القواعد المسطرية للقانون الجنائي للمنافسة

القانون الجنائي للمنافسة
الفصل الثاني : القواعد المسطرية  للقانون الجنائي  للمنافسة
إن ما يميز حرية الأسعار والمنافسة المغربي كونه خصص جزءا من مواده للجانب الشكلي من إجراءات مسطرية  وأجهزة أسندت إليها مهمة السهر على حسن تطبيق المقتضيات الموضوعية ، حيث خصص لهذا الجانب ما يقارب 40 مادة فضلا عن إحالته أحيانا على القوانين المسطرية الأخرى، كقانون المسطرة الجنائية وتبعا لذلك فإن دراستنا ستنصب في هذا الفصل حول قواعد إثبات جرائم المنافسة ( الفرع الأول) ومسطرة المتابعة والحكم في الجرائم المخلة بالمنافسة ( الفرع الثاني)

الفرع الأول: قواعد إثبات جرائم الإخلال بالمنافسة
إن إثبات الممارسات التي من شانها أن تمس بقواعد المنافسة تستدعي إجراء عدة أبحاث وتحقيقات وذلك من طرف أشخاص مختصين مكلفين لهذا الغرض، ورغبة في تحقيق النتيجة المرجوة من هذه الأبحاث ، حدد المشرع مسطرة خاصة تمر منها عملية البحث حيث خصص لها القانون المغربي الفصول من 61 إلى 66 من ق ح أ م وقصد الإحاطة بهذه الوسيلة من وسائل إثبات الممارسات المخلة بقواعد المنافسة سنتولى الحديث عن المصالح أو الجهات المكلفة بمهمة البحث والمراقبة ( المبحث الأول) قبل أن نتطرق إلى الكيفية التي يتم بموجبها إثبات جرائم المنافسة أو ما يسمى بمسطرة البحث ( المبحث الثاني) .

المبحث الأول: الجهات المكلفة بمهمة البحث والمراقبة في جرائم المنافسة
وعيا من واضعي قانون حرية الأسعار والمنافسة بخصوص هذا القانون وطابعه التنافسي فقد قاموا بسن مقتضيات إجرائية تتماشى وهذه الخصوصية ، وذلك من خلال خلق جهاز متخصص يضع أطرا قادرة على استيعاب الطابع التقني لمحتواه وكذا من خلال تنظيم إجراءات البحث في الأفعال التي أتى لزجرها وذلك بواسطة أشخاص عهد لهم بذلك .
وسعيا منا للوقوف على المقتضيات المسطرية لهذا القانون ، سنتطرق لبعض الأجهزة المكلفة بتطبيقه على أن نخصص ( المطلب الأول) لتكوين مجلس المنافسة و( المطلب الثاني ) للاختصاصات المنوطة به.

المطلب الأول: تكوين مجلس المنافسة
نصت المادة 14 من قانون 99-06 على أنه يحدث مجلس المنافسة و يكون له طابع استشاري لإبداء الآراء أو تقديم الاستشارات أو التوصيات، ويتألف هذا المجلس من إثنى عشر عضوا منهم ستة أعضاء يمثلون الإدارة وثلاثة يختارون اعتبارا لأهليتهم في مجال القانون والاقتصاد والمنافسة والاستهلاك وثلاثة أعضاء يزاولون أو سبق لهم أن زاولوا نشاطا في قطاعات الإنتاج والتوزيع والخدمات .
أما بالنسبة لطريقة التعيين فإن المادة 19 من قانون حرية الأسعار والمنافسة المغربي نصت على أن الرئيس يعين من قبل الوزير الأول ، وبالنسبة لبقية الأعضاء فيعينون لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة بواسطة مرسوم يتخذ باقتراح الإدارة والهيئات المعنية التي ينتمي إليها هؤلاء الأعضاء وذلك وفق شروط محددة بمقتضى نص تنظيمي سيتخذ لهذا الغرض .
وضمانا لخاصية الاستقلالية والنزاهة في أعضاء المجلس ، أخضعت المادة 20 من القانون المغربي رئيس المجلس لقواعد التنافي والمعمول بها في المناصب العمومية وبالتالي فكلما وجد في إحدى حالات التنافي امتنع عليه النظر في الأمر محل النزاع المعروض على المجلس ، كما أن كل عضو من أعضاء المجلس ملزم بأن يخبر الرئيس بالمصالح التي يتوفر عليها والمهام التي يزاولها في نشاط اقتصادي معين ويمنع عن كل عضو من أعضاء المجلس أيضا أن يبدي رأيه في قضية تكون فيها مصلحة له، أو إذا كان يمثل طرفا معينا بها أو سبق له أن مثله .
وقصد حسن سير عمل المجلس أناط المشرع مهمة التقرير إلى موظفين مرتبين على الأقل في سلم الأجور 10 أو في درجة مماثلة حيث يتولى هؤلاء دراسة القضايا التي يعهد بها إليهم رئيس المجلس . ومن خلال تركيبة مجلس المنافسة يلاحظ أن هناك توازنا بين الأعضاء الذين يمثلون الإدارة من جهة ، وبقية الأعضاء الذين يمثلون قطاعات النشاط الاقتصادي والأعضاء الذين لهم دراية في مجال المنافسة والاستهلاك من جهة أخرى ، كل ذلك بهدف تحقيق فعالية القانون وتسجيل عملية توقيع الجزاء كلما تمت مخالفته.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن قانون المنافسة المغربي قبل أن تتم المصادقة عليه لما قدم في  شكل مشروع كان عدد الأعضاء المكونين للمجلس محددا في 16 عضوا ، عشر منهم يمثلون الإدارة والستة الباقون موزعين على قطاعات النشاط الاقتصادي والأشخاص أصحاب الخبرة والدراية . إلا أنه أثناء المناقشة لاحظ بعض النواب أن المادة 18 غير متوازنة لأنها تمثل حضورا قويا للإدارة ، لذلك تم اقتراح أن يكون ثلث أعضاء المجلس ممثلين للإدارة والثلث الثاني ممثلا للقطاعات الكبرى والثلث للقطاعات الصغرى أو على الأقل أن يكون نصف الأعضاء ممثلا للإدارة والنصف الثاني للقطاعات الاقتصادية وهو ما تحقق فعلا بعد المصادقة . كما تمت المطالبة بأن يتم إخبار هؤلاء بطريقة دقيقة أملا في خلق تمثيلية متساوية الأعضاء حتى لا نكون أمام موظفين حكوميين .
وتجدر الإشارة إلى أنه في فرنسا يتكون مجلس المنافسة من ستة عشر عضوا معينين بمقتضى مرسوم يتخذ بناء على تقرير وزير الاقتصاد وذلك لمدة محددة في عشر سنوات قابلة للتجديد . منهم سبعة أعضاء يمثلون النظام القضائي الإداري وهم يختارون اعتبارا لأهليتهم في مجال الاقتصاد والمنافسة والاستهلاك وخمسة منهم يزاولون أو سبق لهم أن زاولوا نشاطهم في قطاعات الإنتاج والتوزيع والخدمات والمهن الحرة ، ورغبة في إلزام هؤلاء الأعضاء في التفاني في أداء المهام الموكولة إليهم سمح المشرع الفرنسي بإمكانية إقالة هؤلاء من مهامهم كلما تقاعسوا عن الحضور للمشاركة في ثلاث حصص متتابعة دون وجود مبرر مقبول لذلك .
___________________
– انظر المادة 18 من قانون حرية الأسعار والمنافسة المغربي
– في فرنسا يعين المقررين الدائمين بقرار من الوزير المكلف بالاقتصاد بناء على اقتراح من مجلس المنافسة وذلك من بين أعضاء مجلس الدولة  والقضاء المصنفين في الدائرة أو من الأشخاص الذين يتوفرون على دراية تامة بقانون المنافسة ( الفصلين 3 و 4 من الأمر الفرنسي الصادر في 29 دجنبر 1986.
– زين العابدين محمد” قانون المنافسة أي رهانات؟”  م. س. ص 64.
– تقرير لجنة المالية والتنمية الاقتصادية حول مشروع قانون رقم 99/06 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة ص :60
– مفيد الفارسي، مرجع سابق، ص 75.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.