلام الأول لأنها كانت أوامر ونواهي ربانية صادرة إلى العباد ويحرص هؤلاء بقصد نيل رضاء الله تعالى ورسوله الكريم على مراعاتها علاوة على ان الوازع الديني كان متوافرا بعمق لدى المسلمين في صدر الإسلام ، فكان كل مسلم حريصا على حق أخيه يراعيه ويحترمه من تلقاء نفسه تنفيدا لأحكام الإسلام، كما ان حكام المسلمين في ذلك العصر كانوا أكثر حرصا على احترام حقوق المسلمين وصيانتها ، بل كانوا يعملون على كفالتها ، والاخذ على يد كل من تسول له نفسه المساس بحق من تلك الحقوق [21]
هذه هي نظرة الإسلام الشاملة لحقوق الإنسان نظرة قائمة على أصول من التشريع الإسلامي المستمد من القرآن والسنة اللذان هما أصل الأصول.
الحق في الحياة فقها و قانونا
____________________________
[1] فتحي رضوان ، من فلسفة التشريع الإسلامي ، الطبعة الثانية سنة 1970 ، ص 56 دار الكتاب اللبناني
[2] الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام، المدخل منشور في مجلة المسلم المعاصرة العدد 34 ص 121.
[3] – محمد راكان : المناهج الإسلامية في التربية على حقوق الحياة ص 23.
[4] – الشيخ عبد الفتاح عشماوي ، حقوق الإنسان في الإسلام ، ص 50.
[5] – المرزوقي ، إبراهيم عبد الواحد ، حقوق الإنسان في الإسلام ” ص 103.
[6] – الهاشمي محمد منقد ، الإسلام وعالمية حقوق الإنسان ، ص 90.
[7] – القطب محمد القطب ، الإسلام وحقوق الإنسان دار الفكر العربي ، ص 67.
[8] – وافي علي عبد الواحد : حقوق الإنسان في الإسلام ص 23.
[9] – الكتان يوسف ، الإسلام دين حقوق الإنسان ، ص 87.
[10] -الدكتور حسن الجندي” أصول الإجراءات الجزئية في الإسلام ” مطبعة مصر ص 66.
[11] – الدكتور عبد الواحد محمد القار : لمحات من حقوق الإنسان في الإسلام ، ص 109.
[12] – سورة النور ، الآية 4
[13] – الدكتور حسن الجندي، أصول الإجراءات الجزائية في الإسلام ، ص 25.
[14] حقوق الإنسان الرؤى العالمية والإسلامية والعربية ، سلسلة كتب المستبل العربي ، ص 73 – 74.
[15] – مركز الدراسات الوحدة العربية حقوق الإنسان العربي الطبعة الثانية 1989 ص
[16] -سهيل حسين الفلاوي ، مرجع سابق، ص 20
[17] تقرير السيد بوكوبونا عضو الأمانة العامة للأمم المتحدة مسؤول مركز حقوق الإنسان منشور في مجلة الأمن والحياة العدد 452 و 40.
[18] سورة إبراهيم الأية 34
[19] الشيخ عبد الفتاح عشماوي حقوق الإنسان في الإسلام
[20] سورة المائدة الآية 4
[21] – إعداد محمود شريف بسيوني ومحمد السعيد الدقاق حقوق الإنسان المجلد الثالث دراسات تطبيقية عن العالم العربي بيروت دار العلم للمعلمين 1989 ص 56.