إختيار موضوع البحث العلمي

تحديد الموضوع وجمع المادة العلمية – المطلب الأول:
قبل أن يبدأ الباحث في عمله، لابد أن يحدد موضوع بحثه بوضع سؤال هام، وهو ما هي المشكلة التي يريد وضع حل لها؟ فالإجابة هي التي ستكون محل دراسته وبحثه، إلا أنه قبل الشروع في مرحلة اختيار موضوع البحث العلمي، وجمع المادة العلمية، لا بد من المرور  بمرحلة أخرى، على جانب كبير من الأهمية، ألا وهي مرحلة القراءة الأولية، التي تفضي بنا إلى تحديد موضوع البحث وحصره بشكل دقيق، انطلاقا من فكرة مفادها أنه لا يمكننا اختيار موضوع من عدم أو فراغ معرفي، بل لابد أن يكون هناك سبق اطلاع على مختلف المصادر والمراجع، التي لها علاقة بالحقل المعرفي الذي يريد الباحث أن يبحث فيه، وسنرجئ الحديث عن مرحلة القراءة في محلها.

الفقرة الأولى: اختيار موضوع البحث العلمي
إن عملية اختيار موضوع البحث هي: عملية تحديد القضية، أو المشكلة العلمية، التي تتطلب حلا علميا لها، انطلاقا من عدة فرضيات علمية بواسطة الدراسة والبحث والتحليل، لاكتشاف الحقيقة، أو الحقائق العلمية، المتعلقة بالمشكلة وتفسيرها واستغلالها في حل ومعالجة القضية، أو المشكلة المطروحة للبحث العلمي[1].

وجدير بالذكر إلى أن هناك عدة عوامل ومعايير، تتحكم في اختيار الموضوع، منها ما هو ذاتي ومنها ما هو موضوعي.

أولا: المعايير الذاتية لاختيار الموضوع
يمكن لفت الانتباه، إلى أنه ليس كل شخص مؤهلا لأن يكون  باحثا علميا، وليس كل بحث بالضرورة بحثا علميا، فعملية البحث العلمي تتطلب توفر شروط ومواصفات في شخص الباحث، من قبيل قدرته على انجاز البحث، وأن تتوفر فيه الاستعدادات الفطرية والنفسية والأخلاقية، بالإضافة إلى الكفاءة العلمية، والقدرة على تنظيم المعلومات، التي يريد نقلها إلى القارئ.

1. الصفات النفسية والأخلاقية:
إن أهم الصفات الأخلاقية والنفسية، التي يجب أن تتوفر في الباحث العلمي، هي هدوء الأعصاب، وقوة الملاحظة، والرغبة الذاتية النفسية في موضوع البحث.

أ‌- الصفات النفسية:
– الرغبة الذاتية النفسية في موضوع البحث العلمي: وتعد عاملا أساسيا وجوهريا من عوامل ومقاييس اختيار موضوع البحث العلمي، لأنه يحقق عملية الاندماج، والارتباط النفسي والعاطفي، بين الباحث العلمي وموضوع البحث العلمي، التي تتولد عنها عدة مزايا تدفع بالباحث إلى التضحية والمثابرة  وشدة الصبر والشجاعة والإخلاص المطلق للبحث العلمي[2].

– الصبر والمثابرة: ما دام البحث مسؤولية، والمسؤولية لابد لها من تحمل، والتحمل بطبيعته يتطلب الصبر[3]، لأن كل بحث قد تعترضه بعض المشاكل والمعيقات المالية والوقتية، وأخرى متعلقة بقلة المراجع، والباحث إذا لم يتحلى بالصبر فسيكون مصيره الفشل.

ب- الصفات الأخلاقية:
الأمانة العلمية: وهي أهم صفة أخلاقية، يجب أن تنطوي عليها نفسية الباحث، وذلك أن يكون الباحث أمينا في نسبة الأقوال إلى قائلها، والأفكار إلى مبدعها، فلا يذكر فكرة، أو يقتبس كتابة، إلا ويجب أن يذكر المرجع الذي اقتبست عنه[4]، وألا ينسبها لنفسه، فيكون بذلك قد خالف أهم صفة من الصفات الأخلاقية، التي يجب توفرها في الباحث، أيا كان مجال اختصاصه، وميدان بحثه، ويتعين على الباحث، أن يذكر ذكرا صريحا وواضحا، كل المصادر والمراجع العلمية، التي بنى بها بحثه، و طعم بها موقفه.

– التواضع: فلا يأخذ الباحث الغرور، بما قد يصل إليه من نتائج ذات قيمة علمية، لأن الغرور مطية الهلاك، وإشارة للفناء.

احترام آراء الآخرين: يتعين على الباحث، احترام آراء ومواقف الآخرين، مهما ضؤلت أو هزلت، ومهما عظمت أو خطرت، ذلك أن الاحترام من أجل وأجمل سمات الباحث، فلا ينبغي للباحث أن يسقط من شخصيته هذه السمة الجليلة.[5]

2. الصفات العلمية والاقتصادية:
وتتجلى هذه الصفات في وجوب توفر الباحث العلمي، على مكنات عقلية ولغوية واقتصادية، تساعده في انجاز بحث علمي ممتاز.

أ- القدرات العقلية:
يتعين على الباحث، أن يتسم بسرعة البديهة، والفطنة العقلية، التي تجعله قادرا على التعمق في الفهم والتحليل والربط والمقارنة والاستنتاج، في معالجته للبحث العلمي محل الدراسة، ولا يمكن للباحث أن يكتسب هذه المهارات و الملكات، إلا عن طريق سعة الاطلاع والتفكير والتأمل في شتى الوثائق والمصادر المتعلقة بالموضوع، وكذا استحضار التراكمات المعرفية المكتسبة[6]. كما يجب على الباحث في معالجته لموضوع البحث، أن يتحلى بالموضوعية، أي تلك النظرة البعيدة عن الذاتية والأهواء الشخصية، التي يتساوى فيها الناظرون للشيء تحت الدراسة، مهما اختلفت زوايا رؤياهم[7].

ب- القدرات الاقتصادية:
لقد أضحى انجاز البحوث العلمية، عملا مكلفا يتطلب مصاريف باهظة، خاصة الأبحاث العلمية الرفيعة المستوى، مثل انجاز الرسائل والأطروحات، إذ قد تتطلب بعض الأبحاث، القيام بتجارب وترحال لاقتناء المصادر والمراجع أو تصويرها، وشراء الآلات والأدوات لعملية إعداد البحث العلمي من أماكن متباعدة، لذا يجب الاستناد إلى معيار القدرة الاقتصادية في اختيار الموضوع، ومراعاة هذا المعيار من لدن الباحث نفسه.

البحث العلميكما تجدر الإشارة إلى أنه لا يجب أخذ هذا المعيار على إطلاقه، وإلا اقتصر البحث العلمي على الأغنياء دون العامة، وهو أمر مرفوض، لأن البحث العلمي يقوم على القدرات العقلية قبل الاعتبارات المادية[8].

ج- القدرات اللغوية:
لاشك أن البحث العلمي، يتطلب من الباحث استعدادات وقدرات لغوية، تمكنه من إجراء دراسات مقارنة في الموضوع محل البحث، لأن العديد من المصادر والوثائق، التي تضيف للبحث قيمة علمية، مكتوبة بلغات أجنبية، وخصوصا في البحوث القانونية، التي تعتمد كثيرا على الدراسات المقارنة.

ثانيا: المعايير الموضوعية في اختيار الموضوع:
إضافة إلى المعايير الذاتية، التي يجب أن تتوفر في الباحث، فهناك أيضا معايير أخرى موضوعية، تتعلق باختيار موضوع البحث العلمي، لا تقل أهمية عن الأولى، والمرتبطة أساسا بتحديد الموضوع، ومدى قيمته العلمية، وهل توجد بشأنه مادة علمية كافية، لانجاز البحث المذكور.

1. تحديد الموضوع:
إن المقصود بتحديد موضوع البحث، هو حصره في جزئية معينة، تدخل أصلا ضمن موضوع أكثر شمولا، وهذا الموضوع يدخل بدوره في موضوع أهم وأشمل، ثم تعميق البحث تماما حول الجزئية التي تم تحديدها[9]،  ذلك أن البحث العلمي بمثابة اختيار نقطة من محيط المعرفة، ودراستها دراسة معمقة ومكثفة، للوصول بها إلى القاع، وهذا هو التعمق المطلوب في البحوث، فكلما كان الموضوع محددا بدقة، كانت الرؤية واضحة أمام الباحث، ولهذا وجب على الباحث، أخد وقته الكافي في تحديد موضوعه، والإحاطة به إحاطة شاملة، حتى لا يصطدم مع معيقات قد تؤدي به إلى تغيير موضوعه.

2. القيمة العلمية للموضوع:
يتعين على الباحث، عند اختياره لموضوع بحثه، أن يتحرى الثّمرات التي يمكن جنيها منه، أي ما سيقدمه هذا البحث من إضافة وفائدة، سواء بالنسبة للعلم بأن يكشف مجهولا، أو يجمع متفرقا، أو يصحح خطأ، أو غير ذلك، أو بالنسبة للأفراد كأن يساهم في كشف الغامض من الأمور، أو حل بعض المشكلات الاجتماعية والاقتصادية القائمة[10].

ومما يضفي أيضا على البحث العلمي قيمة وأهمية، الجدة والابتكار، وهي من أهم مقوماته الأساسية، والمقصود بالتجديد أن يكون موضعا حديثا يضيف معارف جديدة، فلا يجب أن يكون منقولا، أو تقليدا، أو ترجمة، أو تكرار لما سبق وكتب، و لا يعني التفوه بمثل هذا القول، أن لا يكون الموضوع قد عولج من قبل، بل يعني أن يأتي بإضافة ومساهمة جديدة[11] .

3. توفر المادة العلمية في الموضوع:
ينبغي ألا يكون الموضوع مقفلا، أي لا تتوفر فيه كتابات على الإطلاق، أو لاتوجد بشأنه بعض البيانات المنيرة لطريق البحث، إذ لا فائدة من موضوع جيد لا مراجع له، فكلما وضعنا تحت أيدينا مصادر ومراجع كافية، كان إعدادنا للبحث جيدا، ذلك أن الباحث يحتاج إلى دليل واضح يرتبط بموضوعه، مستوحاة منابعه من مصادر موثوق بها، أو مراجع صحيحة[12]، لهذا يجب على الباحث تجنب الوقوع في إشكال عدم وفرة المراجع، أن يقوم مسبقا برصد أولي للمراجع المتعلقة بموضوع بحثه، ووضع لائحة بها، من أجل استخدامها في البحث.
منهجية إجراء بحث علمي
________________________________
عمار عوابدي: : المرجع السابق، ص 35[1]
عمار عوابدي: المرجع السابق، ص  37 و38[2]
عبد الهادي الفضلي: أصول البحث، دار المؤرخ العربي بيروث، الطبعة الأولى 1992، ص 242[3]
عكاشة محمد عبد العال ، سامي بديع منصور: المنهجية القانونية، منشورات الحلبي الحقوقية، طبعة 2003، ص 38[4]
عبد الهادي الفضلي:المرجع السابق، ص 242[5]
عمار عوابدي: المرجع السابق، ص 43[6]
محمد الصاوي محمد مبارك: البحث العلمي أسسه وطريقة كتابته، المكتبة الأكاديمية، القاهرة الطبعة الأولى  1992 ص 8[7]
إدريس الفاخوري: المرجع السابق ، ص 74 – 75[8]
– إدريس الفاخوري: المرجع السباق، ص70[9]
عمار عوابدي: المرجع السابق، ص 48[10]
عكاشة محمد عبد العال ، سامي بديع منصور: المرجع السابق،  ص 104[11]
محمد العروصي : المختصر في المنهجية القانونية، مطبعة الخطاب،  الطبعة الأولى 2009 ،ص 139 [12]

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.