الاستعارات الأنطلوجية

المقاربة المعرفية للاستعارة – الفصل الثاني:
ج- تصور لايكوف وجونسون للاستعارة :
ب- أنواع الاستعارات:
الاستعارات الأنطلوجية:
1-استعارات المادة كيان:
يسمي الباحثان هذا النوع من الاستعارات أنطلوجية، بالنظر إلى أنها تنتج عن تجاربنا مع الأشياء الفيزيائية ( وبخاصة أجسادنا) تقدم هذه الاستعارات طرقا للنظر إلى الأحداث والأنشطة والإحساسات والأفكار … باعتبارها كيانات ومواد، يستدل الباحثان على ذلك، بتجربة ارتفاع الأسعار التي يمكن أن تعتبر، استعاريا، كيانا نسميه التضخم .وبهذا نحصل على طريقة للإحالة على هذه التجربة:
التضخم كيان:
1-إن التضخم يخفض مستوى عيشنا.
2-إذا تفاقم التضخم لن نتمكن من العيش.
3-يجب محاربة التضخم.
4-يضطرنا التضخم إلى اتخاذ بعض الإجراءات.
5-يلتهم التضخم جزءا كبيرا من عائداتنا.
6-شراء قطعة أرض هو الطريقة الوحيدة للاحتماء من التضخم.
7-يقلقني التضخم كثيرا.

إن اعتبار التضخم كيانا يسمح لنا بالإحالة عليه وبتكميمه، وبأن نعين منه جزاء خاصا، وبأن نرى فيه سببا وبأن نتصرف بحيطة إزاءه، وربما بأن نعتقد أننا نفهمه .إن هذه الاستعارات الأنطلوجية ضرورية في محاولتنا تقديم تحليل عقلاني لتجاربنا وتستعمل لحاجات مختلفة، والاختلافات الحاصلة بين هذه الأنواع من الاستعارات تعكس هذه الحاجات المختلفة التي استعملت هذه الاستعارات من أجلها. والأمثلة التالية تعكس فكرة تنوع حاجاتنا وتنوع المعطيات التمثيلية للاستعارات  الأنطلوجية التي تخدمها :

أن نحيل :
8-خوفي من الحشرات يجعل زوجتي كالمجنونة.
9-لقد كانت غنيمة رائعة ( إذا عنينا بها شيئا مجردا).
10-إننا نعمل من أجل السلام.
11-يعتبر الطرف المعتدل قوة صامتة في السياسة الأمريكية.
12-شرف وطننا في خطر بسبب هذه الحرب.

أن نكمم:
13-يتطلب إنهاء هذا الكتاب قدرا كبيرا من الصبر.
14-يوجد كثير من الحقد في هذا العالم.
15-لهذا الرجل سلطة سياسية كبيرة في بريطانيا.
16-لمسنا عندهم ترحابا كبيرا.
17-لهذا الشخص دينامية كبيرة وتقنية مدهشة في لعب الكرة.

أن نعين المظاهر :
18- لقد كشف تحت ضغط الأحداث ،عن الجانب السيء في شخصيته.
19-وحشية الحرب تجعلنا غير إنسانيين.
20-لا أتمكن من مسايرة إيقاع الحياة الحديثة.
21-لقد تدهور الجانب النفسي في صحته.
22-لم نتلذذ قط بنشوة النصر في الفيتنام.

أنا نعين الأسباب:
23-ثقل مسؤولياته سبب انهياره .
24-قام بذلك من جراء غضبه.
25-تأثيرنا في العالم تقهقر نظرا لسوء أخلاقنا.
26-كلفهم خلافهم الداخلي بالهزيمة.

أن نحدد الأهداف ونحفز الأنشطة:
27-لقد جاء إلى نيويورك بحثا عن الجاه والمال.
28-هذا ما يجب أن تقوم به لتأمين الضمان المالي .
29-إنني أغير نمط حياتي كي أعثر على السعادة الحقيقية.
30-تهرع المخابرات الأمريكية حيال المس بأمن الدولة.
31-لقد رأت في الزواج الحل لمشاكلها.

تظهر ملاحظة هذه التعابير أنه لا يتم الانتباه إلى طابعها الاستعاري ، وذلك راجع إلى أن الاستعارات الأنطلوجية، تخدم مجموعة محدودة من الحاجات  (الإحالة ، التكميم، تعيين المظاهر ، الأسباب).إلا أنه من المفيد الإشارة إلى أن مجرد اعتبارنا شيئا غير فيزيائي كيانا أو مادة ،لا يسمح لنا بأن نفهم عنه شيئا مهما.لذلك رأى الباحثان أنه بالإمكان تطوير الاستعارة الأنطلوجية، فقدما مثالين عن الكيفية التي تتم بها تطوير الاستعارة الأنطلوجية: “الذهن مادة “في ثقافتنا.

الذهن آلة :
32-عقلي غير قادر على الاشتغال الآن.
33-لقد صدئ عقله.
34-اشتغلنا في هذا المشكل طول اليوم والآن نفذت طاقتنا.
35-الروايد ما كايدوروش” (من الدارجة المغربية، والمقصود بلفظ” الروايد” عملية التفكير وترجمتها حرفيا : العجلات لا تدور ” )

الذهن شيء هش:
36-أنا هش جدا.
37-أصبح لزاما علينا معاملته بحذر منذ موت زوجته.
38-لقد انهار خلال التحقيق.
39-لقد حطمته هذه التجربة.
40-تم سحق تلك المرأة بسهولة.

تقدم هذه الاستعارات نماذج استعارية مختلفة عما هو الذهن وتسمح لنا بالتركيز على مختلف مظاهر التجربة الذهنية ” فاستعارة الآلة تجعلنا نتصور الذهن كما لو كان بإمكانه أن يشتغل وأ،ن يتوقف وأن له مستوى من الفعالية وله قدرة إنتاجية وآلية ومصدرا للطاقة وله ما يتحكم في اشتغاله “. في حين تظهر استعارة “الذهن شيء هش” أفقر من ذلك لأنها ” تسمح لنا بالحديث عن الصلابة النفسية فقط ”   أمامنا إذن، تصوران يمثلان استعارة أنطلوجية واحدة : الذهن مادة أو كيان. إلا أن التصور الأول أغنى وأكثر هيمنة من التصور الثاني لذلك يدمج الباحثان هذا التصور في نموذج تصور الذهن الذي تمدنا به ثقافتنا، إذ أن أغلبنا يفكر ويتصرف انطلاقا من هذا النموذج .

خلاصة :
إن الاستعارات الأنطلوجية، وبالضبط استعارات الكيان والمادة، حاضرة دائما في فكرنا لدرجة أننا نتخذها بديهيات كما نعتبرها أوصافا مباشرة للظواهر الذهنية، في حين أنها تمثل نسقا مهيمنا على آليات اشتغال لغتنا وتسمح لنا بفهم عدد كبير ومتنوع من التجارب المتعلقة بكيانات غير بشرية عن طريق الحوافز والخصائص والأنشطة البشرية.

2-استعارات الوعاء :
تنبع هذه الاستعارات من الخاصية الفيزيائية التي تمتلكها أجسادنا باعتبارنا كائنات فيزيائية محدودة ومعزولة عن باقي العالم عن طريق مساحة جلدنا ونعيش تجربة باقي العالم باعتبارها خارجة عنا، وبذلك يكون التوجه خارج – داخل مرتبطا بتصورنا لأجسادنا كأوعية ذات مساحة محدودة .هذا التوجه نفسه نسقطه على أشياء فيزيائية أخرى محدودة بمساحات فنعتبرها أوعية لها داخل وخارج.

ومن أمثلة الأشياء الفيزيائية التي نسقط عليها هذا التصور الغرف والمنازل فالتنقل من غرفة لأخرى تنقل من وعاء لآخر ، كما أننا نسقط هذا التوجه على أشياء صلبة إننا نكسر صخرة لنعرف ما بداخلها بل إن هذا الإسقاط يشمل أيضا محيطنا الطبيعي فنعتبر الفجوة داخل الغابة مساحة ذات حدود ونعتبر أنفسنا داخل الفجوة أو خارجها ، داخل الغابة أو خارجها.

إن هذه الاستعارة (الفجوة وعاء، الغابة وعاء) ناتجة عن كوننا” حين ننظر إلى إقليم معين ( قطعة أرض، مساحة مكسوة … إلخ) فإن مجال رؤيتنا يقيم حدودا لهذا الإقليم ، وهو ذلك الجزء الذي يتمكن من رؤيته ”  ومادام الفضاء الفيزيائي وعاء، فإنه يوجد ترابط بين هذا الفضاء الفيزيائي ومجال رؤيتنا.وهو ما ينتج بصورة طبيعية التصور الاستعاري التالي: مجالات الرؤية أوعية. يمثل هذا التصور أقوالا مثل ” :
1-دخلت السفينة في مجال رؤيتي الآن.
2-لقد غدا خارج حدود رؤيتي.
3-إنه على مرمى البصر.
4-لا يمكن أن أراه فالشجرة تخفي مجال رؤيتي .
5-أنظر إنه يتوسط مجال الرؤية الآن.
يضيف عبد المجيد جحفة العبارتين التاليتين :
6-في رأيي لنا تقوم الحرب.
7-في نظري لن نحتاج إلى ذلك كله.

ويرى أنهما تفيدان ما نعتقده بارتباطهما استعاريا بمجال الرؤية وهما تبنيان بشكل واضح أن المجال البصري وعاء، إذ يرتبط الرأي والنظر بالحرف” في” الذي لا يدخل إلا على ما كانت له حدود وله داخل وخارج أو ما كان يتصور كذلك.
بالإضافة إلى تخصيص الاستعارات الأنطلوجية لمجال الرؤية ولما يسميه لايكوف وجونسون بالأقاليم الأرضية(territorial lands) باعتبارها أشياء فيزيائية فإنها تخصص أيضا الأحداث ( events) والأعمال( actions) والأنشطة  activities)) والحالات ( states).

فالسباق مثلا حدث قد نعتبره كيانا مستقلا، إنه يتم في زمان ومكان ، وله حدود مضبوطة جدا. ولهذا ننظر إليه باعتباره شيئا/ وعاء يوجد فيه المتسابقون  (وهم أشياء) وتوجد فيه أحداث كالانطلاقة والوصول ( تعتبر استعاريا أشياء) ويوجد فيه نشاط الجري (الذي يعتبر استعاريا مادة ) لذلك نقول عن السباق ما يلي:
8-هل ستكون في السباق يوم الأحد؟ ( السباق شيء / وعاء ).
9-هل ستذهب إلى السباق؟ ( السباق شيء).
10-هل شاهدت السباق؟ ( السباق شيء ).
11-لقد كان الوصول في السباق هائلا ( الوصول حدث داخل شيء الوعاء).
12لقد قدم جريا ممتازا في هذا السباق ( الجري مادة في الوعاء).
13-لم أتمكن الحفاظ على السرعة حتى النهاية ( الإسراع مادة ).
14-وجدت نفسي بدون قوة في وسط السباق ( السباق شيء، وعاء).
15-إنه خارج السباق الآن ( السباق شيء / وعاء).

تشرح الأمثلة السابقة كيف نتصور الأنشطة أوعية تحوي أعمالا وأنشطة أخرى تدخل فيها. إلا أن الملاحظ أن استعارات الوعاء لا تثير انتباهنا بالنظر إلى أنها تبدو عادية ومألوفة جدا بالنسبة لنا .

خلاصة :
إن التصورات المكونة لهذه الاستعارات تعكس بشكل جلي ذلك التفاعل القائم بين وجودنا الفيزيائي في العالم ، ونظرتنا لما يحيط بنا ويفعل فينا سواء تعلق الأمر بكيانات فيزيائية ( الأقاليم الأرضية، مجال الرؤية ) أو بأنشطة ( السباق مثلا ) تتضمن أعمالا وأحداثا أخرى.
المقاربة اللسانية للاستعارة
المقاربة اللسانية للاستعارة

_________________
– لايكوف وجونسون ” الاستعارات التي نحيا بها ” مرجع مذكور، ص 46-47.
– لايكوف وجونسون ” الاستعارات التي نحيا بها ” مرجع مذكور ، ص  47 .
– المرجع نفسه ص 48.
–  المرجع نفسه ، ص 48.
– المرجع نفسه ص  48.
– لايكوف وجونسون ” الاستعارات التي نحيابها ” مرجع مذكور ، ص  49.
–  المرجع نفسه ، ص 50.
– لايكوف وجونسون ” الاستعارات التي نحيا بها ” مرجع مذكور ، ص 50.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.