مسطرة تنفيذ الحكم بالنفقة الزوجية ودور القضاء في هذا المجال – الفصل الثاني:
تكمن وظيفة الجهاز القضائي في فض المنازعات القائمة بين الأفراد إلا أن الأمر لا يقف عند هذا الحد، لأن الغاية المنشودة من اللجوء إلى القضاء لا يقف عند حد إصدار الأحكام، بل إن تقرير الحق لا يكتمل بتنفيذه [1]، إذ أنه كما قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لا ينفع تكلب بحق لا نفاذ له”[2] فعدم التنفيذ أو التراخي فيه يدفع المحكوم إلى الإحساس بظلم العدالة. لتبرز الأهمية القصوى التي يكتسيها موضوع تنفيذ الأحكام على اعتباره مقياسا تقاس به مصداقية العدالة داخل كل دولة وامتحان لمدى فعالية الحكم نفسه.
فالتنفيذ هو أهم مرحلة من مراحل التقاضي والذي ينقل الحق المقرر من حالة التجريد إلى الواقعية ويكرس مبدأ العدالة ويقوي الثقة في نفوس المتقاضين.
يتسم موضوع التنفيذ بالطبيعة القانونية والقضائية معا، على اعتبار أن النصوص القانونية أصدرت لتجد طريقا إلى التنفيذ، وللقضاء الدور الفاعل لإحيائها.
فإذا كان تأطير الموضوع يفرض إبراز أهمية التنفيذ فإنه بالمقابل لابد من إبراز إشكالاته، وهذا ما يعايش يوميا في الحياة العملية للمحاكم، فقد أصبح التنفيذ يشكل العقبة الكبرى أمام المتقاضين ويحسب له ألف حساب لدرجة أنه أفقدهم الثقة في عدالة القضاء. ويمكن إيعاز الأمر إلى الرفوف المليئة بالأحكام التي تنتظر التنفيذ.
وبالرجوع إلى الجزئية الموضوعية نجد أن التنفيذ في إطار قضايا الأسرة يكتسي أهمية خاصة نظرا لطابعها وحساسية المواضيع التي تثيرها. هذا ما يفسر اتجاه المشرع إلى النص على قواعد خاصة لتنفيذ أحكامها في إطار قانون مدونة الأسرة[3] على الرغم من اعتباره قانون موضوعي ويتدعم الأمر كذلك بالقواعد العامة المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية[4] وحتى هذه الأخيرة لم تخرج عن أفراد بعض القواعد والتي تبرز خصوصية التنفيذ في المادة الأسرية (1792 مكرر م م مثلا)، فقد أكد جلالة الملك محمد السادس في خطابه التاريخي على أهمية التنفيذ لأحكام قضايا الأسرة حيث قال: أن هذه المدونة مهما تضمنت من عناصر فإن تفعيلها يظل رهينا بإيجاد قضاء أسري عادل عصري وفعال لا سيما وقد تبين من تطبيق المدونة الحالية أن جوانب القصور والخلل لا ترجع لبنودها ولكن بالأحرى إلى انعدام قضاء أسري مؤهل ماديا وبشريا ومسطريا لتوفير كل شروط العدل والإنصاف مع السرعة في البث في القضايا والتعجيل بتنفيذها.
وتبعا للأهمية التي يكتسيها التنفيذ باعتباره آخر المراحل القضائية في عمر المنازعات وما يترتب عند مباشرته من إجراءات وإشكالات سنعالج هذا الفصل في مبحثين. المبحث الأول (مسطرة تنفيذ الحكم بالنفقة الزوجية) المبحث الثاني (الاجتهادات القضائية في الحكم بالنفقة).
المبحث الأول: مسطرة تنفيذ الحكم بالنفقة الزوجية:
لقد حرص المقنن المغربي على تعزيز وتقوية ضمانات المحاكمة العادلة في الميدان الجنائي من خلال بسطه لترسانة من القواعد المسطرية أو الإجرائية والتي من خلالها تتحقق الفعالية للقواعد الموضوعية. فبدون هذه الأخيرة ستتعطل القواعد الإجرائية والتي تعتبر من أهم المبادئ الأساسية التي جاء بها قانون المسطرة الجنائية. ولقد خص المقنن المغربي جنحة إهمال الأسرة بمسطرة ذات طابع خاص سواء في شروط تحريكها أو في الاختصاص للبث فيها.
وتبعا لذلك سنتناول هذا الموضوع من خلال مطلبين، المطلب الأول (على مستوى الاختصاصات)، أما المطلب الثاني سنتناول فيه (على مستوى المتابعة).
المطلب الأول: على مستوى الاختصاص:
خلافا لمبدأ المدعي يتبع المدعى عليه إلى موطنه كما هو منصوص عليه في الفصل 27 من قانون المسطرة المدنية[5]، فإنه يرخص للزوجة في دعوى النفقة عموما ونفقة المتعة خصوصا إمكانية رفعها أمام محكمة موطنها ولو كان الزوج يخضع لمحكمة أخرى، وذلك استنادا للفصل 28 من قانون المسطرة المدنية، حيث جاء في إحدى فقراته “تقام الدعاوى خلافا لمقتضيات الفصل السابق أمام المحاكم التالية: “…في دعاوى النفقة أمام محكمة موطن أو محل إقامة المدعى عليه أو موطن أو محل إقامة المدعي باختيار هذا الأخير”[6] ولعل المقنن المغربي توخى من ذلك التخفيف على الزوجة من مصاريف التقاضي والتنقل، باعتبارها الطرف الأضعف والأجدر بالرعاية كما يرى الأستاذ عبد العزيز توفيق[7].
وهذه المسطرة في المتابعة هي المنصوص عليها في الفصل 481 من القانون الجنائي المغربي حيث جاء فيه: “إلى جانب المحاكم المختصة طبقا لقواعد الاختصاص العادية، فإن المحكمة التي يقيم بدائرتها الشخص المهمل أو المستحق للنفقة تختص هي أيضا بالنظر في الدعاوى المرفوعة تنفيذا لمقتضيات الفصلين السابقين”[8].
ويتضح لنا من خلال هذا الفصل أنه بالإضافة إلى قواعد الاختصاص المنصوص عليها في المسطرة الجنائية وخاصة الفصل 259 الذي يعطي الاختصاص التي يقع في دائرة نفوذها إما محل ارتكاب الجريمة وإما محل إقامة المتهم، وإما محل إلقاء القبض عليه[9]، يمكن للزوجة أن تتابع زوجها في المحكمة التي توجد في محل سكناها[10].
وتبعا لذلك فإن النفقة التي يحددها القاضي تعتبر دينا محمولا وغير مطلوب أي أن الزوج مطالب بأدائه للزوجة في المكان الذي تتواجد به[11]، وإلى هذا أشارت الفقرة الثالثة من الفصل 480 من القانون الجنائي حيث جاء فيها: “والنفقة التي يحددها القاضي تكون واجبة الأداء في محل المستحق لها ما لم ينص الحكم على خلاف ذلك[12]. وهو ما يستخلص أيضا من الفصل 28 من قانون المسطرة المدنية السالف الذكر.
ولقد صدر منشور عن وزارة العدل بخصوص المقصود بالسكنى المعتبرة في الاختصاص بالنسبة لدعوى الأحوال الشخصية[13].
ومن الجدير بالذكر أنه إذا امتنع الزوج المقيم بالمغرب من أداء النفقة لزوجته القاطنة بالخارج فإنه تطبق عليه مقتضيات الفصل 259 من قانون المسطرة الجنائية الجديد- الفصل 261 من القانون القديم التي تعطي الاختصاص لمحكمة البث التي يقع في دائرة نفوذها إما محل ارتكاب الجريمة وإما محل إقامة الشخص المتابع وإما محل إلقاء القبض عليه[14].
وهذا ما قضى به المجلس الأعلى في حق هنري دوير الذي كان يقيم بالدار البيضاء وامتنع عمدا عن أداء النفقة المحكوم بها لمفارقته المقيمة بفرنسا. حيث جاء في قراره: “فيما يخص دائن النفقة الساكن أو المقيم بقطر أجنبي تطبق مقتضيات الفصل 261 من قانون المسطرة الجنائية السالف الذكر[15].
كما أنه إن تم بالمغرب إنجاز الفعل الرئيسي للجريمة وهو امتناع الزوج عن نفقة زوجته أصبح الاختصاص بموجب ذلك راجعا لمحاكم المملكة طبقا للفصل 704 من قانون المسطرة الجنائية، حيث جاء فيه: “تختص محاكم المملكة بالنظر في كل جريمة ترتكب في الأراضي المغربية أيا كانت جنسية مرتكبها.
كل جريمة تتم داخل المغرب ارتكاب أحد الأفعال التي تشكل عنصر من عناصر تكوينها تعتبر كما لو ارتكبت في أراضي المملكة…”[16]. وهو ما كان منصوصا في الفصل 748 من قانون المسطرة الجنائية قبل التعديل الأخير مع اختلاف في الصياغة فقط وهو ما قضى به المجلس الأعلى في قراره السالف بين هنري دوير والنيابة العامة. حيث جاء فيه: “بمقتضى الفصل 748 من قانون المسطرة إن تم بالمغرب إنجاز الفعل الرئيسي للجريمة أصبح الاختصاص بموجب ذلك راجعا لمحاكم المملكة ولو كانت بعض العناصر لهذه الجريمة قد تم تحقيقها في قطر أجنبي. ولهذا يكون من اختصاص محاكم المغرب الامتناع عمدا عن أداء النفقة المقترفة من شخص مقيم بالمغرب لأن الفعل الرئيسي للجريمة يكون قد تم بالمغرب”[17].
ومن الجدير بالذكر أن قواعد الاختصاص المنصوص عليها في الفصل 259 من قانون م ج ترد عليها استثناءات كما هو الشأن بالنسبة للجرائم التي يرتكبها العسكريون، إذ حسب الفصل الثالث من قانون العدل العسكري[18]، فإن المحكمة العسكرية الدائمة للقوات المسلحة الملكية هي المختصة في الجرائم التي يرتكبها العسكريون من مختلف الرتب، وبالتالي فإذا كان مقترف جنحة إهمال الأسرة ينتمي للقوات المسلحة الملكية، فإن المحكمة المشار إليها هي التي تختص بالنظر فيها دون غيرها من المحاكم أيا كان محل ارتكابهم لها أو محل إقامتهم أو محل إقامة المستحق للنفقة أو المهمل أو محل إلقاء القبض عليهم.
المطلب الثاني: على مستوى المتابعة:
إن إجراءات مسطرة متابعة الزوج بجنحة إهمال نفقة زوجته المنصوص عليها في الفصل 481 معقدة وتستغرق وقتا لا يستهان به إذ تقتضي متابعته استصدار حكم قضائي بأداء النفقة وطلب تنفيذه وفقا للإجراءات العادية، ثم رفع شكوى بعد ذلك إلى النيابة العامة التي تعذره عن طريق استجوابه من طرف أحد ضباط الشرطة القضائية، وإنذاره بأداء ما عليه داخل خمسة عشر يوما، ولا يمكن تحريك الدعوى العمومية في مواجهته إلا بعد مضي هذا الأجل، ولا شك أن هذه الإجراءات لا تنسجم وطبيعة النفقة المتسمة بالطابع المعيشي، وتبعا لذلك يبدو وأنه لا مناص من ضرورة تعديل تلك الإجراءات وإقرار تنفيذ الحكم فور صدوره أو على الأقل في أيام محدودة حتى لا يتضرر الطرف المدعي – الزوجة- كما هو واقع عمليا. ولن يتأتى هذا إلا بالتعجيل بإحداث صندوق التكافل العائلي الذي شدد على ضرورة الإسراع بإخراجه إلى حيز الوجود صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة افتتاحه السنة التشريعية الثانية من الولاية السابعة في خطابه بتاريخ 10/10/2003.
ومن أهم المميزات التي تتميز بها دعوى النفقة عن غيرها هي:
إن مقال طلب النفقة أصبح معفى من أداء الرسوم القضائية[19] نظرا للطابع الاجتماعي لهذا النوع من القضايا وذلك بمقتضى ظهير شريف[20]. والإعفاء من الرسوم القضائية منصوص عليه في الفقرة “ك” من الفصل الثاني من قانون الرسوم القضائية. حيث جاء فيها استثناء من الأحكام الواردة في قانون الرسوم القضائية: “تتمتع بالإعفاء من الضرائب والرسوم المقررة فيه…ك، الطلبات المتعلقة بالنفقة” وعبارة الطلبات المتعلقة بالنفقة تشمل دعاوى النفقة سواء كان المدعي ابنا أو أبا أو زوجة أو أي قريب أو مستحق آخر للنفقة.
ويرى الأستاذ القدوري أن الغاية من سن المساعدة القضائية في ميدان المطالبة بالنفقة يقتضي أن تشمل عبارة: “دعاوى النفقة” سائر الدعاوى الرامية إلى النفقة وعلى مستوى المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف والمجلس الأعلى، بحيث ينبغي أن يعفى طالب النفقة من الرسوم القضائية سواء كان مدعيا أو مستأنفا أصليا أو فرعيا أو طالبا للنقض[21].
شفوية المسطرة: لم تعد المسطرة الشفوية هي المبدأ في ميدان التقاضي أمام المحاكم الابتدائية، فقد نص الفصل 45 من ق م م بمقتضى التعديل أن المسطرة الكتابية المطبقة أمام محاكم الاستئناف هي المطبقة أمام المحاكم الابتدائية وتم استثناء قضايا محددة من ذلك، حيث تطبق المسطرة الشفوية ومنها قضايا النفقة[22]. وحسب التعديل الأخير الذي لحق ق.م.م أصبحت المسطرة الشفوية تطبق أيضا في دعاوى الطلاق والتطليق وهذا ما نص عليه الفصل 45 حيث جاء في إحدى فقراته: “… غير أن المسطرة تكون شفوية في القضايا التالية:… قضايا النفقة والطلاق والتطليق[23].
لعل الهدف من هذا الإجراء شفوية المسطرة هو سرعة البث في القضايا المرتبطة بالعيش للزوجة والأطفال، لأن تطبيق المسطرة الكتابية أمام المحاكم الابتدائية في قضايا الأحوال الشخصية تسبب في المزيد من التطويل وتعطيل البث في القضايا، ويرجع السبب في ذلك بالخصوص إلى مشكل التبليغ وتأطير كتابة الضبط، فضلا عن تحايل الأطراف واستغلالهم للمسطرة الكتابية من أجل عرقلتها وربح الوقت. لذلك ينبغي تعميم المسطرة الشفوية على جميع قضايا الأحوال الشخصية وليس الاقتصار على النفقة فقط[24].
– الإعفاء من وجوب تنصيب محام بحيث إذا كان المبدأ هو الاستعانة بمحام أمام مختلف الجهات القضائية نظرا للدور النبيل الذي يؤديه في مد يد المساعدة لتحقيق العدل وحماية الحقوق، وطبقا للظهير الشريف[25] فإنه تم استثناء قضايا محدودة من وجوب تنصيب محام، ومنها قضايا النفقة، ولا تخفى المبررات الاجتماعية والاقتصادية للإعفاء من تنصيب محام إذ أغلب المتقاضيات في ميدان الأحوال الشخصية- ومنها قضايا النفقة- من الفئات الضعيفة وبالتالي إجبارهن بذاك قد يثنيهن عن المطالبة بحقوقهن عن طريق القضاء. زيادة على ذلك أن طبيعة هذه الدعاوى تقتضي الحضور الشخصي للأطراف ليتمكن قاضي الأسرة من إجراء الصلح الاجتماعي بين الزوجين وهذا ما جاء في التعديل الأخير لمدونة الأسرة في المادة 82.
– تخفيض الآجال: خاصة أمام المجلس الأعلى. وهذا ما جاء به الفصل 367 من ق م م ، حيث نص على ما يلي: “تخفض الآجال المنصوص عليها في الفصول 364 و 365 و 366 إلى النصف فيما يخص طلبات النقض المرفوعة ضد الأحكام الآتية: الأحكام الصادرة في قضايا النفقة أو قانون الأحوال الشخصية أو الجنسية… ويجوز للمستشار المقرر في جميع القضايا أن يحدد أجلا أقل إن تطلب ذلك نوع القضية وظروفها[26]. وتجدر الإشارة إلى أن الفصل 364 من ق م م حدد أجل تقديم المذكرة التفصيلية خلال 30 يوما والفصل 365 من نفس القانون حدد أجل تقديم المذكرة الجوابية في 30 يوما. وكذلك الفصل 366 حدد أجل تقديم مستندات النيابة العامة في 30 يوما.
– شمول النفقة بالنفاذ المعجل بقوة القانون: سواء عند رفضها أو البث فيها وذلك طبقا لما نص عليه الفصل 179 مكرر من ق م م حيث جاء فيه: “يبث في طلبات النفقة باستعجال وتنفذ الأوامر والأحكام في هذه القضايا رغم كل طعن. ريثما يصدر الحكم في موضوع دعوى النفقة للقاضي أن يحكم بنفقة مؤقتة لمستحقيها في ظرف شهر من تاريخ طلبها مع اعتبار صحة الطلب والحجج التي يمكن الاعتماد عليها.
وينفذ هذا الحكم قبل التسجيل وبمجرد الإدلاء بنسخة منه[27]. وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 190 من المدونة الجديدة للأسرة. حيث جاء فيها: “يعين في القضايا المتعلقة بالنفقة في أجل أقصاه شهر واحد”[28].
نفقة المتعة حسب الحالة الاجتماعية
____________________________________
[1] يعرف التنفيذ عادة هو تلك الوسيلة التي تمارس فيها السلطة العامة تحت إشراف القضاء وبأمر منه على الحكم صادر عن المحكمة أو بناء على طلب الدائن الذي يتوفر على سند تنفيذه.
لم لا يتعرض أحد للحالة التي ليس هناك امتناع بل يريد الزوج المطلق دفع النفقة ، و يرفض الصندوق تسلم مبلغ النفقة قبل صدور أمر بالتنفيذ من طرف وكيل الملك
لا توجد أدنى نسبة يراعى فيها حق المنفق حتى لو طرد من العمل قوانين تطبق بدون دراسة وتساهم في اثقال كاهل الشباب وعزوفهم عن الزواج فأين المساواة