ثانيا: التهرب والاستثمارات الوطنية
ينبغي ان تكون الضريبة في خدمة التنمية وإحدى أدواتها الفعالة، حيث من شأنها أن تحدث عامل انجداب نحو الأنشطة الاقتصادية الأكثر إنتاجية، حتى تكون الضريبة عاملا أساسيا لكل سياسة تنموية.
وبهذا المفهوم، تصبح الضريبية أكثر ترشيدا وأحسن توجيها وتشجيعا للاستثمار الوطني للدفع به نحو إنتاجية أكثر وجودة أعلى. وهكذا سيعرف الاستثمار الوطني ازدهارا تنتعش معه خزينة الدولة بفضل عائدات الضرائب، هذه الأخيرة ستكون قاعدتها توسعت ومداخيلها ارتفعت.
غير أن هذه الصورة التي ينبغي أن تكون عليها المنظومة الضريبية، تصطدم بواقع مأساوي تمثلت في اتساع ظاهرة التهرب الضريبي، لتقل موارد الدولة بسبب اعتماد خزينتها بالأساس على الضرائب، وهذا ما يدفع الدولة إلى نهج سياسة ضريبية غير حكيمة اختزلت في المقاربة المالية كآلية وحيدة في تدبير الشأن الضريبي، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع نسبة الضغط الضريبي الذي سيؤدي إلى عرقلة الاستثمار الوطني.
وهكذا، فبالرغم من أهمية التشجيعات الجبائية لصالح الاستثمار فإن هذا الأخير لم يتطور بنفس الأهمية وهذا ما يمكن توضيحه من خلال حجم وتوزيع الاستثمارات.
رسم بياني رقم 19: نسبة الاستثمارات الوطنية ما بين 1990 و 1997 بمليون درهم
المصدر: تركيب مستمد من المعطيات المتواجدة بمرجع امحمد قزيبر موقع الاستثمار… ، م س ، ص: 317.
وحسب الدراسة المذكورة، نلاحظ أن نسبة الاستثمار انخفضت إلى 20.6 % سنة 1997 بعدما بلغت 23.9 % سنة 1990، لتصل إلى 265 مليار درهم [1] منذ 1999 إلى حدود يوليوز 2008، هذا الانخفاض تظهر انعكاساته جلية على مستوى توزيع حجم هذه الاستثمارات حسب المناطق، كما يوضح الرسم المبياني اسفله، هدا في ظل حديث وزير المالية والاقتصاد[2] على توزيع عادل لثمار الانتاج والمردودية عن طريق ادماج الجهات في استراتيجية تنمية شاملة الشيء الذي بجب ان يكون الهدف الاساسي لتحقيق تنمية اقتصادية، وهو ما يطرح منظور للتنمية الاقتصادية.
ويضيف وزير المالية والاقتصاد ان من اهم الاولويات ليس فقط خلق توازن الاقتصاد الوطني، لكن ايضا تحسين شلاوط رفع المردودية والانتاجية قوية ومستمرة التي ستسمح بتعميم وخلق مناخ ملائم للاستثمار ومناصب الشغل.
رسم بياني رقم 20: توزيع مشاريع الاستثمارات حسب الجهات بمليون درهم يناير- يوليو 2008.
المصدر: تركيب مستمد من المعطيات المتواجدة ب:Direction des investissements
هذا وبمقارنة بسيطة لنفقات الاستثمار نلاحظ انعكاس التهرب على النسبة المخصصة للاستثمار فمثلا سنة 2005 بلغت نسبة نفقات الاستثمار حوالي 19.040 مليار درهم[3] وحوالي 21.527 مليار درهم سنة 2006 [4]، و 36.071 مليار درهم سنة [5]2008، ولترتفع هذه النسبة إلى 154.45 مليار سنة 2009 [6].
ومن المتوقع أن تصل نسبة نفقات الاستثمار سنة 2010 إلى ما يقارب 160 مليار درهم[7] في ظل الأزمة المالية التي يعرفها العالم، كما يتوقع متابعة الدولة الرفع من الاستثمار العمومي بما يعادل 63 مليار درهم بموجب مشروع قانون مالية 2010.
ومن هنا، نلاحظ ضعف النسبة المخصصة لنفقات الاستثمار رغم تحسنها وارتفاعها سنة بعد أخرى، لكنها تبقى نسبة ضعيفة، هذا في ظل حديث وزير الاقتصاد والمالية على توزيع عادل لثمار الانتاج وهكذا إذا ما رغبنا تجاوز هذه الأزمة فلا بد أولا وقبل كل شيء تخفيض وتخفيف العبء الجبائي، وهذا ما سيساعد على الرفع من مستوى العمل الذي سيؤثر إيجابا على الإدخار الذي سيشجع بدوره على الاستثمار.
إلا أن تخفيض الضغط الضريبي رهين بمدى إمكانية القضاء على التهرب من الضريبة بصفة عامة، على اعتبار أن هذا الأخير هو بمثابة سد منيع يحول دون ارتفاع مداخيل الخزينة.
كما أنه، بسببه – التهرب – ترفع الدولة أسعار الضرائب مما يعني الزيادة في التكلفة الضريبية، التي ستجعل المنتجين يعزفون عن الاستثمارات ما دام الناتج من الأرباح سيفقدونه في شكل اقتطاعات ضريبية، فضلا عن إقبالهم على الانتاج الاستهلاكي بدل الانتاج الاستثماري تجنبا للضريبة.
خاصة وان أهمية العلاقة بين الضريبة والاستثمار تتجلى في ان ثقل الضريبة قد يؤدي إلى عدم التشجيع على الادخار وبالتالي على الاستثمار وذلك وفق قاعدة اقتصادية[8]، تجد أساسها في توسع النشاط الاستثماري في حالة ضغط ضريبي مخفف، والذي تتحول على إثره الضرائب المستخلصة إلى الارتفاع نتيجة توسع الوعاء الجبائي.
وإذا كان دور الضريبة يتحدد في المساهمة في تكوين الإدخار وتفعيل الاستثمار[9] الذي يمكن في النهاية من زيادة القيمة النسبية للناتج الداخلي الخام، فإن بنية الضغط الضريبي المرتفعة مقارنة بنفس الناتج تجعل الأهداف المحددة سلفا في تفعيل الادخار والاستثمار متوقفة على إعادة النظر في تلك البنية.
من كل ما سبق يتضح أن استقطاب رؤوس الأموال سواء الوطنية أو الأجنبية يستدعي تبني سياسة ضريبية تشجيعية[10] بهدف الوصول ليس فقط إلى تدفق أقصى للاستثمارات بل وكذلك بلوغ فعالية اقتصادية تستجيب لمختلف الأهداف التي حددتها الدولة داخل مخططاتها الإنمائية [11].
فتشجيع الاستثمار والرفع من مردوديته، حتى يضطلع بدور أكثر ديناميكية في التنمية الاقتصادية للبلاد، رهين بتخفيض الضرائب وهو التخفيض الذي لن يكون معقولا إلا عند مكافحة التهرب الضريبي.
فالتهرب أعاق تدبير الجباية وانعكس على رهانات تشجيع الاستثمار مما عطل التنافسية بين مختلف المشاريع، وأضعف دعم الدولة للاستثمارات وشل مجهود الدولة في خلق جاذبية قوية للاستثمارات الأجنبية بل الوطنية أيضا.
وفي ظل هذه الوضعية نتساءل عن دور القضاء في المجال الضريبي خاصة في تجاوز هذه الأزمة وذلك من خلال محاربة التهرب الضريبي:
فكيف تعامل القاضي الإداري مع ظاهرة التهرب الضريبي ؟
وما دور القضاء الجبائي في حماية ودعم الاستثمار ؟
الفقرة الثانية: التهرب وجاذبية الاستثمار
المطلب الثاني: التهرب الضريبي وآثاره على الاستثمار
المبحث الأول: آثار التهرب على السياسة الاقتصادية
الفصل الثاني: التهرب الضريبي والفعالية الاقتصادية
إشكالية التهرب في القانون الضريبي
__________________________________________________
[1] محمد عياد، الإدارة الجبائية بين التحديث وإكراهات الضبط الداخلي ” المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، عدد مزدوج 72- 73 يناير أبريل 2007 ص 100.
[2]- Revue AlMaliya, Numéro 5, Mars 2008,p: 58.
[3] – محمد عياد ” الإدارة الجبائية بينت التحديث وإكراهات الضبط الداخلي ، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد مزدوجد 72 – 73 يناير أبريل 2007 ص 100.
[4] -Loi de finances N° 35 – 05 pour l’anné budgétaire 2006, Dahir n° 1- 05 – 197 du 24 kadaa 1426 ( 26 décembre 2005 ) Bulletin officiel N° 5382 p: 1132
[5] – رضوان زاهر ، قانون المالية لسنة 2008 حكامة اقتصاد أم طموح سياسية ، مجلة مسالك ، العدد 8 – 2008 ص 33.
[6] – قانون المالية رقم 08 – 40 للسنة المالية 2009 ظهير شريف رقم 147 – 08 – 1 صادر في 2 محرم 1430 ( 30 ديسمبر 2008) الجريدة الرسمية عدد 5695 مكرر ص : 4622
[7] – وذلك كما جاء على لسان صلاح الدين مزوار ” وزير المالية أثناء مناقشته مشروع قانون مالية سنة 2010 بقبة البرلمان نونبر 2009.
[8] – خليل الفاهي،” الضريبة والاستثمار: نحو صياغة علاقة جديدة للمتغيرين”، المجلة المغربية للادارة المحلية والتنمية، العدد 60، يناير- فبراير، 2005، ص: 76.
[9] – خليل الفاهي ” الضريبةؤ والاستثمار… ” م س ، ص 83.
[10] – علاوة على مجموعة من التدابير التكميلية من ضمانات مالية وتسهيلات بنكية وتواجد تجهيزات أساسية وسوق لتوريج المنتجات…
[11] – بن جلون سعيد ، الإعفاءات الضريبية وتشجيع الاستثمار العقاري في الوسط الحضري بالمغرب، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، جامعة الحسن الثاني ، كلية العلوم القانونية الاقتصادية والاجتماعية الدار البيضاء ، 1995 ص 85.