الوكالة البنكية
مقدمة :
من المبادئ المستقرة التي تعتبر أصلا في القانون أن المرء لا يلتزم إلا بإدارته ومن المستقر عليه قديما، ان الحقوق و الالتزامات الناشئة من العقد تستمد أساسها من إرادة ظرفية وهو ما عرف بمبدأ سلطان الإرادة، وهذه النظرة دفعت الفقه إلى القول بأن هناك ثمة ضرورة لوجود أطراف العقد شخصيا عند إبرام أي عقد من العقود، واستمرت وجهة النظر هذه ردحا من الزمن ثم فإن العقود لا تربطها إلا أطرافها فلا يضاربها ولا يستفيد منها سواهم تلك قاعدة نسبية العقود التي ينص عليها المشرع الفرنسي في المادة 1165 من القانون المدني، ولكن تطور الحياة جعل من حضور أحد أطراف العقد ليس دائما بالامر الهين، وهكذا أبدأ وبوضوح عدم مواكبة المبادئ القانونية السائدة في ذلك الوقت لتطور الحياة فهذا العجز دفع برجال الفقه إلى البحث عن آلية جديدة، تضمن انعقاد العقد على الرغم من عدم حضور أطرافه شخصيا أثناء إبرامه فظهر ما يسمى بعقد الوكالة.
وهكذا أصبحت الوكالة من العقود المتعارف عليها، ومن أكثرها شيوعا في الحياة العملية في الوقت الحاضر، فلقد عرفها الرومان في القرن الثاني قبل الميلاد وتطورت عبر التاريخ حتى صارت اليوم شائعة في جميع المعاملات ولدى جميع الشعوب.
وقد ظهرت الوكالة خلال الحروب البونية التي قامت بين روما وقرطاجة وبسببها كان المحاربون يضطرون إلى التغيب عن أوطانهم وإلى الاستعانة بالوكلاء في إدارة أموالهم في أثناء غيابهم.
وقد اختلطت الوكالة في صورتها الأولى بإدارة أموال الغير بوجه عام، وذلك لان الوكيل كان يباشر أعمال الأصيل إما من تلقاء نفسه على سبيل الفضالة أو بناء على طلب من هذا الأخير، وهي عقد تبادلي ناقص ينشأ منذ انعقاده التزاما في ذمة الوكيل بأداء المهمة التي قبل القيام بها.
وقد ظهرت الوكالة في فترة متأخرة من القانون الروماني ذلك لان فكرة التمثيل أو النيابة او قيام شخص باعمال معينة تتصرف أثارها إلى آخر، وهو الأصيل، لم تكن عرفت بصفة عامة لدى الرومان.
والوكالة جائزة بالكتاب والسنة والاجماع بحيث وردت في عدة آيات، كما في قوله تعالى ” حسبنا الله ونعم الوكيل” كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم وكل أبا رافع عندما أراد الزواج بميمونة ووكل غيره في أمور أخرى
ومن تم كانت الوكالة ” والتوكيل” أمرا تقتضيه الضرورة العملية لاعتبارات عديدة أهمها:
1-عدم قدرة الإنسان على مباشرة كل اموره بنفسه فقد لا يملك من الملكات والطاقات ما يمكنه من القيام بكل مطالبته، ومن هنا كانت الاستعانة بخبرة الآخرين ضرورية عن طريق ” الوكالة”
2-الإنسان قد يعرف شيئا وتغيب عنه أشياء لا يحسن مباشرتها بنفسه، فيحتاج فيها على إنابة غيره
3-يتعرض الإنسان في حياته لظروف وأحداث قد تجعله مضطرا إلى توكيل غيره في مباشرة التصرفات نيابة عنه، ومن أهم هذه الظروف المرض، السفر، المكانة الشخصية.
4-أضف إلى ما تقدم بروز المشكلات الناجمة عن التطور الصناعي، والاقتصادي، ومحاولة الانسان تحقيق أكبر قدر من العمل في أقل زمن فصار محتاجا إلى طاقة غيره في كثير من الأعمال
وفي التنظيم القانوني للوكالة نجد أن الهدف الأساسي الذي يهدف إليه المتعاقدان غالبا من إبرام عقد الوكالة هو إبرام الوكيل لحساب الموكل، تصرفا قانونيا قد يكون عقدا وقد يكون تصرفا قانونيا من جانب واحد، بحيث يكون الوكيل ملتزما بأن يوافي الموكل بالمعلومات الضرورية مما وصل إليه في تنفيذ الوكالة، وذلك عند انتهائها
وقد عالج المشرع المغرب عقد الوكالة في الفصل 879 و 942 من ق ل ع وفي فصول أخرى من نفس القانون ( 1028.389.37.33 …) وفي قانون المسطرة المدنية ( الفصول 244 و 245و 252 …)
ومدونة الأحوال الشخصية ( الفصول 10 و 12 و 44 ) ومدونة التجارة الفصول 393 إلى 404 و 422 إلى 403 ).
والوكالة تطبق في عدة مجالات أو قطاعات ومن ضمنها القطاع البنكي حيث يشكل هذا الأخير أحد المقومات الأساسية للنشاط الاقتصادي، وذلك بالنظر لما تضطلع به من دور هام في تنشيط ودعم حركية الاقتصاد الوطني، بحيث عرفت عمليات البنوك نموا ملموسا تجاوز حدود الوظيفة التقليدية التي كانت تنحصر في عمليات القرض إلى توزيع الائتمان بل أصبح لهذه الأبناك دورا أساسي في تحريك دواليب سوق الشغل من خلال توفير الائتمان وتمويل الاحتياجات المتعددة للمقاولات بالإضافة إلى أدوار اخرى جعلت منها اداة فاعلة في تشجيع سياسة الادخار وضبط التوازن السوق المالي وخاصة في الحالة التي تعرف فيها هذه الأسواق حالة من الانكماش والتضخم حيث ارتبط عمل البنك في هذا الإطار بمجموعة من الآليات من ضمنها العمل بنظام الفوائد .
فبالإضافة إلى ما تلعبه البنوك من دور هام في الحياة الاقتصادية فهي تقدم عدة خدمات للزبناء الذين يتعاملون معها، لكن نظرا للتطورات التي عرفها العالم في جميع الميادين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية،فإنه لم يعد في مقدور أي شخص سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا متابعة كافة العمليات على اختلافها وتعددها من هنا كان ضروريا أن يكون لكل طرف من تتابع نشاطه وأعماله وشؤونه في ظل أطر قانونية لغتها هي لغة القانون وأسلوبها هو بيان الحقوق وطرح الالتزامات لكل طرف من أطراف العلاقة التبادلية
من هنا ظهرت الوكالة البنكية باعتبارها عقد بمقتضاه يكلف شخص اسمه الموكل، شخصا آخر اسمه الوكيل، القيام ببعض أو كل الاعمال لصالح الأول ولحسابه، حيث يمكنه ان يك ون الوكيل شخصا من الاغيار كما يمكن أن يكون في بعض الأحيان هو البنك حيث يتم توكيل هذا الأخير، البنك عن طريق وكالة ضمنية في بعض الاعمال وذلك مقابل عمولة يتم اقتطاعها من حساب الزبون .
إذن ما هي الوكالة البنكية ؟ وما هو مجال تطبيقها ؟
وأين تتجلى التزامات أطرافها ؟
هذا ما سنحاول معالجته من خلال بحثنا، حيث سنتطرق في الفصل الأول إلى ماهية الوكالة البنكية من خلال تعريفها، وخصائصها وأنواعها، وبالإضافة إلى أن الوكالة البنكية عقدا وبالتالي لابد لها من أركان لانعقادها فلقد ارتأينا دراسة أركانها من رضا وأهلية ومحل وسبب
كما تناولنا بالدراسة مجال تطبيق الوكالة البنكية فالوكالة نجدها إما في الأوراق التجارية كالتوكيل في الشيك، والتوكيل في الكمبيالة، كما أن الوكالة تطبق في الحسابات، كتوكيل في تسيير الحساب وتوكيل في اقفال الحساب.
اما الفصل الثاني فقد تطرقنا إلى التزامات أطراف الوكالة البنكية حيث نجد الوكيل باعتباره طرف يلتزم بتنفيذ الوكالة في الحدود المرسومة لها، وتقديم حساب عن الوكالة للموكل وأخيرا درها للموكل في يد الوكيل . اما الطرف الثاني وهو الموكل فإن من أهم التزاماته هي رفع الأجر إلى الوكيل ورد المصاريف التي انفقها الوكيل بالإضافة على تعويض الوكيل عمى أصابه من ضرر .
كما أن البنك هو الآخر تقع عليه عدة التزامات تتجلى في الالتزامات المترتبة على أوامر لدفع والالتزامات عن دفع الشيكات وأخرى متعلقة بالتحويل البنكي، وفي حالة الاخلال بهذه الالتزامات تترتب مسؤولية – البنك- في إطار عقد الوكالة بحيث سنشير لها من خلال المسؤولية التعاقدية الناشئة عن عدم تنفيذ عقد الوكالة، والمسؤولية الناشئة عن اوامر التحصيل.
_______________________________
عبدالسلام أحمد فيغو، العقود المدنية الخاصة في القانون المغربي ، الطبعة الأولى ، 2008 الرباط ، ص 127.
المرجع نفسه ص 129.
– عبدالسلام احمد فيغر، مرجع سابق، ص 128-129.
-خالد بنيس عقد الوكالة طبقة 1997 -1998 ص 4.
قدري عبد الفتاح شهاوي ، احكام عقد الوكالة في التشريع المصري ، والمقارن ، طبعة 2005 ص 5.