ليس هناك أدنى شك في أن الرأي يعتبر من الأفعال التي يقوم بها الإنسان أثناء حياته حتى ولو لم يشعر بها هذا الرأي الذي قد يكون باللسان تارة أو بالكتابة تارة أخرى أو بحركة معينة تارة ثالثة، وبأي وسيلة يعبر بها الإنسان عن فكرة أو رأي أو معنى أو أي شيء مضمر في ملكته يحتاج إلى إظهاره وإبرازها للوجود .
ومن واجبنا أن نلفت النظر على أن حرية الرأي –على النحو السابق ذكره- ليست مطلقة وبلا ضوابط وقيود وإلا كانت فوضى بعينها وإنما هناك ضوابط وقيود يستهدف حماية الفضيلة والنظام العام في المجتمع الإسلامي.
ومن خلال ما سبق سنقسم هذا المطلب إلى: قيود واردة على النظام العام والمبادئ الإسلامية (فقرة ثانية) على […]
حرية الرأي والعقيدة بين الشريعة والقانون
الباب الثاني: حرية العقيدة مفهومها، تأصيلها، وحكمها
الفصل الثاني: حرية الرأي من منظور الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية
المبحث الأول: حكم حرية الرأي في الشريعة الإسلامية:
المطلب الثاني: القيود الواردة على حرية الرأي
[…] على النظام العام والمبادئ الإسلامية (فقرة ثانية) على أن ندرس القيود الأخلاقية في (فقرة أولى).
الفقرة الأولى: القيود الأخلاقية
تعتبر القيود الأخلاقية من القيود التي تفرضها القوانين الأخلاقية التي شرعها الدين الإسلامي، وسارت عليها الإنسانية جمعاء من دون انحراف عن هذا المسار المرسوم.
وعليه فهذه القيود تعتبر من صميم الدين الحنيف التي شرعها للإنسان آمرا إياه بعدم مخالفتها بدعوى التعبير عن رأيه ومن أهم هذه القيود نذكر:
* الخوض في أعراض الناس وأسرارهم: يحرم الإسلام الخوض في أعراض الناس وإذاعة أسرارهم، أو رميهم بالقبائح بحجة إباء الرأي ذلك أن حفظ أعراض المسلمين من الضرورات الخمس التي جاء الإسلام بتحقيقها ، ناهيا بذلك عن انتهاكها بالقول (القذف) أو بالفعل (الزنا) حسب بعض الفقه فالله عز وجل يقول في كتابه الكريم:{إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنتم لا تعلمون} وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (صعد رسول الله المنبر بصوت رفيع فقال: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفضي الإيمان إلى قلب لا تأذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإن من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه في جوف رحله) .
فالله عز وجل منع الإنسان من إذاعة سر لأخيه الإنسان لما في ذلك من مس لشرفه وحط من كرامته لأن الإنسان ابن بيئته وبالتالي فإن إذاعة سر من أسراره وخصوصا إذا كان هذا السر ينطوي على إحراج من شأنه زعزعة وضعية هذا الشخص بين بني البشر.
* توجيه الإهانات للناس والتنابز بالألقاب: حرم الله تعالى التنابز بالألقاب مصداقا لقوله:{ ولا تنابزوا بالألقاب} كما يحرم عز وجل السب مصداقا لقوله: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم} .
فالله عز وجل من خلال هذه الآية يحرم السب بشكل مطلق بما في ذلك السب الموجه إلى غير الله أي إلى المعبودات الأخرى من أصنام وما إلى ذلك، أو الموجه إلى الأشخاص الذين يعبدونها لما في ذلك من إثارة لحفيظة هؤلاء فيوجهون بدورهم الإهانة والسب لله عز وجل.
* التجسس والاغتياب: يقول الله تعالى: {ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا} فهذا النهي إنما يتعلق بالتجسس والاغتياب في القضايا الخاصة بالفرد والتي هي من القضايا الشخصية أو تتعلق بقضايا بينه وبين ربه. أما فيما يتعلق بالقضايا العامة وبالأخص ممن ولي الأمر فإن الأمر مختلف لأن الاحتساب على من ولي أمرا عاما واجب شرعي ويدخل في مقتضى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
فما يفهم من هذا القول أنه لا يجوز التجسس والاغتياب في المصالح الخاصة بالفرد والتي لا ترجى منها مصلحة عامة، في حين أن الاغتياب جائز لو تعلق الأمر بمصلحة عامة وذلك درءا لأية مخاطر قد تنجم في حالة عدم استعمال لهذه الوسيلة وذلك خصوصا ممن وكلت إليهم هذه المهمة، وعلى وجه الخصوص الأشخاص الذين يعملون بشكل سري على كشف الأسرار التي تهدد الصالح العام.
* التضليل والتعتيم على الحق والكذب، يعتبر النهي عن الكذب من بين القيود الواردة على حرية الرأي ويستشف ذلك من خلال قوله تعالى: {وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد} .
وقوله عليه السلام: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) . فالمقصود باللسان هو الأذى الذي يلحق الإنسان من غيره.
– فمجمل هذه القيود هي متعلقة بالجانب الأخلاقي كما سبق الذكر لكن هل يقتصر الأمر على هذه –القيود- أم أنها تشمل قيود أخرى. وهذا ما سنحاول بحثه في الفقرة الموالية.
الفقرة الثانية: القيود الواردة على النظام العام والمبادئ الأساسية
– فيما يخص مراعاة المبادئ الإسلامية: فلا يجوز للفرد أن يطعن في الإسلام أو الرسول صلى الله عليه وسلم أو العقيدة بحجة إبداء الرأي ذلك أن هذا الصنيع يجعل الشخص يكون بذلك مرتدا مستحقا للعقاب فلا تشفع له حرية الرأي هاته ، فلا يجب إذن على الفرد أن يشكك في مدى صحة الدعوة الإسلامية والإسلام بصفة عامة لأن ذلك يعد من باب الشرك. وأن هذا الشرك هو في حقيقة الأمر شرك بالله عز وجل وبأنبياءه ورسله محتجا بذلك بحجة إبداء الرأي.
أما فيما يخص مراعاة النظام العام: فتتمثل في عدم الدعوة إلى إثارة الشغب ضد نظام الحكم القائم عن طريق العبث بمقومات المجتمع، وتهديد سلامة النظام العام في الدولة.
فإدلاء المسلم بأي رأي يؤدي إلى إفساد المجتمع أو إشعال نار الفتنة فيه، أمر محظور، لأن الحفاظ على كيان الأمة سواء من حيث سلامة الدولة ونظامها العام أو من حيث الحفاظ على وحدة الأمة مسؤولية المسلم كما أنها مسؤولية الجماعة الإسلامية، وبالتالي لا يجوز الإخلال بهذه المسؤولية بحجة إبداء الرأي يقول تعالى: {لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} . ويقول: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد} .
__________________
– الحرية الفكرية والسياسية في ظل الحكم الإسلامي (الشيخ مالك مصطفى وهبي) دار الهادي بيروت لبنان ص85 بتصرف.
– الحرية الفكرية والسياسية في ََََظل الحكم الاسلامي م س ص86.
– حقوق الإنسان وحرياته الأساسية الدكتور هاني سليمان الطعيمات الطبعة الأولى 2003 دار الشروق للنشر والتوزيع غزة فلسطين ص190.
– مفاهيم الحق والحرية عدي زيد الكيلاني ط I 1990 ص194.
– سورة النور الآية 19.
– الترميذي: السنن ج 4 ص331-332 كتاب البر والصلة باب ما جاء في تعظيم المؤمن الحديث رقم (2032).
– سورة الحجرات جزء من الآية 11.
– سورة الأنعام جزء من الآية 108.
– سورة الحجرات جزء من الآية 12.
– حقوق الإنسان سلسلة كتب المستقبل العربي ((IV) ط(2).2004 ص127-128.
– سورة الحج الآية 24.
– صحيح البخاري الجزء I ص.51-52.
– حقوق الإنسان في القرآن والسنة وتطبيقاتها في المملكة العربية م.س. ص166.
– حقوق الإنسان وحرياته الأساسية م.س. ص.190.
– حقوق الإنسان وحرياته م.س. ص191.
– سورة الأعراف جزء من الآية 56.
– سورة البقرة الآيتان 204-205.