التعدد اللغوي ومستوى الشخصيات الاجتماعي والثقافي

التعدد اللغوي وأثره الجمالي في وليمة لأعشاب البحر ” لحيدر حيدر”
الفصل الأول
II- التعدد اللغوي ومستوى الشخصيات الاجتماعي والثقافي
يرى سعيد يقطين ” النص بنية دلالية تنتجها ذات ( فردية أو جماعية) ضمن بنية نصية منتجة وفي إطار بنيات واجتماعية محددة” . وهذا تحديد مستلهم من تعريف جوليا كريستيفا للنص جهان عبر لغوي يعيد توزيع نظام اللغة) بمعنى أن كل ذات منتجة ( كاتبة) حرة في إعادة صياغة اللغة حسب ما تمليه عليها ظروفها المحيطة بها ( ثقافية سياسية ، اجتماعية اقتصادية) فالنص بالإضافة إلى كونه تناص يكتب في زمن تاريخي، ولا يمكن لانتاج كاتب النص أن يكون خارجا عن سياق ثقافي واجتماعي محدد ، يتفاعل معه سلبا أو إيجابا عن طريق اللغة، فالقول نشاط نطقي مشدود إلى حاجات الناس ومصالحهم إلى رغباتهم وأحلامهم في تكونه يمارس المتكلم فعل تملك اللغة أي فعل إعادة إنتاجها وبالتالي نموها وتخولها ”  فالكاتب حسب يقطين – ” وهو ينتج نصه إنما ينتجه ضمن لغة القوم الكتابية التي يلتزم المجتمع بها وتقوم كل المؤسسات الاجتماعية والثقافية والتربوية بتحديد ها وتقريبها من الأذهان والثقافية تتفرغ لتخلف كل طبقة اجتماعية لغتها الخاصة بها والمعبرة عنها ومن ثم نجد مثلا أنه حين يريد شخص ما ينتمي إلى الطبقة الصغرى من المجتمع أن يتكلم عن زوجته فهو يتكلم عنها بنوع من التحفظ والإبهام، فيقول :” أهل البيت” أما هو متعلم ينتمي إلى طبقة قليلا يقول ” المدام ” … فيما يخص الطبقة العليا من المجتمع نجد أنها تستعمل صيغا متعددة خصوصا باللغة الأجنبية نذكر منها : ma femme ، honey …” فلئن كان التعبير ممارسة إيديولوجية لعلاقات الناس فيما بينهم فإن هذه العلاقات تنطلق من مواقع للناس في المجتمع ” . بمعنى أن كل متكلم ينطلق محيطه في إنتاج الخطاب ورؤيته لهذا المحيط ” فاختلاف أشكال الوعي والتفكير مؤشر على اختلاف المواقع الذي يجد سبيله إلى تنويع لغات القول ”  هذا التنويع الذي متى وجد في رواية معينة ينتج عنه حوارية بين اللغات المتعارضة وكشف عن ملامح الشخصيات ورؤيتها ” فالرواية العربية نشأت وتطورت ضمن سيرورة المثاقفة وهواجس النهضة وإبقاع التصنيفات لاجتماعية وتبدل القيم وتوالد اللغات داخل اللغة الواحدة ”  فخروج المجتمع العربي من فترته الظلامية التي تميزت بسيطرة الإيديولوجية الواحدة المتمركزة حول ذاتها ، جعل الرواية العربية، تنزع أردية الوقائعية الفضفاضة وغلالات التلوين الرومانسي لترتاد مجاهل الذات والمجتمع عبر الاستنطاق المتعدد المنظور لواقع تداخلت فيه القيم والسلوكيات والمواقف وتراكيب في ثناياه الفئات والطبقات والصراعات ”  .
تؤكد الرواية العربية الجديدة إذن على أن الواقع ليس معطى في زحزحة التمركز الإيديولوجي عن طريق تصويرها لاختلاف الرؤى والإيديولوجيات المتعايشة والمتصارعة عبر اللغة ثم إن ” الرواية عنصر إيجابي في مجموع الجدلية المجتمعية المتعددة المراكز والقوى ويمكن ان تضطلع بدور يتجاوز التسجيل والرصد إلى إنتاج المعرفة ونقد التصورات المغلوطة ”  واتخاذها لهذا الشكل تسعى الرواية إلى الخروج من نطاق الاستهلاك النخبوي إلى نطاق الانتشار الواسع إذ بإمكان كل قارئ أن يجد نفسه او مثيله – في الرؤية والمعاناة واللغة داخلها ، وهذا الأمر متوقف على مدى قدرة الروائي على ” فهم طبيعة التشكيل المجتمعي وعلى تجسيد مكوناته تجسيدا اجتماعيا عضويا وفنيا يجعل من الرواية ملتقى للأضداد واللغات المتصارعة ”  هذه اللغات موجودة سلفا وتبقى مهمة الكاتب هي فهم خلفياتها وما تمثله لنقلها وعكسها في العمل الروائي فحضور التعدد اللغوي داخل الرواية ليس حضورا غفلا بل من الواجب عليه أن ينقل معغه الوعي والرؤية المتعلقين به فكل طبقة تنظر إلى الموضوع الواحد نظرتها الخاصة انطلاقا من وضعيتها الاجتماعية وبلغتاها الخاصة. حيث إن ” المتكلم في الرواية هو دائما وبدرجات مختلفة منتج إيديولوجيا ، وكلماته هي دائما عينة إيديولوجية ( idiologème واللغة الخاصة برواية ما تقدم دائما وجهة نظر خاصة عن العالم وتنزع إلى دلالة اجتماعية ”
إن الرواية جنس منفتح قابل لأن تدمج فيه رطانات مهنية ولغات للأجناس التعبيرية المختلفة وطرائف الكلام حسب الأجيال والأعمار فلغة الثبات الآن مثلا لا يمكن أن تكون البتة هي لغة المتقدمين في السن بالإضافة إلى هذا فلكل يوم بل ولك ساعة قاموسها ونبراتها ..
ومعجمه ونبراته وشعاره وشتائمه وإطراءاته   ومن هنا نستشف أن مادة بناء الرواية تتعدى استنساخ مشاهد الحياة الحديثة المحدودة أو صياغة بعض الأحداث الوقائع التاريخية في قالب روائي ذلك أن الواقع اتسع ليشمل عالم الفلاحين والهامشيين وصراعات الذات الداخلية ومجابها القوى الاجتماعية عبر رموزها ولغاتها ”
استطاعت الرواية أن تكون جنسا أدبيا ديموقراطيا يقوم أساسا على تفكيك مركزية اللغة الواحدة مما نتج عنه تعدد في المراكز واللغات وبالتالي التحرر من المنظور الوعي الوحيدين المدعيان لامتلاك المعرفة امتلاكا شاملا وكاملا .
__________________
-سعيد يقطين، انفتاح النص الروائي، مرجع مذكور ص  : 32.
-يمنى العيد ،الراوي ، الموقع والشكل بحث  في الشرد الروائي مؤسسة الأبحاث العربية  بيروت الطبعة الأولى، 1986 ص 21.
– يمنى العيد، الراوي، الموقع والشكل بحث في السردؤ الروائي مرجع مدكور ص 23.
– نفس المرجع ص  26.
– محمد برادة أسئلة الرواية أسئلة النقد، مرجع مذكور ، ص  56.
– نفس المرجع ص 64.
– نفس المرجع ص 69.
– نفس المرجع ، ص  75.
– ميخائيل باختين، الخطاب الروائي مرجع مذكور ص 90.
– نفس المرجع ص 53.
– محمد برادة أسئلة الرواية أسئلة النقد، مرجع مذكور ، ص  77

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.