تطور الوظيفة السلمية لمنظمة الأمم المتحدة
الفصل الأول : الوظيفة السلمية للأمم المتحدة زمن الحرب الباردة
المبحث الثاني: ممارسة الأمم المتحدة لوظيفتها السلمية زمن الحرب الباردة
اهتم ميثاق الأمم المتحدة كثيرا بضرورة الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وأثر بأن للأمم المتحدة الدور الأساسي والأول في ذلك، حيث منها عبر مجلس الأمن سلطة تكثيف الأعمال التي تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين ولم يقف عند ذلك الحد بل أعطاها بمقتضى الفصل السابع الحق في اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير، والتي تتراوح بين فرض العقوبات الاقتصادية والتدخل العسكري المباشر.
غير أن هذا التصور لدور الأمم المتحدة سرعان ما يتلاشى جراء تعرضها لمجموعة من الضغوط مما أثر تأثيرا كبيرا على ممارسة الأمم المتحدة، في هذا المجال فقد بقيت تقف موقف المتفرج إزاء مجموعة من النزاعات الدولية، والتي كانت إحدى القوتين العظميين طرفا مباشرا فيها أو التي وقعت داخل النفوذ المباشر لإحدى هاتين القوتين العظميين، حيث أصبحت هذه الأزمات خارج نطاق الأمم المتحدة ( ) التي لم تستطع إدارتها أو التأثير على مسارها حيث نقلت هذه المهمة إلى المجال الإقليمي أما بالنسبة للأزمات التي دارت بعيدا عن صراع القوتين فهي الوحيدة التي تمكنت المنظمة الأممية من أن تلعب فيها الدور الحقيقي رغم اختلاف درجة فاعليته.
المطلب الأول: تدخل الأمم المتحدة لحفظ السلم الدولي وإعادته إلى نصابه.
شكل حفظ السلم الدولي أحد الأهداف التي أنشأت من اجلها منظمة الأمم المتحدة وقد نص الفصل السابع من ميثاقها على ضرورة اتخاذ مجموعة من الأعمال في حالة تهديد السلم الدولي أو الإخلال به، وقد عرفت فترة الحرب الباردة عدة نزاعات شكلت تهديدا للسلم فلم تجد المنظمة بدا من التدخل لحفظ السلم الدولي وإعادته إلى الاستقرار.
الفقرة الأولى: التدخل في روديسيا
بعد إعلان النظام العنصري القائم في روديسيا الجنوبية الاستقلال من جانب واحد عن بريطانيا عام 1965، دعت الجمعية العامة هذه الأخيرة للوفاء بالتزاماتها تجاه هذا الإقليم باعتبارها مسؤولة عن إدارته بمقتضى الفصل الحادي عشر من ميثاق الأمم المتحدة، حيث طالبت بوقف العمل بمقتضى الدستور الذي يكرس الفصل العنصري ويستعد الأغلبية الإفريقية من الانتخاب و أن تضع بالمشاركة مع جميع الأحزاب السياسية دستوريا جديدا يقوم على أساس صوت واحد للمواطن، كما طلبت منها عدم منح الاستقلال الذاتي للإقليم قبل أن يتحقق حكم الأغلبية المبني على حق الاقتراع العام ( ) لكن بريطانيا رفضت ذلك واعتبرت القيام به يشكل تدخلا في الشؤون الداخلية لهذا البلد وذلك على اعتباره إقليميا متمتعا بالحكم الذاتي..
كما ناشد مجلس الأمن المملكة المتحدة بفعل كل ما يلزم لمنع حكومة الأقلية البيضاء من إعلان الاستقلال من جانب واحد واعتباره عصيانا ووضع نهاية له.
وتحت الإلحاح الشديد من جانب كل من الجمعية العامة والمجتمع الدولي وعلى الخصوص ضغط الدول الإفريقية أصدر المجلس قرارا استنكر فيه إعلان الاستقلال من جانب واحد وطالب جميع الدول عدم الاعتراف بحكومة الأقلية العنصرية غير الشرعية وكخطوة أولى طلب من الدول الأعضاء الامتناع عن إرسال الأسلحة إلى النظام العنصري في روديسيا، وكذا المعدات العسكرية وقطع كل الصلات الاقتصادية معها، وبصفة خاصة مقاطعة توريد البترول ومنتجاته غير أن هذا القرار لد يصدر في إطار الفصل السابع من الميثاق، وإنما جاء على شكل توصية غير موجبة النفاذ، حيث أنه لم يشر إلى اعتبار ما حصل في روديسيا تهديد للأمن والسلم الدوليين إلا في مرحلة لاحقة تحت ضغط الدول الإفريقية ودول الكومنولت ليقوم بعد ذلك بفرض عقوبات اقتصادية ‘إلزامية عليها ( ) تعلقت بوارداتها وصادراتها، وكذا المساعدات الاقتصادية والمالية المقدمة لها ليتم فيما بعد اتخاذ قرارات أخرى لتعزيز الجزاءات الاقتصادية وتوسيع نطاق هذه العقوبات، وتم منع كل صور العلاقات التجارية والمالية والاستثمارات والمواصلات الحيوية حيث منعت الطائرات الخاصة بالدول الأعضاء بالسفر إلى روديسيا ومنها، ومنع كل حاملي الوثائق الخاصة بالسفر الصادرة عنها، وقطع العلاقات الديبلوماسية والقنصلية والتجارية والعسكرية معها.
ولكن المثير للجدل وسط هذا كله هو الموقف الذي اتخذه كل من البرتغال وجنوب إفريقيا اللتين رفضتا صراحة الالتزام بالعقوبات المفروضة من قبل الأمم المتحدة، واستمرتا بالتعامل مع روديسيا، مما جعل الجمعية العامة تدعو إلى فرض عقوبات على هذين البلدين، وأمام الضغط الذي مارسته هذه الأخيرة على بريطانيا وكذا تصاعد حركة النضال الوطني عاد الحاكم البريطاني “اللورد سونر” إلى روديسيا الجنوبية لإدارة البلاد خلال المرحلة الانتقالية ( ) بعد عقد المملكة المتحدة لمؤتمر دستوري في لندن حضرته الجبهة الوطنية لتحرير زيمبابوي (روديسيا) وممثلين لحكومة روديسيا العنصرية انتهى بالاتفاق على دستور ديمقراطي للاستقلال وعلى الترتيبات الانتقالية لتنفيذه، ليتخذ بعد ذلك مجلس الأمن قرار رفع العقوبات التي سبق أن فرضها.
الفقرة الثانية، إيريان الغربية
نشب نزاع مسلح بين القوات الأندونسية والقوات الهولندية سنة 1962، إثر النزاع القائم بين البلدين على إقليم غرب غينيا الجديدة أو ما يعرف باسم إيريان الغربية حيث ظل هذا الإقليم خاضعا للاحتلال الهولندي حتى بعد استقلال أندونيسيا عام 1949 التي بدأت بالمطالبة بالسيادة عليه عبر ضمه إلى أراضيها، فطغى هذا النزاع على الساحة الدولية حيث ناقشت الجمعية العامة هذا الموضوع مرتين كانت الأولى سنة 1955، والثانية سنة 1961 دون أن تتوصل إلى أي حل، الشيء الذي دفع بالأمين العام للأمم المتحدة إلى النزول بكل ثقة لحله، حيث قام بوساطة شخصية بين طرفي النزاع عبر تقديم اقتراح بالتفاوض، وهذا ما حصل بالفعل إذ قام بتعيين السفير الأمريكي الأسبق Ellswatth Bunker كوسيط له، تمكن بالفعل من التوصل إلى اتفاق لحل الأزمة ثم توقيعه في مقر الأمم المتحدة يوم 15 أغسطس 1962( ). ليتم نقل إدارة الإقليم إلى الأمم المتحدة بدل هولندا لمدة سبعة أشهر، تنقل بعدها إلى أندونيسيا والتي تعهدت بإجراء استفتاء لسكان الإقليم لاختيار مستقبلهم وذلك تحت إشراف الأمم المتحدة التي اتخذت الإجراءات اللازمة لمباشرة إدارة الإقليم، فقام الأمين العام بإيفاد مستشاره العسكري الجنرال “ريكي” على رأس مجموعة مراقبين مكونة من 21 فرد لمراقبة وقف إطلاق النار، تبعتها بعد ذلك قوات أمن الأمم المتحدة المكونة من 100 شخص، قامت باكستان بمد الأمم المتحدة بهم( )، وتم تعيين نائب مدير مكتب الأمين العام ممثلا خاصا له في إيريان الغربية ليحل محله فيما بعد الإيراني جلال عبده حاكما للإقليم حتى تم نقل السلطة الفعلية إلى الحكومة الأندونيسية عام 1969.
والملاحظة التي يمكن تسجيلها بخصوص الأزمة في إيريان الغربية هو عدم تأثرها بأجواء الحرب الباردة، فقد أيدتها الولايات المتحدة الأمريكية خاصة في مرحلة المفاوضات التي سهلت للأمين العام التدخل، كما أنها لم تتعرض لأي مشاكل مادية لأن الطرفين قد تحملا كافة النفقات الناتجة عن عملية إحلال السلم مناصفة، لكن الطريقة التي مر بها الاستفتاء لم تتم وفق ما هو طبيعي، بل شابها الغموض إلى حد كبير.
المطلب الثاني: تدخل الأمم المتحدة لقمع العدوان
كانت فترة الحرب الباردة أرضية خصبة لاندلاع العديد من الأزمات الدولية التي تم فيها اللجوء إلى القوة العسكرية المسلحة وارتكاب أعمال العدوان ضد سلامة أراضي دول عديدة، وبالتالي أصبح تدخل الأمم المتحدة ضروريا، من أجل اتخاذ التدابير اللازمة المنصوص عليها في الفصل السابع من الميثاق.
الفقرة الأولى: التدخل في كوريا
قسمت كوريا في مؤتمر يالطا وبوتسدام إلى كوريا الشمالية تحت إشراف الاتحاد السوفياتي، وكوريا الجنوبية تحت إشراف لولايات المتحدة الأمريكية وتم تحديد خط عرض 38° كخط فاصل بين الكوريتين.
في 25 يونيو 1950 قامت كوريا الشمالية باجتياز الخط الفاصل بينها وبين كوريا الجنوبية، حتى مشارف العاصمة سيول، وذلك في محاولة لتأسيس دولة اشتراكية موحدة ( )، وبعد إخطار مجلس الأمن اجتمع في نفس اليوم وأصدر قرارا أدان فيه الغزو واعتبره انتهاكا للسلم الدولي وطالب بوقف القتال فورا وانسحاب قوات كوريا الشمالية إلى ما وراء خط عرض 38، ودعا الدول الأطراف لمساعدته في تنفيذ هذا القرار( ).
وأمام عدم الاكتراث الذي أبدته الدولة الغازية أصدر المجلس قرارا آخر( ) طالب فيه من الدول الأعضاء تقديم العون اللازم لحكومة كوريا الجنوبية بصد الهجـوم الذي تتعـرض له، وفي نفس اليـوم أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية أوامرها لقواتها البحرية والجوية للقيام بحماية كوريا الجنوبية، ثم أخطرت مجلس الأمن في 30 يونيو بأنها قررت فرض حصار بحري على الساحل الكوري لتشكل بعد ذلك استجابة لدعوة مجلس الأمن قوات أممية برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية التي ساهمت فيها هذه الأخيرة لوحدها بحوالي 90% من هذه القوات تم تعيين الجنرال “ماك آرثر” قائدا لقوات الأمم المتحدة في كوريا لتبدأ هذه القوات عملياتها العسكرية في هذا البلد باسم “الأمم المتحدة” مما أدى بالبعض إلى القول بأن هذا التدخل تدخل أمريكي تحت غطاء الأمم المتحدة. وفي هذا الصدد لابد من الإشارة إلى أن القرارات المتصلة بالتدخل في كوريا تم اتخاذها في ظل غياب ممثل الاتحاد السوفياتي في الأمم المتحدة الذي كان يقاطع الجلسات احتجاجا على تمثيل الصين من طرف ممثلي حكومة “تشانغ كايش شيك” وبعدوته للمشاركة في اجتماعات مجلس الأمن لم يتمكن هذا الخير من إكمال إصدار سلسلة قراراته المتصلة بهذه القضية.
أما على المعركة فقد حققت القوات الأممية” نجاحا في البداية إلى درجة أن الجنرال ماك أرثر” أغري بعدم الاكتفاء بدفع القوات الخاصة بكوريا الشمالية ما وراء خط عرض °38 ( )، حيث اتخذت قواته مبادرة الهجوم حتى الحدود الشمالية لكوريا في محاولة لإسقاط حكومتها وتوجيه كوريا تحت قيادة حكومة موالية للغرب، لكنها اصطدمت بمجموعات ضخمة من المتطوعين الصينيين الذين قدموا إلى كوريا الشمالية من أجل تقديم العون، حيث أرغموا القوات المعادية على التراجع. والتصعيد الذي عرفته المنطقة أصبح يندر باحتمال اصطدام مباشر بين القوتين العظميين، حيث طرحت مسألة استعمال السلاح النووي بكل قوة، لأن الصراع بلغ حدا لا يمكن حله إلا بهذه الوسيلة خصوصا مع دخول الصين ولو بشكل غير مباشر كطرف في النزاع، غير أن الرئيس الأمريكي استبعد هذا الاحتمال الذي اقترحه قائد العمليات الأمريكية في كوريا الجنرال ماك أرثر( ) وبعد ثلاث سنوات من الحرب تم إبرام اتفاقية الهدنة في 27 يوليوز 1953 في “بان مون جوم” حيث تم الاتفاق على تراجع القوات المتحاربة إلى خط °38 باعتباره الخط الفاصل مع إنشاء منطقة منزوعة السلاح، وأصدرت فيما بعد كوريا الشمالية والجنوبية بيانا أوضح أسس ومبادئ إعادة توحيد الكوريتين وهي: أن تتم بإرادة مستقلة دون الاعتماد على قوة خارجية وبالوسائل السلمية وبتشجيع من الدولتين على قيام وحدة قومية كبرى بينهما ( ).
الفقرة الثانية: العدوان العراقي على الكويت
لقد جاءت الأزمة العراقية الكويتية في مرحلة فاصلة في تاريخ النظام الدولي حيث بدأت ملامح نظام جديد تتشكل لتنذر بقرب نهاية الحرب الباردة التي أرخت بظلالها على العالم مدة ليست بالقصيرة، الشيء الذي انعكس عن الأمم المتحدة حيث أعطاها نوعا من “الفعالية”، وتجلى ذلك بشكل كبير عقب غزو العراق للكويت في الثاني من غشت سنة 1990، حيث اجتمع مجلس الأمن ليصدر بعد ساعات قليلة من الغزو قرارا( )، يكيف فيه هذا الغزو، واعتبره عدوانا سافرا يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، وبالتالي انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة حيث أدان الغزو وطالب العراق بأن “يسحب قواته فورا دون قيد أو شرط إلى المواقع التي كانت عليها في أول أغسطس، وبأن يدخل الطرفان العراقي والكويتي في مفاوضات مكثفة لحل الخلافات بينهما( )، كما أدان في قرار( ) أخر ضم العراق للكويت واعتبره باطلا قانونيا، ولا يرتب أي آثار ملزمة لأي طرف أخر، وأعاد التأكيد على تصميم المجلس بضرورة إنهاء الاحتلال واستعادة سيادة الكويت واستقلالها وسلامتها الإقليمية، وكذلك على استعادة الحكومة الشرعية لسلطتها ( ).
أما رد الفعل العراقي إزاء هذه القرارات فقد اتصف باللامبالاة مما دفع بالمجلس إلى اتخاذ مجموعة من القرارات التي كان الغرض منها الضغط على العراق لفرض احترام قراراته وتنفيذها.
وقد تمثلت في القرار رقم 661 الذي قضى بفرض مقاطعة شاملة على العراق، والقرار رقم 665 الذي صرح باستخدام القوة لإحكام الخطر وضمان احترام قرار المقاطعة، وأيضا القرار رقم 670 القاضي بفرض الحصار الجوي على العراق والسماح باجتياز السفن العراقية التي تنتهك الخطر.
وكان أهم هذه القرارات على الإطلاق القرار رقم 678 الصادر في 29 نونبر والذي منح للدول الأعضاء المتعاونة مع حكومة الكويت الحق في استخدام كل الوسائـل الكفيلة بحمل العراق على تنفيذ قرارات مجلس الأمن وإعادة السلم الدولي إلى نصابه ما لم ينفذ هذا كله قبل 15 يناير.
وبرفض العراق تنفيذ هذا القرار شأنه ذلك في شأن سابقيه، تشكل تحالف دولي مساند للكويت بزعامة لولايات المتحدة الأمريكية منحته الأمم المتحدة مهمة إدارة هذه الأزمة، والسبب في ذلك على ما يبدو يتمثل في عدم وجود آلية عسكرية دائمة موضوعة تحت تصرف مجلس الأمن ( )، خاصة و أن الحرب الباردة حالت دون أداء لجنة أركان الحرب لمهامها، بل ذهبت إلى تجميدها بسبب الخلاف بين العظميين، وبما يخص القرار 678 فإنه يفسر هذا التفويض على أنه جاء لسبب واحد وهو فرض وتنفيذ قرارات مجلس الأمن وإعادة السلم الدولي إلى نصابه في المنطقة.
بعد قيام قوات التحالف الدولي بمجموعة من العمليات العسكرية داخل الأراضي العراقية والتي استهدفت مجموعة من المواقع الحساسة داخل هذه الدولة أعقب هذه العمليات صدور قرار لمجلس الأمن في 3 أبريل 1991، أي بعد أربعة أشهر على بدأ العمل العسكري حدد شروط وقف إطلاق النار الدائم، والتي تمثلت في ترسيم الحدود بين العراق والكويت وإنشاء منطقة منزوعة السلاح بعمق 10 كلم على الجانب العراقي و5 كم على الجانب الكويتي، تراقبها وحدة مراقبة تابعة للأمم المتحدة تقيم فيها، ونزع وتفكيك أسلحة الدمار الشامل التي يملكها العراق بما فيها الأسلحة البيولوجية والكيماوية ومطالبته بالتصديق على اتفاقية حظر استخدام وإنتاج الأسلحة البيولوجية كما ضمت هذه الشروط عودة الممتلكات الكويتية التي استولى عليها العراق وإقرار مسؤوليته على الخسائر والأضرار التي لحقت بالأولى وبإنشاء صندوق التعويضات المتعلق بذلك، وكذا إعادة جميع الرعايا الكويتيين ورعايا الدول الأخرى إلى أوطانهم وأخيرا التعهد بعدم ارتكاب أو دعم أي عمل من أعمال الإرهاب الدولي، وعدم السماح لأي منظمة إرهابية بالعمل داخل العراق.
إن أول ما يتبادر للذهن عن قراءة هذا القرار أنه أشبه في جوانب عديدة منه بمعاهدات “الصلح” التي يفرض فيها الطرف المنتصر وهو “التحالف الدولي” شروطه على الطرف المنهزم وهو العراق لكنه يختلف عنها من حيث أنه حصل على ختم مجلس الأمن وأصبح يعبر عن الشرعية الدولية( ).
إن ما يفسر حماس الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية للتدخل لحل هذه الأزمة هو الظروف التي أحاطت بها فالعراق بترسانته العسكرية الكبيرة أصبح يشكل هاجس ومصدر قلق شديد للكثير من القوى العالمية والإقليمية مما جعل البعض يتخوف من إمكانية تشكيله خطرا على السلم والأمن الدولي بالمنطقة.
وهذا ما تأكد فعلا بغزوه للكويت الشيء الذي أصبح معه يهدد المصالح الاستراتيجية لباقي الدول، فيضمه للكويت سيتمكن العراق من السيطرة على قرابة 20% من احتياطي النفط المؤكد في العالم( )، وهو ما سيجعله المتحكم الأول بسوق النفط، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد كانت لولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى تأكيد قوتها كدولة تتقدم بخطى ثابتة نحو السيطرة على قيادة العالم بشكل منفرد، وهذا ما ظهر من خلال قيادتها العمليات العسكرية ضد العراق وبالتالي كشف عجز الاتحاد السوفياتي الذي كان يعيش في هذه المرحلة أيامه الأخيرة على إيقاع حركة الإصلاح التي قادها جورباتشوف التي كانت تحتاج إلى دعم مالي خارجي خاصة في شقها الاقتصادي مما جعله لا يحرك ساكنا لمساعدة حليفه العراق الذي ارتبط معه بمعاهدة صداقة وتعاون سنة 1978.
إن الجهود التي بذلها مجلس الأمن في حل النزاعات الدولية خلال هذه المرحلة كانت ضئيلة ولم ترق إلى المستوى المطلوب، وذلك على ما يبدو راجع لظروف الحرب الباردة وما خلفته من آثار على المنظمة الأممية، وكذا إلى تركيبة هذا المجلس وأثرها على عمله، فتشكله من دول دائمة العضوية وأخرى غير دائمة أثار حفيظة مجموعة من الدول التي أصبحت تطالب هي الأخرى بوضع متميز من داخل المجلس وذلك بامتلاك مقاعد دائمة وحق الفيتو الذي يمكن اعتباره امتياز حرب منح للدول المنتصرة.
ففي ظل توسع الخلافات بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية وتبني هذه الأخير لسياسة الاحتواء ، أصبح الاتحاد السوفياتي معزولا غير قادر على الدفاع عن مصالحه( )، فأصبح بذلك الفيتو هو سلاحه الوحيد لتحصين تلك المصالح غير أن طبيعة مرحلة الحرب الباردة لم تعرف الاستقرار في مجال التحالفات أو السياسات حيث كانت تطرأ دوما تغييرات على هذا المستوى، فبعد أن كان الاتحاد السوفياتي الأكثر استخداما للفيتو، بالمقارنة مع الدول الأخرى في الستينات بدأ الأمر ينعكس فيما بعد حيث أصبحت الدول الغربية وخاصة لولايات المتحدة الأمريكية أكثر استخداما للفيتو.
كما يمكن اعتبار الاستعاضة عن نظام الأمن الجماعي بمناطق النفوذ أحد أسباب تراجع دور مجلس الأمن فبعد تجميد عمل لجنة الأركان وكثرة استعمال الفيتو أصبح الشلل يصيب المجلس الأمر الذي جعل الدول تفقد ثقتها في نظام الأمن الجماعي، ثم بدأ البحث عن البديل، الذي تمثل في إنشاء نظام تحالفات حيث أنشأ كل قطب حلفه العسكري الذي يضم الدول المنضوية في صفوف معسكره.
إن كل ما سبق ذكره يعتبر تمظهرا أو انعكاسا للحرب الباردة على الأمم المتحدة وعملها لكن السؤال المطروح يبقى هو هل سيتغير الوضع بعد نهاية الحرب؟