1- الحقيقة المأساوية للتعليم المغربي :
لم يتوقف المغرب بعد أكثر من خمسين سنة من الاستقلال في إستثبات منظومة في التربية والتعليم متكاملة الأضلع، ومتناسقة الصيرورة، مؤسسة في فلسفتها على مرجعية محددة مبنية على تصور خاضعة لعمليات في التقييم بأفق الإصلاح والتقويم [ إنه لم يتوقف إلا في إعادة نتاج الأمية والجهل في أعلى مراتبها ولم يتوفق إلا في إفراز الفشل المدرسي بكل أشكاله وفي الدفعي بالألاف إلى حيز البطالة الشيء الذي جعل المنظومة برمتها معطوبة غير قادرة على ضبط مسارها] إن هذا الكلام لا تستدعيه هنا رغبتنا في تشريح منظومة التربية والتعليم بالمعطيات والإحصاءات الوقائع المعاشة، وهي دامعة بكل المقاييس ولا يمكن أن يغض الطرف عنها إلا صاحب مصلحة ذاتية كما هو الحال مع من يعاين أن ضعف المنظومة معروف واننا بإزاء التصدي لها وأن تحقيق النتائج الإيجابية يستوجب المدى المتوسط والبعيد بل إنه من لدن تقرير البنك الدولي الأخير عن التعليم ببلدنا ” شمال إفريقيا والشرق الأوسط” والذي وضع المغرب في الرتبة الحادية عشرة ضمن أربعة عشرة دولة كاد أن يكون بالمؤخرة لولا ثلاث دول ، اثنان منها تحت نير احتلالين دمر مقومات الحياة بأحدهما وأعاد الأخرى عصور ما قبل التاريخ، بعد ما كانت نموذجا في التربية والتعليم والبحث العلمي نال بها شهادات دولية معتبرة ” وهذا كله إن دل على شيء إنما يدل على الأزمة التي عرفها قطاع التربية والتكوين ببلادنا والمترتبة أساسا عن إخفاق المسؤولين في إصلاح هذا القطاع حيث أنه بعد مضي أكثر من ثماني سنوات على الإصلاح أصبحنا أمام مخطط استعجالي كلف بإعداده مكتب دراسة دولي وكأن المغاربة ليس لهم قدرة على إيجاد الحلول الناجعة لتخطي الأزمة؟ إن نهج مثل هذه القرارات هو ما يزيد في تعميق الشرخ القائم بين المدرسة والمجتمع ولا بأس أن نستحضر التجربة اليابانية في مجال التعليم ” فقد رفع شعار في عهد الإمبراطور مايجي ( 1868) ” الحقوا بالغرب وتجاوزه ” وكان من أهداف النظام التعليمي توطين التكنولوجيا بروح يابانية وهكذا تم الالتزام بهذه الشعارات والاهداف المسطرة رغم تعاقب الحكومات منذ عهد مايجي إلى الآن ، وليس كما هو الواقع عندنا كلما حل وزير إلا ولعن اخاه مما يحرمنا من فلسفة التراكم، ويضيع علينا نفس التجاوب الفعال وبتالي يضعف الحماسة الوطنية فهل أصبح من قدر نظامنا التعليم أن يبقى مجرد حقل للتجارب، وهل باستطاعة هذا المخطط الاستعجالي أن يصلح ما أفسدته الدهور المتتالية ؟
تفيد كل التشخيصات أن الواقع التعليمي ببلادنا اليوم هو واقع كارثي بكل المقاييس وكانت النتيجة النهائية هي الفشل الذريع في تحقيق أهم المبادئ التي وقع عليها التوافق في بداية الاستقلال والخاصة بأسس المدرسة الوطنية، حيث أخفقت المدرسة المغربية في تحقيق الأهداف الكبرى المذكورة أهمها بناء مدرسة واحدة وموحدة ، مدرسة وطنية مدرسة لكل المغاربة تتكفأ فيها الفرص وتحقق دمقرطة التعليم وتضمن حق الجميع في الولوج إليه مدرسة تضمن مقعدا لكل تلميذ مغربي إلى حدود15 عاما تجد فيها الفتاة مقعدا إلى جانب الفتى وأبناء الفقراء على قدم المساواة مع أبناء الأغنياء.
هذا الوضع الكارثي هو خلاصة انتهى إليها التقرير الذي قدمه المجلس الأعلى للتعليم ،وهو خلاصة العرض الذي تقدم به السيد وزير التربية والوطنية أمام اللجنة المختصة وتؤشر عليه عدة مؤشرات منها.
+العدد المخيف من التلاميذ الذين يغادرون الدراسة في جميع المستويات والذي يقدر بأكثر من 400000 تلميذا سنويا .
+الانهيار شبه التام للمدرسة العمومية وما يرتبط بها من ظواهر سلبية خطيرة منها الاكتظاظ الشديد وضعف التأطير والتكوين واهتراء البنية التحتية وتدهور الوضعية المادية والمعنوية للممدرسين وتدهور مستوى الخرجين وعدم ملاءمة مخرجات النظام التعليمي مع حاجيات سوق الشغل ….
+الإخفاق الفضيع في السياسات اللغوية التي لم تمكن التلاميذ والطلبة لا من اللغة الوطنية ولا من اللغة الفرنسية ولا من اللغات الحية الأكثر ارتباطا بتطور العلم والتكنولوجيات الجديدة .
إضافة إلى أن البرنامج الاستعجالي المطروح اليوم ” يندرج ضمن مقاربة تفنوقراطية فوقية مما لا يجعلنا متفائلين في حظوظ نجاحه” فإنه يقتضي مراجعة الكثير من القضايا والإجراءات والتدابير المقترحة، مراجعة كلية لا لأنها مست المكتسبات ولا لأنها لم تراع السياق الاجتماعي فقط، ولكن لأنها بالإضافة إلى ذلك ستضرب المدرسة العمومية في العمق وتضرب المجانية وتكافؤ الفرص، وتعميم التعليم، وتطوق المدرس، وتحوله إلى أداة منفعلة متحكم فيها إداريا، والحال أن الأمر يقتضي اهتماما خاصا بالموارد البشرية وبتحسين أوضاعها المادية والاجتماعية ، وضمان استقرارها الاجتماعي والمهني والنفسي وتحسين ظروف ووسائل عملها، ولوضع استراتيجية جديدة للتكوين الأساسي والتكوين المستمر، مع ما يتطلبه الأمر من فتح المجال لها لاتخاذ المبادرة والإبداع والخلق.
إن استحضار الضرورات التاريخية والحاجات المجتمعية في زمن العولمة إلى إصلاح نظامنا التربوي التعليمي باعتباره يشكل عامل حاسما في تقدم وتطور بلادنا، وبناء المغرب القوي الديمقراطي القادر على مواجهة مخاطر المستقبل وتحدياته يستدعي ترجمة الشعار المتمثل في أن قضية التعليم هي القضية الثانية بعد الوحدة الوطنية وتحويله إلى واقع ملموس لنأخذ مثلا العلاقة بين التلميذ والمعلم داخل مؤسساتنا التعليمية إذا نظرنا إلى هذه العلاقة من زاوية التربية المتواصلة طوال الحياة، ونظرنا كذلك إلى المستوى الذي بلغته المعرفة اليوم فإننا نلاحظ أن كلمة ” معلم” التي نطلقها على المربي مستعملة في غير محلها، مهما كان المعنى التي نحله إياها فمن الواضح ان مهمة المعلم لم تعد منحصرة في تلقين المعلومات لأن تلك المهمة أخذت تتركز على إيقاض الفكر وإنعاشه. إن المعلم مطالب بالإضافة إلى أعماله المعتادة بالإرشاد والتوجيه، وأن يكون طرفا في الحوار بينه وبين التلميذ، وألا يكتفي بسرد الحقائق الجاهزة بل عليه أن يساعد التلميذ على تقليب وجوه الرأي في المسائل فلا بد إذن أن يخصص مزيدا من الوقت والجهد للفعاليات المنتجة الخلاقة في مجال تبادل الرأي وفي النقاش والتنشيط والتشجيع ….، وهكذا لا يمكن للتربية أن تصطبغ بالصبغة الديمقراطية، إذا لم تتطور العلاقات بين المعلمين والمتعلمين على هذا النحو “.
ورغم الأزمة التي يعيشها نظامنا التعليمي نستطيع القول بأن هناك تغير ملحوظ في ميدان التربية والتعليم بعد ما أخد التعلم يحل محل التعليم،” فالنظريات الجديدة في التعلم بدأت تكشف النقاب عما بين العلوم من تقارب وعن أهمية الحوافز والحاجات بالنسبة إلى طالب العلم، وعن ضرورة اختيار المحتوى التربوي الأصلح، كما بدأت تسلط الأضواء على ما في التعلم من درجات وعلى ما بين المحتوى التربوي والبيئة من علاقات .. ”
كما أن التربية اليوم تقوم على تعليم الشرط الإنساني الذي يعد أحد المعارف الضرورية لتربية المستقبل وهو يقوم على قاعدة فلسفية أساسية مفاذها تحبيب الإنسان للإنسان كما هو، واحترام الشرط الإنساني فيه الذي يجمع بين البشر جميعهم وبغض النظر عما يمكن أن يميز بينهم من لون أو جنس او دين ، ويعتبر الدرس الفلسفي مفصحا بخصوص هذا المنحى الإنساني المعقد، فالشرط الإنساني معناه تعليم ما نحن عليه من أحوال باعتبارنا كائنات إنسانية ولسنا فقط مجرد أفراد بل أفراد ينتمون إلى مجتمع وفي الآن ذاته إلى النوع الإنساني وبتالي القضاء على ثقافة الكراهية والإقصاء في مدرسة تتبنى هذا الصرح التربوي ، وبهذا يبقى السؤال المطروح بإلحاح شديد هو ما نصيب مؤسساتنا التعليمية من إمكانية تبيئة هذا النمط العقلاني من التعليم ؟ سؤال في الحقيقة يكتسي أهمية كبيرة لأنه يتعلق بتقويم وتقييم للمنظومة التربوية ببلادنا التي أوشكت على الأفول….
لنلقي نظرة حول برامجنا الدراسية المتعلقة بمادة الفلسفة مثلا بوصفها إحدى حوامل المشروع الحداثي الذي جاء به الميثاق الوطني للتربية والتعليم والتكوين ، حيث إلى جانب قيم المواطنة وقيم حقوق الإنسان هناك قيم الحوار المتبادل واحترام الرأي الآخر… والتي تؤثت بمجموعها فضاء هذا المشروع قيميا ففي الدرس الفلسفي نجد تشييدا كبيرا بين جديد البحث البيداغوجي وجديد الحقل الفلسفي وإذا أخذنا مثلا درس الغير ودرس الحق أو الواجب سنجد أنها دروس تعمل على ترسيخ ثقافة الحوار والتسامح واحترام الآخر، والهدف منها كذلك تمرين المتعلم على النقد والتفكير الحر والمساءلة ولبعث روح النقد والمساءلة لدى متلقي المعرفة الفلسفية يستوجب توفر فضاء مؤسساتي مبني على الحرية واحترام الآراء المعارضة والمغايرة وإمكانية الإبداع، إذ لا يمكن الحديث عن حرية الرأي، والتعبير داخل القسم دون ربطها بوضع الحريات بمختلف مؤسسات المجتمع ومن ضمنها المؤسسات التعليمية وبذلك سيصبح رهان الفلسفة مجتمعيا وسياسيا وثقافيا إنه رهان العقلانية والحداثة والحق في الاختلاف أو بتعبير جاك دريدا هو رهان ” الديمقراطية المنتظرة وهذا بدوره يتطلب توفير جودة التعليم والتعلم حتى نتمكن من خلق متعلم فعال قادر على مواجهة متطلبات المستقبل فما هي إذن شروط توفير الجودة التعليمية والتعلمية ؟
التربية بين الفلسفة والسوسيولوجيا
الفصل الثالث: واقع التربية والتعليم في الثقافة المغربية
_____________________
– مجموعة من المؤلفين :” أزمة منظومة التعليم بالمغرب” مجلة الفرقان ، العدد 61/2008 ص 7.
– نفس المصدر السابق، ص 14.
– محمد يتيم:” ازمة منظومة التعليم بالمغرب ” مرجع سابق، ص 20- 21.
– نفس المرجع ، ص 21.
– محمد الصابر : علوم التربية والتدريس ، دار النشرالمغربية ، الدار البيضاء، 1998 ص 10
– محمد الصابر : علوم التربية والتدريس ، دار النشرالمغربية ، الدار البيضاء، 1998 ص 11
– عز الدين الخطابي ، فكر ونقد مجلة ثقافية شهرية العدد 39 ماي 2001 ص 68.