ب- مجالات الاجتهاد المقاصدي :
مجالات الاجتهاد المقاصدي هي الميادين التي يمكن أن تستخدم فيها المقاصد، مراعاة لها، واستنادا إليها في بيان أحكامها الشرعية على وفق تلك المقاصد وعلى ضوئها ومقتضاها ، ومعلوم أن أحكامها الشرعية على وفق تلك المقاصد وعلى ضوئها ومقتضاها ، ومعلوم أن أحكام الشريعة منها ما هو متغير قابل للاجتهاد فيه وفق المقاصد والمصالح .
ومنها ما هو ثابت بالنصوص والإجماع على مر الأزمان لا يتغير بموجب مصالح الإنسانية المتغيرة والمتطورة، وهو ما تبتت وتأكدت مصالحه المتغيرة بإجرائه على دوامه واستقراره وتباته، ومن قبيل ذلك نجد العبادات والكفارات قابليتها للمعقولية والتعليلية، وكونها من الأمور التي تفهم مصالحها ومقاصدها وغير ذلك. وإنما يعني ذلك أنه لا يجوز تغييرها في وقت من الأوقات تحت موجب المصلحة أو مقتضى مقصد معين حتم ذلك التغيير .
بل كل مجالات الشريعة يمكن فهم مصالحها وحكم مشروعيتها ، بناء على قاعدة كون الشريعة قد انطوت على ما فيه مصالح الناس في العاجل والآحل . لذلك فإن علماء الشريعة ومجتهدوها توصلوا باستقراء الأدلة والأحكام والقرائن والإمارات الشرعية إلى تقرير صفتين اثنتين للشريعة وأحكامها وتعاليمها، صفة الثبات والقطع . وصفة التغير والظن .
فما هي القطعيات المقررة التي لا يمكن بأي حال من الأحوال تغييرها أو تنقيعها بموجب النظر المقاصدي؟
وما هي الطنيات التي يمكن تغيرها بموجب النظر المقاصدي والمصلحي ؟
1-القطعيات التي لا تقبل الاجتهاد المقاصدي .
– العقيدة : وهي مجموعة من قضايا الحق البدهية المسلمة بالعقل والسمع والفطرة، يعقد عليها الإنسان قلبه، ويثني عليها صدره جازما بصحتها، قاطعا بوجودها وثبوتها، لا يرى خلافها أنه يصح أو يكون أبدا .
العبادات : وهي جملة النيات والأقوال والأعمال التي تنظم علاقة المعبود بالعابد على نحو الطهارة والصلاة والزكاة، وما يتعلق بكل ذلك من شروط وآداب .
القدرات : وهي جملة الأمور التي بينها الشارع بيانا محددا مطبوعا لا يقبل الاحتمال والتأويل ، مثالها مسائل الميراث والعدة والحدود.
أصول المعاملات : وهي مبادئ التعامل الكبرى وقواعد الأخلاق العامة على نحو قيم العدل والأمانة والصدق وإكرام الضيف، وغير ذلك من الفضائل المقررة في كل ملة .
عموم القواطع : وهي جملة ما يعد قطعيا في منظور الشرع، وإما بالتنصيص عليه او الإجماع عليه، أو ما علم من الدين بالضرورة أو غير ذلك مما لا يقبل التغير والتعديل بموجب النظر المصلحي والعمل الاجتهادي مهما علت درجات ذلك الاجتهاد والاستصلاح وبلغت ما بلغت من القطع والوضوح والمشروعية. ومن قبيل ذلك قطعية التواثر والإجماع وكيفيات بعض المعاملات وغير ذلك .
2- الظنيات التي تقبل الاجتهاد المقاصدي :
الرسائل الخادمة للعقائد : وهي مجموع الطرائق والكيفيات الدعوية والخطابية والتعليمية التي تستخدم في بيان العقيدة الإسلامية، وترسيخ مبادئها وأركانها ومسائلها في النفوس والعقول ، وبث آثارها ونتائجها في أحوال الحياة ومناحي الوجود وميادين الحياة عامة .
فالعقيدة الإسلامية أمر قطعي مسلم به أما وسائل وطرائق بيانها وتجديرها فمتغيرة تغير الزمان وأهله وعلومه وأحوال وأساليبه .
والحياة المعاصرة هي في أشد الحاجة إن لم يقوم أهل العلم في مختلف فنونه وفروعه بدورهم البناء في اعادة بناء العقيدة في نفوس الناس، وبتطوير ما يوصل إليها من طرائق وسبل تجمع بين الموروث النقلي والمحصول العصري .
وباستثمار المستجدات العلمية من وسائل سمعية وبصرية وفنية وإعلامية .
وهذا ما يحتمه الاجتهاد المعاصر ويؤكده النظر المصلحي الواقعي. مع وجوب المحافظة على جوهر تلك العقيدة والإبقاء عليها صافية ونقية وسليمة من التحريف والتشويش كما نقلت عن صاحب الشريعة وكما رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
أليس من المصلحة القطعية والضرورية أن ترتبط العقيدة بأجهزت الأنترنيت والفضائيات وأن تسجل في سجل الأجهزة المعلوماتية بطرق مرغبة . وأساليب ميسرة ووسائل معاصرة .
أليس من الضرورة القطعية والخراب المدمر أن تسخر المكتشفات الإعلامية والإتصالية لتهتك القيم والفضائل ودرس النظم والمحاسن ؟
إن أمتنا أحوج ما تكون اليوم إلى من يجدد إيمانها ويجدد فضائلها ويجدد معالم شخصيتها ويعمل على إنشاء جيل مسلم يقوم في عالم اليوم بما قام بخ جيل الصحابة من قبل .
الوسائل الخادمة للعبادات : وهي مجموعة م الطرائق والسبل والكيفات التي تساعد على قيام والمحافظة عليها وضمان وقوعها وتعاضمها وتكاثرها بشدة الإقبال عليها ، والإكثار منها والارتباط بها، وذلك بتوفير ما يكون شرعيا مقبولا وميسرا لادائها والقيام بها .
وأمثلة ذلك كثيرة منها : استعمال مضخات الصوت في الأدان والجمعات والأعياد، وتفويض جهات معينة لتتولى ربح الهدي في الحج والإفادة به وغير ذلك .
كيفيات بعض المعاملات : ذكرنا سابقا أن أصول التعامل مضبوطة ومحددة ولا تقبل التغير بموجب المصلحة والمنفعة، أما كيفيات تلك الأصول وتفاصيلها على سبيل الإجمال فهي محل نظر واجتهاد واستصلاح وتعليل في ضوء المبادئ والمقاصد الشرعية، دون أن تعود على أصولها بالإبطال والإلغاء ،.
ومثال ذلك : تفاصيل تطبيق الشورى والعدل وكيفيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
النوازل الإضطرارية : وهي جملة الحوادث التي يضطر إليها المسلمون فرادى أو جماعات ، وليس لهم من سبيل سوى الأخذ بالمحظور بقدره، وإلا وقعوا في الهلاك البين المشقة غير المعتادة ، ومثالها : سائر أحكام الرخص والضروريات كأكل الميتة للمصاب بالجوع، وما أشبه ذلك من الحوادث والنوازل التي يعمل فيها بترجيح مصلحة المضطر على ملازمة الحضر والمنع ، كل ذلك يعمل فيه بشروط الضرورة القصوى والإكتفاء بالقدر الذي يزيلها دون أن يلغيها .
المسائل المتعارضة : وهي المسائل التي تتعارض فيما بينها ولا يمكن الجمع بينها ، فإنه يمكن الترجيح بينها باعتماد مصلحة مرجحة او مقصد أقوى في درجة الاعتبار والمناسبة، ومن قبيل ذلك الأحكام الاستحسانية التي عدل فيها عن القياس وإلحاقها بنظائرها ، لأنها لو استعمل فيها القياس لو صلت إلى نتائج تاباها الشريعة الإسلامية .
عموم الظنيات : وهي المسائل التي لا نص ولا اجماع علي احكامها، والتي تسمى منطقة الفراغ أو منطقة الفراغ أو منطقة العفو، والتي بحكم فيها بموجب النظر المصلحي، والمقاصد الشرعية، عن طريق القياس الكلي والفرعي والاستحسان والعرف واعتبار المآل ، وهي شاملة لكل ما يقابل القطعي اليقيني مما ذكرناه سابقا ومما يمكن أن يطرأ على مسيرة الحياة الإنسانية فيكون خاضعا للاجتهاد المقاصدي وهذا يدل على الرفق الإلهي بالناس وذلك باعتبار أن الإباحة أوسع ميدان لجولان حرية العمل ، كما يدل على مرونة الشريعة وقابليتها للتأكيد والدوام والخلود إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين .
وقبل أن ننهي الحديث عن ضوابط الاجتهاد المقاصدي لابد من التنبيه على أمر مهم وهو : حضورة الإفراط في الاجتهاد المقاصدي .
إن العمل بالمقاصد في الاجتهاد ضروري ومهم، إذ الحكم الذي لا يلتفت إلى مقصده وغايته وعلته يظل جسما بلا روح .
وهيكلان حاليا من جوهره وكنهمة وحقيقته .
وحقيقته غير أن هذا لا يعني المبالغة في استخدام المقاصد في الاجتهاد ولا يفيد الإفراط بلا موجب ولا الاقبال المتهور للعمل بالمصالح على حساب النصوص والضوابط والشروط الشرعية المقررة. وإنما يفيد كما هو معلوم التوسط والاعتدال بين مدرستين .
المدرسة التي تعنى بالنصوص الجزئية : وتتشبت بها وتفهمها فهما حرفيا ، بمعزل عما قصد الشارع ورائها، وهؤلاء هم الذين سماهم الشيخ يوسف القرضاوي ( الظاهرية الجدد) فهم ورثة الظاهرية القدامى الذين أنكروا تعليل الأحكام أو ربطها بأي مقصد بل قالوا : إن الله تعالى كان يمكن ان يأمرنا بما نهانا عنه أو ينهانا عما أمرنا به .
وهؤلاء ورثوا عن الظاهرية الحرفية والجمود ، وإن لم يرثوا عنها سعة العلم المدرسة المقابلة لهؤلاء ، وهي التي تزعم أنها تعني بمقاصد الشريعة ، وروح الدين مفعلة نصوص القرآن الكريم، والسنة الصحيحة مدعية أن الدين جوهر لا شكل وحقيقة لا صورة فإذا واجهتهم بمحكمات النصوص أنوا واروا ، وتألوا فأسرفوا ، وحرفوا الكلم عن مواضعه ، وتمسكوا بالمتشابهات وأعرضوا عن المحكمات ، وهؤلاء هم أدعياء التجديد وهم في الواقع دعاة التطريب لذلك فإن ما نؤكد عليه هو التزام الوسطية التي لا تغفل النصوص الجرئية من كتاب اللن تعالى، ومن صميم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنها لا تفقه هذه النصوص الجزئية بمعزل عن المقاصد الكلية، بل تفهمها في إطارها وفي ضوئها معتصمة بالنصوص القطعية في ثوبتها ودلالتها. فالاستمساك بها استمساك بالعروة الوتقى لا انفصام لها، ومتشبثة كذلك بما أجمعت عليه الأمة اجماعا يقينيا حقيقيا بحيث غدا يمثل ( سبيل المؤمنين) الذي لا يجوز الانحراف أو الصد عنه .
فهرست الموضوعات
المـقـدمـة
الفصل الأول : التعريف بالشيخ يوسف القرضاوي :
1- مولده ونشأته ومؤهلاته العلمية
2- أعماله الرسمية
3 – جهوده ونشاطاته في خدمة الإسلام
4 -مؤلفاته الفصل الثاني : التعريف بالاجتهاد المقاصدي :
1 تعريف الاجتهاد في اللغة والاصطلاح
أ تعريف الاجتهاد في اللغة
ب تعريف الاجتهاد في الاصطلاح
2 تعريف المقاصد في اللغة والاصطلاح
أ تعريف المقاصد في اللغة
ب تعريف المقاصد في الاصطلاح
3 مفهوم الاجتهاد المقاصدي
الفصل الثالث : تاريخ الاجتهاد المقاصدي
1 الاجتهاد في العصر النبوي
– مقاصد السنة
– مقاصد النسخ في الأخبار
– مقاصد التعارض والترجيح
2- الاجتهاد المقاصدي في عصر الصحابة
– وراثتهم النبو ونقله إلى كافة أجيال الأمة
– أثارهم في المقاصد
– الوقائع التي اجتهدوا فيها
– إجمالهم على ترك الحي
3-الاجتهاد المقاصدي في عصر التابعين
– وراثتهم لعلم الصحابة وهدي النبوة
– أخذهم بالنص والمصلحة والقياس
– اختلاف عصرهم عن عصر الخلافة
– اجتهادهم في النوازل
– إنكارهم للحيل
4- الاجتهاد المقاصدي في عصر أئمة المذاهب
– وراثتهم للهدي النبوي وعلم السلف
– أصولهم في الاستنباط
– مقاصدية الاستحسان
– مقاصدية المصلحة المرسلة
– مقاصد العرف
– مقاصدية سد الدرائع
– مقاصدية النوازل التي اجتهد فيها الأمة
5-الاجتهاد المقاصدي عند عموم الفقهاء والأصوليين :
– مظاهر الاجتهاد المقاصدي عند عموم الفقهاء والأصوليين
– التصريح بالمقاصد الشرعية
– الفروع الفقهية والأمثلة التطبيقية
– القواعد الشرعية
– مستثنيات القواعد
– مراعاة الخلاف وتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والحال
– الاعتداد بالمصاب التبعية
– مشاهير علماء المقاصد الفصل الرابع : ضوابط الاجتهاد المقاصدي ومجالاته
أ – ضوابط الاجتهاد المقاصدي
1 -دواعي العمل بالضوابط المقاصدي
2 -الضوابط العامة والشروط الاجمالية للاجتهاد المقاصدي
– شرعية المقاصد وربانيتها
– شمولية المقاصد وواقعيتها وأخلاقها
– عقلانية المقاصد .
3 – الضوابط الخاصة للاجتهاد المقاصدي :
– ضوابط المصلحة المرسلة
– ضوابط العرف
– ضوابط التعليل ب
– مجالات الاجتهاد المقاصدي
1 -القطعيات التي لا تقبل الاجتهاد المقاصدي
– العقيدة
– العبادة
– المقدرات
– أصول المعاملات
– عموم القواطع
2-الظنيات التي تقبل الاجتهاد المقاصدي :
– الوسائل الخادمة للعقائد
– الوسائل الخادمة للعبادة
– كيفيات بعض المعاملات
– النوازل الاضطرارية
– المسائل المتعارضة
– عموم الظنيات الفصل الخامس : منهج الشيخ يوسف القرضاوي في الافتاء المقاصدي
1- عدم التعصب والتقليد
2 – التيسير وعدم التعسير
3 – مخاطبة الناس بلغة العصر
4 – الإعراض عما لا ينفع الناس
5 – الاعتدال بين المتحللين والمتزمتين
6 – إعطاء الفتوى حقها من الشرح والإيضاح
الفصل السادس : مظاهر الاجتهاد المقاصدي من خلال فتاوى الشيخ يوسف القرضاوي
: 1- مجالات العبادة :
أ- الطهارة والصلاة :
– المسح على الجوربين
– الحكمة من الاغتسال من الجنابة
– الحكمة من صلاة الكسوف والخسوف
– صلاة المأموم منفردا خلف الصف
ب- الصيام والزكاة
-الحكمة من السحور
-إخراج الفطرة بقيمتها من النقود
-زكاة الرواتب والأجور ج
– الحج والعمرة
– حج التطوع أو الصدقة
– مقام إبراهيم هل يجوز نقله من مكانه ؟
2- مجال شؤون المرأة
– الحكمة من الزواج والجماع
– عدة المطلقة قبل الدخول بها
– حكم المهر وحكمته
– حكم زواج المسلم من الكتابية
– حدود وعودة الرأة
3- مجال الطب والصحة :
– موقف الإسلام من الاستنساخ
– حكم إجهاض الناشئ عن الاغتصاب
– حكم زرع عضو حيوان نجس في جسم إنسان
– حكم زرع الخصية
4- مجال المجتمع ومجالاته .
– تشميت العاطس : حكمة وحكمته
– نبش مقبرة قديمة للمصلحة
– المقصد من آداب الطعام الواردة في الأحاديث النبوية5
– مجال الحكم والسياسة
– حكم دخول مسلمي الأرض المحتلة برلمان الدولة اليهودية
– حكم مشاركة الفرد والجماعة المسلمة في حكم غير إسلامي
– حكم تعدد الأحزاب في ظل الدولة الإسلامية
خاتمة
_________________________________________
– الاجتهاد المقاصدي ، د نور الدين بن مختار الخادمي . 2/89 كتاب الأمة العدد 66.
– سميت كذلك بمنطقة الفراغ والعفو . انظر عوامل السعة المرونة في الشريعة الإسلامية .د. يوسف القرضاوي ص 11.
– عقيدة المؤمن ، أبو بكر الجزائري ، ص 14.
– أنظر أصول الفقه ، على حسب الله ص 142.
-الاجتهاد المقاصدي ، د.نور الدين بن محتار الخادمي ، 2/96 كتاب الأمة ، عدد 66.
– الاجتهاد المقاصدي ، 2/97.
– الاجتهاد المقاصدي 2/98.
– الاجتهاد المقاصدي .2/98.
– حوار مع.د.يوسف قرضاوي في مجلة الأمة القطرية عدد شهر رمضان المبارك 1404 هـ.
– الاجتهاد المقاصدي ، د.نور الدين بن مختار الخادمي 2/102. كتاب الأمة العدد 66.
– الاجتهاد المقاصدي ، 2/105.
– الاجتهاد المقاصدي، د. نور الدين بن مختار الخادمي،2/106 كتاب الأمة العدد 66.
– فقه الدعة ومشكلة الدعاة الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله تعالى – كتاب الأمة العدد 18 ص 140.
– فقه الدعوة ومشكلة الدعاة الشيخ محمد الغزالي –رحمة الله تعالى – كتاب الأمة العدد 18- ص 140.
– مقاصد الشريعة ، ابن عاشور ص 134.
– السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها ، د.يوسف القرضاوي ص 112.