لقد أثار ظهور الهيئات المهنية سجالا واختلافا بين عديد الفقهاء وذلك حول الطبيعة الخاصة أو العمومية للهيئة المهنية، والقانون من جانبه لم يحسم أمر هذه الطبيعة بل ترك أمر الجواب عليها للفقه فالبعض منهم تحدث عن الطبيعة المختلطة أو الهجينة لهذه التنظيمات وتوالت بعد ذلك الطروحات المتناقضة في هذا الأساس. ومهما يكن فإن الأمر لم يعد كما كان بل أصبح أكثر وضوحا ففي فرنسا لم يعد الموضوع مطروحا للنقاش، فالطبيعة العمومية للهيئة المهنية تكاد تنال إجماع الفقهاء في فرنسا وعلى هدا […]
المسؤولية المهنية
المبحث الثاني: الطبيعة القانونية للهيأت المهنية
[…] العمومية للهيئة المهنية تكاد تنال إجماع الفقهاء في فرنسا وعلى هدا الاعتبار نتناول الموقف الفرنسي في مطلب أول.
أما بالنسبة للمغرب فإن السؤال لم يتم تناوله بما فيه الكفاية إلا أن الطبيعة العمومية للهيئة المهنية تبدو أكثر وضوحا المطلب الثاني.
المطلب الأول: موقف القانون الفرنسي
إن الباحث في مجال المهن الحرة يجد أنها قائمة حتى قبل الثورة الفرنسية ومنذ ذلك التاريخ وهيئات هذه المهن تتطور إلى أن وصلت ما نراها عليه اليوم
يعتبر الفقه الفرنسي أن للهيئة المهنية جميع مميزات الجهاز العمومي ذلك أنها لم تولد بمحض الصدفة بل هي بمبادرة من السلطات العمومية ، كما أنها – أي الهيئات – أسست بقوانين تحدد تركيبها ووظائفها وكذا اختصاصاتها .من جهة أخرى فإن الهيئة المهنية تلعب دورا أساسيا في السهر ومراقبة نشاط المهنة تماشيا مع المصلحة العامة ، إضافة إلى ذلك فإنها تخضع لنظام القانون العام باعتبارها ذات سلطة عمومية تملك سلطة التقنين والتأديب تتخذ قرارات تنفيذية وتقتطع واجبات اشتراك من أعضائها.
وأخيرا فإن الهيئة المهنية تخضع لرقابة الدولة هذه الرقابة تتجلى في التدخل المباشر للإدارة في تسيير الهيئة ويترجم ذلك بوجود موظف داخل بعض الأجهزة العادية إضافة إلى مراقبة القاضي الإداري لمشروعية بعض القرارات الصادرة عن الهيئة.
صحيح أن الهيئة المهنية تقدم أيضا بعض جوانب التنظيم الخصوصي حيث تضم مهنيين مستقلين لا تتوفر فيهم صفة الموظف ، تسير أموالها تبعا لقواعد القانون الخاص ، كما تمنح لأعضائها بعض الخدمات والتعويضات وكذا بعض المساعدات التي لا تتصف بسمة العمومية ، إضافة إلى ذلك فإن قواعد القانون الخاص هي التي تؤطر العلاقة بين الهيئة والأشخاص كملاك العقارات المكتراة للهيئة والممونون والعمال الذين يعملون بالهيئة ، رغم ذلك فإن الكل مجمع على أن هذه الأنشطة ثانوية ولا تشكل بأي حال من الأحوال الغاية التي أنشأت من أجلها
موقف القضاء في هذا الجانب يبدو غامضا ، فمنذ ظهور الهيئات المهنية على ساحات النزاعات ، ومجلس الدولة الفرنسي يرفض تكييف الهيئة المهنية بالمؤسسة العمومية بل اعتبرها تساهم في تسيير المرفق العمومي إلا أن هذا الغموض سرعان ما يتبدد إذا ما علمنا أن مجلس الدولة الفرنسي يعترف أن لتسيير المرفق العمومي نفس النتائج التي ترتبط بمفهوم بالشخص العمومي، ويبقى أن هذا الاجتهاد لم يتم تفنيده ولا تفسيره من قبل الفقه وهو ما يعد اعترافا بالطابع العمومي للهيئة المهنية.
المطلب الثاني: موقف القانون المغربي
في المغرب الأمر مختلف اعتبارا للارتباط الكبير بين الهيئة المهنية والدولة، فاستقلال الهيئات المهنية المغربية يبدو محدودا وذلك من خلال نقطتين أساسيتين:
فيما يتعلق بمراقبة الولوج إلى المهنة ، فباستثناء المحاماة فإن الهيئات المهنية الأخرى لا تتوفر على سلطة اتخاذ قرار الولوج بل لها دور استشاري فقط ، حيث تر سل الترشيحات إلى الأمانة العامة للحكومة التي تستشير مع الهيئة المهنية ويبقى لها في الأخير الحق في قبول أو رفض ممارسة المهنة وبالتالي فإن مراقبة ولوج المهنة لا تندرج عمليا ضمن اختصاصات الهيئة المهنية بل تنصرف إلى السلطات العمومية
من جانب آخر فإن الوظيفة التأديبية للهيئة المهنية ليست بنفس الحدة بالنسبة لكل هذه الهيئات ، فإذا كانت هيئة المحامون والأطباء لها سلطة كاملة لتأديب أعضائها فإن الأمر لا ينطبق على هيئة المهندسين وباقي الهيئات التي تشاطر هذه الوظيفة مع السلطات العمومية حيث تصدر العقوبات ت الأقل حدة ( التوبيخ والإنذار ) في المقابل ليس لها سوى الاقتراح على الأمانة العامة للحكومة فيما يتعلق العقوبات الأشد ( التوقيف والعزل)
هذين النقطتين الأساسيتين تضاف أليهما السمات المتعلقة بالهيئات المهنية في القانون الفرنسي تؤكد هيمنة الدولة على الهيئة المهنية المغربية وتوضح بجلاء طبيعتها العمومية .
يتبن مما سبق أن فكرة المرفق العام لا تتنافى مع هذه الأنواع من النشاطات التي تقوم بها الهيئات المهنية ، ذلك أن مهمتها لا تتعلق فقط بالدفاع عن مصالح المهنة ولكن تتعلق قبل كل شيء بتنظيم ومراقبة المهنة قصد تحقيق الصالح العام عن طريق تقديم خدمات عامة للجمهور تلك الخدمات التي لا يمكن الاستغناء عنها ، وهي تدخل في صميم اختصاص الدولة إلا أن الدولة عندما أوكلت إلى الأعضاء المنتمين والمنتخبين من المهنة نفسها لإدارتها وتسيرها كانت – وما تزال – تسعى إلى تخفيف العبء عنها من جهة ومن جهة أخرى لعلمها بأن أعضاء الهيئة يملكون المقدرة اللازمة لإدارة تلك الهيئات وتسيرها مع احتفاظ الدولة بالوصاية عليها لأنه لو تبين لها عدم كفاءة الأعضاء المسيرين للنقابة في التسير والإدارة فإنها تضطر لحل النقابة والحلول محلها ريثما يتم انتخاب الأعضاء الجدد, وتبعا لذلك يمكن أن نعتبر النقابات في المغرب من قبيل الأشخاص الخاصة التي تدير مرافق عمومية.
لكن السؤال المطروح هو هل يمكن اعتبار الهيئات المهنية مؤسسة عمومية؟ الواقع هو أنه لتمتعها بهذه الصفة ينبغي توافر شروط معينة منها أن يكون النشاط عبارة عن مرفق عام وأن تديره هيئة عامة ويتمتع بالشخصية المعنوية ,من جهته فالقضاء لم يكن له موقفا في هذا الصدد ، هذا الغياب على مستوى الإجتهاد القضائي يبدو مفاجأ لكن يمكن تفسيره بخصوصيات النزاعات الإدارية في هذا الجانب
في الواقع لم يطلب للقاضي في يوم من الأيام أن يبث في طبيعة الهيئة المهنية لكن يمكن أن يتبين موقفه انطلاقا القضايا التي يبث فيها بمناسبة نزاع بين الهيئة المهنية وأحد أعضائها كالقرارات التأديبية أو القرارات الرافضة لتسجيل عضو في الهيئة ، إلا أنه ورغم ذلك فلا شيء يلزم القاضي باتخاذ موقف في هذا الشأن.
لكن ما يمكن قوله في هذا الصدد أن القرارات التأديبية الصادرة عن الهيئة هي بمثابة قرارات قضائية تخضع لنظام خاص وقابلة للطعن بالاستئناف والنقض
أما فيما يتعلق بالقرارات الرافضة لتسجيل عضو بالهيئة فإنها عموما ليست من عمل الهيئة المهنية بل صادرة عن سلطة إدارية وبصفتها هذه فهي قابلة للطعن بالشطط في استعمال السلطة ، صحيح أن هيئة المحاماة تبث مباشرة في طلبات التسجيل لكن هذا يشكل استثناءا وليس القاعدة.
إلا أن هذا لا يمنع من القول أن جميع الهيئات المهنية تتشابه من حيث طبيعتها وتمارس نفس الوظائف ، هذا التشابه في الطبيعة والوظائف يكفي للجمع بين مختلف الهيئات المهنية مهما اختلفت النصوص والقواعد المنظمة لها . باستثناء هيئة الصيادلة التي لا تختلف عن شيء عن مثيلاتها من الهيئات باستثناء كونها تنظم مهنة تجارية
من فضلكم من صاحب هذا المقال احتاجه كمرجع علمي
تفضل بداية البحث
https://maraje3.com/2011/01/professional-responsibility/