السياسة الجنائية المتبعة في جرائم تجارة المخدرات

الجرائم الإقتصادية : تجارة المخدرات
الفصل الثاني: السياسة الجنائية المتبعة في جرائم تجارة المخدرات

تمهيد:
إدا كانت غاية السياسة الجنائية هي أساس وضع استراتيجية معينة بهدف القضاء على الجريمة، فإن المخدرات باعتبارها ظاهرة اجتماعية ضارة لما يسببه الاتجار فيها  و سوء استعمالها من طرف الأفراد من تكلفة اجتماعية و اقتصادية تتمثل في الأعباء المالية و البشرية التي تتحملها الدولة لمكافحة التهريب على الحدود و التداول في الداخل، هي بدورها تخضع لهده السياسة (1)، دلك أن علماء الإجرام قد اثبتوا أن المخدرات تعد من الأسباب المؤدية إلى الجريمة.
ولقد أخد الاتجار في هده المواد و الإدمان عليها أبعاد وبائية بحيث أصبحت جل الدول تواجه مشاكل تهريب من قطر لأخر عن طريق عصابات دولية منظمة، وتتحمل خسائر فادحة تتمثل في النفقات التي تتطلبها برامج التوعية الاجتماعية و الثقافية و في فقد الإنتاج في المجالات المختلفة التي يعمل بها المدمنون (2).
لدلك لم تعد هاجسا يقلق دولة دون أخرى أو جهاز دون آخر، بل صارت مواجهتها تقتضي تضافر الجهود و تكاتفها سواء على الصعيد الدولي أو الوطني مما يجعل أية سياسة جنائية مطلوب منها أن تتفاعل و أن تتفتح على واجهتين.

الوجهة الأولى: العمل الدولي المشترك:
في سبيل القضاء على وباء المخدرات و على عصابات الاتجار فيه، باعتبار أن جرائم المخدرات كان ينظر إليها في الماضي بوصفها جرائم عادية محلية في مستوى جرائم تهريب التبغ و المسكرات، بينما أصبح المجتمع الدولي حاليا يصنف الجرائم في عداد الجرائم الدولية “عبر الوطنية” بحكم أنها تهدد الكرامة البشرية، و صحة الإنسان، وتسعى إلى تقويض قيم وفضائل المجتمع الإنساني قاطبة، وقد بدأ التفكير فعلا على صعيد بعض المنظمات الدولية في الدعوى إلى  إحداث محكمة دولية لمقاضاة مجرمي و عصابات تهريب المخدرات.
وهكذا، فإن التوجهات و الاختيارات المقررة في نطاق العمل الدولي المشترك تنعكس بصورة مباشرة على سياستنا الجنائية الوطنية، و تحرص هده السياسة على أن تستوحي مختلف المبادئ و الأسس الواردة في القرارات و التوصيلات الدولية، وكدا الاتفاقيات المتعددة الأطراف أو الثنائية.

الوجهة الثانية: العمل الوطني المشترك:
إذ من الثابت أن تنوع وسائل المكافحة من وقاية و زجر، وتنوع ميادينها من تهريب و إدمان، يقتضي وضع مخطط شامل للمكافحة لا يقتصر على أجهزة وزارة العدل، ومؤسساتها الزجرية وحدها، بل يمتد إلى مختلف الوزارات و الإدارات و الهيئات و المجتمعات المعنية بمعضلة المخدرات و التي يمكن أن نعتبر اللجنة الوطنية للمخدرات المحدثة سنة 1977 نواة لتنشيط و تأطير هدا العمل المشترك.
وهكذا فإن السياسة الجنائية مفروض عليها أن تتكامل مع باقي المجهودات المبدولة من طرف إدارات الأمن و الدرك و الجمارك في مجالات الزجر. و وزارات الصحة و التعليم   و الشؤون الاجتماعية، و الشبيبة و الرياضة، في مجالات الوقاية و التوعية و التوحيه.

نخلص من هدا التمهيد إلى القول، بأن السياسة الجنائية المتبعة على صعيد مؤسساتنا الزجرية في ميدان مكافحة المخدرات تنطلق من رصد تطورات و وقائع و معطيات ظاهرتي التهريب و الإدمان، على الصعيد الوطني ورد تفاعلات و ارتباطات هدا الواقع مع التطورات الدولية في هدا المجال، تمهيدا لإقرار خطط ومناهج المكافحة الملائمة دون أن تبقى هده السياسة متقوقعة على نفسها وتعمل على مد الجسور و القنوات من أجل تعاون دولي وطني مشترك.(3)

_____________________
(1)   د أنور علي ودة:”علم الاجرام و العقاب ص 20 وبعدها.
(2)   سمير نعيم أحمد “تعاطي المخدرات، أثارها الاجتماعية و الاقتصادية، الوقاية في المخدرات، سلسلة الدفاع الاجتماعي العدد 1، 1981 ص 40، وما بعدها.
(3)   مجلة الملحق القضائي العدد 32- أبريل 1997.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.