التحديات التي تواجه الأمم المتحدة في ظل النظام العالمي الجديد
الفصل الأول: أهم الأفكار المتعلقة بفلسفة الإصلاح
المبحث الثاني: جهود الأمم المتحدة لتدعيم أهم الإصلاحات خلال الدورة الستون
أعيد تأكيد أهمية تعددية الأطراف الفعالة والدور الفريد الذي تضطلع به الأمم المتحدة في العديد من المجالات. ومنها مجالات التنمية والأمن وحقوق الإنسان، وذلك في تقرير الأمين العام المعنون ” في جو من الحرية أفسح ” الذي قدم إلى الجمعية العامة في شهر أذار/ مارس. ويتضمن هذا التقرير مقترحات عريضة بالتعجيل بأهم الإصلاحات للأمانة العامة من أجل جعلها أكثر مرونة وشفافية، وعرضة للمساءلة، ومجهزة لمعالجة احتياجات وتحديات القرن الحادي والعشرين. وتشكل هذه التدابير جزءا من سلسلة طويلة الأجل من الإصلاحات الذي بدأتنفيذها في عام 1997.
وعززت منذئذ على وجه الخصوص بثلاث مجموعات من مبادرات التغيير. ألا وهي: تقرير الإبراهيمي عن عمليات السلام للأمم المتحدة، وبرنامج لإجراء مزيد من التغييرات في عام 2002، وإصلاح نظام أمن الموظفين في العام الماضي.
ويتعين على الأمم المتحدة تكييف أنشطتها مع الأولويات التي حددها الإعلان بشأن الألفية والمؤتمرات العالمية للعقد الماضي. ويتعين إسقاط الأنشطة التي لم تعد مناسبة، بينما يتعين على الأمم المتحدة فيما يتعلق بالمسائل الجديدة، أو المسائل التي اكتسبت إلحاحية جديدة مثل العولمة وأثرها على التنمية، ومتابعة تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، ومنع المنازعات ومكافحة الإرهاب، وأن تزيد من حدة بؤرة تركيزها، وأن تعمل بصورة أكثر فعالية. كما تستحق مجالات عديدة أخرى المزيد من الإهتمام.
وبالتالي فقد قدم الأمين العام ميزانية برنامجية منقصة بطريقة شاملة لفترة السنتين 2003-2005 لكي تعكس الأولويات الجديدة للمنظمة.
المطلب الأول: العمل معا بطريقة أفضل
تتجاوز تحديات السياسة العامة المشتركة التي يفرضها العهد العالمي في الوقت الحاضر التخوم الوطنية والحدود المؤسسية، على حد سواء. وسواء كان الهدف يرمي إلى تخفيض حدة الفقر المدقع أو مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، أو ضمان تحقيق التنمية المستدامة أو منع الصراعات المسلحة، فإنه يتعين أن تستند الإستراتيجيات التي تتبعها الأمم المتحدة إلى اتخاذ إجراءات متسقة داخل المنظمة وإلى تعزيز التعاون مع الشركاء الخارجيين.
وفي هذا المطلب، سنقدم موجزا لخطوات تؤدي إلى تحسين التنسيق في المنظمة وزيادة إيضاح الأدوار والمسؤوليات المؤسسية. وسنحدد أيضا التحسينات الهيكلية في الميدانين الإقتصادي والإجتماعي وفيما يتعلق بإفريقيا خصوصا. وبالتالي سنختم هذا الجزء بمناقشة عن الطريقة التي ستشرك فيها الأمم المتحدة على نحو أكثر فعالية أطرافا فاعلة في المجتمع المدني والقطاع الخاص.
الفقرة الأولى: التنسيق من أجل تحقيق نتائج أفضل:
إن الأمم المتحدة مؤسسة معقدة ذات ولاية عالمية، وجدول أعمال طموح وآلية معقدة من أجل معالجة مجموعة كبيرة من القضايا المترابطة في أغلب الأحيان. ولقد انصب التركيز الرئيسي للإصلاحات التي قدمها الأمين العام كوفي عنان في سنة 1997 على تحسين التنسيق داخل المنظمة. ومنذ ذلك الحين، أحرزت المنظمة تقدما كبيرا، وهي تعمل في الوقت الحاضر بطريقة أكثر تماسكا وترابطا. غير أنه مازال عليها أن تحقق ماهو أفضل، إذا ماأريد للأمم المتحدة أن تنجز التنسيق على نطاق المنظومة بأسرها حسبما تقتضي التحديات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية الهائلة التي تواجه المنظمة كل يوم. وتعتمد حياة ورفاه عدد كبير من الناس على قدرتها على العمل معا على نحو أكثر فعالية.
1- التنسيق في المقر وعلى الصعيد الإقليمي:
كجزء من جهد الإصلاح في عام 1997، أنشأت الأمم المتحدة فريق الإدارة العليا، الذي يتألف من روساء جميع الإدارات والصناديق والبرامج. وإضافة إلى ذلك، أنشئت لجان تنفيذية معينة بشؤون السلام والأمن، وبالشؤون الإقتصادية والإجتماعية، وبالسؤون الإنسانية، وبالتنمية. وقد أدى إنشاء هذه الهيئات التنسيقية إلى تحسين تبادل المعلومات والتشجيع على إقامة تعاون أوثق.
وقد اعتزم الأمين العام زيادة استخدام اللجان التنفيذية لتحسين التخطيط الإستراتيجي، وتعزيز تطوير السياسة على نحو متماسك، وتشجيع تحليل الروابط فيما بين القضايا السياسية والإنمائية والإنسانية والقضايا المتعلقة بالأمن التي تواجه المنظمة. ويتوقع، بصفة خاصة، أن تقدم اللجنة التنفيذية للشؤون الإقتصادية والإجتماعية توجيها استراتيجيا وتضمن تكامل أعمال شتى الكيانات المشتركة في المجالين الإقتصادي والإجتماعي. وتحقيقا لهذه الغاية، ستشرف اللجنة على صياغة الخطة المتوسطة الأجل والميزانية البرنماجية في المجالين الإقتصادي والإجتماعي.
وتضطلع اللجنة الإقليمية بدور خاص في نفس المجالين. وتؤدي، بصفتها مواقع خارجية للأمم المتحدة في مختلف مناطق العالم، مهامها التي تسهم في برنامج العمل العالمي للمنظمة. وتحدد أيضا أولويات المنظمة في كل المناطق، وتقدم منظورا إقليميا للقضايا العالمية. وقد أعدت كل لجنة من اللجان الإقليمية مؤخرا استعراضا موضوعيا لبرنامج عملها.ونتيجة لذلك، وضعت اللجان جداول أعمال تبين على نحو أفضل أولويات ضتى المناطق. واستجابة لقرار المجلس الإقتصادي والإجتماعي، 1998/46، المؤرخ 31 تموز/ يوليوز 1998 ستعمل اللجان الإقليمية مع الوكالات المتخصصة والصناديق والبرامج لتعزيز اتساق إجراءات الأمم المتحدة على الصعيد الإقليمي. وستسعى أيضا نحو إقامة المزيد من التعاون والتنسيق مع المنظمات الإقليمية خارج منظومة الأمم المتحدة.
2- التنسيق الميداني:
ينظر معظم المواطنين في العالم، إلى ملاءمة الأمم المتحدة وقدرتها وفعاليتها من خلال خبراتهم المكتسبة في سياق تعاملهم مع موظفي وأنشطة الأمم المتحدة في بلدانهم. وفي كل بلد تعمل فيها الأمم المتحدة، يتمثل هدفها الأسمى في خدمة شعبها. وهي بذلك تستطيع أن تؤدي هذه المهمة بفعالية فقط بالعمل معا.
ولقد ساعدت آليات التنسيق من قبيل المجموعة الإنمائية للأمم المتحدة ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في تعزيز الأثر الجماعي للكيانات التنفيذية المنفصلة، بما في ذلك الوكالات المتخصصة. ولقد بدأت الوكالات والصناديق والبرامج في تبسيط ومواءمة إجراءاتها.
وساعدت صكوك التخطيط الجديدة من قبيل التقييم القطري المشترك وإطار عمل الأمم المتحدة للمساعدة الإنمائية في تشكيل تحليل الإحتياجات والأولويات الوطنية وترجمة الأهداف العريضة إلى مهام موجهة للبعثات. وطبقت تلك الأدوات في معظم البلدان النامية بالتعاون مع الحكومات المضيفة. وثمة أداة أخرى للتخطيط، وهي عملية النداء الموحد، التي تشمل الآن خطة عمل إنسانية مشتركة للإستجابة بصورة جماعية لاحتياجات البلدان التي تشهد أزمات. ولقد تم توجيه اختيار وتدريب الموظفين نحو ضمان ان تتوفر لديهم المهارات والقدرات القيادية الضرورية لإدارة العمليات بفعالية في الأفرقة القطرية التابعة للأمم المتحدة. وفي سيراليون وأفغنستان، يتحمل نائب الممثل الخاص للأمين العام في هذين البلدين مسؤوليات التنسيق، بغيةالإستجابة على نحو أكثر فعالية للإحتياجات السياسية والأمنية والإنسانية واحتياجات التنمية للبلدان التي هي في مرحلة مابعد الصراعات.
الفقرة الثانية: توضيح الأدوار والمسؤوليات:
تضم الأمم المتحدة طائفة واسعة من القضايا وتعمل في مناطق مختلفة عديدة. ويضم كل مجال من الأنشطة عددا من الجهات، وتقسيم العمل بينهما ليس بالدرجة المطلوبة من الوضوح بل وتقتضي أهداف الإعلان بشأن الألفية الطموحة والمتداخلة أن تنفذ المنظمة برنامج عملها بطريقة أكثر تكاملا. ولابد أن تتفهم الدول الأعضاء وكيانات الأمم المتحدة بوضوح مسألة توزيع الأضوار.
1- التعاون التقني:
يتمثل المجال الذي يتطلب توضيحا على نحو خاص في تقديم التعاون التقني إلى البلدان النامية. وتوفر جميع كيانات الأمم المتحدة تقريبا تعاونا تقنيا بشكل أو بآخر. ويعد توضيح توزيع الأدوار في هذا المجال أمرا في غاية الأهمية، مع تزايد موارد وقدرات وبرامج المؤسسات المالية الدولية.
وفي السعي لتوضيح الأدوار والمسؤوليات بين مختلف كيانات الأمم المتحدة ، فمن الضروري تطبيق المبادئ التالية:
أ)_ ينبغي أن تقع المسؤولية الأساسية عن أي مسألة أو نشاط على عاتق الكيان المجهز فنيا على أفضل وجه للإضطلاع بها.
ب)_ ينبغي للكيانات الرائدة في أي موضوع أو نشاط أن تعمل بالتعاون الوثيق مع باقي كيانات الأمم المتحدة بدلا من الإزدواجية في الخبرات المتاحة في مواقع أخرى من المنظمة.
ج)_ ينبغي بذل جهود منتظمة أكثر للإستفادة من المستودع الهائل للمعارف والخبرات القائمة خارج المنظومة.
د)_ ينبغي للكيانات ذات التواجد الميداني والخبرات الميدانية الراسخة تقديم التعاون التقني إلى أقصى حد ممكن. وينبغي لكيانات الأمانة العامة أن توجه السياسات والخبرات على النحو المناسب.
2_ عمليات السلام:
بغية تعزيز أعمال الأمانة العامة في مجال الأمن والسلم الدوليين، ثمة حاجة إلى وضع تعريف أوضح عن سياسة الإدارة الرائدة الحالية، والتي تحدد العلاقات بين إدارة الشؤون السياسية وإدارة عمليات حفظ السلام. وستركز إدارة الشؤون السياسية على نحو أكبر على مجالات الدبلوماسية الوقائية، ومنع نشوب النزاعات ونشر السلام. وستعمل الإدارة أيضا على تكثيف مشاركتها في صياغة السياسة عبر الطائفة الكاملة من مهام الأمانة العامة في مجال السلم والأمن الدوليين. وستبقى الإدارة الرائدة بالنسبة للمكاتب السياسية وبناء السلام في الميدان. وستكون إدارة عمليات حفظ السلام الإدارة الرائدة في تخطيط جميع عمليات السلام والأمن في الميدان وإدارتها، بما في ذلك الإدارات التي يكون أغلبية موظفيها من المدنيين.
وبالتالي فلن يخل هذا الترتيب بالصيغة الحالية لتمويل هذه العمليات. وستطبق في سياق التدابير المتزامنة لتعزيز وضع السياسات الشاملة والدور التنسيقي للجنة التنفيذية للسلم والأمن.
3_ إدارة الشؤون الإقتصادية والإجتماعية:
أدى توحيد إدارة الشؤون الإقتصادية والإجتماعية في عام 1997 إلى جميع المهام الرئيسية التي كانت مبعثرة في السابق في أرجاء الأمانة العامة، مثل إصدار البيانات الديمغرافية والإحصائية وتحليلها، وتحليل السياسات الإقتصادية والإجتماعية، والتعاون التقني. وتمثل هدف عملية التوحيد هذه في الحصول على استجابة أكثر تماسكا وموضوعية لحاجات الجمعية العامة والمجلس الإقتصادي والإجتماعي. وفي حين تم إنجاز ذلك بشكل عام ، ولا سيما فيما يتعلق بالمؤثمرات العالمية في السنوات القليلة الماضية. فإن مجرد عدد الإجتماعات التي تقوم الإدارة بخدمتها والتقارير التي تعدها أدى إلى توسيع قدرتها على الإستجابة بكفاءة وفعالية للدول الأعضاء، وإلى تنسيق أنشطتها على نحو فعال بدرجة أكبر مع أجزاء أخرى من الأمم المتحدة التي تعمل في المجال الإقتصادي والإجتماعي.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن نتائج المؤتمرات العالمية والإعلان بشأن الألفية يتطلب نهجا متكاملا عبر مختلف القطاعات لتخطيط السياسات وتقديم المشورة. وثمة حاجة مماثلة أيضا للوصول إلى باقي منظومة الأمم المتحدة والعمل مع عدد كبير من الشركاء الآخرين في المنظمات الدولية، والمجتمع المدني والقطاع الخاص. وطلبت الدول الأعضاء على نحو خاص إيلاء اهتمام لمتابعة المؤتمر الدولي المعني بتمويل التنمية ومؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة.
ونظرا للتعقيد الكبير الذي تنطوي عليه أعمال الإدارة في تحليل السياسات والتعاون التقني، فإن الطلب المتزايد عليها لتقديم الخدمات للمجلس الإقتصادي والإجتماعي، واللجان الفنية والأنشطة المتعلقة بمتلبعة المؤثمرات العالمية، والعديد من المسائل الناشئة التي تقع في نطاق مسؤوليات الإدارة التي يتعين على الأمانة العامة أن تعمق من معارفها وأن تحدد بؤرة تركيزها بوضوح أكبر، هناك حاجة ماسة إلى تعزيز قدرة الإدارة على إدارة هذا الكم الضخم من مجالات المواضيع والمسؤوليات. وبالتالي فإن الأمين العام ينوي بصفة خاصة تعزيز قدرة التخطيط الإستراتيجي للإدارة، بإنشاء، في إطار مواردها القائمة، وحدة تخطيط صغيرة للسياسات.
كما أكد كذلك على أن الأمم المتحدة في حاجة إلى تعزيز قدرة التوجيه التنفيدي في هذه الإدارة. وفي حين يرتبط حاليا أحد مناصب الأمين العام المساعد القائمة في الإدارة. المستشار الخاص للقضايا الجنسانية_ من الناحية الإدارية بالإدارة، فإنه تناط به مهام محددة على نطاق المنظومة تركز على النهوض بالمرأة في المنظمة بكاملها. لذلك فقد اقترح الأمين العام إضافة أمين عام مساعد للمساعدة في إدارة أعمال الإدارة بكاملها ودعم وضع سياسات متماسكة في الإدارة. ولتكميل هذه الإجراءات، فإنه تتخذ تدابير لتعزيز التعاون بين مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية والإدارة.
الفقرة الثالثة: تعزيز الشركات:
لقد غدا المجتمع الدولي أكثر تعددا وتنوعا. وأصبح الفاعلون من المجتمع المدني والقطاع الخاص يشاركون أكثر فأكثر في أنشطة التعاون الدولي على كل المستويات، من المحلي إلى العالمي. وتتراوح مشاركتهم بين تقديم أفكار ومقترحات وبين الأنشطة الملموسة، كتوفير الخدمات الصحية العامة أو المعونة الغذائية. وتحظى مساهمتهم التي لاغنى عنها بالإعتراف بها على نطاق واسع. ولهذا السبب قررت الدول الأعضاء، في الإعلان بشأن الألفية، إتاحة فرص أكبر للقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني بصفة عامة للإسهام في تحقيق أهداف المنظمة وبرامجها. وسنتناول في هذا الجزء التفاعل بين المجتمع المدني ومنظومة الأمم المتحدة، والحالة الخاصة للعلاقة القائمة بين القطاع الخاص والمؤسسات والأمم المتحدة.
1_إشراك المجتمع المدني:
حدثت زيادة متسارعة في عدد العناصر الفاعلة من المجتمع المدني، وفي حجم الشبكات عبر الوطنية التي تضمهم. وتضاعف عدد المنظمات غير الحكومية أربعين مرة خلال القرن العشرين إلى أكثر من 37.000 في عام 2000. وتضم الشبكات العالمية الآخدة في الإتساع لهذه المنظمات في الواقع كل أنماط المنظمات، ابتداء من المجتمعات القروية وحتى مؤتمرات القمة العالمية، وكل قطاع من قطاعات الحياة العامة تقريبا، من توفير القروض المتناهية الصغر وتقديم لوازم الإغاثة الطارئة إلى ممارسة النشاط الفعال في مجال البيئة وحقوق الإنسان.
وتعتبر العلاقة بين الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني قديمة قدم الميثاق ذاته فالعلاقة بين منظومة الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني في مجالي الإغاثة الإنسانية والتنمية كانت هي القاعدة لعقود عديدة. وفي الواقع فإن هذه العلاقة علاقة وثيقة بحيث أن هذه المنظمات تشارك في أحيان عديدة في عمليات وضع الخطط التي تقوم بها الأمم المتحدة على الصعيد القطري.
أما التفاعل على نطاق واسع بين العناصر الفاعلة من المجتمع المدني والعمليات الحكومية الدولية فهو أمر حديث العهد. فقد ازدهر فعلا مع المؤثمرات العالمية التي عقدت خلال العقد الماضي. وكثيرا ما تثري المناقشات التي تجري في منتديات ومناسبات الأوساط غير الحكومية والتي تنظم بموازاة المؤتمرات الرسمية المداولات والقرارات الرسمية الصادرة عن الكثير من هذه الإجتماعات. وتقوم هيئات عديدة للأمم المتحدة منشأة بموجب معاهدات الآن بصفة روتينية بالنظر في تقارير بديلة صادرة عن هذه المنظمات إلى جانب التقارير الرسمية التي تقدمها الحكومات. وفي بعض الحالات، خاطبت المنظمات غير الحكومية الجلسات العامة للمؤتمرات وشاركت في مناقشات الموائد المستديرة مع الحكومات.
وتضم حاليا حكومات عديدة ممثلين عن المجتمع المدني إلى وفودها إلى المؤتمرات الدولية والدورات الإستثنائية، وأحيانا كذلك إلى الجمعية العامة وتحظى الآن أكثر من 2000 منظمة غير حكومية بالمركز الإستشاري لدى المجلس الإقتصادي والإجتماعي، وحوالي 1400 لدى إدارة شؤون الإعلام. ومنح أكثر من 3500 منظمة غير حكومية وثائق اعتماد رسمية لحضور آخر مؤتمر عالمي، وهو مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة.
وكنتيجة لهذا النمو المذهل في المشاركة، أصبح النظام الذي واصل تطوره لسنوات عديدة لتيسير التفاعل بين الأمم المتحدة والعناصر الفاعلة بالمجتمع المدني يظهر بعض علامات الإجهاد:
أ)_ أدت الزيادة السريعة في عدد المنظمات غير الحكومية إلى وقوع مرافق وموارد الأمم المتحدة تحت ضغط هائل. ومن المستحيل الآن ماديا على المنظمة استيعاب جميع المنظمات غير الحكومية التي تطلب المشاركة في مؤتمرات الأمم المتحدة واجتماعاتها.
ب)_ توجد طائفة واسعة من عمليات منح وثائق الإعتماد، فبالرغم من وجود كم هائل من الممارسات، كثيرا ماتجد المنظمات غير الحكومية التي تود الحضور والمشاركة في مؤتمرات الأمم المتحدة واجتماعاتها معايير غير منسجمة وإجراءات مربكة.
ج)_ تشعر دول أعضاء عديدة بالقلق لهذا الضغط الدائم لإتاحة مجال أكبر أمام المنظمات غير الحكومية في مداولتها، بينما تعتبر المنظمات أنه لايسمح لها بالمشاركة ذات مغزى.
د)_ ثمة عدم توازن كبير في أعداد المنظمات غير الحكومية الآتية من البلدان الصناعية وتلك الآتية من البلدان النامية، التي يشارك منها عدد قليل جدا في أنشطة الأمم المتحدة.
ه)_ لا يعتبر عدد من العناصر الفاعلة بالمجتمع المدني_ البرلمانيون ومجموعة القطاع الخاص على سبيل المثال لا الحصر أنفسهم منظمات غير حكومية، وليست طرائق مشاركتهم واضحة للغاية.
و)_ تمتد المسؤولية عن التعامل مع المنظمات غير الحكومية عبر وحدات عديدة في الأمانة العامة.
وقد حاولت بعض المنظمات غير الحكومية معالجة الشواغل المذكورة أعلاه. وفي حالات عديدة، ضمت صفوفها للإدلاء بآراء جماعية بشأن المسائل الجهوية للسياسة العامة. وحاول البعض منها الإجابة على الأسئلة المثارة بخصوص اتساع نطاق مشاركتها ومساءلتها، عن طريق استكشاف نظام يشمل وضع لائحة ذاتية وقواعد سلوك متفق عليها.
وبذلت منظمات غير حكومية عديدة جهودا لتوسع نطاق عضويتها لكي تضم أفرادا وجماعات من البلدان النامية. ومن صلاحيات الدول الأعضاء بطبيعة الحال تحديد البنود والشروط التي تحكم اعتماد المنظمات غير الحكومية ومشاركتها في مؤتمرات الأمم المتحدة ومداولاتها الأخرى. غير أن جميع الأطراف المعنية ستستفيذ من التعامل مع العناصر الفاعلة بالمجتمع المدني استنادا إلى إجراءات وسياسات تعكس تماسكا واتساقا أكبر وإمكانيات أكثر للتوقع. وبالتالي ستكون من المجدي الإفادة مما اكتسبته المنظمة حتى الآن من خبرة في التفاعل بين المجتمع المدني. وكخطوة أولى، فقد تم الإلتقاء بمجموعة من الشخصيات البارزة التي تمثل مجموعة متنوعة من وجهات النظر والخبرات لإستعراض الممارسات الماضية والحالية والتوصية بإدخال تحسينات في المستقبل من أجل جعل التفاعل بين المجتمع المدني والأمم المتحدة ذا مغزى أكبر.
2_ إشراك القطاع الخاص:
لقد تزايدت أيضا إلى حد بعيد العلاقات القائمة بين الأمم المتحدة والقطاع الخاص طوال السنوات الخمس الماضية. ويعكس هذا الأمر الإقرار المتزايد بقوة القطاع الخاص على إيجاد فرص العمل والإستثمار والنمو الإقتصادي في عالم معلوم، وما يقابل ذلك من ضرورة أن تشرك الأمم المتحدة القطاع الخاص في الجهود المبذولة لتحقيق التنمية المستدامة. كما يعكس الإعتراف المتزايد في القطاع الخاص بأهمية وضع قواعد ومعايير دولية لتيسير الأعمال التجارية.
ومازال ارتباط الأمم المتحدة بالقطاع الخاص مفيذا للمنظمة والقضايا التي تحظى بدعم سخي. غير أن هذه الشراكات لن تحل محل مايتعين على الحكومات نفسها عمله.
ففي عام 1999، ركز قادة المؤسسات التجارية الدولية على العمل سويا مع فئات العمال والمجتمع المدني لجعل العولمة أكثر إنصافا واستدامة. وتسعى مبادرة الإتفاق العالمي، التي أطلقت في تموز/ يوليوز 2000، إلى المضي قدما بتسعة مبادئ جوهرية تتعلق بحقوق الإنسان وحقوق العمال وحماية البيئة. وهي بمثابةإطار واسع لإشتراك القطاع الخاص ويضم اليوم مئات الشركات، فضلا عن الفئات العمالية الدولية والمنظمات غير الحكومية من جميع أنحاء العالم. ونأمل في أن يثبت في الوقت المناسب أن مبادرة الإتفاق العالمي تشكل وسيلة هامة لبث الفضيلة المدنية في السوق العالمية.
ولا يعتبر تعاون الأمم المتحدة مع القطاع الخاص بالشيء الجديد تماما. فقد أقامت صناديق الأمم المتحدة وبرامجها هذه العلاقات منذ وقت طويل للغاية، مع شركات القطاع الخاص ومؤسساته التي تدعم المنظمة بالموارد والمعارف وأشكال أخرى من المساعدة. وسواء كان عدد كبير من زعماء المنظمات الخيرية والمشاريع التجارية يتصرفون لوحدهم أو مع وكالات الأمم المتحدة منظمات المجتمع المدني، فهم يشاركون في برامج على الصعيد القطري لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز، وتوفير رعاية صحية افضل للمجتمعات الريفية، وحماية البيئات الهشة، وزيادة نسبة الملمين بالقراءة والكتابة في صفوف الكبار، وفي مبادرات أخرى.
وقد حدثت مؤخرا زيادة كبيرة في اهتمام شركات القطاع الخاص ومؤسساته بالتعاون مع الأمم المتحدة على نطاق عالمي أوسع. ومما يجدر دكره مساهمة تيد تيرنر التي لم يسبق لها مثيل في مؤسسة الأمم المتحدة، والدعم الذي قدمته مؤسسة بيل وميليندا غيتس في إطار مكافحة فيروس الإيدز، ومساهمات العديد من المؤسسات الأخرى وشركات القطاع الخاص في دعم القضايا العالمية التي تؤيدها الأمم المتحدة في المجال الإجتماعي ومجال الإغاثة الإنسانية. وكان لزاما على صندوق الأمم المتحدة للشركات الدولية، الذي أنشئ في الأصل للتعاون مع مؤسسة الأمم المتحدة، أن تقدم خدماته لتلبية الطلبات والحاجة إلى المعلومات من قبل عدد من كيانات القطاع الخاص التي تتوق للعمل مع الأمم المتحدة.