أحقية إدارة الجمارك في التدخل في قضايا المخدرات ؟

الجرائم الإقتصادية : تجارة المخدرات
الفصل الأول: تجارة المخدرات بين الواقع و القانون.
الفرع الثاني: تدخل إدارة الجمارك في قضايا المخدرات

دأبت إدارة الجمارك على التدخل في قضايا تهريب المخدرات أمام القضاء الزجري للمطالبة بالتعويضات المدنية على أساس أنها بضائع محظورة لم يقع التصريح بها الأعوان إدارة الجمارك عند نقطة الحدود مما يعتبر معه حائزها في وضعية عدم التصريح ببضاعة (1) ويعاقب طبق لمقتضيات الفصل 84 من مدونة الجمارك، و يتم إحالته على النيابة العامة لتنظم إدارة الجمارك كطرف مدني متضرر إلى جانب شركة التبغ للمطالبة بالتعويضات.

ولقد نتج عن تدخ إدارة الجمارك في قضايا المخدرات اختلاف في الآراء بين قائل بأحقية تدخل هده الأخيرة للمطالبة بالتعويضات المدنية في قضايا المخدرات أما بسبب استيرادها أ, تصديرها، وبين قائل بعدم أحقية هدا التدخل و رفض مطالبها، غير أن هدا التضارب في الآراء تم حسمه بمقتضى التعديلات الأخيرة التي وقعت على مدونة الجمارك و التي أصبحت تعطي لإدارة الجمارك الحق في التدخل كمطالب بالحق المدني في قضايا تهريب المخدرات، لدلك و رغبة في مناقشة هدا المبحث سنتناول في المطلب الأول تضارب الآراء حول مدى أحقية إدارة الجمارك في التدخل في قضايا المخدرات، و في المطلب الثاني سنتطرق للتعديلات الأخيرة لمدونة الجمارك و مدى حسمها لهدا الاختلاف.

المبحث الأول: تضارب الآراء حول مدى أحقية إدارة الجمارك في التدخل في قضايا المخدرات:
اختلفت الآراء الفقهية و تضاربت الاجتهادات القضائية حول مدى أحقية إدارة الجمارك للمطالبة بالتعويضات المدنية في قضايا  المخدرات حيث يسير الاتجاه الأول إلى رفض هدا التدخل (المطلب الأول) بينما يؤيد الاتجاه الثاني هدا التدخل (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الاتجاه المعارض لتدخل إدارة الجمارك في قضايا المخدرات:
يرى هدا الاتجاه أن تدخل إدارة الجمارك في هدا الشأن ليس ما يبرره من الناحية القانونية خصوصا و أن المشرع في المادة 115 من مدونة الجمارك قد اعتبر المخدرات بصريح العبارة من البضائع المحظورة و بالتالي فهي لا تخضع للاداءات الجمركية، وهدا ما أكده المجلس الأعلى في قرار صادر بتاريخ 4 مارس 1987. حيث دهب إلى أن المخدرات بضاعة محظورة بطبيعتها و لا تقبل التداول الدولي كسلعة تقبل الاستيراد و التصدير، وبالتالي لا يمكن جعلها أساسا لتدخل إدارة الجمارك للمطالبة بالحق المدني، إد لا تطبق بشأنها الأنظمة الجمركية وقد جاء في حيثيات هدا القرار:”حيث أن المحكمة فيها قضت به من تأييدها للحكم الابتدائي القاضي بأداء العارض لفائدة إدارة الجمارك مبلغ 270 مليون درهم قد خالفت مقتضيات الفصل 115 من ظهير 9 أكتوبر 1977 المتعلق بمدونة الجمارك الذي حدد البضائع الخاضعة للأنظمة الجمركية و ليس من ضمنها المخدرات التي من مشمولاتها مادة الشيرة، إذ أنها بضاعة محظورة بطبيعتها و لا تقبل التداول الدولي كسلعة تقبل الاستيراد و التصدير، الأمر الذي يكون معه ما قضى به القرار المطعون فيه من قبول تدخل إدارة الجمارك قائم على لإمكانية تطبيق الأنظمة الجمركية وما بنى على باطل مما يتعين معه نقض القرار المطعون وإبطاله في شأن المقتضيات المتعلقة بتدخل إدارة الجمارك وما حكم لها بالرفض في الباقي”.

كما يرى نفس الاتجاه عدم أحقية تدخل إدارة الجمارك في دعاوي المخدرات كطرف مدني لانعدام السبب الأخلاقي و السند القانوني (2) الذي تحدد على أساسه قيمة المخدرات تطبيقا للمبدأ القانوني :”لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص” ولكونها مطالب غير مشروعة بنيت على أساس حيازة بضائع هي في الأصل غير مشروعة و قد ذهبت محكمة الاستئناف بطنجة في إحدى قراراتها إلى ما يلي:”حيث يعاب على الحكم الابتدائي أن ما قضى به من غرامة لفائدة الجمارك عن جنحة تصدير بضائع محظورة بدون تصريح جاء مخالف الاجتهاد المحكمة القار لان تلك المادة لا يجوز التداول عنها و لا تعرف لها قيمة و بالتالي فلا يمكن تقويمها حتى يتسنى للإدارة بقاء مطالبها.
بالإضافة إلى أن هناك ظهائر خاصة تنظمها، و تعطي لشركة التبغ حق الامتياز فيما يخص حيازة التبغ (3). أضف إلى دلك أن المخدرات غير خاضعة للتبادل سواء على الصعيد الوطني أو على الصعيد الدولي و لا يوجد سوق عالمي ينظمها أو يمنحها قيمة مالية، وهدا ما أكده المجلس الأعلى في القرار الصادر بتاريخ 17/4/1987 حيث قضى بأن “ظهير 9 أكتوبر 1977 يعطي لإدارة الجمارك الحق في المطالبة بالتعويض عن البضائع الني يحددها هدا القانون و التي لا بد أن تكون خاضعة للتداول الدولي كسلعة قابلة للاستيراد و التصدير و لها تعريفة معترف بها و أن المخدرات لا يمكن اعتبارها كذلك فهي ليست سلعة أو بضاعة قابلة للتداول لا وطنيا و لا دوليا (4).

و في هدا الاتجاه صارت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء التي اعتبرت تدخل إدارة الجمارك في قضايا تصدير المخدرات و استيرادها غير مقبول لكزنها بضاعة محظورة بطبيعتها و غير قابلة للتداول الدولي كسلعة وقد جاء في حيتيات الحكم المذكور ما يلي:”وحيث أن  المخدرات تعتبر من البضائع التي يمنع استيرادها أو تصديرها بأي وجه من الوجوه. وحيث أنه استينادا على ما ذكر فإنه لا يمكن قبول تدخل إدارة الجمارك كطرف مدني للمطالبة بالغرامات و التعويضات المسطرة بملتمسها و الذي استجاب له الحكم ابتدائي عن خطأ لان المخدرات التي من ضمنها مادة الكوكايين تعتبر بضاعة محظورة بطبيعتها و لا تقبل التداول الدولي كسلعة (5).

المطلب الثاني: الاتجاه المؤيد لتدخل إدارة الجمارك أمام القضاء الجزري للمطالبة بالتعويضات:
يرتكز هدا الاتجاه في موقفه على نصوص مدونة الجمارك التي يستوجب في كل المنتوجات التي تمر عبر الحدود أن تكون موضوع تصريح وخاضعة لمراقبة أعوان هده الإدارة المتواجدون هناك و من بين هده المنتوجات المخدرات(6). وقد صدر قرار حديث عن المجلس الأعلى بتاريخ 27 نونبر 2000 ورد فيه “حيث أن المقتضيات المشار إليها تنص على أن جميع السلع و المنتوجات الأخرى القابلة للتصدير و الاستيراد تخضع للتصريح، وإن المخدرات وردت ضمن المنتجات من غير اعتبار كونها محظورة أو غير محظورة كما أن الفصل 61 من مدونة الجمارك لم يستتني المخدرات من ضرورة التصريح باستيرادها أو تصديرها ثم أن التعرفة الجمركية المعرف بها في الفصل الثاني من مدونة الجمارك تذكر المخدرات باعتبارها تقع تحت مراقبة القانون الجمركي.
وحيث أن القرار المطعون فيه الذي اعتبر أن المخدرات مواد محرمة لا تدخل في زمرة البضائع الخاضعة للتصريح لكونها غير خاضعة للتعامل قد بني على أساس غير قانوني وغير واقعي لان المخدرات من جهة تعتبر بضاعة في القانون الجمركي و من جهة ثانية فإنها تخضع للتصريح عند الاستيراد و التصدير (7).

كما يستند هدا الاتجاه في موقفه أيضا على أن المخدرات يمكن أن تكون مادة أولية تستغل في التحضير للأدوية أو استعمالات أخرى مشروعة  و بالتالي تعامل إدارة الجمارك كبضاعة و يخضع في هده الحالة لأداء الرسوم و المكوس المستحقة و تكون موضوع تصريح و ترخيص إضافة إلى أن تدخل إدارة الجمارك للمطالبة بالتعويضات المدنية ينصب على أساس أن المخالفة للقوانين و التنظيمات الجمركية تتمثل في جنحة محاولة تصدير أو استيراد حسب الحالة التي ضبط عليها المعني بالأمر بدون تصريح طبقا للفصل 84 من مدونة الجمارك التي تعتبر قاعدة آمرة لا يجوز مخالفتها تحت طائلة معاقبة مالم يحترم هده القاعدة، ويضف المتحمسون لتدخل إدارة الجمارك كمطالبة بالحق المدني في هدا الاطار انه ادا رجعنا إلى ظهير 24/4/1954 المتعلق بمنع قنب الكيف و ظهير 21/5/1975 المتعلق بزجر الادمان على المواد السامة ووقاية المدمنين عليها فإننا نجدها يعترفان بالطابع الشرعي للمخدرات فالفصل الثالث من ظهير 1954 ينص على أن السيد وزير الصحة العمومية يمكنه أن يرخص بزراعة أو صناعة الكيف و مشتقاته لأغراض علمية، أما الفصل الثاني من ظهير 1974 فينص على أنه يعاقب بالحبس من خمس الى عشر سنوات و بغرامة 500 إلى 500000 درهم كل من استورد أو أنتج أو صنع أو حمل أو صدر أو مسك بصفة غير مشروعة المواد أو النباتات المصنعة كمخدر يتضح مما دكر أعلاه أن القوانين الدولية و الوطنية تعترف بشرعية المخدرات وأن سواء استعملها هو الدي يعتبر غير مشروع.

______________________
(1) الملحق القضايا: عزيز مصطفى (المنازعات الزجرية في الميدان الجمركي) رسالة نهاية التمرين ‘المعهد الوطني للدراسات القضائية 2002-2000.
(2) تدخل إدارة الجمارك في دعاوي حيازة المخدرات –مقال منشور بالملحق القضائي- العدد 9/10/11.ص 138 بقلم الانشتان تاج اليدين بنعريجة
(3) القرار عدد 4903 في القضية الجنحية عدد 4658 وتاريخ 29/8/1970.
(4) القرار عدد 2 في الملف الجنائي عدد 10136/86 وتاريخ 17/4/1987.
(5) الغرفة الجنحية عدد 1096/96 بتاريخ 8/5/1990.
(6) تدخل غدارة الجمارك في قضايا المخدرات – عبد الحق بن جلون رئيس مصلحة المنازعات بإدارة الجمارك- مجلة رابطة القضاء العدد 18-19 شتنبر 1996 ص 15 و ما يليه.
(7) قرار المجلس الاعلى عدد 3181/3 بتاريخ 27 نونبر 2000 ملف عدد 25770/3/99 غير منشور.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.