تحليل دراسة الحالة للامركزية بالمغرب يكشف عن تطورات تاريخية حاسمة حتى دستور 2011، ويستعرض التحديات التي واجهت التجربة الجهوية وفق قانون 96.47. كيف يمكن أن تؤثر هذه التعديلات القانونية على مستقبل اللامركزية في البلاد؟
الفرع الثالث: التجربة الجهوية وفق منظور قانون 96.47 وجوانب القصور والضعف
التجربة الجهوية وفق منظور قانون 96.47
امام كل الاننقادات التي افرزتها التجربة الجهوية لسنة 1971 كان لابد من التفكير في تطوير النظام الجهوي وتصور افاق جديدة لجهوية تكون ملائمة لتطور البلاد, وبالفعل فقد اعلن الملك الراحل الحسن الثاني في خطاب القاه بفاس عن تصوره لنظام الجهة المستقبلي فصار التفكير في خيار جهوي حقيقي امرا واقعا نظر له الخطاب الملكي لسنة ,1984 لا سيما ان جلالته أراد خلق جهوية على شاكلة اللاندر Lander بألمانيا الفيدرالية, وبهذا يكون هذا الخطاب متنفسا للامركزية والديمقراطية, حيث كان يرغب جلالته في ان يترك لخلفه مغربا يضم برلمانا يمثل الوطن اسمى تمثيل وحكومة تنفذ سياسته…..وهياكل جهوية متمتعة بالامكانات التشريعية والمالية والإدارية الكافية, وموحدة الكلمة بالرغم من اختلاف الأحزاب والمشارب السياسية.1
وبتتبع الخطاب الرسمي نلاحظ انه عرف تحولا من الدعوة للجهة السياسية الى الجهة في اطار اللامركزية بأهداف سياسية محدودة تتمثل في توسيع المشاركة السياسية والتمرس على الديمقراطية وتأطير نخب جديدة على صعيد الجهة واهداف اقتصادية واجتماعية واسعة. ونسجل نبرة التغيير في الخطاب الرسمي على مستوى المؤسسة الملكية في عدة مناسبات, ففي خطاب العرش بتاريخ 3 مارس 1989 اقر الملك الحسن الثاني : …” وعلى الصعيد الجهوي والمحلي…نتابع العمل الذي شرعنا فيه والهادف الى تحقيق اللامركزية”… كما ان الرسالة الملكية الموجهة الى المؤتمر 21 للعلوم الإدارية المنعقد بمراكش بتاريخ 24 يوليوز من نفس السنة ترسخ هذا التوجه حيث جاء فيها : ” ….ان اللامركزية كانت ومازالت جزءا لا يتجزأ من المسلسل الديمقراطي الذي شهدته بلادنا منذ الاستقلال2….
وجل هذه الخطابات الملكية كرسها التعديل الدستوري لسنة ,1992 والذي جعل من الجهة جماعة محلية بموجب الفصل 94 ” الجماعات المحلية بالمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية , ولا يمكن إحداث أي جماعة محلية أخرى إلا بقانون. “3
وبعد مرور 4 سنوات على هذا التعديل الدستوري الذي جعل من الجهة جماعة محلية, صدر القانون ,3896-47 والذي حاول تفادي محدودية نتائج ظهير 16 يونيو 1971 وعجزه عن تفعيل نظام الجهة ببلادنا بسبب ضعف الاطار المؤسساتي .4 تلاه مرسوم 17 غشت 1997 والذي بموجبه الغيت التقسيمات الترابية الجهوية ل 1971 بعدما تبث فشلها بسبب سيطرة منطق الإقليم على كل توجه جهوي للمركز في مجال التخطيط والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.اضافة للدور الكلاسيكي للجماعات المحلية التقليدية الأخرى الذي اصبح متجاوزا وعاجزا عن مواكبة التطورات المتسارعة اعتبارا لوسائلها وحجمها, اذ لم تعد قادرة على الاستجابة للمتطلبات الحديثة وإيجاد حلول ملائمة للمشاكل الكبرى.
ويمكن القول ان جل الدوافع وراء اقرار الجهوية كتقسيم ترابي وتنظيمي, ذات هدف تنموي بامتياز, بعد ان تأكد فشل المركزية في الاستجابة لمتطلبات سوسيو- اقتصادية محلية متزايدة5
الاطار القانوني :
الجهة كجماعة محلية لامركزية أصبحت تتوفر بمقتضى قاون 47.96 على هياكل وأجهزة تسهر على ضمان التدبير الديمقراطي للشؤون الجهوية طبقا للنصوص الدستورية, وهكذا تبرز أجهزة منبثقة عن التمثيلية الانتخابية )المجلس الجهوي بالأساس( كجهاز تداولي, وأخرى تعتمد على التعيين )العامل/الوالي( باعتباره جهازا تنفيذيا .
الجهاز التداولي:
استنادا الى المبدا الدستوي الذي يعطي للجهة حقها في إدارة شؤونها بطريقة ديمقراطية لضمان تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, نصت المادة الأولى في فقرتها الثالثة من قانون 47.96 على تولية مجلس جهوي منتخب بطريقة ديمقراطية لمدة ست سنوات وفقا للشروط المحددة في مدونة الانتخابات, قصد إدارة شؤون الجهة بحرية.
المجلس الجهوي يتكون من ممثلين منتخبين للجماعات المحلية والغرف المهنية والمأجورين كما يضم المجلس كذلك بالإضافة الى أعضاء البرلمان المنتخبين في اطار الجهة, رؤساء مجالس العمالات والاقاليم الواقعة داخل الجهة الذين يحضرون اجتماعاته بصفة استشارية.
وحسب المادة 10 من نفس القانون ينتخب المجلس الجهوي من بين أعضائه رئيسا وعدة نواب للرئيس يؤلفون مكتب المجلس المذكور, وينتخب أعضاء المكتب لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد.
يقوم الرئيس الذي يستعين في ممارسة اختصاصاته بمصالح الدولة في الجهة بواسطة عامل العمالة او الإقليم مركز الجهة, يقوم بتعيين الكاتب العام للجهة والمكلفون بالمهمة والمكلفون بالدراسات بمقرر يصدره, غير انه لابد ان يحصل على تأشيرة عامل العمالة او الإقليم مركز الجهة.
الجهاز التنفيذي:
القرارات الصادرة عن المجلس الجهوي ينفذها عامل العمالة او الإقليم مركز الجهة حسب المادة 54 من قانون 47.96 ولهذه الغاية فهو يتخذ التدابير اللازمة بعد اخذ راي المجلس الجهوي.
كما يقوم وفقا لقرارات المجلس الجهوي وطبق الشروط المنصوص عليها في المادة 54 ب:
- إنجاز أعمال الكراء والبيع والشراء وإبرام صفقات الأشغال والتوريدات وتقديم الخدمات ;
- تنفذ الميزانية وإعداد الحساب الإداري ;
- اتخاذ قرارات لأجل فرض الرسوم والأتاوى ومختلف الحقوق وفقا للنصوص التشريعية الجاري بها العمل في هذا المجال.
التقطيع الترابي:
تم احداث 16 جهة بناء على المادة 4 من القانون 96-47 التي تنص على انه يحدد بمرسوم عدد الجهات وأسماؤها وحدودها الترابية ومراكزها. ويحدد عدد المستشارين الجهويين الواجب انتخابهم قي كل جهة وكذا توزيع المقاعد على مختلف الهيئات الناخبة وفقا للتشريع الجاري به العمل.
وهو مرسوم 17 غشت 1997 والذي بموجبه الغيت التقسيمات الترابية الجهوية ل 1971 بعد ثبوت فشلها بسبب سيطرة منطق الاقليم على كل توجه جهوي للمركز في مجال التخطيط والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
جوانب القصور والضعف في قانون 96-47
لا خلاف بان قانون 96-47 المنظم للجهات كان يعد مكسبا هاما في تعزيز وتقوية الصرخ الديمقراطي المحلي كان من شانه اغناء واثراء التجربة الجهوية اللامركزية وتطويع النخب المحلية على كيفية ممارسة الشان الجهوي بما يخدم متطلبات التنمية الجهوية.
لكن التجربة افرزت مجموعة من الاختلالات والعديد من المعيقات القانونية والادارية, والتي يمكن ابرازها على مستويات عدة:
المستوى القانوني: ان المعيار العام الذي استند عليه المشرع المغربي في تحديد الاختصاص الجهوي, لم يسعف في توزيع الادوار بشكل واضح وصريح, ولم يرق الى وضع الحدود الفاصلة بين تدخلات كل من الدولة والجهة وباقي الجماعات المحلية الاخرى.
المستوى الاداري: يشكل التقطيع الجهوي احد الحدود الادارية , ذلك ان المعايير التي اعتمدت في هذا التقسيم غلب عليها هاجس المراقبة والامن اكثر مما راعت تحقيق التوازن والانسجام الداخلي لكل جهة والتكامل الاقتصادي والاجتماعي بين الجهات
على مستوى الموارد المالية للجهة: يتوزع نظام التمويل الجهوي الى مصادر التمويل العادي ومصادر التمويل الاستثنائي, حيث تتشكل الاولى من مصادر ذاتية تتجلى في مجموعة من الضرائب والرسوم المحدثة لفائدة الجهات بالاضافة الى حصة من حصيلة ضرائب الدولة المحولة لفائدة الجماعات المحلية والمتمثلة اساسا في الضريبة العامة على الدخل والضريبة على الشركات وضريبة اضافية على الضريبة السنوية الى جانب ضرائب اخرى تم التنصيص عليها في القانون المنظم للجهة,6 غير ان حصة الجهة من تلك الضرائب والتي لا تتجاوز في الغالب نسبة ضئيلة تقدر ب 1 % تظل رهينة بقوانين المالية مما يجعلها ترتبط بوضعية المالية العامة وبالتالي التقلبات التي يمكن ان تتاثر بها هذه الأخيرة, سيؤثر بدون شك على حصة الجهة من الضرائب7.
________________________
1 اﺣﻣد ﺳرداري،” اﻻﺑﻌﺎد اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻟﻧظﺎم اﻟﺟﮭﺔ ﺑﺎﻟﻣﻐرب” اطروﺣﺔ ﻟﻧﯾل اﻟدﻛﺗوراه ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻧون اﻟﻌﺎم، وﺣدة ﻋﻠم اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ واﻟﻘﺎﻧون اﻟدﺳﺗوري، ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﺣﻣد اﻟﺧﺎﻣﺲ، ﻛﻠﯾﺔ اﻟﺣﻘوق اﻛدال ، 2002-2001، ص18 ↑
2 ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻮﻟﻰ اﻟﻤﺴﻌﯿﺪ ، “ﻣﺴﺎر وﺗﺤﻮﻻت ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ اﻟﻼﻣﺮﻛﺰﯾﺔ اﻟﺘﺮاﺑﯿﺔ ﺑﺎﻟﻤﻐﺮب ﺳﻌﯿﺪ” ، اﻟﺪار اﻟﺒﯿﻀﺎء : ﺻﻮﻣﺎدﯾﻞ، 2012، 91 ص ↑
3 ظﮭﯾر ﺷرﯾف رﻗم 1.92.155 ﺻﺎدر ﻓﻲ 11 ﻣن رﺑﯾﻊ اﻵﺧر 1413 9) أﻛﺗوﺑر (1992 ﺑﺗﻧﻔﯾذ ﻣراﺟﻌﺔ اﻟدﺳﺗور. ↑
4 ﺣﻣﯾد اﺑوﻻس، ﻣﺎرﯾﺎ زﻣﺑوﻧﯾﻧو ﺑوﻟﯾﺗو، ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق،ص .108 ↑
5 ﻣوﻻي ﻣﺣﻣد اﻟﺑوﻋزاوي، ” ﺗﺣدﯾث اﻹدارة اﻟﺗراﺑﯾﺔ ﺑﺎﻟﻣﻐرب ﻧﺣو ﺗرﺳﯾﺦ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ وﻛﺳب رھﺎن اﻟﺗﻧﻣﯾﺔ، ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق،ص .145 ↑
6 [المرجع غير مذكور في النص الأصلي] ↑
7 [المرجع غير مذكور في النص الأصلي] ↑