آراء الفقهاء في نوع هذه المشروعية – الفقرة الثالثة:
الناظر في أقوال الفقهاء يجد أن لهم ثلاثة آراء في نوع هذه المشروعية:
–الأول: أن المتعة مندوبة مطلقا في كل طلاق إلا في حالات لم تشرع فيها المتعة حيث ذهب المالكية إلى القول بأن المتعة مندوبة في كل طلاق، ولا ترد منها شيئا مما أخذت سواء دخل بها أو لم يدخل بها.
والمفارقة بلعان لا متعة لها، وأيضا المفارقة من قبل المرأة قبل البناء أو بعده فلا متعة لها، لأن المرأة هي التي اختارت الفراق، فلا تسلى عن المشقة التي تلحق بها.
–الثاني: ذهب الحنفية إلى أن المتعة واجبة إذا فارق الزوج زوجته قبل الدخول والخلوة الصحيحة بسبب من جهته، ولم يكن قد سمى لها عند العقد شيئا يصلح لأن يكون مهرا وذلك لقوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين}[1]، فقد نفى الشارع الحكيم الجناح والإثم من المطلق قبل المسيس، ثم أمره بأن يمتعها بما يخفف آلامها ويطيب خاطرها عن الفرقة التي حصلت بغير سبب منها، والأصل في الأمر يكون للوجوب، فيختص بهذه المرأة احترازا عن غيرها من النساء كالمطلقة بعد الدخول فرض لها أو لم يفرض، أو المطلقة قبل الدخول في نكاح فيه تسمية، فإن المتعة لهؤلاء مستحبة، لأنها لا تجب إلا بدلا عن نصف المهر الواجب في حالة المطلقة قبل الفرض أو المسيس.
أما من استحقت الواحدة منهن المسمى أو المهر المثل بعد الدخول فلا حاجة بها إلى المتعة، وإنما تستحب أو تسن ليكون ذلك من قبيل التسريح.
فخلاصة القول عند الأحناف أن المتعة عندهم تستحب لكل مطلقة، فيما عدا المفوضة وهي من زوجت بلا مهر ثم طلقت قبل الدخول، أو سمى لها المهر تسمية فاسدة فإن المتعة تكون فيها واجبة.
–الثالث: قول الظاهرية والشافعية أن المتعة واجبة على كل مطلق أيا كان نوع الطلاق، واحدا أو اثنين أو ثلاثا، وسواء دخل بها أو لم يدخل وسواء سمى لها مهرا في العقد أم بعده أو لم يفرض لها أصلا، وذلك لقوله تعالى:{وللمطلقات متاع بالمعروف} فجعل الله تعالى المتعة لكل مطلقة، ولقوله تعالى: {يا أيها النبىء قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا}[2].
وهذا في نساء النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي دخل بهن، وكان قد سمي لهن مهرا، ولأن المتعة إنما جعلت لما لحقها من الإبتزال بالعقد والطلاق، والمهر إنما هو في مقابلة الوطء، والابتذال موجود فكان لها المتعة. ولما كان الأصل في تشريع المتعة هو جبر خاطر المطلقة، وكانت مواساتها من المروءة التي تتطلبها الشريعة، وكان من أسس التقدير لها قوله تعالى: {ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} وكان إيجاب المتعة هو مذهب الشافعي الجديد، حيث أوجبها للمطلقة بعد الدخول إن لم تكن الفرقة منها أو بسببها وهو قول لأحمد اختاره ابن تيمية، كما أن إيجابها مذهب أهل الظاهر وهو قول لمالك أيضا[3].
وعلى هذا وضع المشرع نص المادة 18 مكرر من القانون رقم 25 لسنة 1929 المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985.
“الزوجة المدخول بها في زواج صحيح إذا طلقها زوجها دون رضاها ولا بسبب من قبلها تستحق فوق عدتها متعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل وبمراعاة حال المطلق يسرا أو عسرا وظروف الطلاق ومدة الزوجية، ويجوز أن يرخص للمطلق في سداد هذه المتعة على أقساط”.
والمتعة بالمعنى السابق هي أحد الحقوق المالية الثلاثة التي تجب للمرأة على زوجها، أولها المهر الذي يجب لها مقابل استيفاء الزوج ما يقتضيه عقد الزواج من منافع الزوجية، وثانيها النفقة التي تجب لها نظير احتباسها لمصلحة الزوج، وثالثها المتعة والتي تجب لها جبرا وترفيها وتخفيفا لما يصيبها من أسف وحسرة ووحشة بسبب استعمال الرجل حقه الذي منحه الله إياه وحرمها منه. فليست كل المشاكل الزوجية والطلاق أو التطليق بسبب الزوجة، فهناك كثير من الأزواج يعتمد إيذاء الزوجة بحرمانها منه، وذلك بطلاقها، والأمر ليس باليسر على المرأة وإن كانت هي طالبة الطلاق.
ومما سبق يمكن أن نستخلص أن المرأة تتضرر أشد الضرر من الطلاق، حتى إن كانت تلك رغبتها، والهدف من فرض نفقة المتعة هو جبر خاطر المطلقة، وليست عقوبة للزوج لاستعمال حقه في الطلاق حيث أن الطلاق بيده.
نفقة المتعة حسب الحالة الاجتماعية
_______________________
[1] الآية 234 من سورة البقرة.
[2] الآية 28 من سورة الأحزاب.
[3] المرحوم الإمام الشيخ أحمد إبراهيم بك. المستشار / واصل علاء الدين أحمد إبراهيم.
“أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية والقانون” ط 2003 ص 805-806 بتصرف بسيط.
آراء الفقهاء في نفقة المتعة