الحق فى الزيارة وظاهرة غلق السجون أمام الزيارة

الحق فى الزيارة وظاهرة غلق السجون امام الزيارة
على خلاف ما تقضي به أحكام الدستور والتشريع الوطني من ضرورة احترام وكفالة حق السجناء وغيرهم من المحتجزين في الاتصال بالعالم الخارجي ، فقد دأبت وزارة الداخلية على انتهاك هذا الحق سواء  بشكل كامل ( كإغلاق بعض السجون وعزلها عن العالم الخارجي ) أو بشكل جزئي ( فرض قيود مشددة على حق تلقي الزيارات والاتصال بالعالم الخارجي )  . وتستند وزارة الداخلية في ذلك على نص المادة 42 من القانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون التي تنص على أنه :  ” يجوز أن تمنع الزيارة منعا مطلقا أو مقيدا – بالنسبة إلى الظروف – أوقاتا معينة ، وذلك لأسباب صحية أو متعلقة بالأمن ” .

وفى الفترة الأخيرة كان ولا يزال هناك بعض السجون مغلقة ومعزولة تماما عن العالم الخارجي منذ عدة سنوات،  وهي سجون: الفيوم العمومي وشديد الحراسة بطره وليمان أبي زعبل واستقبال طره .  وتعني ظاهرة السجون المغلقة ، فرض حالة من الحصار الأمني والعزلة الشديدة على بعض السجون ، بحيث تنقطع تماما الصلة بين المودعين داخلها وبين العالم الخارجي ، فتتحول تلك السجون بمن فيها إلى ” مملكة يغلفها شبح الصمت ”  لا يعلم أحد ما يجري بداخلها من انتهاكات جسيمة لأبسط الحقوق الإنسانية والحريات الأساسية المقررة للمسجونين . وفي تلك المملكة يفقد المسجونون أي أمل قريب في العودة مرة أخرى إلى الحياة خارج أسوار السجون  ، وتتبدل أحلامهم المشروعة في الحرية إلى مجرد  ” انتظار” دائم للسماح لهم بلقاء يجمعهم بالأسرة ( الأب / الأم/ الزوجة / الابن / الأخ ..) يشعرهم بأنهم مازالوا أحياء . وفي ظل حالة الانتظار الطويلة والكئيبة ، لا يكون هناك إلا  ” آلام العزلة ومخاوفها ” وعشرات الأسئلة التي تتردد داخل الصدور بلا إجابات شافية : ما حال الأسرة وأخبارها ، كيف يعيشون ، ما أثر غيابي عليهم .. الخ ؟ . وعندما يفقد الإنسان القدرة على الإجابة وتصبح الأحلام عقيمة .. قد يلجأ إلى سلاح  ” الصبر ” ملاذا يحتمي به ، ولكن في حالات كثيرة يتولد بداخله شعور مدمر باليأس والعجز وافتقاد الرغبة في الحياة .

ولكن ليس كل المحتجزين داخل مملكة الصمت أو المحتجزين خارجها فى السجن الأكبر يملكون القدرة على الصبر والأمل ، يقول أحد المعتقلين ، من الذين لم يصل معهم اليأس إلى مداه بعد ، في رسالة إلى الأسرة : ” بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد .. والدتي الحبيبة أكتب إليكم داعيا الله أن تكونوا بخير حال يحبه الله ويرضاه . . أوصيكم بأن تهتموا أولا بزواج البنات حيث إن الخروج من السجن شيء غير معلوم . ثانيا : الاهتمام بالحوالات والتظلمات ، وإذا نجحتم في زيارتي رجاء إحضار علاج للروماتيزم . وآخر رسالتي لا تنسوني في الدعاء  . ابنكم .. ” .

ويتحمل أسر السجناء والمعتقلين ، وخاصة أمهاتهم وزوجاتهم وشقيقاتهم ، الأعباء القاسية لهذه المأساة . إذ يصطدمون ” بالفصل القسري ” بينهم وبين ذويهم لسنوات طويلة وشاقة ، وفضلا عن العناء والكرب  اللذين ينجمان عن فقدان الزوج أو الابن ، تجد الزوجة أو الأم أو الشقيقة نفسها في كثير من الأحيان في وضع يائس يتسم بعدم الاستقرار ، يتعين عليها أن تعول أفراد الأسرة وأن تقوم بدور الأب الغائب ، في ظل غياب أي عون من الدولة .

ونجد هذا بوضوح فى رسالة شقيقة المعتقل عطية عبد العزيز ابو عيشة – والتى تقول فيها:
(   اعتقل أخي بتاريخ 13/6/1994 وكان طالبا بالثانوية التجارية وفي آخر الامتحانات تم ترحيله إلى سجن استقبال طره وبعدها ذهب إلى سجن الفيوم وبعدها تم استدعاؤه إلى المحكمة العسكرية وتم التحقيق معه لمدة شهر وحصل علي البراءة في 15/9/1997 وبعدها رحل إلى سجن دمنهور وبعدها إلى سجن وادي النطرون واستمر فيه إلى 30 /3/2000  وهو الآن في دمنهور البحيرة ونزل إفراج كل شهرين وآخر زيارة له بتاريخ 26/3/2000 وذلك بسبب أننا أسرة فقيرة لا تملك ثمن الزيارة وأبي رجل علي المعاش مريض صحياً وعمل قريبا عملية صعبة وأمي مريضة صحياً تشكو من الكبد والمرارة ، ونحن فقراء 8 أفراد بالمدارس يحتاجون إلي مصاريف وأموال تعينهم علي المعيشة وأخي المعتقل هو الكبير الذي كان ينفق علينا وكان يعول الأسرة وهو الآن مريض صحياً يشكو من حساسية علي صدره ويحتاج إلي دواء علما بأن الأب يبلغ من العمر 70 عاما وقد أجري عملية بالمعدة .)

كما تتضح أيضا حجم المعاناة التى يلقاها أهالى المعتقلين فى الزيارة من رسالة زوجة المعتقل / سامى أمين محمد مرزوق إلى المركز بتاريخ 4/7/2000 والتى تقول فيها :-

( اعتقل زوجي بتاريخ 16/7/1994  ويعول 8 أفراد وتنقل بين عدة سجون مختلفة استقبال طره  – وادي النطرون – أبو زعبل – دمنهور الفيوم واستقر به الحال فى سجن الوادي الجديد وأصبح ألأن يعاني من حساسية شديدة علي الصدر ، إننا لا نستطيع رؤيته ونقطع السفر بالأيام والليالي ، وبعد هذا التعب لا نستطيع رؤيته من شدة الازدحام علي السلك وتستغرق الزيارة 3 دقائق في هذا السجن ، كما أن أطفاله في احتياج إلى رؤية أبيهم ولا يستطيعون رؤيته ووالدته امراه عجوز مسنة 90 عاما وفقدت عينها من شدة البكاء علي ابنها المظلوم ولا تستطيع رؤيته ، وقمنا بزيارته  في 28/6/2000 وكانت الزيارة سيئة للغاية ومعاملتهم سيئة جداً معنا وقد كان أثنان من الرجال يقومان بكشف وجهنا أمام الجميع بالرغم من أنه توجد نساء لكي يكشفننا، ويجمعون الزيارة كلها علي سلك واحد نقف فوق بعضنا وتترك باقى الأسلاك فارغة ، ويمنعون السكر وباقي المأكولات من الدخول ونأخذ عسل النحل معنا للعلاج ويفرغونه في أكياس بلاستيك مما يجعله ينسكب. )

وظاهرة السجون المغلقة واحدة ضمن ظواهر عديدة تحدث كل يوم ، وتنتهك حقوق الإنسان وحرياته الأساسية،  دون أن يكون وراءها سبب مقنع أو ذريعة مقبولة ، وإذا أردنا أن نضع أيدينا على موطن الداء وسبب البلاء نجد أنفسنا دوما أمام تفسير واحد ووحيد هو ”  دواعي الأمن ..” . وذلك بالاستناد إلى نص المادة 42 من قانون تنظيم السجون. فعلى سبيل المثال ، أصدر وزير الداخلية يوم 26/12/1993 القرار رقم 549 لسنة 1993 بمنع الزيارة عن جميع المسجونين المودعين بالسجن شديد الحراسة بطره . وقد جاء في تسبيب قرار المنع ما يلي :

” نظرا للظروف الأمنية التي تمر بها البلاد وتصاعد نشاط الجماعات المتطرفة ([1]) وفي مواجهة احتمال صدور تكليفات من قيادات التطرف المودعة بالسجون لعناصرها  بالخارج لارتكاب عمليات عدائية تجاه المنشآت والمرافق وبعض الشخصيات العامة ورجال الشرطة .. تقرر منع الزيارة عن المعتقلين لنشاطهم المتطرف بسجن شديد الحراسة بطره ـ لدواعي الأمن إعمالا للمادة 42 من قانون تنظيم السجون التي تجيز منع الزيارة منعا مطلقا أو مقيدا بالنسبة إلى الظروف وفي أوقات معينة ، وذلك لأسباب صحية أو متعلقة بالأمن ” .

قائمة بالسجون المغلقة

مالسجنتاريخالمنع والسببعدد الأحكام الصادرة لصالح المركز بإلغاء قرار المنعالوضعالحالي
1شديد الحراسة بطره26/12/1993 لدواعي الأمن28 حكمامغلق
2ليمان أبي زعبليناير 1996 دواعي الأمنحكم قضائي واحدمغلق
3استقبال طرهسبتمبر 1994/ دواعي الأمنالدعاوى ما زالت متداولةمغلق
4الفيوم العموميديسمبر 1997 دواعي الأمن14 حكماتم السماح بالزيارة منذ 15 يناير 2000

وفي يوم 23/7/1999 أصدرت وزارة الداخلية القرار الإداري رقم 556 لسنة 1999 جاء نصه على النحو التالي ([2]) : ” بعد الاطلاع على القانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون والقوانين المعدلة له ، والقرار الوزاري رقم 79 لسنة 1961 باللائحة الداخلية للسجون والقرارات المعدلة له .. ولدواعي الأمن لتتابع توافر معلومات عن استهداف السجون في المرحلة الحالية ؛ قررت : مادة (1) تمنع الزيارة لمدة ثلاثة أشهر عن سجون ” استقبال طره ـ شديد الحراسة بطره ـ القسم الثالث ” شديد الحراسة ” بليمان أبي زعبل ـ العناصر المتطرفة بسجن الفيوم العمومي . مادة (2) يعمل بهذا القرار من تاريخ صدوره ” .

  • تقييد ..

ولا يقتصر الحرمان من الاتصال بالعالم الخارجي على السجناء والمعتقلين داخل السجون المغلقة فقط ، بل يمتد نطاق الحرمان ليشمل أيضا المودعين داخل السجون المفتوحة ولكن بدرجة أقل حدة وجسامة ، حيث تفرض إدارة السجون قيودا مشددة على ممارسة السجناء والمعتقلين لحقهم في الاتصال بالعالم الخارجي ، وخاصة حقهم في تلقي الزيارات من الأسرة والمحامين المكلفين بالدفاع عنهم . وتتمثل أبرز مظاهر هذا التقييد في قصر مدة الزيارة التي تتراوح بين 15 دقيقة في الزيارات العادية و30 دقيقة في الزيارات الخاصة ( لا تتعدى خمس دقائق في أحسن الأحوال ).. وهي مدة غير كافية لتحقيق التواصل والتفاعل بين السجين أو المعتقل وأسرته .فلا شك أن زيارات الأسرة تشكل أكثر الأسس صلاحية لإعادة التأهيل الاجتماعي للسجين والمعتقل السياسي ، لذلك يجب أن تشغل حيزا من الزمن يكون ملائما كي يطمئن على أحوال الأسرة ، خاصة إذا كان متزوجا ولديه أطفال . كما أن الأسرة ( الأم أو الزوجة على وجه التحديد ) تكون في أشد الحاجة – بعد رحلة الشقاء الطويلة إلى السجن ، خاصة إذا كان من السجون النائية – إلي أن تستشعر الأمان وتشعره لذويها ، وأن تشد من أزره وتطمئن على أحواله النفسية والبدنية ، وأن تبلغه عن أحوال الأسرة ما يسره أو ما يحتاج إلى استشارته ، فيزيد لديه الإحساس بالمسئولية .

ورغم أن أماكن الزيارات والظروف التي تجري فيها تحتل أهمية خاصة في حفظ الروابط الاجتماعية والكرامة الإنسانية للسجناء والمعتقلين .. إلا أن إغفال نص المادة 70 من اللائحة الداخلية للسجون فى تحديد شروط ومواصفات الأماكن المخصصة للزيارات داخل السجون ، و اشتراط حضور أحد مستخدمي السجن أثناء زيارة المسجونين يعطي لإدارة السجون سلطة تقديرية واسعة في تحديد وتنظيم أماكن الزيارة وظروف إجرائها ، وهو ما قد يتعارض مع الهدف من الزيارة . حيث عادة ما تتعسف إدارة السجون عند ممارسة هذه الرخصة ، فتقوم بإجراء الزيارة من وراء ” سلك مزدوج ” يقف السجين أو المعتقل خلف إحداهما وأسرته خلف الآخر ، ويفصل بين السلكين مسافة تبلغ 120سم تستخدم كممر يتواجد بداخله مندوب السجن من رجال الأمن بحيث يستطيع سماع تفاصيل محادثات السجين أو المعتقل مع أسرته . وهو ما يعتبر اعتداء على حق التواصل الشخصي المباشر بين النزيل وأفراد أسرته ( الأم ، الأب ، الزوجة ، الأبناء ، الأشقاء . . الخ ) .

كما تشتكي أسر المعتقلين والسجناء في السجون المفتوحة من التعقيدات الإدارية عند استخراج تصاريح الزيارة ، ومن إساءة معاملتهم أثناء الزيارة ومصادرة المأكولات والأدوية والملابس الخاصة بذويهم ، ومن النفقات المالية الباهظة للزيارة ، وغير ذلك من مظاهر الانتهاكات . ويلخص والد المعتقل السياسي صلاح الدين عبد الشافى السمان ، في شكواه لمركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء ، معاناة الأسرة أثناء زيارة نجلها بقوله :

( اعتقل في 20/4/96 المودع بسجن الوادي الجديد في آخر زيارة للأسرة وجد أنه يعاني من دوالي بالساقين والجرب وأثناء زيارته نعاني من مشاكل عديدة أولها مشاكل مادية وكثرة الزيارات ومرض أمه ورقداها في الفراش وأن وقت الزيارة لا يتعدي دقيقتين ولا يقل العدد عن 150 فردا أثناء الزيارة ولا نسمع إلا ضجيجا من كثرة العدد بالإضافة إلى سوء المعاملة في أخذ الزيارة مع رجوع معظم الطعام بالإضافة  إلى الضرب والإهانة أثناء الزيارة ولا نسمع أي شئ للازدحام الشديد وساءت حالته حزنا علي وفاة شقيقه وهو بالمعتقل وأنه يعامل معاملة سيئة من ذل وهوان وقد قمنا بإرسال عدة بلاغات إلى كل من وزير الداخلية ورئيسي مجلسي الشعب والشورى والنائب العام وقمنا بعمل أكثر من مائه تظلم ويأخذ إفراجا دون أن يخرج من السجن  . )

ـ كما أفاد العديد من الشكاوى التي تلقاها مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء أن العديد من الأسر لم تعد تعلم المكان الحالي المودع فيه ذووهم من المعتقلين ، وذلك بسبب قيام وزارة الداخلية في أعقاب حصول المعتقل على إفراج من المحكمة بنقله من السجن المودع فيه إلى أحد مقرات فرق الأمن المركزي المنتشرة في المحافظات ، أو إلى أحد السجون العمومية أو أقسام الشرطة ، وذلك لفترة مؤقتة ، يتم بعدها توزيعه على سجن جديد ، أو إعادة نقله إلى السجن الذي كان مودعا فيه ، وخلال رحلة العذاب هذه تنقطع صلة المعتقل بأسرته . من الشكاوى التي وصلت المركز في هذا الإطار ، شكوى والدة المعتقل شريف محمد سرور الجندي المعتقل منذ 7/10/1992 تقول فيها :

” منذ آخر زيارة لابني في سجن دمنهور يوم 13/7/1999 لا نعلم شريف موجود في أي سجن ، وعلمنا من أهل الخير أنه حصل على إفراج من المحكمة ، وبعدها رحلوه من سجن دمنهور .  لقد توفى والده وكان نفسه يشوف ابنه ، وقدمنا طلبا قبل وفاته لخروج شريف لرؤية والده المريض  الذي لا يستطيع زيارته في السجن ، ولكن ضباط أمن الدولة رفضوا ذلك . وفي آخر زيارة لابني تعرضنا لإهانة الحراس ، ولم تستمر الزيارة أكثر من ثلاث دقائق ، وعلمنا من شريف أنهم لا يسمحون له بأداء امتحان الفرقة الثانية بكلية الحقوق ”

ـ ويعاني أهالي المعتقلين بسجن ” الوادي الجديد ” من المعاملة السيئة لهم من قبل إدارة السجن ، بالإضافة إلى معاناتهم المادية والمعنوية من السفر إلى هناك ، وخاصة بالنسبة للأهالي الذين يقطنون في محافظات بعيدة عن الوادي الجديد ، وهو الأمر الذي اضطر بعض الأسر إلى الامتناع عن زيارة ذويهم بسجن الوادي الجديد . ولقد تقوقعت أحلام بعض الأسر إلى حد المطالبة فقط بمجرد نقلهم إلى سجون قريبة من محال إقامتهم حتى يتمكنوا من رؤيتهم والاطمئنان عليهم . وفي ذلك تقول والدة المعتقل محمد حسين عبده إبراهيم البالغ من العمر 24 سنة وهو طالب بمعهد القراءات ، في شكواها للمركز بتاريخ 3 فبراير 2000  ما يلي :

” ابني معتقل في سجن الوادي الجديد ، بينما تقيم الأسرة في إمبابة بمحافظة الجيزة ، والزيارة ترهقنا بشكل كبير ماديا ونفسيا ، فالزيارة الواحدة تتكلف أكثر من 200 جنيه بخلاف مصاريف الانتقال ، وإخوته في مراحل التعليم المختلفة وفي حاجة إلى كل قرش . كما أن صحتي لم تعد تتحمل مشقة السفر من وإلى الوادي الجديد . وفي المرات القليلة التي قمنا بزيارته ، كنا نعامل معاملة سيئة من الضباط وحرس السجن ، وكانوا يقومون بتقطيع الطعام وعجنه في بعضه . وكان ابني يشتكي من الروماتيزم ، كما أخبرنا بأنهم منعوه من دخول امتحان معهد القراءات . ولا أطلب من الله سوى نقله إلى سجن قريب من القاهرة حتى أتمكن من زيارته ”

وتروي إحدى الأمهات معاناتها أثناء زيارة أولادها الثلاثة المعتقلين منذ تسع سنوات([3]) ، في شكواها للمركز بتاريخ 24/1/2000 قائلة :  ” أولادي الثلاثة الكبار قد تم اعتقالهم منذ سنوات بدون أي تهمة . وأنا خائفة على محمود قوي ، فهو مريض جدا وعنده شلل بالقدمين من طول اعتقاله منذ تسع سنوات . وأنه محروم من أداء الامتحان . وبالنسبة إلى أشرف وفيصل فهما معتقلان في سجن الوادي الجديد . وفي آخر زيارة للسجن أخذوا منا التصاريح ، وبعد ذلك رجعوها لنا وأخبرونا أنه ما فيش زيارة . وفي كل زيارة كانوا يأخذون منا عينة من الأكل ويرفضون دخول باقي الطعام ، ومدة الزيارة داخل السجن تكون من وراء سلك ومدتها حوالي ثلاث دقائق فقط . الرجاء إنقاذ أبنائي فسجن الوادي الجديد من أوسخ السجون ، وأنه مقبرة  للأحياء ” .

وتكشف الشكوى التي أرسلتها أسرة المعتقل إبراهيم عبد الرازق سلامة للمركز بتاريخ 3/2/2000 الواقع المتردي للزيارة بسجن الوادي الجديد وحجم المعاناة التي تتكبدها الأسر ، حيث جاء في الرسالة ما يلي :

” أما عن ظروف الزيارة فهي سيئة للغاية ، فالمسافة بين القاهرة والوادي الجديد حوالي 700 كم يوم كامل رايح ويوم جاي ، وغير التعب والمصاريف نجد تعبا أشد عند الوصول فقبل بوابة السجن بحوالي كيلو ونصف ننزل من العربة ونحمل ما أتينا به على أكتافنا ورءوسنا ونمشي هذه المسافة حتى نصل إلى البوابة . وهناك نتعرض للتفتيش والبهدلة ، وبعد ذلك نمشي كيلو ونصف أخرى ثم نجلس في الاستراحة حوالي ساعتين ، يقوم الحرس خلالها بأخذ تصاريح الزيارة منا والبطاقات الشخصية الخاصة بالزائرين . وبعد ذلك ينادون على الزائرين ، فنحمل أشياءنا إلى البوابة الكبيرة ، وكل من معه أي شئ يجب أن يضعه على الترابيزة أمام الحرس ، ونقف في طوابير طويلة من الرجال والنساء ، والمرأة المنقبة يجب أن تعري وجهها ، ويعاملوننا معاملة سيئة وكأننا غير بني أدمين . ولا يسمحون إلا بدخول كمية ضئيلة من الطعام بعد نزع العظام من الفراخ واللحوم وتقطيع الأكل وتفعيصه . والمؤلم جدا ، أنه بعد ذلك يدخل أكثر من مائة شخص مرة واحدة إلى مكان الزيارة ، لا نسمع صوت بعضنا كما لا نرى وجه أخي بوضوح من وراء السلك ، وبعد أقل من خمس دقائق ينهون الزيارة . وبعد الخروج نسمع صوت بكاء العديد من الأسر التي لم تستطع رؤية أبنائها بسبب الزحام الشديد ” .

وزوجة أخرى تروي مأساة  الأسرة بعد اعتقال الزوج ([4])  قائلة : ” كان زوجي في صحة جيدة قبل اعتقاله ، ولكنه أصيب بالدرن بعد الاعتقال ويحتاج إلى علاج مستمر لمدة سنة لا يوجد داخل مستشفى السجن ، وكان العائل الوحيد للأسرة التي تضمني أنا وطفلتي البالغة من العمر أربع سنوات والتي لم تر والدها حتى الآن ، بالإضافة إلى الأم والأب وهو مسن ومصاب بالسكر ، في آخر زيارة لزوجي في السجن يوم 14/2/1998 ـ أي منذ أكثر من سنة ونصف السنة ـ بكى كالأطفال عندما سألني عن أخبار ابنته الوحيدة فقلت له إنها تريد أن تراه وتحتاج إليه بشدة . والله أنا قادرة أعيش على الكفاف ، وعلى مساعدة أهل الخير ، ولكني محتاجة إلى زوجي وأبو طفلتي ، فلماذا يحرموننا من زيارته ، ولماذا يحتجزونه إلى الآن بدون تهمة ” .
ـ والجدير بالذكر ، أن مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء قام برفع عدة دعاوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري للمطالبة بإلغاء قرار وزير الداخلية بمنع الزيارة وفض السلك أثناء الزيارة لبعض السجون المفتوحة للزيارة ، وذلك تأسيسا على مخالفة قرار المنع للدستور المصري وللمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان التي صادقت عليها الحكومة المصرية  . وقد حصل المركز خلال عام  2000 على  57 حكما قضائيا من محكمة القضاء الإداري  بفتح سجون الفيوم ( 27 حكما) وليمان أبى زعبل (حكم واحد ) و شديد الحراسة  بطره(18 حكما )  واستقبال طره ( 2 ) للزيارة وفض السلك لسجون الوادى الجديد ( 5 ) ودمنهور (3 ) ووادى النطرون (1) .. وقد أكدت حيثيات تلك الأحكام الجديدة ، بوقف تنفيذ قرارات وزير الداخلية بإغلاق السجون ، والتي كان آخرها القرار رقم 556 لسنة 1999 بمنع الزيارة لمدة ثلاثة أشهر عن السجون الثلاثة  .. أكدت من جديد حرص المشرع على تأكيد احترام آدمية الإنسان وكرامته وعدم المساس به ماديا أو معنويا ، فجعل للمحكوم عليه بأية عقوبة الحق في الزيارة وهو حق مزدوج مقرر للمحكوم عليه ولذويه ولأي منهم أن يطلب هذه الزيارة .. وأنه استثناء من الأصل السالف بيانه يجوز للجهة الإدارية أن تمنع زيارة المسجون لأسباب صحية أو أمنية ، إلا أن هذا المنع الاستثنائي لا يكون مطلقا أو غير محدد بمدة معينة ، و إنما هو منع من الزيارة في أوقات معينة ولأسباب تتعلق بالأمن والصحة .

كما أكدت الأحكام أن الإطلاق الوارد في النص مقيد في حقيقة الأمر بالوقت فضلا عن قيام موجباته ، ومن ثم لا يجوز القول إن نص المادة 42 من قانون السجون يجيز منع الزيارة عن المحكوم عليه منعا مطلقا طالما وجدت أسباب أمنية ، بل يجب أن تمارس هذه السلطة في أوقات معينة فقط وليس في كل الأوقات وبصفة دائمة تستغرق فترة وجود المسجون أو المعتقل في محبسه . وأوضحت الأحكام أن القول بغير ذلك يشكل إهدارا لآدمية المسجون وإيذاء معنويا له وحرمانه من حق طبيعي مقرر له ولذويه ، ولا يمكن أن يكون ذلك هدف المشرع من نص المادة 42 التي جاءت استثناء من الأصل العام ” . وكذلك أظهرت الأحكام عدم شرعية مسلك الجهة الإدارية بالتحايل على القانون بإصدار قرارات إدارية متعاقبة بمنع الزيارة لمدة ثلاثة شهور عن السجون المغلقة .. فأعادت التأكيد على أن تتابع القرارات  الإدارية بمنع الزيارة لمدة معينة تلو الأخرى دون أصل زمني وذلك بسبب تتابع تحذيرات الجهات الأمنية من استهداف العناصر الإرهابية لبعض السجون . أشبه بالحرمان الدائم من الزيارة الذي حرص المشرع على عدم جوازه للاعتبارات الدستورية و القانونية التي من أجلها قرر لذوي المسجون الحق في زيارته.

وقد رحب مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء بالقرار الصادر عن وزارة الداخلية يوم 15 يناير2000 قرار فتح سجن الفيوم العمومي للزيارة بعد أكثر من ثلاث سنوات قضاها السجناء والمعتقلون السياسيون المودعون داخله في حالة عزلة كاملة عن العالم الخارجي ..  ومع ذلك لم  تبادر وزارة الداخلية بتدعيم تلك الخطوة الإيجابية والتي طال انتظارها ،  بتنفيذ جميع الأحكام والسماح للمسجونين والمعتقلين المودعين بسجن شديد الحراسة بطره وليمان أبى زعبل  بتلقي الزيارات احتراما للدستور والقانون ولقدسية أحكام القضاء ، خاصة وأن الأسباب الأمنية التي تتذرع بها وزارة الداخلية لإغلاق تلك السجون ليست مبررا كافيا لإغلاقها ، وذلك لأن لها أن تتجنب الأضرار والمخاطر المترتبة على فتح السجون بوضع الإجراءات والضوابط الكفيلة بمراعاة الجانب الأمني . وقد أكدت أحكام القضاء الإداري الصادرة في الدعاوى الثلاثة والثلاثين على الفهم السابق بقولها :

” إن تهديد بعض الخارجين على القانون بتنفيذ بعض العمليات الإرهابية لا يخول للإدارة منع الزيارة عن السجون بصفة دائمة ، و إنما على الإدارة أن تقرر المنع لمدة محددة  تتخذ خلالها من الإجراءات  والاحتياطات ما يمكنها من كفالة الحقوق التي حرص  الدستور والقانون على النص عليها دون أن تصل تلك الإجراءات والاحتياطات إلى حد الحرمان الدائم بتتابع المدد التي تمنع الزيارة خلالها واتصالها ببعضها ، ومن ثم فإن القرار المطعون فيه يكون بحسب الظاهر من الأوراق مشوبا بمخالفة المشروعية ويتوافر بذلك ركن الجدية في طلب وقف التنفيذ “.
تأثير الاعتقال أو السجن على اسر السجناء والمعتقلين
______________________________________
([1]) بداية من عام 1993 شهدت عمليات العنف السياسي التي ترتكبها الجماعات الإسلامية المتطرفة ، وبخاصة تنظيمي الجماعة الإسلامية والجهاد ، نموا كيفيا وكميا وارتفاعا ملحوظا في مستوى الأداء والمهارة والتقنية المستخدمة ، وبلغ حصاد أعمال العنف خلال العام 1993 نحو 207 أشخاص من بينهم 91 من رجال الشرطة و59 من أعضاء الجماعات المتطرفة و56 من المواطنين العاديين واثنين من السائحين الأجانب ، وذلك بزيادة ملحوظة عن حصيلة أعمال العنف خلال العام 1992 التي بلغت 92 شخصا . راجع في ذلك : خلف جدار النسيان ، البحث الصادر عن مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء .
([2]) تجدد وزارة الداخلية قرار منع الزيارة عن السجون الأربعة سالفة الذكر كل ثلاثة أشهر ، كوسيلة للتحايل على القانون الذي يبطل قرارات المنع غير المحددة بمدة معينة .
([3]) وأبناء هذه السيدة الثلاثة هم : (1) أشرف صابر صبيح ، يبلغ من العمر 30 عاما ، حاصل على دبلوم ثانوي صناعي ، واعتقل في عام 1990 ومودع بسجن الوادي الجديد . (2) فيصل صابر صبيح ، يبلغ من العمر 27 سنة ، وحاصل على دبلوم ثانوي زراعي واعتقل في العام 1996 . (3) محمود صابر صبيح ، يبلغ من العمر 28 عاما ، وهو طالب بكلية الآداب / انتساب بجامعة بني سويف ، اعتقل في العام 1990وهو مودع بسجن الفيوم .
([4]) الزوج محمود سيد حسن جاد المولى ، السن 31 سنة ، متزوج ولديه طفلة عمرها أربع سنوات ، كان يعمل ” مشغل آلات ” بمصنع أسمنت قبل اعتقاله بتاريخ 10/7/1994 ومودع بسجن أبي زعبل .

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.